نفوذ سياسي واقتصادي.. هل يتحول "عرجاني مصر" إلى "حميدتي السودان" قريبا؟

إسماعيل يوسف | منذ عام واحد

12

طباعة

مشاركة

تصاعد النفوذ السياسي للقيادي القبلي في سيناء، إبراهيم العرجاني، بعد اتساع نطاق "البيزنس" الخاص به بالتعاون مع جنرالات الجيش في سيناء ومقاولات غزة، بصورة غير معتادة، ما دفع للتساؤل عن مستقبله وهل يتحول إلى "حميدتي السودان".

القيادي السيناوي ورجل الأعمال البارز والذي كان مسجونا سابقا ومطاردا من قوات الشرطة قبل ثورة 25 يناير 2013 لاختطافه عساكر شرطة، أصبح يظهر في مواكب مهيبة.

يحرسه 25 من الأمن الخاص ويضم موكبه أكثر من 100 سيارة دفع رباعي بعضها يرفع علما نصفه هو العلم المصري الرسمي، والنصف الآخر لشعار "اتحاد قبائل سيناء" الذي يديره العرجاني، كأنه علم خاص للعرجاني.

لم يقتصر الأمر على ذلك، بل بدأ أنصار العرجاني يُعظمونه بصورة مبالغ فيها، ويساوونه برئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي في شعاراتهم والملصقات التي يضعونها على مساعدات غزة، يطلقون عليه تسميات مثل "الرئيس" و"أسد سيناء".

ما أثار المخاوف من أن ينتهي الأمر به، مثل زعيم الدعم السريع في السودان، محمد حمدان دقلو "حميدتي"، ليصبح قوة مستقلة تدير دولة شبه مستقلة بسيناء.

محللون يرون أن البدايات والنهايات في السودان، حين استعان الجيش بحميدتي ومليشياته، والتي انتهت لمنافسته الجيش وقتاله على النفوذ في كل السودان لا دارفور فقط، قد تتكرر مع العرجاني الذي تتشابه بداياته مع حميدتي.

ولا يستبعدون بالتالي أن تصبح نهايات العرجاني مثل حميدتي، منافسا للسيسي والجيش على النفوذ والثروة، وربما دخول البلاد في حرب أهلية تجعل سيناء شبه دولة للعرجاني ومليشياته.

ويرون أن ما يزيد الخطورة، أن تعاظم قوة ونفوذ العرجاني، بعد سعي السيسي لإنشاء مليشيات عسكرية مسلحة من قبائل في سيناء بقيادته (العرجاني)، واكبه تأسيس مليشيات داخلية بقيادة البلطجي، صبري نخنوخ، للردع داخل المدن المصرية.

العرجاني حميدتي

تتشابه مسيرة "عرجاني مصر" مع "حميدتي السودان" في أنها بدأت بمجال الاقتصاد ثم تحولت إلى العسكرة والنفوذ، ما يطرح سؤالا جوهريا هل تنتهي نهاية العرجاني مثل حميدتي، وتشهد مصر ما يشهده السودان حاليا من صراع على النفوذ.

فقد كان حميدتي تاجر جمال شهير، قبل أن يستعين به وبمليشياته "الجنجويد" الجيش السوداني في حرب دارفور.

واستفاد حميدتي من ذلك في أن يصبح رقما عسكريا هاما، وجمع بين البيزنس والقوة العسكرية، وتوسع بتجارة الذهب مع الإمارات، حتى بات مستقلا ماليا وعسكريا عن الجيش فانقلب عليه ونافسه على النفوذ.

وتعد مسيرة "عرجاني مصر" مشابهة، حيث اشتهر القيادي السيناوي، أيضا بالبيزنس والتهريب في سيناء (سلاح ومخدرات) وكانت الشرطة المصرية تطارده لهذا السبب قبل ثورة يناير 2011 وسجنته.

لكن السيسي عاد بعد انقلاب 2013، ليطلب منه دعم الجيش عسكريا، عبر مليشيا "اتحاد قبائل سيناء" التي شكلها، وخاصة "فرسان الهيثم" لقتال تنظيم الدولة (ولاية سيناء)، حتى باتت تسيطر على غالبية شمال سيناء.

ولم تختلف بدايات العرجاني العسكرية عن حميدتي، فقد سلحه الجيش المصري مع مليشياته (اتحاد قبائل سيناء) منذ عام 2014 من أجل قتال "تنظيم الدولة"، تماما مثلما سلح جيش السودان "حميدتي" ومليشياته (الدعم السريع) لقتال المتمردين في دارفور.

وعلى غرار مليشيا "الجنجويد" الذين تشكلت منهم لاحقا (قوات الدعم السريع) التي تسعى حاليا للاستيلاء على السلطة في السودان من الجيش، سلح الجيش المصري عناصر قبائل العرجاني بالرشاشات وسيارات الدفع الرباعي وجعلهم يسيرون دوريات.

ومثلما جنى "حميدتي السودان" مكاسب من وراء قتاله بجانب الجيش ووسع نفوذه الاقتصادي، فعل العرجاني الشيء نفسه وأصبح مقاول الجيش في سيناء وغزة.

وربح العرجاني من وراء هذا التعاون، وأصبح مقاول الجيش في سيناء وفي مشروعات غزة، ويتحكم بذلك في المرور عبر سيناء، وأصبح المستفيد الأول أيضا من "بيزنس إتاوات العبور" من غزة لسيناء.

ونشرت 5 صحف عالمية قصة مشاركته مع جهات أمنية مصرية في فرض إتاوات تُسمى (تنسيقا) لعبور الفلسطينيين من غزة خلال الحرب الحالية تصل إلى 10 آلاف دولار على كل فرد يرغب في الهرب بحياته من غزة أو دخول مصر للعلاج.

ومثلما تشعب نفوذ حميدتي الاقتصادي، بجانب العسكري والسياسي، بدأ نفوذ العرجاني يتسع.

فبجانب رئاسة العرجاني، مجلس إدارة "شركة مصر سيناء للتنمية الصناعية والاستثمار"، التي تشارك الجيش في مشروعاته الصناعية بسيناء، وشركة "هلا" للنقل والمعدات.

ورئاسته مجلس إدارة كلا من "مجموعة شركات أبناء سيناء للتجارة والمقاولات العامة"، و"مؤسسة سيناء للخير والتنمية الاقتصادية"، ومجلس إدارة شركة "غلوبال أوتو" للسيارات، جرى تعيينه في مناصب رسمية.

وفي 7 نوفمبر/تشرين الثاني 2023 نشرت الجريدة الرسمية القرار رقم (234 لسنة 2023)، الذي ينص على تعيين إبراهيم العرجاني، عضوا بـ"الجهاز الوطني لتنمية شبه جزيرة سيناء"، الهيئة الاقتصادية التابعة لوزارة الدفاع.

وعد ضابط الجيش السابق المقيم في أميركا، شريف عثمان، إعادة تعيين العرجاني في هذا الجهاز إهانة لضباط الجيش نظرا لسجله الإجرامي السابق بصفته تاجر مخدرات.

ولا تتناسب كل هذه المناصب الرسمية مع تاريخه، حيث كان معتقلا لدى الشرطة حتى 13 يوليو/تموز 2010، بتهمة احتجاز ضباط وجنود على حدود مصر الشرقية خلال فترة الصراع بين البدو والشرطة، بسبب دوره في تهريب بضائع وسلاح، عبر الأنفاق.

وقبل توليه الرئاسة عقب انتخابات 2014، حرص السيسي على لقاء العرجاني ضمن مجموعة من أفراد قبائل سيناء في 13 مايو/أيار 2014، وظهر في صورة نشرتها وسائل الإعلام وهو يبحث معه ملفات سيناء.

 

ثم التقاه السيسي مرة أخرى في 15 يوليو/تموز 2021 خلال اجتماعه مع رجال أعمال، وعينه سفيرا من سفراء مبادرة "حياة كريمة"، بحضور رئيس المخابرات العامة، عباس كامل.

وسبق أن فسر مصدر سيناوي لـ"الاستقلال" هذا اللغز بأن "العرجاني صديق نجل السيسي، محمود، ضابط المخابرات العامة".

وقال إنهما "يحصلان سويا على إتاوات على كل شاحنة تدخل من سيناء لغزة، ونسبة من عمليات التهريب، كما استفادا من "بقرة حلوب" تسمي إعمار غزة".

وعقب تولي نجل السيسي، محمود، دورا كبيرا في المخابرات، تم تقنين هذا التعاون بشكل رسمي عبر شركات يديرها العرجاني "لكنها واجهة للجيش والمخابرات"، حسبما يقول المصدر السيناوي الذي تحدث لـ"الاستقلال".

ولفت صعود العرجاني الكبير أنظار الموقع الاستخباري "أفريكا إنتليجنس" الذي تساءل في 25 سبتمبر/أيلول 2023 عن أسباب ارتقائه سريعا ليصبح "أحد أقوى الرجال في مصر".

وأشار إلى أن قوته تنبع من قيامه بحشد المليشيات الموالية للحكومة لقتال تنظيم الدولة في موطنه شمال سيناء، وصولا إلى توسيع أنشطة مجموعته التجارية في مصر "بفضل قربه من عشيرة السيسي الرئاسية".

دولة داخل دولة

وأواخر يناير 2024 نشر الإعلام الرسمي المصري، ومنه قناة "إكسترا نيوز" التابعة للشركة المتحدة المملوكة للمخابرات، تقريرا عن قافلة مساعدات حكومية مصرية مقدمة لأهل غزة.

وكانت الملاحظة اللافتة أنه كُتب على المساعدات أنها برعاية السيسي وإبراهيم العرجاني معا.

وهو ما عده نشطاء "مؤشرا خطيرا" لمساواة العرجاني بالسيسي يوحي أن السلطة في مصر ربما مقسومة بين الاثنين.

قبل ذلك نشر "اتحاد قبائل سيناء" صورة للعلم المصري مقسوما نصفين، الأول علم مصر وبه نسر صلاح الدين الذهبي وسط العلم، والنصف الآخر به الشعار الخاص باتحاد القبائل.

وهو مخالفة صريحة المادة 6 من القانون رقم 41 لسنة 2014 والذي نص على "يُحظر رفع أو عرض أو تداول العلم إن كان تالفا أو مُستهلكا أو باهت الألوان أو بأي طريقة أخرى غير لائقة، كما يُحظر إضافة أي عبارات أو صور أو تصاميم عليه، ويُحظر استخدامه كعلامة تجارية أو جزء من علامة تجارية".

وقد تكرر نشر هذا "العلم" المخالف للقانون على صفحة اتحاد قبائل سيناء دون أي تعليق رسمي أو إعلامي، رغم أنه يحمل تفسيرات تتعارض مع وحدة الدولة.

الأكثر استفزازا، كانت مواكب العرجاني داخل سيناء، وطريقة استقباله التي تتشابه مع مواكب ميليشيا حميدتي.

ويتحرك العرجاني في موكب ضخم يضم قرابة 100 سيارة وتحرسه قوات مسلحة من القبائل وسيارات نصف نقل مشابهة لسيارات ميليشيا حميدتي، بصورة تشير لصعوبة السيطرة عليها.

وقبل ذلك، نشر مسلحو القبائل في سيناء التابعين للعرجاني، في 24 يونيو/حزيران 2023، فيديو مثيرا للجدل يُظهر تحولهم لشبه قوة عسكرية غير رسمية.

رغم أن الفيديو تم حذفه لاحقا من الصفحات الرسمية لاتحاد قبائل سيناء، بعدما أثار ضجة، وعقب عليه مصريون واصفين هؤلاء المسلحين بأنهم "فاغنر سيناء"، فإنه لا يزال موجودا على صفحات موالين للقبائل، ويثير ضجة وقلقا شعبيا.

الفيديو الذي نشره مسلحو القبائل الموالون للجيش واستعرضوا خلاله قوتهم وتسليحهم أثار انزعاج المصريين ودفع البعض للتلميح لخطر تسليح مجموعات بخلاف الجيش، وظهور حميدتي جديد، وخطورة تكرار ما جرى في السودان.

وقالوا إنه رغم الإعلان عن انتهاء الحرب على الإرهاب، لازال هناك مجموعات قبلية تحمل السلاح في سيناء، وهو ما يثير التساؤل عن السبب ومخاطر تحول دورهم مستقبلا لخطر على السلطة التي أنشأتهم.

وصف بعضهم هذه المليشيات التي شكلها رجل الأعمال إبراهيم العرجاني الذي يقود بيزنس الجيش في سيناء، بأنها "فاغنر المصرية" أو "فاغنر سيناء"، و"حميدتي سيناء".

وعقب بث مسلحي القبائل فيديو الاستعراض العسكري بالسلاح في 24 يونيو/حزيران 2023، تساءل مصريون عن أسم هذه المجموعة بسبب انتشار التسميات للمجموعات المسلحة أو تلك تظهر في ثياب وأشكال مختلفة.

وقالت مواقع موالية للقبائل المسلحة، إنهم "فرسان الهيثم" ونشرت فيديوهات لهم وهم يدلون بقسم أم شخص غير معروف يخطب فيهم، ووصفتهم بأنهم "أبناء الحاج إبراهيم العرجاني".
 

 

ما يثير القلق أيضا أن نشاط العرجاني في غزة كمقاول للجيش ربما جعل له ارتباطات بإسرائيل، خصوصا أن الأخيرة سبق أن جندت العديد من العملاء في سيناء، كما أن العرجاني عمل بتجارة المخدرات بين مصر وإسرائيل.

وأثار خبر نشرته القناة "السابعة" العبرية في 7 فبراير 2024، عن تلقي ابنة رجل أعمال مصري مقرب من نظام السيسي، العلاج داخل كيان الاحتلال، دون أن تذكر اسمه.

وأكد صحفيون مصريون أن ابنة العرجاني "طيبة" التي تبلغ من العمر 12 عاما هي التي تُعالج في إسرائيل.

وقالت القناة العبرية أن "ابنة أحد المقربين من الحكومة المصرية والنخبة الأمنية في سيناء تتلقى العلاج الطبي في مستشفى هداسا عين كارم".

وأضافت أن "قرار نقلها إلى إسرائيل جاء عقب إصابتها في حادث سيارة وإدخالها إلى أحد مستشفيات القاهرة، وقد تقرر تحويلها إلى مستشفى هداسا، الذي يوجد فيه قسم مخصص لعلاج الصدمات المعقدة عند الأطفال".

أيضا أكد موقع "أيس" الإخباري الإسرائيلي ما نشرته القناة "السابعة"، قائلا إنه تم إحضار الفتاة المصرية سرا إلى إسرائيل.