يسارية تتجنب الحديث عن غزة.. ماذا تعرف عن أول رئيسة يهودية للمكسيك؟

12

طباعة

مشاركة

فور ظهور نتائج الانتخابات الرئاسية المكسيكية في 3 يونيو/ حزيران 2024، وإعلان تقدم المرشحة “كلوديا شينباوم”، أثيرت تساؤلات عديدة عن كيفية فوز هذه المرأة اليهودية برئاسة دولة ذات أغلبية كاثوليكية؟

محللون سياسيون تساءلوا: كيف فازت يهودية، أبواها يهوديان من أوروبا الشرقية، بأصوات قرابة 60 بالمئة من المكسيكيين، رغم أن تعداد يهود المكسيك لا يزيد عن 60 ألفا فقط من أصل 130 مليون نسمة؟

صحف إسرائيلية ويهودية هللت لفوزها مقدرة أنها ثاني رئيس يهودي يحكم في أميركا اللاتينية بعد الرئيس الأرجنتيني "خافيير ميلي" الذي تحول لليهودية في وقت سابق من 2024.

لكن تصريحات "شينباوم" ومواقفها السابقة، تظهر أنها يهودية بالاسم فقط، لكنها علمانية يسارية، وتعد تلميذة الرئيس المكسيكي المنتهية ولايته أندريس مانويل لوبيز أوبرادور المعروف بعدائه لإسرائيل.

تدعم إسرائيل أم غزة؟

هناك غموض حول موقف الرئيسة اليهودية الجديدة إزاء العدوان الإسرائيلي على غزة، فحاولت في وقت سابق الابتعاد عن أي دعم لإسرائيل، وعلى العكس ظهرت وهي ترتدي الكوفية الفلسطينية.

دفع هذا ناشطين لرؤية دلالات مهمة في فوزها، منها دور طوفان الأقصى في فك الارتباط بين إسرائيل والصهيونية من جانب واليهود واليهودية من جانب آخر في الوعي العالمي.

ويقول موقع "فلسطين كرونيكل" في 4 يونيو 2024 إن البعض يرى أن تراثها اليهودي هو "مؤشر على موقف مؤيد لإسرائيل"، "ومع ذلك، فإن فكرة ربط الهوية اليهودية بالصهيونية ليست كافية لتحديد موقفها".

وبعد وقت قصير من هجمات طوفان الأقصى 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، أصدرت شينباوم بيانا أدانت فيه حماس، وفي الوقت نفسه شجعت على الاعتراف بدولة فلسطينية إلى جانب إسرائيل.

وهناك اهتمام كبير في المكسيك بالعدوان على غزة، وتقدمت حكومة المكسيك رسميا بطلب للتدخل في قضية الإبادة الجماعية التي رفعتها جنوب إفريقيا ضد إسرائيل أمام محكمة العدل الدولية.

ويشير الموقع  إلى أن الرئيس المكسيكي أندريس مانويل لوبيز أوبرادور، المنتهية ولايته، والمعادي لإسرائيل، وهو أيضا من حزب "مورينا" الفائز بالرئاسة، يعد حليفا قديما للرئيسة الجديدة كلوديا شينباوم.

وتقول وكالة "رويترز" في 3 يونيو أن الرئيسة الجديدة "هي أحد تلاميذ الرئيس المكسيكي المنتهية ولايته أندريس مانويل لوبيز أوبرادور".

وسبق أن وصف الرئيس أوبرادور حرب إسرائيل على غزة بأنها إبادة جماعية، بل وأمر أن تنضم بلاده إلى قضية جنوب إفريقيا ضد إسرائيل في محكمة العدل الدولية.

لكن الرئيس المكسيكي لم يعلن الاعتراف الكامل بدولة فلسطين، ولم يقطع بعد العلاقات مع النظام الإسرائيلي، على الرغم من أنه قارن أفعال إسرائيل بأفعال النازيين وطرح فكرة قطع العلاقات الدبلوماسية مع تل أبيب.

أما بالنسبة لكلوديا شينباوم، فهي معروفة بأنها مؤيدة لما يسمى "حل الدولتين"، لكن موقفها غامض نسبيا من مسألة الاعتراف بدولة فلسطينية.

ويؤكد موقع "جويش كورونيكل" اليهودي أن "شينباوم استشهدت سابقًا بهويتها اليهودية في الدفاع عن فلسطين، في رسالة إلى صحيفة لا جورنادا"، وهي صحيفة مكسيكية شعبية.

أوضح أنها كتبت في عام 2009 تقول إنه "بسبب أصولي اليهودية، وحبي للمكسيك، والشعور بأنني مواطنة عالمية، لا أستطيع إلا أن أشاهد برعب صورا من قصف غزة من قبل إسرائيل"، كما انتقدت الهجوم الإسرائيلي على غزة عام 2014.

وسبق أن عقدت "شينباوم" العديد من الاجتماعات مع مجموعة "كومونيداد جوديا دي مكسيكو" (CCCJM)، وهي جماعة لوبي صهيونية، مما أدى إلى انتقادها.

كما أدانت عملية حماس في 7 أكتوبر ضد إسرائيل، بينما ظلت صامتة علنا شأن الإبادة الجماعية المستمرة ولم تذكر كلمة غزة على وسائل التواصل الاجتماعي منذ بداية الحرب.

فيما أشار النشطاء المؤيدون للفلسطينيين في المكسيك إلى تعاملها مع مظاهرة وقعت أمام سفارة إسرائيل هناك في عام 2019، حينما كانت رئيسة لحكومة مكسيكو سيتي، ووقفت خلالها إلى جانب السفارة الإسرائيلية ضد المتظاهرين.

ويعتقد عديد من المحللين المكسيكيين أن شينباوم من المرجح أن تستمر في الحفاظ على موقف مائع مماثل وألا يكون موقفها من قضية إسرائيل أو الفلسطينيين حاسما.

لذا يقول موقع "فلسطين كرونيكل" إنه "في هذه المرحلة، ليس من الواضح تماما ما إذا كان سيتم عدها رئيسة مكسيكية مؤيدة للفلسطينيين، أو مؤيدة لإسرائيل، أو "محايدة" فيما يتعلق بقضية فلسطين".

يهودية أم صهيونية؟

توصف الرئيسة الجديدة بأنها يهودية علمانية يسارية، ومؤيدة في ذات الوقت للفلسطينيين وهاجر والداها وهما من اليهود الأشكناز من ليتوانيا إلى مكسيكو سيتي في عشرينيات القرن العشرين.

وتؤكد وكالة "أسوشيتدبرس" الأميركية في 22 أبريل/نيسان 2024 أنه "رغم أنها من أصل يهودي، إلا أنها ليست ملتزمة دينيا"، "ولم يقم والداها بتربيتها تحت أي دين".

أما فريق حملتها الانتخابية فيقول: "تعد شينباوم نفسها امرأة مؤمنة، لكنها لا تنتمي إلى أي دين".

وتقول تيسي شلوسر، مديرة مركز التوثيق والأبحاث اليهودية في المكسيك، في تفسير ذلك إن "الهوية اليهودية متعددة الأوجه، يمكن أن تتماشى مع التاريخ والمجتمع والروحانية والجغرافيا والأيديولوجيا".

أضافت: "حتى داخل نفس المجتمع اليهودي، على سبيل المثال، قد تكون هناك وجهات نظر متضاربة حول الصهيونية أو علم الأنساب".

على الرغم من أن شينباوم قالت مرارا وتكرارا إنها لا تمارس أي دين، إلا أنها أعلنت بفخر عن لقاء عقدته في فبراير 2024 مع البابا فرانسيس، وارتدت بالفعل رموزا كاثوليكية في مسيراتها، لكن خصومها قالوا إنها تفعل هذا لأغراض انتخابية.

وقبل أن تبدأ حملتها الانتخابية، كانت شينباوم أكثر انفتاحا بشأن جذورها اليهودية. ففي كلمة خلال مناسبة يهودية في مكسيكو سيتي، قالت: "لقد نشأت بدون دين، هكذا رباني والدي، لكن من الواضح أن الثقافة (اليهودية) تسري في دمي".

قالت شينباوم: "أنا مكسيكية لكنني فخور جدا بأصولي" وأجدادي، وقالت إنها احتفلت بجميع الأعياد اليهودية، مثل يوم الغفران مع أجدادها عندما كانت طفلة، ولكن بطريقة "ثقافية أكثر منها دينية".

وخلال خطاب سابق لها مع الجالية اليهودية بصفتها عمدة مدينة مكسيكو سيتي عام 2018 لم تصف نفسها بأنها "يهودية" لكنها قالت إن والديها "من أصل يهودي"، وفق صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" في 31 مايو/أيار 2024.

ويقول الصحفي بابلو ماجلوف، وهو يهودي، في مقال افتتاحي بصحيفة “إتسيتيرا” إن الرئيسة الجديدة ظلت تحافظ على إخفاء خلفيتها الدينية اليهودية ولكن دون إنكارها.

قال إن استخدام الخطاب المعادي للسامية من قبل منتقدي شينباوم قد يفسر جزئيا على الأقل أي رغبة من جانبها في التقليل من أهمية يهوديتها، لأن أحد خصومها سبق أن تحدث عنها بوصفها "مرشحة يهودي بلغارية".

وقد أوضح موقع "جويش كورونيكل" اليهودي أن زعيمة المكسيك الجديدة "كانت حذرة بشأن يهوديتها خلال الحملة الانتخابية"، وأنها مثل العديد من اليهود المكسيكيين، تتخذ نهجا علمانيا في عقيدتها.

"لم يصوت لها اليهود"

وفي هذا السياق، يكشف موقع "تايمز أوف إسرائيل" في 5 يونيو 2024 أن “الجالية اليهودية في المكسيك لم تصوت لأول رئيسة يهودية”.

نقلت عن أعضاء الجالية اليهودية في مكسيكو سيتي أن سبب عدم انتخابهم لها أن "الرئيسة المنتخبة نأت بنفسها عنهم، لذا لم يولد انتصارها الكثير من الإثارة بين المجتمع اليهودي".

"دانييل فاينشتاين"، عميد الدراسات اليهودية في جامعة هيبرايكا في مكسيكو سيتي، قال لـ "تايمز أوف إسرائيل" إن "القضية الرئيسة في الانتخابات، حتى بالنسبة للمجتمع اليهودي، لم تكن يهوديتها، بل آراؤها السياسية".

أما "راكيل ساكال"، أحد أعضاء الجالية اليهودية في مكسيكو سيتي، فقال للصحيفة الإسرائيلية إن "المجتمع اليهودي لم يكن على الإطلاق قاعدة دعم لشينباوم".

فسر ذلك بأنها "لم تقدم نفسها علانية على أنها يهودية، أو أنها تمثل الجالية اليهودية في المكسيك".

وتضم المكسيك نحو 50 ألف يهودي، يعيش معظمهم في مكسيكو سيتي، عاصمة البلاد. والمجتمع متماسك، حيث يذهب حوالي 95 بالمئة من الأطفال إلى المدارس اليهودية الضيقة، والتي تتراوح بين الأرثوذكسية اليمينية والصهيونية العلمانية.

وتتكون الجالية اليهودية المكسيكية من اليهود الأشكناز، من أوروبا الوسطى والشرقية، واليهود السفارديم، ومعظمهم من تركيا واليونان وإيطاليا وإسبانيا وسوريا، وبدأ تدفق اليهود الأوائل إلى المكسيك عام 1519، مع الاستعمار الإسباني.

والمكسيك دولة علمانية تتمتع بإطار قانوني قوي ينص على فصل الحكومة عن الكنيسة، لكن الوجود الكاثوليكي في البلاد واسع النطاق.

وفقا لأحدث تقرير رسمي (2020)، فإن 98 مليونا من أصل 126 مليون مكسيكي هم من الكاثوليك. 

ويتبعهم 14 مليون بروتستانتي، معظمهم من الإنجيليين، ثم تأتي بعد ذلك الطائفة اليهودية، التي يقدرها المركز اليهودي بحوالي 50 ألفا، فيما يقول أكثر من 10 ملايين شخص إنهم ليس لديهم دين، و3 ملايين يعدون مؤمنين دون انتماء ديني.