مثلما أجهضوا الربيع العربي.. هل تتحرك الإمارات والسعودية ومصر ضد ثوار سوريا؟

إسماعيل يوسف | منذ ٦ أشهر

12

طباعة

مشاركة

برزت مظاهر قلق لدى أنظمة عربية تعادي الإسلاميين والربيع العربي، من قيادة نظام جديد يقوده إسلاميون معتدلون لسوريا، حسبما أظهرت ردود أفعال إعلامية وشبه رسمية في الإمارات والسعودية ومصر، وتقديرات أجنبية.

صحف غربية أكدت أن وجود "إسلاميين" في سدة الحكم بسوريا الجديدة، يقلق بعض حكام الخليج ومصر، مثلما أقلق إسرائيل ودفعها لتدمير قدرات سوريا العسكرية في محاولة خلق حالة من الفوضى للنظام الجديد.

طرح ذلك تساؤلات حول احتمالات تدخل هذه الأنظمة في سوريا، لتكرار إجهاضها تجارب الربيع العربي، خاصة في مصر عام 2013، بغرض تشكيل “سوريا جديدة بلا إسلاميين”.

أو نشرها الفوضى هناك، بما لا يسمح بنشوء نظام حكم إسلامي، على غرار مصر عقب ثورة 2011، حين تدخلت أبو ظبي والرياض، عبر عملاء موالين لها في حركات مثل “تمرد” وقادة في الجيش أبرزهم عبد الفتاح السيسي للتمهيد لانقلاب العسكر عام 2013.

ولطمأنة دول الخليج وتلافي نوايا تدخلها مبكرا، عقد مسؤولون في حكومة الثوار السورية الجديدة اجتماعا مع عدد من السفراء العرب والأوروبيين، بينهم سفراء الإمارات ومصر والسعودية، ركز على شرح تركيزهم على الوحدة والبناء والتعاون مع الدول العربية.

ودفع هذا ملك البحرين، حمد بن عيسى آل خليفة، لإرسال رسالة إلى قائد هيئة "تحرير الشام"، أحمد الشرع المعروف بأبي محمد الجولاني، يعبر له فيها عن استعداد بلاده للتعاون مع سلطات سوريا الجديدة.

وأعرب عن تطلعه لعودة سوريا إلى "دورها الأصيل في جامعة الدول العربية"، بحسب وكالة أنباء البحرين، التي أكدت أن الملك بعث تلك الرسالة بصفته رئيس الدورة الحالية للقمة العربية.

مؤشرات التدخل

وذكرت صحيفة "وول ستريت جورنال"، في 8 ديسمبر 2024، أن دولا خليجية من بينها السعودية يسعون للتأكد من أن سقوط الأسد "لن يؤدي إلى موجة جديدة من الاضطرابات ضد حكام المنطقة، وعودة الحركات المتطرفة مثل تنظيم الدولة، التي أعقبت الربيع العربي لعام 2011".

ونقلت الصحيفة الأميركية عن ماجد الأنصاري، وهو مستشار كبير لرئيس وزراء قطر، ضمنا، مخاوفه من "تدخلات" تؤدي لتحويل ربيع سوريا الجديد إلى "فوضى".

وقال الأنصاري: "لا نريد أن يحدث في سوريا ما حدث في دول أخرى بعد الربيع العربي، وتتحول الأخبار السارة إلى سيئة".

من جانبها، أفادت صحيفة "معاريف" العبرية في 11 ديسمبر 2024، بأن هناك "قلقا بين دول المنطقة العربية من أن يرفع معارضو الأنظمة العربية رؤوسهم، ويطالبوا بالتغيير، خاصة في السعودية والبحرين ومصر، والأردن والعراق، بعد سقوط النظام السوري".

لذا بادر مفتي ليبيا، الشيخ الصادق الغرياني لتحذير ثوار سوريا المنتصرين، من سعي دول خليجية لإجهاض الربيع السوري، ومن حدوث انقلابات كالتي حدثت في دول الربيع العربي وكانت مدعومة من الإمارات والسعودية.

وقال الغرياني: “خذوا الدرس واحذروا مكائد الأعداء من المجتمع الدولي وعملائه”

ومنذ اندلاع ثورات الربيع العربي، ظهر مصطلح "الثورة المضادة"، للإشارة إلى معارضي الثورات، من الأنظمة العربية والإقليمية التي عملت على إجهاض الثورات بأدوات متعددة، وخاصة السعودية والإمارات.

وكانت السعودية والإمارات في صدارة المعارضين لاحتجاجات الربيع العربي في كل من تونس ومصر واليمن، وكذلك المظاهرات في البحرين، وتدخلتا لاحقا بالمال ودعم معارضي الأنظمة الإسلامية التي حكمت في مصر وتونس وليبيا.

ومنذ تحقيق قوى الثورة السورية، الإسلامية التوجه، انتصارات ضد نظام الأسد، شهدت وسائل الإعلام التابعة للسعودية عداء واضحا لما يجرى.

لكن مع انهيار نظام بشار، شهدت هذه الوسائل تغييرا لافتا في خطابها بشأن الملف السوري، يمثل انقلابا على الخطاب الذي كان سائدا لسنوات، لكنها ظلت تحذر ضمنا من "الإرهابيين" و"المتطرفين" في سوريا الجديدة.

وتجاهل إعلام الثورات المضادة كل الفصائل التي حاربت نظام الأسد، وحصرها فقط في "هيئة تحرير الشام"، واستخدم المسمى القديم لها (جبهة النصرة) للزعم بأنها لا تزال تابعة للقاعدة، وبالتالي تنفير الجمهور العربي منها.

واستُخدم هذا المصطلح السلبي بكثرة، عند الحديث عن سيطرة قوات المعارضة على المدن السورية، بما يوحي بأن هذه المناطق خضعت لاحتلال أجنبي من ثوار سوريا، ولم تتحرر كما تقول قوات المعارضة، بحسب دراسة لموقع "أمد للدراسات" في 12 ديسمبر 2024.

الاستعانة بإسرائيل

ظهر الموقف الرسمي المصري من ثورة سوريا في شقين متضاربين، أحدهما بيان من وزارة الخارجية يشير ضمنا إلى التعاون مع النظام الجديد، والثاني تسريبات من صحف عبرية تشير إلى قلق السيسي من وصول إسلاميين لحكم سوريا، لحد طلبه مساعدة إسرائيل لنظامه. 

ولزم السيسي الصمت تجاه سقوط الأسد، وما تلاه من عدوان إسرائيلي دمر مقدرات الجيش السوري، واكتفت وزارة الخارجية، ببيان عام غامض، في 8 ديسمبر 2024، يؤكد أن "مصر تتابع باهتمام كبير التغير الذي شهدته سوريا".

البيان أكد دعم مصر لسيادة سوريا ووحدة وكامل أراضيها، ولم يشر إلى القيادة الجديدة لسوريا، ودعا إلى "بدء عملية سياسية متكاملة وشاملة تؤسس لمرحلة جديدة من التوافق والسلام الداخلي ".

صحيفة “معاريف” ادعت في 11 ديسمبر 2024 أن "السيسي استغاث بإسرائيل، بعد سقوط الأسد، خوفا من موجة ربيع عربي يقودها الإخوان".

المحرر العسكري للصحيفة، آفي أشكنازي، أكد أن "السيسي طلب عقد لقاء عاجل مع رئيس الأركان الإسرائيلي ورئيس جهاز الشاباك، هرتسي هاليفي، ورونين بار، لبحث هذه المخاوف من سيطرة المعارضة السورية على الحكم، خوفا من انتفاضة مشابهة لسوريا في مصر".

الصحيفة العبرية قالت إن السيسي، تقدم بنداء عاجل إلى الاحتلال الإسرائيلي لإنقاذ نظامه من أي تحركات مماثلة لما جرى ضد الأسد.

وأن هذا كان السبب الرئيس لزيارة رئيسي الأركان والشاباك الإسرائيليين، للقاهرة، في 10 ديسمبر 2024، واللقاء مع نظرائهما المصريين لبحث "قضايا ساخنة".

وأغضب ما ذكرته "معاريف" مصريين قالوا: “إذا لم يكن استعانة نظام السيسي بعدو مصر التاريخي وهو إسرائيل ضد شعبه، خيانة فما هي الخيانة؟” مشددين على أن "فتح حوار حقيقي مع قوى المعارضة الوطنية أيسر من الاتصال بالعدو الإسرائيلي".

وأظهر تقرير الصحيفة، الحكام العرب بموقف الضعيف الخائف من أية ثورات ربيع عربي جديدة محتملة بعد انكسار موجة 2011، كما حاول إظهار تل أبيب بأنها الملجأ الوحيد لحكام دول المنطقة، لاتقاء شر أي حراك شعبي محتمل.

وشدد المراسل العسكري لصحيفة معاريف، أشكنازي، في لقاء آخر مع "إذاعة معاريف" على أن المؤسسة الأمنية الإسرائيلية تشعر بقلق عميق إزاء التداعيات المحتملة للأحداث في سوريا على دولتين مجاورتين أخريين، هما مصر والأردن.

ويرجح في إسرائيل، حسب الصحيفة، أن هاليفي وبار سيقومان بزيارات مشابهة إلى عواصم عربية "خاصة في دول الخليج"، بادعاء أنهم "بدأوا يشعرون في الشرق الأوسط بهزات ارتدادية" للزلزال في سوريا.

وفي 10 ديسمبر 2024، ذكرت قناة "القاهرة الإخبارية" التابعة لمخابرات النظام المصري في نبأ عاجل أن "وفدا إسرائيليا رفيع المستوى يزور القاهرة حاليا"، لكنها قالت إن الزيارة "في إطار سعي مصر للوصول إلى تهدئة في غزة، ودعم دخول المساعدات للقطاع"، دون تفاصيل أكثر.

السيناريو السوري

وكان نبأ سقوط نظام الأسد، وتولي إسلاميين معتدلين، بعضهم نشأ على أفكار رموز من الإخوان في دول عربية، سيئا بالنسبة للنظام المصري، لذا تم إطلاق أبواق إعلاميي السلطة وذبابها الإلكتروني لتشوية ثوار سوريا.

المذيعة لميس الحديدي، كانت أحد هذه الأبواق التي رددت رسالة واحدة مكررة لإعلاميي السلطة، والذباب الإلكتروني.

وهذه الرسالة، مفادها تخوف مزعوم من أن يتم تقسيم سوريا، أو تحولها إلى "معقل للإرهابيين والإخوان يهددون باقي الدول"، وفق قولها.

أيضا حذر المذيع القريب من السلطة أحمد موسى، من أن سقوط الأسد، قد يؤدي لتكوين ما وصفه بـ"إمارة سوريا الإسلامية"، و"قيام دولة طالبان جديدة في الشام".

كما حذر الصحفي والبرلماني، مصطفى بكري، من انتقال ما أسماه "الفوضى في سوريا إلى بقية العالم العربي"، قائلا: "لا تفرحوا كثيرا بسقوط بشار ونظامه".

وقال مساعد وزير الخارجية المصري الأسبق، حسين هريدي، لصحيفة "الشرق الأوسط" السعودية في 8 ديسمبر 2024 إن "القاهرة تراقب المشهد من بعيد، ولن تنساق خلف الفرحة الظاهرة في بعض وسائل الإعلام، بشأن سقوط الأسد".

وأشار إلى أن “مصر تتساءل عمن سيقود المرحلة المقبلة، وطبيعة العلاقة بين المعارضة والفصائل المسلحة ومرجعيتهم، وهل سيطبقون نظاما إسلاميا أم علمانيا مدنيا؟”

من جانبه، قال الصحفي جمال سلطان إن "أكثر ما يرعب السيسي ونظامه، أن نجاح الثورة السورية أسقط العمود الفقري لدعايتهم المتكررة عن أن مصر هي الجيش فإذا انهار الجيش ضاعت الدولة، بينما في سوريا تبخر الجيش، وبقيت الدولة، بل وتحسنت معيشة الناس".

وأكد أن "ثورة سوريا أثبتت أن الشعب وليس الجيش هو الدولة، لذلك إعلام أجهزة السلطة في مصر مصاب بهستيريا".

وفي تغريدة أخرى وجه سلطان ما أسماه "خطابا مفتوحا وعاجلا إلى من يهمه الأمر في مصر".

وقال فيه إن نجاح ثورة شعبية مسلحة في أن تنزع حكما راسخا مثل حكم آل الأسد، يضرب بجذوره إلى حوالي 60 عاما، "رسالة لمصر".

وأوضح سلطان أن حكم الأسد كان "يقوم على مؤسسة عسكرية كبيرة، وشبكة أمنية واستخباراتية ضخمة جدا ومتشعبة ومسيطرة، ودعم عسكري واستخباراتي إقليمي ودولي كبير، ومنظومة تحكم إعلامي وقضائي وفني وتعليمي وديني شاملة، ومع ذلك انهار في النهاية".

وحذر من أن "إحساس ملايين المصريين بالظلم أو التهميش أو القمع، لأسباب متنوعة"، ومن أن مصر "معبأة بالغضب، ومعبأة بوقود الاشتعال على أي حدث مفاجئ، وجاهزة للانفجار".

ودعا سلطان نظام السيسي إلى "إصلاحات في المجالات المختلفة التشريعية والإعلام والانتخابات الحرة، ووقف تدخل الجيش في الاقتصاد". 

وانتقد توجيه نظام السيسي اللجان الإلكترونية والإعلاميين التابعين للأجهزة بالصراخ الدائم للتحذير من السيناريو السوري والتخويف مما جرى في سوريا، مشيرا إلى أنها "وسائل عقيمة مغشوشة، وعلاج المرض أسلم من الاكتفاء بمحاولة تخدير المريض".

تحول سعودي

قبل سقوط الأسد، كانت السعودية إحدى الدول التي سعت لإعادة التطبيع معه بعد قطيعة، وقطع عدة دول عربية العلاقات مع سوريا، عقب ثورة الربيع العربي 2011، وقمع نظام بشار لها. 

وقبل إعادة السعودية احتضان نظام الأسد، أشارت صحيفة “وول ستريت جورنال” في 12 أبريل 2023، إلى أن جهود السعودية بإعادة سوريا إلى محيطها العربي تواجه مقاومة من بعض حلفائها، مثل المغرب والكويت وقطر واليمن.

وأنهم يرفضون حاليا قبول عودة سوريا إلى الجامعة، وهناك جبهة من 5 دولة عربية على رأسها قطر ومصر تقف عائقا أمام المساعي السعودية الرامية لإعادة سوريا إلى الجامعة العربية (السيسي التقى الأسد لاحقا في نوفمبر/ تشرين الثاني 2023، واتصل به في يوليو/ تموز 2024).

مثلما ظهر ارتباك في الموقف المصري، بين موقف رسمي يؤكد ضمنا دعمه النظام الجديد في سوريا، مقابل موقف رافض لإعلاميي وذباب النظام، ظهر الارتباك ذاته في الموقف السعودي.

كان أول بيان للسعودية بعد سقوط الأسد في 8 ديسمبر، واضحا في دعمه ضمنا للتغيير الذي حدث في سوريا، حيث أكدت أن "المملكة تعلن وقوفها إلى جانب الشعب السوري الشقيق وخياراته في هذه المرحلة المفصلية من تاريخ سوريا".

وزارة الخارجية السعودية قالت في بيان: "آن الأوان لينعم الشعب السوري الشقيق بالحياة الكريمة التي يستحقها، وأن يسهم بجميع مكوناته في رسم مستقبل زاهر يسوده الأمن والاستقرار والرخاء، وأن تعود لمكانتها وموقعها الطبيعي في العالمين العربي والإسلامي".

وعبرت المملكة عن "ارتياحها للخطوات الإيجابية التي تم اتخاذها لتأمين سلامة الشعب السوري"، ودعت "للحفاظ على وحدة سوريا وتلاحم شعبها، بما يحميها من الانزلاق نحو الفوضى والانقسام، ويصون سيادتها واستقلالها ووحدة أراضيها".

وحين توغلت إسرائيل في الجولان، صدر بيان سعودي في 10 ديسمبر، يتهم كيان الاحتلال باعتزامها "تخريب" فرص استعادة سوريا لأمنها واستقرارها.

بيان وزارة الخارجية السعودية قال أيضا إن "الاستيلاء على المنطقة العازلة في هضبة الجولان، واستهداف قوات الاحتلال الإسرائيلية للأراضي السورية، يؤكدان استمرار إسرائيل في انتهاك قواعد القانون الدولي".

بالمقابل، كان واضحا ارتباك صحفيي قناة "العربية" وجريدة "الشرق الأوسط" ودوائرهم تجاه ما يحصل في سوريا فيما يكتبونه بحساباتهم الشخصية.

حتى إن قناة "العربية"، ذراع الدعاية السعودية، بشرت العرب والمسلمين بانتصار إسرائيل وتتويجها سيدة المنطقة، ولم يبق إلا مبايعة بنيامين نتنياهو خليفة، حسبما قال أحمد بن راشد بن سعيد، عبر "إكس".

فانسجاما مع السياسة السعودية في السنوات الأخيرة، كان إعلاميو الرياض خصما دائما لكل ما له علاقة بـ"الإسلام السياسي"، وعلى هذا المنوال استمر بعضهم في توصيف ما يجرى في سوريا بتقدير أن الثوار "فصائل إسلامية إرهابية".

غير أن شخصيات مُهمة في الوسط الصحفي وتحديدا السعودي أخذت منحى آخر يميل إلى دعم ما يجرى وتأييده وإدانة نظام الأسد، خصوصا أن السعودية -وفق تسريبات إعلامية -رفضت الرد على اتصالات الأسد بعد بدء المعركة.

وتشير تقديرات خبراء سياسيين أن الموقف الرسمي السعودي ربما يكون سعيدا بما جرى في سوريا من زاوية واحدة، هي أن الرياض تراها فرصة لاجتثاث الوجود الإيراني في سوريا، وعودة نفوذها للبنان، بعدما أزاحتها طهران وحزب الله في السنوات الأخيرة.

الإمارات تخسر

أربك انتصار الثورة السورية، بعد 14 عاما من بدء شرارتها، على نظام الأسد، سياسات العديد من حلفاء الأسد، وفي مقدمتهم الإمارات وإيران وروسيا.

فمنذ 2018 لعبت أبو ظبي دورا مهما لإعادة سوريا إلى الجامعة العربية، وتكلل ذلك بالنجاح عام 2023، وقالت أبو ظبي إن أهداف سياساتها الخارجية في سوريا هي بناء نفوذ فيها وفي المنطقة العربية لتضييق الخناق على النفوذ الإيراني.

لذا حمل سقوط الأسد تداعيات وتحديات كبيرة لحكام الإمارات، سياسية وأمنية، وعلى مستوى الفرص الاقتصادية، حيث كانت تريد الاستثمار بقوة هناك، لذا جاء موقفها من الثورة يحمل نفس الارتباك المصري والسعودي لكن يحمل ضمنا تعامل مرن مع انتصار الثورة.

وكان لأبو ظبي دور كبير في دعم نظام الأسد، رغم أنها دعمت ضمنا انتفاضة الشعب ضده عام 2011، لكنها سرعان ما طبعت علاقتها مع الأسد عام 2018، وحملت على عاتقها إعادة نظامه للجامعة العربية لأسباب اقتصادية وأخرى سياسية.

وكانت الإمارات الدولة العربية الأولى التي بدأت التطبيع مع النظام الذي قتل أكثر نصف مليون من شعبه وشرد أكثر من 12 مليونا، عام 2018، وضغطت على الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي لرفع العقوبات عن نظام الأسد.

ويشير تقرير لموقع "الإمارات 71" المعارض، في 11 ديسمبر 2024 إلى أن أبو ظبي هدفت من خلال دعم الأسد منذ 2018-2024 إلى عدة أمور سياسية واقتصادية، إضافة لعدائها للقوى الإسلامية، التي كان يحاربها بشار أيضا.

وأكد أن الإمارات كانت ترى أن الأسد قد نجا من الربيع العربي، وهُزمت الثورة السورية التي يقود معظم فصائلها ما تعرفهم بـ"الإسلام السياسي"، الذين شنت عليهم حربا ضروسا في معظم أنحاء العالم العربي، وهذا مكسب لها.

لذا نظرت لنظام الأسد بصفته "حصنا ضد الجماعات الإسلامية التي تهيمن على المعارضة المسلحة في سوريا".

وكان جانبا من دعمها نظام الأسد، تعزيز نفوذها الإقليمي، ودورها كقوة مؤثرة في المنطقة، من خلال بناء علاقات قوية مع دمشق ذات الثقل الكبير في المنطقة، فأخرجت نظام الأسد من العزلة، رغم علمها بجرائمه ضد شعبه.

أيضا دعمت الإمارات الأسد من أجل فرص اقتصادية، والاستفادة من السوق السوري المدمر بعد الحرب، بما في ذلك الاستثمار والبنية التحتية.

وهناك سبب آخر لدعم الإمارات للأسد، هو دعمها لإسرائيل، بالضغط على دمشق لتبقى بعيدة عن الصراع مع تل أبيب.

وعقب سقوط الأسد، الذي كانت تدعمه أبو ظبي وتفضل بقاءه، اتخذت موقفا حذرا من ثورة سوريا، وركزت في بياناتها الرسمية على دعوات "الحفاظ على الأمن والاستقرار في المنطقة، والدعوة لحل سياسي". 

وأصدرت وزارة الخارجية الإماراتية بيانا غامضا في 9 ديسمبر 2024، على غرار البيان المصري، أنها "تتابع باهتمام شديد تطورات الأحداث الجارية في سوريا وتؤكد حرصها على وحدة وسلامة سوريا وضمان الأمن والاستقرار للشعب السوري الشقيق"، حسبما أوردت وكالة الأنباء الإماراتية.

ودعت "الأطراف السورية كافة إلى تغليب الحكمة في هذه المرحلة الحرجة من تاريخ سوريا، للخروج منها بما يلبي طموحات وتطلعات السوريين بأطيافهم كافة".

وشددت على "ضرورة حماية الدولة الوطنية السورية بمؤسساتها كافة، وعدم الانزلاق نحو الفوضى وعدم الاستقرار".

ويشير تقرير "الإمارات 71" إلى أن فقدان الإمارات لسوريا بقيادة الأسد، يعني استمرار خسائر سياسة أبو ظبي في سبيل التأثير في سياسات الشرق الأوسط، خاصة إذا ظهرت قوى جديدة قد تتعارض مع مصالحها.

حيث فشلت سياستها خلال العقد والنصف الماضيين، ولم يتمكن حلفاؤها المحليون في السودان واليمن وليبيا والصومال من تحقيق أهدافها، وتسبب ذلك بعداوة الأنظمة الجديدة هناك لها، كما أن دعمها لإثيوبيا، أسهم في توتر جدي للعلاقات مع الحكم العسكري في مصر. 

ويبدو أن الموقف الإماراتي لا يزال أسير العداء للإسلاميين، والإخوان خصوصا، ومن ثم فمن المرجح أن يتحرك مستقبلا ضد ثوار سوريا.

وأعرب المستشار الدبلوماسي للرئيس الإماراتي، أنور قرقاش، عن "القلق" بشأن الانتماءات الإسلامية للفصائل السورية المسلحة التي أسقطت الأسد وتولت السلطة في دمشق وعلى رأسها هيئة تحرير الشام.

وخلال كلمة في "مؤتمر السياسات العالمية" بأبو ظبي في 14 ديسمبر، قال قرقاش: "نسمع تصريحات معقولة وعقلانية حول الوحدة، وعدم فرض نظام على جميع السوريين، لكن من ناحية أخرى، أعتقد أن طبيعة القوى الجديدة، ارتباطها بالإخوان، وارتباطها بالقاعدة، كلها مؤشرات مقلقة للغاية".