معهد إسرائيلي يستعرض تاريخ محاربة أنفاق حماس في غزة.. هذا دور مصر
يوضح المعهد تاريخ جهود الاحتلال في مواجهة عمليات التهريب عبر الأنفاق
يشتعل الجدل داخل إسرائيل بشأن جدوى سيطرتها على محور فيلادلفيا الحدودي بين قطاع غزة ومصر في ظل استمرار العدوان على غزة.
فبينما يتمسك رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو بإحكام السيطرة العسكرية على المحور، يدعم وزير الجيش يوآف غالانت انسحاب الجيش منه في إطار تيسير إجراء صفقة محتملة مع حركة المقاومة الإسلامية حماس.
في ضوء ذلك، يستعرض المعهد الإسرائيلي للسياسة الخارجية الإقليمية "ميتفيم" أهمية الأنفاق الحدودية في محور فيلادلفيا من الناحيتين العسكرية والاقتصادية، بالنسبة لحركة حماس.
في الوقت ذاته، يوضح تاريخ الاحتلال في مواجهة عمليات التهريب في الأنفاق على مدار السنوات الماضية، مبينا بعض الأسباب التي أسهمت في عدم القدرة على القضاء عليها نهائيا.
كذلك يؤكد المعهد على دور مصر في تدمير الأنفاق، ويرى أن هناك مشكلة مشتركة بين القاهرة وتل أبيب، ألا وهي حركة حماس.
وقلل من حجم الخلافات الناشئة بين الجانبين بسبب الحرب، مشددا على "المصالح الإستراتيجية" التي تجمعهما معا، الأمر الذي يدفع المعهد لطرح فكرة الانسحاب من المحور.
وخاصة في ظل وجود تقارير مختلفة تشير إلى إمكانية تكثيف التعاون الأمني بين إسرائيل ومصر، بشكل يمكّن تل أبيب من مراقبة الحدود لمعالجة مشكلة الأنفاق.
كما يناقش الرأي القائل بوجود "مخاطر أمنية" جراء انسحاب إسرائيل من محور فيلادلفيا، مقارنا بين تلك الأولوية التي يصر عليها نتنياهو، وبين أولوية "استعادة المختطفين" الذين أسرتهم حركة حماس في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، اليوم الذي أطلقت فيه عملية طوفان الأقصى.
امتعاض من مصر
يشدد المعهد على أن سيطرة إسرائيل على محور فيلادلفيا، ومعبر رفح على الحدود المصرية، تعد من أبرز الخلافات التي تحول دون التوصل إلى اتفاق وقف إطلاق النار مع حماس.
ويحمّل نتنياهو مسؤولية إتمام الاتفاق من عدمه، كونه "يصر على عدم التوقيع عليه، إذا لم يضمن بقاء إسرائيل في المحور ومعبر رفح".
ووفقا للمعهد، ينبع هذا الإصرار من "أن المحور -خاصة الأنفاق تحته- والمعبر يشكلان، في غياب ميناء بحري أو جوي، أنبوب أكسجين عسكريا واقتصاديا لحماس".
إذ يرى أن "الحرب جعلت كلا الطرفين يدرك مدى أهمية الأنفاق في عملية تعزيز قوة حماس العسكرية".
كما ادعى المعهد أن "الضرائب التي تُحصل من التجار الذين يهربون البضائع عبر الأنفاق شكلت دخلا اقتصاديا أساسيا لحماس".
وبحسب قوله، قدر أحد الباحثين أنه في عام 2008، بلغت عائدات الأنفاق نحو 35 مليون دولار شهريا.
وبالرغم من إقراره “باستحالة المعرفة الدقيقة لعدد الأنفاق الموجودة، وحجم التجارة التي مرت عبرها”.
إلا أنه يؤكد على "وجود عواقب لهذه الظاهرة بالنسبة لحماس -أو أي قوة حاكمة أخرى ستكون في غزة في اليوم التالي- مما يتطلب مراقبة دقيقة من قبل الأجهزة الأمنية للمعابر".
ورأى أن مشكلة الأنفاق ليست جديدة، حيث تعود جذورها منذ فك الارتباط عن غزة ومحور فيلادلفيا عام 2005 (انسحاب جيش الاحتلال من القطاع)، خاصة منذ أن حكمت حماس غزة في 2007.
منذ ذلك الحين، اعتمدت إسرائيل على مصر لحل مأزق الأنفاق، فبحسب المعهد، مررت تل أبيب معلومات إلى القاهرة حول الأنفاق والتهريب.
في البداية، امتعضت إسرائيل من القاهرة بشأن تجاوب المسؤولين المصريين مع تلك الأزمة.
وأظهرت وثائق ويكيليكس شكاوى إسرائيل المتكررة، سواء في المحادثات المباشرة مع المصريين أو عبر الولايات المتحدة، من أن مصر لا تفعل ما يكفي لمكافحة هذه الأزمة.
لكن بعد وقت قصير، استجابت القاهرة لمطالب الاحتلال، ففي صيف عام 2008، أبلغ رئيس النظام الأسبق محمد حسني مبارك الأميركيين أن مصر دمرت أكثر من 280 نفقا، لكنه أكد أن مكافحتها هي مهمة الطرفين معا.
تدمير الأنفاق
ولم يثن العدوان الإسرائيلي على غزة نهاية عام 2008، مصر عن استمرارها في عملية هدم الأنفاق.
فبحسب المعهد "في نهاية عام 2009، بعد العملية العسكرية على القطاع، أبلغ المصريون الأميركيين أنهم دمروا أكثر من 200 نفق، لكن إسرائيل استمرت في الشكوى".
وتضاعفت الجهود المصرية لتدمير الأنفاق بعد وصول عبد الفتاح السيسي لسدة الحكم عبر انقلاب عسكري.
وقال المعهد: "وكما هو معروف، عمل السيسي عام 2014، بعد وصوله إلى السلطة، على تدمير الأنفاق وإغلاقها، ولكن من الواضح أن دافع حماس للحفر وكسب المال، كان أكبر من رغبة مصر في سد الثغرات". وفق زعمه.
إذ يدعي بقاء عدد من الأنفاق بين غزة ومصر، مفسرا ذلك بوجود عوامل عدة تسهم في استمرار عمليات التجارة والتهريب.
ويشير المعهد إلى أنه بموجب اتفاقية السلام بين القاهرة وتل أبيب، والاتفاق الإضافي الموقع عام 2005، "يُمنع نشر وحدات عسكرية مدربة ومجهزة بشكل مناسب في المنطقة (ج) داخل مناطق سيناء الحدودية مع إسرائيل وغزة".
وهو ما جعل وحدات حرس الحدود والشرطة المتمركزة على الحدود المصرية، غير مستعدة بشكل فعال للتعامل مع عمليات التهريب والتجارة في الأنفاق.
وتابع: "ثانيا، لعبت الاضطرابات الكبيرة التي عانت منها مصر منذ عام 2011 في أعقاب الربيع العربي، بالإضافة إلى أمور أخرى، إلى نمو التهديد الجهادي في سيناء، الأمر الذي تطلب ردا عسكريا فوريا".
ويضيف المعهد: "وبالمناسبة، لعبت إسرائيل دورا مهما في تقديم المساعدة العسكرية والاستخباراتية لمصر في التعامل مع هذا التهديد".
وكان المال أحيانا دافعا في استمرار عمليات الأنفاق الحدودية، كما يشير المعهد؛ حيث قال: "كان لعناصر محلية في الميدان -مثل البدو أو حتى عناصر أمنية- مصلحة في التعاون مع أعضاء حماس".
كذلك لم يستبعد "احتمال وجود عناصر تدعم حماس أيديولوجيا وسياسيا"، الأمر الذي أدى، حسب زعمه، إلى استمرار وجود الأنفاق.
مصلحة مشتركة
ويزعم المعهد أن حماس تعد معضلة مشتركة لكل من تل أبيب والقاهرة، قائلا: "من الناحية الإستراتيجية، كان لديهما مصلحة في إلحاق الضرر بالقدرات العسكرية والاقتصادية للحركة".
وأكمل: "بعد العملية العسكرية على غزة عام 2008، صرح مساعد وزير الخارجية الأميركي لشؤون الشرق الأوسط وقتها، ديفيد شينكر، بأن مصر وإسرائيل لديهما مشكلة مشتركة؛ وهي حماس".
ويبرهن المعهد على ذلك الأمر بقوله: "لذلك لم يكن من قبيل الصدفة أن عملية الجرف الصامد في 2014 (العدوان الإسرائيلي على غزة)، استمرت لـ51 يوما دون أي تدخل من قبل مصر".
ويلقي العدوان الإسرائيلي الحالي على غزة بظلاله على العلاقات بين مصر وإسرائيل.
فقد "فرضت الحرب الحالية عددا غير قليل من التحديات عليهما، خاصة مع دخول الجيش الإسرائيلي إلى رفح واستيلائه على المعبر، الذي كان رمزا مهما للحكم بالنسبة لحماس والفلسطينيين".
لكن يبدو أن صلابة العلاقة بين مصر وإسرائيل أدت، كما يؤكد المعهد، إلى "التعامل مع الأمر بحذر من جانب الدولتين".
وأضاف: "كما تتوسط مصر طوال فترة الحرب بين إسرائيل وحماس في قضية المختطفين وفي مسألة نهاية الحرب، حيث تسافر وفود إسرائيلية بشكل متكرر إلى القاهرة".
ويعيد التأكيد على التعاون الإستراتيجي بين إسرائيل ومصر في ملف إدارة الحدود مع قطاع غزة.
ويقول: "إذا كان هناك تفاوت بين المصالح الإستراتيجية لمصر والواقع التكتيكي على الأرض، فقد عززت الحرب الفهم بأن التكتيكي والإستراتيجي متداخلان تماما، عندما يتعلق الأمر بتأمين الأمن على الحدود مع غزة".
ويدلل على ذلك بالإشارة إلى تقارير مختلفة، توضح سعي إسرائيل لمراقبة الحدود المصرية الفلسطينية.
إذ تتناقش تل أبيب مع القاهرة أخيرا، “لبحث تركيب حساسات ووسائل أخرى على طول الحدود بين غزة ومصر”.
وهو ما "سيمكن إسرائيل من متابعة الأحداث تقنيا على طول المسار والمعبر، لمواجهة مشكلة الأنفاق والتهريب".
رفض الصفقة
وينتقل المعهد لمناقشة فكرة وجود مخاطر أمنية حال الانسحاب من محور فيلادلفيا ومعبر رفح.
إذ يؤكد على أن "المخاطر الأمنية التي قد يفرضها الانسحاب الإسرائيلي ليست غير قابلة للحل.
فالانسحاب لا يعني بالضرورة أن إسرائيل لن تتمكن من إحباط الهجمات أو التهريب، وفق تقدير المعهد.
ويستشهد بما يحدث منذ سنوات عديدة في المناطق (أ) في الضفة الغربية، التي تعد رسميا تحت المسؤولية الأمنية للسلطة الفلسطينية، لكن ينفذ جيش الاحتلال عمليات عسكرية عدة فيها.
ومن هذا المنطلق، يدعو المعهد إلى إعطاء الأولوية لملف الأسرى قائلا: “إن قضية المختطفين هي في المقام الأول إنسانية وأخلاقية”.
وتابع: "إن طرح محور فيلادلفيا ومعبر رفح كقضيتين غير قابلتين للتفاوض، أمر خاطئ من الناحية الأخلاقية".
ورأى أن "اعتراض نتنياهو على انسحاب الجيش من المحور والمعبر، هو ذريعة لرفض الصفقة أكثر من كونه حجة مشروعة ذات وزن".