منقسم وعاجز ولا يملك خطة.. لماذا اختفى الحزب الديمقراطي بعد فوز ترامب؟

لا يوجد لدى الديمقراطيين حاليا زعيم حقيقي أو إستراتيجية واضحة
رأت صحيفة إيطالية أن الحزب الديمقراطي الأميركي لا يعرف حاليا كيفية إدارة معارضته للرئيس الجمهوري دونالد ترامب، مؤكدة أنه منقسم ولا يملك خطة واضحة للمستقبل.
وأشارت صحيفة "إيل بوست" إلى اختفاء الحزب وقادته وكذلك مقترحاته، منذ بداية الولاية الثانية للرئيس الجمهوري في 20 يناير/كانون الثاني 2025، من النقاش العام.
انقسام بلا زعامة
وأضافت بأنه "لا يوجد لدى الديمقراطيين حاليا زعيم حقيقي أو إستراتيجية واضحة، والحزب منقسم بشأن كيفية ومدى الاستجابة لموجة القرارات والأوامر التنفيذية التي أصدرتها الإدارة الجديدة".
وتابعت أن الديمقراطيين "لم يجروا بعد تحليلاً حقيقياً لأسباب الهزيمة الانتخابية في نوفمبر/تشرين الثاني 2024 ولم يطوروا برنامجا يشير إلى اتجاه جديد".
وبحسب استطلاعات الرأي الأخيرة، تراجع بشكل كبير مستوى الإجماع حول الحزب بين الناخبين، فيما تبدو قاعدته منهكة وخائبة الأمل وهو ما أثر بشدة على الاحتجاجات والتعبئة ضد ترامب.
وبذلك تستنتج أن الحزب الديمقراطي غير قادر في الوقت الراهن على المعارضة الحقيقية أو التحرك لمحاولة استعادة الإجماع والتأثير.
وفي مطلع فبراير/شباط 2025، انتخب الأعضاء الديمقراطيون كين مارتن، زعيم الحزب في ولاية مينيسوتا، رئيسا جديدا لهم.

لاحظت الصحيفة الإيطالية أن هذا الدور ليس له أهمية كبيرة، مستدلة بأن الرئيس المنتهية ولايته منذ عام 2021، جيمي هاريسون، لم يكن أحد أبرز الشخصيات في السنوات الأخيرة.
ومع ذلك، أشارت إلى أن الانتخابات، التي شارك فيها العديد من المرشحين، حظيت بالمتابعة لتقييم ما إذا ظهرت أي مؤشرات على حدوث تغييرات أو اتضاح الاتجاه السياسي للحزب جازمة بأن هذا لم يحدث.
وفاز مارتن بـ "برنامج" يعتمد على مؤشرات عامة إلى حد ما، حول الحاجة إلى "استعادة الإجماع بين الطبقة العاملة"، وزيادة الشفافية وأدوات الاتصال، ولم تكن مقترحات المنافسين الرئيسين مختلفة كثيرا.
وتعتقد الصحيفة أن النقاش الملح أكثر في الوقت الراهن داخل الحزب يتعلق بكيفية الرد على جملة القرارات التي اتخذها ترامب، مثل تلك المتعلقة بإلغاء سياسات “التنوع الجنسي”.
وأمام الإجراءات التي اتخذها الرئيس الجمهوري الجديد وألغت سياسات الإدارة السابقة، لم ينجح الحزب الديمقراطي على الأقل حتى الآن في خلق معارضة قوية.
بل على العكس، يبدو أن النشاط الكبير للإدارة الجديدة قد اجتاح الديمقراطيين، أي أنهم غير قادرين على التحرك في مواجهته، وفق تعبير الصحيفة الإيطالية.
اختيار المعارك
وقال زعيم الأقلية في مجلس الشيوخ تشاك شومر، في مقابلة: "لن نستهدف كل قضية على حدة، سنختار المعارك الأكثر أهمية".
تلاحظ الصحيفة بأن الجميع لا يشترك في هذا النهج، مشيرة إلى ما ذكرته وسائل الإعلام الأميركية بشأن دعوة العديد من السياسيين الديمقراطيين الأكثر نفوذا في اجتماعاتهم الداخلية إلى معارضة أكثر جذرية وإقناعا لكل تحركات ترامب السياسية.
وأشارت إلى وجود وجهات نظر مختلفة داخل الحزب حول الإستراتيجية الأفضل، فبدلا من النهج التصادمي والضغط المستمر، هناك من يفضل الانتظار والترقب.
وذلك على اعتقاد بأن تصرفات الإدارة الجديدة ستجلب الفوضى في مختلف المجالات وأن هذه ستكون الطريقة المباشرة لاستعادة الإجماع.
بينما هناك أيضا من يقترح نهجا أقل تطرفا في المعارضة على الأقل في بعض المسائل بهدف الاقتراب من المواقف الأكثر اعتدالا التي يتقاسمها قطاع أوسع من الناخبين.

ويدور النقاش أيضا حول المسائل التي ينبغي أن تكون في مركز العمل السياسي، بين القضايا الاقتصادية وتكلفة المعيشة التي قد تؤدي بعض قرارات ترامب إلى تفاقمها، والدفاع عن الديمقراطية.
أو النقاط التي كانت محورية خلال الحملة الانتخابية، مثل حق الإجهاض، وحقوق الشواذ، ومكافحة تغير المناخ.
وهي مسائل تحشد بسهولة أكبر قاعدة الحزب الديمقراطي ولكنها أيضا الأقل مشاركة بين الناخبين على نطاق أوسع، على حد اعتقاد الصحيفة.
وقد أبرز استطلاع للرأي أجرته صحيفة نيويورك تايمز الأميركية أخيرا الفجوة بين المسائل التي يعدها الناخب ذات أولوية وتلك التي يعتقد الحزب الديمقراطي أنها كذلك.
الأُولى بينها الاقتصاد والهجرة والضرائب والأمن، فيما تشمل الثانية ذات الأولوية للحزب المهزوم في الانتخابات السابقة الإجهاض، حقوق الشواذ، تغير المناخ والحالة الديمقراطية.
وبحسب نفس الاستطلاع، فإن المسألة الوحيدة التي تتطابق فيها أولويات الحزب والناخبين هي النظام الصحي. وتسهم هذه الفجوة في تراجع شعبية الديمقراطيين.
ففي استطلاع للرأي أجرته صحيفة وول ستريت جورنال الأميركية، قال 60 بالمئة من المشاركين إن لديهم رأيا سلبيا عن الحزب، فيما أبدى 36 بالمئة فقط رأيا إيجابيا.
خيارات محدودة
وفي السنوات الأخيرة، لفتت الصحيفة إلى تأثر مقترحات الديمقراطيين بشكل كبير بمجموعات الناشطين الليبراليين والراديكاليين القادرة على جمع مبالغ كبيرة من المال من المانحين الأفراد.
وتشرح أن السياسيين الديمقراطيين اضطروا إلى تكييف برامجهم لتتماشى مع مطالبهم، وقد أدى هذا بمرور الوقت إلى دفع الحزب لاتخاذ مواقف أكثر تطرفا ولا تحظى بتأييد كبير بين الناخبين.
ويعتقد جزء من الحزب أن الهزيمة الانتخابية الأخيرة ليست مؤشرا على أزمة هيكلية، بل هي نتيجة لخيارات محددة ومحدودة.
ويبرر العديد من الديمقراطيين هزيمتهم في الانتخابات الرئاسية، وفي مجلسي الشيوخ والنواب، بخيار الرئيس المنتهية ولايته جو بايدن الترشح مجددا على الرغم من تقدمه في السن.
وأيضا استبداله في منتصف الحملة الانتخابية بنائبته السابقة كامالا هاريس وكذلك استفادة ترامب من محاولة الاغتيال التي تعرض لها في يوليو/تموز 2024.

وبحسب هذا التيار "المتفائل"، ستسهم انتخابات التجديد النصفي في نوفمبر/تشرين الثاني 2026 في استعادة الديمقراطيين الأغلبية على الأقل في مجلس النواب.
وأن تحدد الانتخابات التمهيدية الرئاسية التي ستليها قيادة جديدة للحزب من خلال مجموعة من حكام الولايات الشعبيين والمرشحين المحتملين بقوة لانتخابات 2028.
ويبدو أن أعضاء آخرين في الحزب أقل تفاؤلا إلى حد كبير، تشير الصحيفة مؤكدة وجود شعور معين بالتعب بين الناخبين الديمقراطيين وانعدام الأمل على نطاق واسع.
فيما يتحدث كثيرون عن السياق المختلف الذي يوجد فيه ترامب في ولايته الثانية، ففي عام 2016 لم يواجه معارضة نشطة من الحركات التقدمية فحسب.
بل واجه أيضا معارضة واضحة إلى حد ما من جانب الشركات التكنولوجية الكبرى، التي تلتزم اليوم بدلا من ذلك بدعم الإدارة الجديدة.
وقد يصعب هذا الأمر على الديمقراطيين اقتراح رسالة ورؤية بديلة تلقى صدى لدى الناخبين بطريقة مقنعة، وفق تأكيد الصحيفة الإيطالية.