على خطا تفريعة قناة السويس.. السيسي يتجه لتوريط مصر بمستنقع منخفض القطارة

إسماعيل يوسف | منذ ١١ يومًا

12

طباعة

مشاركة

في 6 أبريل/نيسان 2024، نشرت صحيفة بريطانية تقريرا بدا "دعائيا" لما أسمته "قناة السويس المصغرة الجديدة" التي ستجعل المطر يهطل في الصحراء، وأعادت نشره صحف النظام المصري.

تحدثت صحيفة "ديلي إكسبريس" عن "كشف مصر النقاب عن مشروع طموح يهدف إلى تحويل المناظر الطبيعية الصحراوية إلى منطقة صالحة للسكن ومناسبة للزراعة والاستيطان العمراني".

لكن هذا المشروع ليس جديدا وسبق طرحه عدة مرات منذ عام 1916، وعرض على حكومات الرؤساء المصريين السابقين وتم رفضه، لكن إعلام النظام المصري برئاسة عبد الفتاح السيسي عاد ليروج له تحت شعار “قناة سويس مصغرة في الصحراء”.

المشروع هو "منخفض القطارة" الذي قال موقع "صدى البلد" القريب من السلطة عنه، إن الحكومة المصرية تدرسه حاليا لتحويل المناطق الصحراوية إلى مساحات صالحة للسكن والزراعة.

ووصفه الموقع في 12 أبريل 2024 بأنه “خطوة طموحة لمواجهة التحديات الديمغرافية المتنامية في مصر”، رغم عشرات الدراسات التي أجريت في السنوات الماضية وأكدت عدم جدوى المشروع الذي سيكلف ميزانية الدولة قروضا جديدة بمليارات الدولارات.

قصة منخفض القطارة

يقع منخفض القطارة في شمال غرب مصر وتحديدا في محافظة مطروح ويُعد جزءا من الصحراء الغربية على عمق 133 مترا (436 قدمًا) تحت مستوى سطح البحر، وقاعه مغطى بأحواض ملح وكثبان رملية.

وتعود قصة هذا المنخفض لأزمنة قديمة حين كان هناك نهر يجرى غرب النيل واختفي تدريجيا مع التغيرات المناخية في منطقة الصحراء الغربية التي بقي فيها منخفضات أرضية أهمها "القطارة" و"سيوة" تجمعت بها المياه العذبة الجوفية.

وطُرح العديد من الأفكار على مصر منذ 1916 من جانب سياسيين وعلماء ومهندسين مصريين وأجانب لربط البحر المتوسط (الأعلى) بمنخفض القطارة (الأقل مستوى) لتوليد الكهرباء وخلق مجتمع جديد.

لكن المشروع عارضه العديد من العلماء والمتخصصين ومنهم الدكتور فاروق الباز الجيولوجي العالمي، لأسباب بيئية زلزالية واقتصادية تضر مياه مصر.

ويقع مقر المشروع بالقرب من مدينة العلمين، ويشمل شق مجرى مائي بطول 55 كيلومترا تندفع فيه مياه البحر المتوسط إلى المنخفض.

بحيث تتكون بحيرة صناعية تزيد مساحتها على 5 ملايين فدان، ويجرى استغلال اندفاع المياه لتوليد طاقة كهربائية رخيصة تصل إلى 2500 كيلووات/ساعة سنويا توفر مليارات الجنيهات.

وبدأ التفكير فيه عام 1916 البروفيسور هانز بنك أستاذ الجغرافيا في جامعة برلين، وأعاد طرحه جون بول وكيل الجمعية الملكية البريطانية عام 1931.

وبحسب دراسة منشورة على حساب "النقل المائي الداخلي والمعارف" على فيسبوك في 8 ديسمبر/كانون أول 2018، سيكون هناك مكاسب أخرى للمشروع بجانب توليد الكهرباء.

منها تحويل منطقة المنخفض في الصحراء إلى بيئة مستدامة ومناسبة للعيش حيث سيؤدي تبخر مياه البحر المستخدمة في توليد الكهرباء في طول المطر وإنشاء صناعات بحرية، وزيادة الثروة السمكية.

وإنتاج مياه نقية صالحة لجميع الاستخدامات (الشرب، والري، والاستخدامات الصناعية) مما يتيح تعويض نقص المياه العذبة ويجنب مصر المشاكل مع دول حوض النيل، بجانب إنتاج كميات كبيرة من الملح النقي عالي القيمة باليود.

فضلا عن إنشاء مشروعات ومنشآت سياحية على شواطئ المنخفض، ومصانع، وتسكين ملايين المصريين القادمين من وادي النيل الضيق وخلق فرص عمل لهم، مع تقليل آثار الاحتباس الحراري على مصر.

معوقات المشروع

أما معوقات المشروع، فهي التكاليف الكبيرة لحفر مسار قناة المشروع، والتي تبلغ حوالي 14 مليار دولار في آخر حسابات وزارة الكهرباء والطاقة عام 2018، ومتوقع أن تكون تضاعفت حاليا.

وتأثير المشروع الضار على آبار البترول في المنخفض، وتسرب مياه البحر للآبار، خاصة أن هناك امتيازات لشركات البحث عن البترول تنتهي عام 2029 في هذه المنطقة.

أيضا، التأثير المتوقع من تسرب ملح مياه البحر إلي مخزون المياه الجوفية الموجودة بكميات كبيرة في الصحراء الغربية، وتؤثر على عذوبة المياه الجوفية في الصحراء الغربية.

المنخفض أيضا يصعب أن يكون مكانا للحياة لصعوبة مد قناة من فرع رشيد الى المنخفض لتزويده بالمياه العذبة، لسببين: الأول أن حصة مصر من مياه النيل تقل باستمرار، خاصة مع خطر سد النهضة وحجزه المزيد من المياه.

والسبب الثاني أن المياه التي تندفع من فرعى دمياط ورشيد الى البحر تحمى الدلتا من أن يأكلها البحر وتحافظ على المياه العذبة الجوفية للدلتا.

ومع وصول مياه البحر للمنخفض وتبخرها ستتركز الأملاح فيه ويتحول المنخفض مع الوقت إلى "بحر ميت" بأملاح تزداد تركيزاً كل يوم ويتعذر معه الحياة سواء للأسماك أو للنباتات.

أما الأخطر فهو احتمال حدوث زلازل بنسبة 50 بالمئة بسبب هدر المياه من البحر للمنخفض وثقل المياه المخزنة فيه، إذ إن المتر المكعب الواحد من المياه يزن طنا.

ما الجديد؟

"الجديد في مشروع منخفض القطارة، هو سعى صحف السلطة لإخراج أي ملفات لـ"إنجازات" وهمية جديدة على غرار ما يحدث في بداية كل فترة رئاسية"، حسبما يقول عضو بارز في حزب معارض مصري لـ"الاستقلال".

وأضاف، مفضلا عدم ذكر اسمه، أن الأمر أخطر من مجرد طرح فكرة مشروع "قتل بحثا" وتم رفضه منذ عدة عقود بسبب أضراره ومخاطره الجانبية على المياه والزراعة والبيئة في مصر، حيث يستغل النظام "إخراس الشعب بالقمع" للنهب.

وأوضح أن التقديرات تشير لأرقام فلكية لتنفيذ هذا المشروع رغم فشله مسبقا، وقد يتخطى الأمر الـ 50 والـ 70 مليار دولار بالنظر لكل مراحل المشروع وليس الحفر فقط، ومع كل قرض يجري نهب جزء منه وهذه قصة المشاريع الوهمية باختصار.

الغريب أن التقرير البريطاني لصحيفة "ديلي اكسبريس" حول الاقتراح المصري بحفر قناة في الصحراء الغربية حتى منخفض القطارة لخلق بيئة صالحة للحياة، ورغم تطبيله للمشروع اعترف بفشله.

حيث ذكر أنه "بينما يشيد البعض بالنهج المبتكر الذي تتبعه مصر في معالجة قضايا السكان وإدارة الموارد، يثير البعض الآخر مخاوف بشأن التأثير البيئي وجدوى مثل هذا المشروع الضخم".

بل إن "ديلي إكسبريس" نشرت تقريرا يوم 20 أبريل 2024 حول كوارث مشروع السيسي في العاصمة الإدارية.

أوضحت أن التكاليف الضخمة للمشروع بالإضافة إلى أسعار المنازل في المدينة "لا يمكن لمعظم المصريين تحملها ما يحول العاصمة الإدارية الجديدة إلى صداع مالي هائل".

ذكرت أن المشروع كان مخططا أن يتكلف 38 مليار دولار لكنه تخطي 46 مليارا وبات يشكل "صداعًا كبيرًا لا يمكن تحمله".

ألمحت أن الهدف منه سياسي، وهو "أن تصبح هذه المدينة الضخمة الجديدة الفخمة الموطن الجديد لقصور السلطة المصرية، بعيدًا عن المباني القديمة والمزدحمة في القاهرة".

غضب أكاديمي

وفي السياق، انتقد خبراء وسياسيون معاودة نظام السيسي طرح هذا المشروع الفاشل ذي التكلفة العالية في وقت تعاني فيه مصر من بيع أصولها لسداد جزء من مليارات الدولارات التي استدانها.

وانتقد وزير الري السابق محمد نصر علام، في سلسلة تعليقات على فيسبوك، المشروع وتحدث عن "الآثار السلبية الخطيرة لنقل مياه البحر للمنخفض"، وانتقد أن يتكلف "مليار دولار" قروض وبدون دراسة.

وقالت أستاذة العلوم السياسية بجامعة القاهرة "علياء المهدي" أن والدها كان في الستينيات مدير مركز بحوث الصحراء وحين فكر الرئيس الراحل جمال عبد الناصر في المشروع وعرضه على الباحثين في المركز تم رفضه.

وأوضحت أن الرفض تكرر في عهود كل رؤساء مصر السابقين لعدة أسباب، منها أن المنخفض ينخفض 134 مترا عن سطح الأرض ودخول مياه البحر السريع على المنخفض سيسبب خلخلة كبيرة للتربة وجيولوجيا الأرض تؤدي إلى زلازل عنيفة تؤثر على كل مصر.

كما أن تدفق المياه المالحة من البحر المتوسط واختلاطها بخزان المياه الجوفية العذبة سيضيع رصيد مصر من المياه الجوفية العذبة الذي يمكن الاستفادة منه.

كذلك انتقد الدكتور يحيى القزاز أستاذ الجيولوجيا بجامعة حلوان سابقا تجدد إحياء مشروع منخفض القطارة لتوليد الكهرباء رغم استبعاد الفكرة لأضرارها، مثل ارتفاع نسبة الملوحة في خزانات المياه الجوفية، وعدم استقرار القشرة الأرضية.

وأكد في مقال بموقع "ذات مصر" يوم 17 أبريل أن "كل ما قيل عن أحلام وإيجابيات لمشروع منخفض القطارة يمكن تحقيقها وأكثر في سيناء بنفس الهمة والجدية الدافعة لمشروع القطارة".

ودعا لـ"تنمية حقيقية بدراسة جدوى تسبقها دراسات علمية متخصصة، فيها حماية مدنية لسيناء ضد أي غزو أجنبي وتأمين لعمق الدولة المصرية".

وأوضح أن مساحة سيناء ثلاثة أضعاف مساحة منخفض القطارة، وهي مهيأة، بشكل أفضل وأكثر للتنمية والعمران، وخلق فرص عمل وزيادة السكان ولا تحتاج ديونا جديدة لإنشائه.

فيما قالت "مجموعة تكنوقراط مصر" في تحذير لشعب مصر بعنوان: "أوقفوا اللصوص عن سرقة أموالكم"، إن “مسألة المشاريع ما هي إلا طريق هام لنهب الأموال…”.