الاحتفاء بالمصري محمد رمضان في معرض الكتاب المغربي.. ما دلالته فكريا؟

12

طباعة

مشاركة

غضب وانتقاد حاد في المغرب لحكومة عزيز أخنوش بعد استقبالها للفنان المصري المثير للجدل محمد رمضان لزيارة أروقة معرض الكتاب الدولي بالعاصمة الرباط رفقة وزير الثقافة محمد المهدي بنسعيد ومحاطا بحراسة كبيرة.

وجر الوزير على نفسه انتقادات واسعة، بسبب استضافته في 14 مايو/ أيار 2024 للممثل والمغني المصري في المعرض، حيث رأى العديد من الرواد أن الحدث افتقد طابعه الثقافي الفكري بعد استقبال رمضان.

واستغرب عديد من النشطاء، من استضافة الممثل المصري، ومن الاستقبال "الضخم المبالغ فيه" الذي حظي به من طرف الوزير وإدارة المعرض في دورته الـ29 والمقامة خلال الفترة ما بين 9 و19 مايو 2024.

بهرجة واستعراض

وأعرب كثير من المواطنين عن انزعاجهم من هذه الخطوة كون المعرض خاصا بالثقافة والفكر ويفترض استقبال الكتاب والمفكرين من طرف الوزير بدل "بهرجة" استقبال فنان وتحويله لـ"استعراض".

ويأتي حادث محمد رمضان بعد يومين فقط من ظاهرة “غريبة” شهدها المعرض من خلال استضافة كاتب مغمور سعودي يدعى أسامة المُسلم.

وغصت فضاءات المعرض بالمئات من الزوار من فئة المراهقين الذين جاؤوا للقاء الكاتب، ليتحول الأمر إلى ازدحام شديد تطلب تدخل العناصر الأمنية، ومن ثم قرار إدارة المعرض توقيف حفل التوقيع.

كما طغى الموضوع على النقاش في منصات التواصل الاجتماعي، حيث جرى التداول بين الرواد حول فعل القراءة أم أن الأمر يتعلق فقط بتأثر شريحة شبابية "بفعل تسويقي" قام به الكاتب على مستوى الشبكات الرقمية قبل حلوله بفضاءات المعرض، خاصة أن كتبه غير معروفة.

وقال الباحث المغربي بلال التليدي إن “وزير الثقافة يبحث عن إنجاح معرض الكتاب بوسائل لا علاقة لها بالثقافة والكتاب، البعض حول حدث توقيع كتب لكاتب مؤثر (في إشارة إلى أسامة المسلم) إلى ظاهرة جديرة بالتأمل، يستخلص منها دروسا عن الثقافة والنخب وميولات الشباب ومستقبل الكتاب”.

وأضاف التليدي "الحقيقة أن القضية لا علاقة لها بهذه الأبعاد جميعا.. كل ما في الأمر أن مقاييس صناعة الجمهور تغيرت.. هناك مؤثرون لهم جمهور واسع في العالم الافتراضي.. هناك من يؤثر بالنكت، وهناك من يؤثر بالمعارك السب والشتم، وهناك من يؤثر بمؤخرته، وهناك من يؤثر بصناعة بعض الجهات لجمهوره، وهناك من يؤثر بالتفاهة، وهناك. وهناك..".

وأوضح في تدوينة نشرها عبر فيسبوك في 15 مايو أن "المشكلة اليوم، أن هناك مؤسسات مؤتمنة على تشجيع الإبداع وحمايته، استباحته علنا، وأخرجت هؤلاء من فضاءاتهم الافتراضية، وأرادت حقنهم في الإعلام والفن والسينما والثقافة والكتاب.. ".

واستطرد: "أقول وأكرر ما حدث في المعرض شيء غير عفوي تماما، وهو يشبه إدخال المخرجين السينمائيين للعديد من المؤثرين الذين لم يدرسوا حرفا واحدا في الفن والتمثيل والسينما.. ".

وتابع "ليس لدينا ما يثبت ضلوع وزير الثقافة بنفسه في هذه الواقعة، لكن دعوته للفنان محمد رمضان وما يحوم حولها وحول مترتباتها من شبهات تبذير المال العام لتحقيق نجاح للمعرض الدولي للكتاب  بوسائل غير ثقافية، لا يبعد الشك في الموضوع برمته..".

وقال التليدي إن "البعض ركز على الحادثة من زواية الأمن والصحة، لكنه لم ينتبه لما هو أخطر مما يتعلق بتفجير الجسم الثقافي برمته، تماما كما يحدث اليوم في الجسم الفني السينمائي من إقصاء الفنانين وإقحام المؤثرين وتسييدهم في الميدان".

وخلص إلى أنه "في المحصلة، إذا كان لوزير الثقافة رسالة يريد إبلاغها  للنخب، فعلى النخب من كل التعابير الفكرية والثقافية والفنية أن ترد بالمثل، وتقول له ولغيره: إننا سنتوقف عن العمل، وسنترككم مع المؤثرين.. اصنعوا بهم وبالمجتمع ما تريدون.. فقط ابقوا بعيدا عنا ولا تأكلوا الثوم بأفواهنا".

وعلق المنتقدون لحدث زيارة محمد رمضان للمعرض، بين حقه في ذلك، ومرافقته من طرف الوزير المعني بقطاع الثقافة في المملكة، والذي ذهبت بعض ردود الفعل إلى القول إنه اختار أن “يسوق” لصورته من خلال حضور الفنان المصري.

وجاءت أغلب ردود الفعل المنتقدة لما أحاط بهذه الزيارة، ساخرة من مرافقة وزير الثقافة للفنان محمد رمضان، مشددة، في بعضها، على أن محمد المهدي بنسعيد "يميع” بهذه الخطوة الشأن الثقافي المغربي.

وضع كارثي

في السياق، يرى الكاتب عبد العزيز كوكاس، أن "معارض الكتب في كل دول العالم، فضاء لتلاقح ثقافي، للتعرف على هويات ثقافية وجغرافيات متنوعة والاستفادة من تجارب أدبية وفلسفية وفكرية…".

لكن ما يُلاحظ في معرض الكتاب بالرباط في الدورة الحالية بالخصوص، وفق كوكاس متحدثا لموقع "آشكاين" (ماذا هناك) المحلي في 15 مايو، هو الانتقال إلى بُعد "الفرجة"، حين عمدت الوزارة إلى استضافة رموز “لا علاقة” بالمعرض الدولي للكتاب، كما يجب أن يكون.

وقال "لا نريد أن يتم سرقة لحظة المعرض ونحولها إلى مجال فرجوي واستعراضي ونستقدم إليها وجوها تزكي ثقافة البهرجة، خارج مجال المعرض الدولي للكتاب".

وأوضح كوكاس، أن هذه الفئة من الفنانين "لهم العديد من المهرجانات لا يشاركهم فيها لا الكُتاب ولا المثقفون ولا غيرهم"، مبرزا أن حتى الأسماء التي وقع عليها الاختيار بين هؤلاء الفنانين تحمل "بعدا تجاريا تسويقيا".

وأكد أن الوزارة الوصية تتحمل جزءا كبيرا من المسؤولية، في استضافة ما لا علاقة له بالثقافة بمعرض الكتاب، مضيفا: ”من يريد أن يصنع الفرجة فليصنعها خارج هذا المجال، أما المبتغى هو خلق صناعة ثقافية هادفة تُساهم في تنمية البلد”.

الشاعر  عبد المجيد مومر الزيراوي، الذي مُنعت مؤلفاته من العرض في أروقة المعرض، "لمُجرد أنه سبق وأن انتقد وزارة الثقافة في عهد بنسعيد، بسبب انزياحها عن تشجيع الإبداع الفني والثقافي الهادف"، حسب قوله، كان حادا في تشريح الوضع.

وأكد الزيراوي بدوره لموقع "أش كاين" أن الوزير بنسعيد "رجل أعمال لا علاقة له بالثقافة ينهج سياسة فلكلورية، ربما السبب في فشل العديد من المشاريع التنموية الكبرى".

ورأى أن بنسعيد "يستعين بكل بشاعة بأناس لا علاقة لهم بالثقافة".

وشدد الزيراوي على أن "الوضع الكارثي" الذي يشهده المشهد الثقافي، راجع إلى تداخل المصالح، مشيرا أن "الوزير ربما يلجأ إلى هذا النوع (محمد رمضان) لإنجاح مشروعه التجاري لإنتاج السيارات (له شركة خاصة مشتركة)".

بعد الانتقادات الحادة، نشرت مواقع مغربية عديدة خبرا قصيرا بنفس الصيغة وبمصدر مجهول حاول تقديم تبرير للحادث.

وجاء فيه أن مصدرا مطلعا كشف أن زيارة محمد رمضان للمعرض الدولي للنشر والكتاب بالرباط "كانت بطلب منه، كاشفا حبه للقراءة والكتاب".

وذكر المصدر أن "الفنان المصري استغل وجوده بالمغرب لزيارة المعرض لاكتشاف أروقته، خصوصا دور النشر المصرية، للحصول على بعض الكتب".

وأفاد بأن "وجود رمضان بالمعرض تزامن مع حضور وزير الشباب والثقافة والتواصل، محمد مهدي بنسعيد، حيث طلب الفنان المصري لقاء الوزير، وهو ما حدث على تقدير أن المغرب كان دائما مرحبا بضيوفه من الفاعلين الثقافيين الأجانب، سواء في مجال الكتاب أو الغناء أو المسرح".

من جهته، قال المدون إسماعيل عزام: "محمد رمضان يزور معرض الكتاب أمر عادي.. هو كغيره من حقه أن يشتري وأن يقرأ الكتب رغم ما ينشره من إسفاف غنائي تحت اسم الفن".

واستدرك عزام في تدوينة عبر فيسبوك في 14 مايو : "لكن أن يستقبله وزير الثقافة.. ويعطي لما يقدم مصداقية رغم أن هذا الشخص سبق لنقابات وجهات ثقافية عربية أن رفضت التنسيق معه بسبب ما يقدمه.. فهذه فضيحة لوزير يريد خلق الحدث عبر البوز (BUZZ) وليس بالعمل الجاد".

وتابع: "لا أحد طالب من الوزير اتخاذ موقف.. لكن لا تسئ لتاريخ وزارة الثقافة التي تولاها أسماء قدمت الكثير للثقافة المغربية".

جدير بالذكر أن المعرض الدولي للنشر والكتاب احتضنته مدينة الدار البيضاء منذ دورته الأولى وعلى مدار سنوات طويلة وخلال 26 دورة، لكن مع قدوم حكومة عزيز أخنوش اختار وزير الثقافة بنسعيد تحويله إلى العاصمة الرباط، ما أثار غضبا لدى سكان العاصمة الاقتصادية.

وبرر الوزير آنذاك هذا القرار بأنه “مؤقت” بسبب تداعيات جائحة كورونا لكن بعد 3 نسخة متتالية، بدأت الاتهامات توجه للوزير بأن هناك لوبيات وعلاقات وشركات “صديقة” تستفيد من استمرار معرض الكتاب في عاصمة المملكة.