لماذا يصوت اليهود الأميركيون للحزب الديمقراطي؟ إليك 6 نظريات
“السلوك السياسي لليهود يوضع ضمن إطار المصالح السياسية التي يُعتقد أنها تخدمهم”
في ظهوره أمام المانحين اليهود في ولاية "نيوجيرسي"، قال الرئيس الأميركي السابق والمرشح الرئاسي عن الحزب الجمهوري، دونالد ترامب، إنه سأل رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، خلال اجتماعهما الأخير “لماذا يصوت اليهود للديمقراطيين؟”
فأجاب نتنياهو، وفقا لترامب، بأن "ذلك من باب العادة"، لكن الواقع أنه على مدى المئة عام الماضية، باستثناء عام 1980، أدلت أغلبية كبيرة من اليهود الأميركيين بأصواتهم لصالح مرشح الحزب الديمقراطي للرئاسة.
وفي الاستطلاع السنوي الذي أصدرته "اللجنة اليهودية الأميركية" (AJC)، في يونيو/حزيران 2024، قبل انسحاب الرئيس جو بايدن، من السباق الرئاسي، قال 61 بالمئة من اليهود الأميركيين إنهم سيصوتون لصالح بايدن، مقارنة بـ23 بالمئة قالوا إنهم سيصوتون لترامب.
كما أظهر استطلاع للرأي أجراه "معهد الناخبين اليهود" (JEI)، في أبريل/نيسان 2024، ونُشر في أغسطس/آب، أن 67 بالمئة من الناخبين اليهود سيصوتون لصالح بايدن بدلا من ترامب.
ووجد الاستطلاع نفسه أن بايدن يحظى بثقة أكبر بكثير من ترامب في مكافحة "معاداة السامية"، وأن اليهود لديهم آراء إيجابية تجاه بايدن والديمقراطيين، وسلبية تجاه ترامب والجمهوريين.
تحالف اليهود والليبراليين
وفي مقال له نشرته صحيفة "جيروزاليم بوست" العبرية، طرح أكاديمي إسرائيلي 6 تفسيرات لظاهرة ميل اليهود الأميركيين للتصويت للحزب الديمقراطي.
وقال عوزي ريبهون، وهو زميل بارز في معهد سياسة الشعب اليهودي ورئيس قسم الديمغرافيا اليهودية بالجامعة العبرية في القدس، إن "هناك عدة تفسيرات لهذا التفضيل السياسي، أولها تاريخي".
وأوضح أن "الأفكار الليبرالية خدمت اليهود جيدا من الناحية العملية، فمنذ الثورة الفرنسية، وجد اليهود حلفاء لهم في الدوائر الليبرالية، وفي دوائر اليسار الاشتراكي الراديكالي التي نشأت في كل من أوروبا والولايات المتحدة".
وأضاف أنه "نظرا لتجربتهم في الشتات كضيوف على مجتمعات أخرى، أدرك اليهود أنهم يستطيعون إحراز تقدم أفضل في ظل أنظمة ليبرالية تسمح بذلك، وتحظر التمييز بالقانون".
فضلا عن ذلك، ونظرا لأن "الليبرالية تكمن أيضا في صميم الروح الأميركية، فإن الولاء لمبادئها يسمح لليهود بإثبات ولائهم الكامل للولايات المتحدة".
ويرى تفسير ثانٍ أن مصدر الليبرالية اليهودية يكمن في القيم الدينية؛ إذ إن هناك ثلاثة مبادئ أساسية تصل بين الديانة اليهودية والأجندة الاجتماعية الليبرالية، وفق الأكاديمي ريبهون.
المبدأ الأول هو النصوص الدينية المقدسة، التي تعزز الفكر وتشرعن مفاهيم النسبية الثقافية، والعالمية، والتسامح.
والمبدأ الثاني هو الصدقة، الذي قد يمثل في العصر الحديث دعم الدولة للرفاهية، وحقوق الأقليات، والضرائب التصاعدية.
أما الثالث، فهو التركيز على البعد الدنيوي في اللاهوت، الذي يعزز النشاط والرغبة في تطوير المجتمع، والذي يُعرف في اليهودية بـ"تيقون عولم"، بمعناه الحرفي "إتقان العالم"، أي "إصلاح العالم".
وحول التفسير الثالث لسبب تصويت اليهود الأميركيين للحزب الديمقراطي، أوضح "ريبهون" أنه تفسير سوسيولوجي ينطوي على أن مصدر ليبرالية اليهود ناشئ عن التباين بين نجاحاتهم الاقتصادية ومنجزاتهم الاجتماعية.
ففي حين يُعرف اليهود بإنجازاتهم الواسعة على المستوى الاقتصادي، فإن قبولهم محدود على المستوى الاجتماعي، بحسب ريبهون.
وأوضح أن "هذا التناقض يخلق شعورا بالتهميش، وهو ما يترجَم إلى دعم اليهود للحركات الليبرالية، وحتى الراديكالية التي تتحدى النظام الاجتماعي والمؤسسة الثقافية التي تضطهدهم".
وقال ريبهون: "بمرور الوقت، نجح اليهود إلى حد كبير في الاندماج ونيل القبول داخل التيار السائد في المجتمع الأميركي؛ ومع ذلك، فإن الغالبية العظمى منهم ترى أن هناك بعض العداء للسامية في البلاد على أقل تقدير".
وفي هذا السياق، أشار إلى أن هناك محطات سياسية يوضع فيها اليهود الأميركيون موضع الاتهام بالولاء المزدوج، من ذلك مسألة رفع الإدارة الأميركية للعقوبات عن إيران، وقضية جوناثان بولارد، الذي تجسس على الولايات المتحدة لصالح إسرائيل".
الليبرالية اليهودية
ووفقا لنظرية رابعة حول التفاعل السياسي لليهود، فإنهم ينظرون إلى "الليبرالية بصفتها درسا تاريخيا ينقلونه من جيل إلى آخر".
هذا الانتقال "يكون عبر الأسرة، ويستمر رغم التغيرات في وضع اليهود في أميركا، حتى وإن كانت مصالحهم الاجتماعية والاقتصادية قد تتعارض مع الرؤية الليبرالية".
أما النظرية الخامسة -بحسب الأكاديمي- فهي ذات طابع سوسيوثقافي، حيث تفسر الليبرالية بصفتها رد فعل من اليهود الذين يسعون إلى التعليم وتبني الحداثة، لكنهم في الوقت نفسه يرفضون تبعاتها.
وقال ريبهون إن "مصدر الليبرالية اليهودية يكمن في قيم اليهود الذين، رغم ابتعادهم عن التقاليد الدينية، يجدون أنفسهم في تفاعل مستمر مع غيرهم من اليهود، وهو تفاعل يلعب دورا أساسيا في تشكيل توجهاتهم الليبرالية".
وزعم بأن "الالتزام اليهودي ليس تجاه تلك الليبرالية التي تحمل رسالة العالمية وسياسات دولة الرفاه والحريات المدنية، بل تجاه ليبرالية التنوير والإيمان بأن العقل البشري قادر على خلق مجتمع تقدمي منفصل عن الدين".
وأضاف نظرية أخيرة "تضع السلوك السياسي لليهود ضمن إطار المصالح السياسية التي يُعتقد أنها تخدمهم".
وتشمل هذه المصالح السياسية التفصيلية، البقاء (خصوصا الوجود المادي لدولة إسرائيل)، والانخراط الكامل في الحياة الاجتماعية الأميركية، والحرية الدينية، والمصالح الاقتصادية المتوافقة مع الهيكل المهني لليهود.
بالإضافة إلى "المصالح السياسية الكبرى المتعلقة بالتشريع وترتيب النظام الاجتماعي بطريقة تضمن استدامة وتحقيق هذه المصالح التفصيلية".
وقال ريبهون إن "هذه العوامل ستستمر في توجيه اليهود في الانتخابات الرئاسية الأميركية المقبلة، ولكن من المنطقي أن يعطي اليهود وزنا مفرطا للتقديرات المتعلقة بإسرائيل".
ويرى أنه "إذا كان الأمر كذلك، فإن التصريحات المتناقضة التي تطلقها مرشحة الحزب الديمقراطي، كامالا هاريس، حول الحرب الحالية (العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة) والصراع الإسرائيلي- الفلسطيني بشكل عام، قد تضعف دعم اليهود الأميركيين لها".
واستدرك: "كعامل موازن، فإن اليهود التقدميين، الذين ربما فكروا في عدم التصويت مطلقا في هذه الانتخابات، سيرون حاليا في هاريس مرشحة تعكس نظرتهم النقدية لإسرائيل، بشكل أفضل من بايدن".
وختم ريبهون بالقول: "في نوفمبر/تشرين الثاني 2024، سنختبر كيف تفرض العادة السياسية نفسها".