في أوروبا وأميركا اللاتينية.. ما سر دعم أحزاب اليسار للقضية الفلسطينية؟

منذ ٥ أشهر

12

طباعة

مشاركة

"سوف تولد شمسنا الجديدة من حريتنا" ذلك جزء من النشيد الوطني لدولة شمال مقدونيا الواقعة في وسط شبه جزيرة البلقان في جنوب شرق أوروبا.

ربما رأى سياسيون مقدونيون يساريون في فلسطين جزءا من قصة كفاح بلادهم ونضالها ضد المستعمر اليوغوسلافي حتى نالت استقلالها (1991)، لذلك قرروا الانتصار لقطاع غزة الذي يتعرض لعدوان إسرائيلي غير مسبوق.

وفي 3 نوفمبر/ تشرين الثاني 2023، أعرب برلمانيون من شمال مقدونيا، ينتمون إلى تيار اليسار، عن رفضهم للعدوان الإسرائيلي على غزة.

وطالبوا رئيس البلاد ستيفو بنداروفسكي بضم جنود من وطنهم إلى "قوات حفظ السلام الدولية، لضمان تقديم المساعدات الإنسانية لغزة."

وأصدرت كتلة اليسار في البرلمان المقدوني المكون من 120 نائبا، بيانا تضامنيا مع الشعب الفلسطيني.

طالبوا فيه "البرلمان بالتعبير عن موقفه السياسي من مشاهد المجازر المروعة وغير الإنسانية وغير المقبولة على يد الاحتلال الإسرائيلي".

كما تضمن البيان الذي نشره موقع صحيفة "نوفا مقدونيا" دعوة الحكومة المقدونية للاعتراف بدولة فلسطين المستقلة، وإقامة علاقات دبلوماسية معها على مستوى السفارات.

وفتح موقف اليسار المقدوني الباب على توجهات الحركات اليسارية في العالم، وتضامنها مع غزة. 

حيث أسهمت تلك الحركات في خلق توعية شعبية وخاضت معارك سياسية لأجل فلسطين، ففي أميركا اللاتينية كانت البطل الذي أخذ أشد المواقف ضد المحتل. 

وفي أوروبا كسروا الانحياز الغربي لإسرائيل، وكانوا هم الصوت المضاد لدعوات العنصرية والتطرف ضد الشعب الفلسطيني. 

وفي تركيا استلهموا تاريخهم وكانوا على قلب رجل واحد انتصارا لأهل غزة في محنتهم التاريخية. 

فلماذا اتخذ اليسار العالمي ذلك الموقف في هذا التوقيت الصعب؟ وما هي أبرز التكتلات اليسارية في العالم التي انتصرت لغزة؟ 

اليسار الأوروبي 

على الرغم من أن الموقف الرسمي لكثير من دول الاتحاد الأوروبي كان داعما بقوة لإسرائيل، ويغض الطرف عن جرائمها المروعة في غزة، لكن الأحزاب اليسارية الأوروبية خاصة في دول مهمة مثل فرنسا، كان لها رأي آخر، ووقفت في وجه عدوان الاحتلال وطالبت حكومات بلادها، باتخاذ إجراءات من شأنها وقف الحرب، وعدم مساندة إسرائيل. 

ومن أبرز الأمثلة حزب "فرنسا الأبية" اليساري المعارض، الذي أعلن في 10 أكتوبر/ تشرين الأول 2023، مع الأيام الأولى للعدوان، أن هجوم حماس يأتي في سياق تكثيف سياسة الاستيطان الإسرائيلية في غزة، والضفة الغربية والقدس الشرقية.

وأعلن الأمين العام للحزب جان لوك ميلانشون أن "العنف المستخدم يثبت أمرا واحدا فقط هو أن العنف لا يولد إلا العنف" في إشارة أن عملية "طوفان الأقصى" كانت مجرد رد فعل على السياسات الاستيطانية للاحتلال.

وعاد اليساري ميلانشون المترشح السابق للرئاسيات في فرنسا، يوم 27 أكتوبر 2023، وهاجم إسرائيل بقوة عبر حسابه في موقع "إكس". 

حيث قال: "تجرى مذبحة جماعية في غزة، والقوى ترفض فرض وقف إطلاق النار".

وأكمل: "هذه اللحظة من التاريخ هي عار إلى الأبد بالنسبة للمجرمين الذين يرتكبونها، ولأولئك الذين يدعمونهم دون قيد أو شرط، ولأولئك الذين سمحوا بحدوث ذلك، ولأولئك الذين يخشون الاحتجاج".
وفي 13 نوفمبر/ تشرين الثاني 2023، نظم حزب اليسار السويدي والجالية الفلسطينية في مدينة يوتبوري، مظاهرة حاشدة شارك فيها الآلاف السويديين، إضافة إلى الجاليات العربية، للمطالبة بوقف العدوان الإسرائيلي على غزة.

وطالب حزب اليسار السويدي (المعارض) حكومة بلاده بضرورة توفير متطلبات الحياة لأهالي القطاع، ونددوا بجرائم الاحتلال الإسرائيلي وصمت المجتمع الدولي الذي يكيل بمكيالين تجاه القضايا الدولية، على رأسها القضية الفلسطينية. 

ولحزب اليسار السويدي تاريخ مع فلسطين، ففي 23 سبتمبر/ أيلول 2019، تقدم النائب عن الحزب "هوكان سفنلينغ" بمشروع قرار للبرلمان السويدي من 15 بندا تتناول حلول للقضية الفلسطينية من عدة جوانب.

بما في ذلك اللاجئون والوضع القانوني والسياسي لمدينة القدس، ومستوطنات الضفة الغربية وجدار الفصل العنصري في الضفة الغربية، وكذلك رفع الحصار بشكل كامل عن قطاع غزة.

وفي أيرلندا كانت فلسطين حاضرة بقوة، إذ أعلن النائب الأيرلندي عن حزب "الشين فين" اليساري، "كريس أندروز"، في 14 أكتوبر 2023 أن "الشعب الأيرلندي يقف مع فلسطين".

كما هاجم العضو البارز في حزب العمال البلجيكي "اليساري" تشارلي لو بيج، المفوضية الأوروبية، متسائلا: "كم مرة رفعت المفوضية الأوروبية العلم الفلسطيني ضد جرائم الفصل العنصري للمحتل الإسرائيلي؟". 

اليسار اللاتيني 

تعد قضية فلسطين من الثوابت الرئيسة في دول أميركا اللاتينية التي يهيمن عليها اليسار، أو مشارك في الحكم بشكل أساسي.

فلا يزال الدعم التقليدي للقضية الفلسطينية هناك قويا ولافتا خاصة في الأحداث الصعبة كالعدوان الإسرائيلي الغاشم على غزة. 

ففي 31 أكتوبر 2023، أعلنت بوليفيا قطع العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل، بسبب ما وصفتها بـ"جرائم حرب ضد الإنسانية" في غزة.

وقال نائب وزير الخارجية البوليفي، فريدي ماماني، في مؤتمر صحفي: "قررت بوليفيا قطع العلاقات الدبلوماسية مع إسرائيل، وندين الأعمال العدوانية الإسرائيلية ونعدها تهديدا للسلام والاستقرار الدوليين".

ويقود بوليفيا الرئيس لويس آرسي، ذو التوجه اليساري، وقد استفز هذا دولة الاحتلال التي علقت على الخطوة البوليفية، عبر بيان من الخارجية الإسرائيلية، قالت فيه "إن العلاقات بين الدولتين كانت فارغة من أي مضمون".

كذلك استدعت كولومبيا سفيرها لدى إسرائيل للتشاور بسبب التصعيد المستمر في غزة المحاصرة.

وكتب الرئيس الكولومبي اليساري، غوستابو بيترو، في رسالة على موقع إكس: "قررت استدعاء سفيرنا لدى إسرائيل. إذا لم توقف إسرائيل المذبحة التي ترتكب بحق الشعب الفلسطيني فلن نتمكن من البقاء هناك".

وهو موقف لم تتخذه كثير من الدول العربية التي ترتبط بروابط الدين والدم والقومية مع فلسطين. 

كما استدعت تشيلي سفيرها أيضا، بعد أن وصفت العدوان على غزة بأنه "انتهاكات جسيمة للقانون الإنساني الدولي".

وقالت وزارة الخارجية في بيان: "تدين تشيلي بشدة وتراقب بقلق بالغ هذه العمليات العسكرية".

ويقود تشيلي الرئيس الشاب اليساري غابريال بوريك، الذي يعد من أكبر مناصري القضية الفلسطينية في القارة اللاتينية، ومعاديا للسياسة الإسرائيلية. 

وسبق أن قال في مقابلة تلفزيونية يوم 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2021 إن "إسرائيل دولة إبادة ودولة إجرامية.. يجب أن ندافع عن حقوق الإنسان مهما كانت قوة الدول".
 


اليسار التركي 

تركيا بوصفها من أكبر الدول الإسلامية، تتصدر دائما في الانتصار للقضية الفلسطينية على المستوى الشعبي والرسمي. 

ومع قوة المعارضة التركية والاختلافات الشرسة بينها وبين حزب العدالة والتنمية الحاكم بقيادة الرئيس رجب طيب أردوغان، لكن تعد فلسطين من القضايا التي يتلاقى فيها الجانبان بأساليب مختلفة. 

فمثلا تعود جذور التعاطف تجاه الشعب الفلسطيني من قبل اليسار التركي، إلى البيئة السياسية في السبعينيات.

وهي الفترة التي شهدت ذهاب بعض رموز اليسار التركي، مثل "دينيز جيزمش"، لتلقي تدريبات عسكرية في فلسطين.

وشهد يوم 17 أكتوبر 2023، وهو يوم ارتكاب العدوان الإسرائيلي مجزرة المستشفى المعمداني بغزة (راح ضحيتها 500 شهيد) نزول تجمعات كبيرة من الكتلة اليسارية للتظاهر أمام القنصلية الإسرائيلية في إسطنبول.

وفي 23 أكتوبر أجرى عضو الهيئة التنفيذية المركزية لـ "حزب اليسار التركي" ألبير تاش، حوارا مع صحيفة "النهار العربي" اللبنانية.

وقال "إن الحركات الاشتراكية اليسارية هي التي نقلت القضية الفلسطينية إلى جدول الأعمال العالمي، ليس في تركيا فحسب، بل وفي العالم أجمع". 

وأضاف: "القوى الديمقراطية الثورية اليسارية في تركيا أصبحت جزءا من الحرب ضد إسرائيل وهناك يساريون (أتراك) فقدوا حياتهم في هذه الحرب".
 


فلسطين واليسار 

وتعليقا على المشهد، قال الناشط اليساري عمرو مجدي إن "السبب الرئيس في خوض اليسار معركة الانتصار لفلسطين ولشعبها تكمن في كون أن الصهيونية في الأساس مشروع يميني مضاد للشعوب وقائم على أساس استعماري توسعي، وهذا هو (الشيطان) في التوجه اليساري". 

وأضاف لـ"الاستقلال: "لو نظرنا حولنا فسنجد أن الصهاينة يلقون دعم عتاة الإمبريالية والرأسمالية كما كان خلال عهد دونالد ترامب وسياساته الحمقاء، ومن بعده جو بايدن، إضافة إلى الدول الكبرى الاستعمارية من الولايات المتحدة إلى بريطانيا وفرنسا". 

وتابع مجدي: "رغم وجود حركات يسارية واشتراكية إسرائيلية، لكن الصهيونية تأبى إلا أن تنحرف نحو حكومات يمينية متطرفة، فيها أمثال إيتمار بن غفير، واليسار ينظر إليها بوصفها أساس ظاهرة الاستعمار والاستيطان". 

واستطرد: "لذلك سنرى أن أميركا اللاتينية، تعتبر الرأسمالية والصهيونية سببا في إفقار واضطهاد شعوب العالم الثالث والسكان الأصليين".

الناشط اليساري أوضح أيضا أن "هذا ما يعلل انتصار الشعوب اللاتينية لفلسطين، لأنهم يرون فيها أنه تمثل قصتهم وقضيتهم، قضية استعادة السكان الأصليين لحقوقهم".

وختم مجدي بالقول: "هذا أساس في الفكر اليساري، لأن الشعوب الأصلية في تلك الدول اللاتينية تعرضت لمحاولات إبادة عرقية، وهذا يتشابه مع القضية الفلسطينية التي تخوض حربا صعبة ضد الصهيونية ومن ورائها النظام العالمي الرأسمالي المتوحش".