زرع الإحباط ونخر المؤسسات.. إستراتيجية إيران لـ"غزو" إسرائيل من الداخل

منذ ٨ أشهر

12

طباعة

مشاركة

بالتزامن مع ارتفاع حدة التصعيد العسكري بين إيران وإسرائيل في الشهور الأخيرة، ثمة مواجهة مغايرة تدور في الفضاء الرقمي بين الخصمين اللدودين وتجذب كثيرا من الانتباه الدولي.

وفي تقرير جديد عن هذا الملف، أورد معهد دراسات الأمن القومي الإسرائيلي، تفاصيل جديدة عما أسماها "عمليات النفوذ العدائي الإيراني في الفضاء الرقمي الإسرائيلي، خاصة بعد 7 أكتوبر/ تشرين الأول 2023".

ورصد المعهد في تقريره كيف تتم هذه التدخلات الإيرانية عبر وسائل التواصل الاجتماعي المختلفة، وكيف يمكن لإسرائيل أن تتعامل مع هذا التهديد.

وتهدف طهران من تلك العمليات، بحسب المعهد، إلى توسيع الشرخ الاجتماعي والسياسي داخل إسرائيل، وتوليد التوتر السياسي، وتشجيع التظاهرات ضد الحكومة، والتحريض على العنف.

كما تستهدف أيضا "زرع الإحباط لدى الجمهور، ومحاولة التغلغل في عمق الخطاب المحيط بقضية المختطفين، وتعميق انعدام الثقة في الحكومة ومؤسسات الحكم".

حرب مغايرة

يقول المعهد الإسرائيلي في مطلع تقريره إن النفوذ الإيراني بات يلغي الحدود بين العمليات في الفضاء الرقمي والفضاء المادي، إذ تداخلت الحدود بين ممارسات النفوذ والتجنيد وجمع المعلومات الاستخبارية".

وهو مزيج ينتج عنه تهديدات جديدة في الفضاء الرقمي، مما يعقد من عملية مواجهة هذه الأنشطة.

ويهدف استخدام البعد الرقمي في الحرب، إلى تقويض قدرة المواطنين على معرفة الحقيقة، وطمس التمييز بين الحقيقة والأكاذيب، والضحايا والجناة، والفائزين والخاسرين.

والمثير للقلق أن "السكان المحليين يروجون ويدعمون -بأنفسهم وبدون علم- هذا المحتوى المعادي".

ولذلك هاجم المعهد شبكات التواصل الاجتماعي قائلا: "لقد أصبحت شركات وسائل التواصل الاجتماعي، إلى حد ما، "وسطاء" في حرب المعلومات، مما يسمح للأطراف المعادية بتوزيع محتوى مسيء ومعلومات كاذبة على منصاتها على نطاق واسع".

ثم يشرع المعهد في الحديث عن فهم جذور ودوافع النشاط السيبراني الإيراني خلال عملية “طوفان الأقصى”، حيث رأى أن "نشاطها في هذا المجال، يخدم أهدافا إستراتيجية محددة للنظام الإيراني، ولا يتم من فراغ".

فوفقا للمعهد، "بعد أن تفاجأت إيران بهجوم حماس صبيحة السابع من أكتوبر، تحركت طهران واتخذت قرارا إستراتيجيا، بالعمل على وقف سريع لإطلاق النار، حفاظا على حماس كهيئة عسكرية وسياسية مهمة في قطاع غزة".

إذ يشير المعهد إلى أن "طهران ضغطت عبر وكلائها في المنطقة؛ حزب الله والحوثيين والمليشيات الشيعية في العراق، على إسرائيل والإدارة الأميركية لوقف الحرب".

وأضاف: "وعملت في الوقت ذاته على عدم استخدام القوة المباشرة ضد إسرائيل أو الولايات المتحدة، خوفا من التحول إلى مواجهة مباشرة مع القوات الأميركية في الخليج، خاصة بعد التعزيز العسكري غير المسبوق من واشنطن لتل أبيب".

وأردف المعهد: "من هنا، كان البعد السيبراني هو الخيار الوحيد المتاح لإيران لزيادة الضغط على إسرائيل خلال الحرب".

حيث "يمكنها تنفيذ عمليات دون المخاطرة برد فعل إسرائيلي مباشر أو التصعيد، حيث لا يمكن إثبات مسؤوليتها عنه".

وأضاف: "كما أنها نجحت من قبل في استخدامه ضد إسرائيل، ما زاد من ثقتها في نجاح هذا الأسلوب في الدفع لإضعاف التماسك الداخلي في إسرائيل أثناء القتال، مما سيسرع الفهم في إسرائيل، بضرورة وقف الحرب في غزة".

ويوضح أن "الهجمات السيبرانية التي نفذتها إيران منذ 7 أكتوبر كانت تستهدف البنية التحتية الإسرائيلية الداعمة، مثل المستشفيات، وتهدف إلى إلحاق الأذى بالمجهود الحربي الإسرائيلي وتعزيز الضغط النفسي على إسرائيل".

ويشير المعهد إلى أن إيران تستغل نقاط الخلاف والانقسامات في إسرائيل، لترويج أهدافها الإستراتيجية، خاصة خلال الحرب الحالية.

حيث "تركز الجهود الإيرانية على القضايا المثيرة للجدل كقضية المختطفين، والقتلى والجرحى، وتزايد انعدام الثقة في الحكومة".

اللعب على المتناقضات

ويستعرض المعهد بالتفصيل نشاط سبع شبكات نفوذ أجنبية، عملت خلال النصف الأول من الحرب، وتحديدا من أكتوبر 2023 إلى مايو/ أيار 2024.

ويستند تصنيف عناصر النفوذ الأجنبي على أنهم إيرانيون، إلى رسائل جهاز الأمن الداخلي الإسرائيلي "الشاباك" التي نشرها في وسائل الإعلام، وفق ما أفاد المعهد.

وتنوعت أهداف تلك الشبكات، فمثلا "عمدت شبكة "يومض أسد يهوذا" إلى تعريف نفسها على أنها مجموعة إسرائيلية يمينية متطرفة، وعملت على نشر دعاية ومعلومات مضللة، والتحريض ضد العرب الإسرائيليين، وقوات الأمن، عبر منصات متعددة، بهدف خلق فوضى وانقسام".

ولم يختلف الأمر كثيرا مع شبكة "قبضة"، التي يشير المعهد إلى أنها عززت التوتر بين اليهود والعرب، من خلال نشر محتوى متطرف وتحريضي، وتنظيم مظاهرات لزيادة التوتر الأمني.

أما شبكة "دموع الحرب"، فقد أوضح المعهد أنها استخدمت قاعدة بيانات للقتلى والمختطفين لنشر محتوى بصورهم، وتجنيد إسرائيليين لدعم قضية المختطفين، مثل تعليق اللافتات في الأماكن العامة، وتنفيذ مهام محلية غير قانونية تخدم الأجندة الإيرانية.

وتظاهرت شبكة "احضر للمنزل الآن" بدعم عائلات المختطفين، لجمع تفاصيل شخصية عن الإسرائيليين، وتعزيز الانخراط المحلي بين الجمهور، وفق ما أفاد المعهد.

وأضاف: "وركزت شبكة "عاجز" على نشر رسائل تحفز الإحباط، والتركيز على معاناة النساء والجنود والمختطفين".

أما الشبكة السادسة التي تحدث عنها المعهد، كانت باسم "هنا"، وقد استخدمت منصات رقمية، للتظاهر بإجراء استطلاعات لجمع معلومات عن الإسرائيليين.

وتحت عنوان شبكة "إسرائيل الثاني"، عملت تلك الشبكة الإلكترونية على مدار عامين، على التأثير في الخطاب العام الإسرائيلي عبر منصات التواصل الاجتماعي. 

ويوضح المعهد: "ففي عام 2021، استخدمت الشبكة حسابات لدعم قضايا مثل فصل الدين عن الدولة وحقوق المثليين. ومع ذلك، نجد أنها في المقابل أنشأت حساب انتحل صفة حاخام يهودي، يحرض ضد العلمانيين والنساء".

وأكمل: "خلال انتخابات الكنيست في 2022، استهدفت الشبكة حصد دعم اليساريين بنشر رسائل سلبية ضد بن غفير وتقديمه على أنه "خطر على إسرائيل"، ودعمت في ذات الوقت حملة "لص الانتخابات" لليمين، التي يشوه فيها اليسار".

وبناء على هذا النشاط المتضارب، يخلص المعهد إلى أن "النشاط الإيراني يحاول التأثير على جميع الأحزاب في نفس الوقت". 

وأضاف المعهد: "بعد اندلاع حرب 7 أكتوبر، تحولت الشبكة للتعليق على الأحداث الجارية، مروجة لمؤامرة "الخيانة من الداخل"، وتحريض ضد المعارضين لنتنياهو، باستخدام التكنولوجيا المزيفة".

ومن أمثلة ذلك، "اتهام الشبكة للمتظاهرين المناهضين للانقلاب وقوات الأمن، بالتعاون مع حماس، من خلال توزيع مقطع فيديو لنتنياهو، تم إنتاجه باستخدام تقنية التزييف العميق".

وفي السياق الحالي، يرصد المعهد عددا من المواضيع المركزية الموجهة إلى مختلف الجماهير المستهدفة من طرفي الخطاب السياسي.

حيث "يوجد جمهور يؤيد توسيع القوة العسكرية واستمرار الحرب، ويطالب حتى بالاستيطان في قطاع غزة؛ وجمهور يؤيد عودة المختطفين ضمن صفقة ووقف الحرب؛ وتيار معارضي نتنياهو والمتظاهرون ضد الانقلاب القضائي؛ وأخيرا أنصار نتنياهو والحكومة".

ويتابع: "يمكنك أن ترى عدة شبكات تردد وتروج لدعوات موجهة إلى جمهور يؤيد استمرار الحرب وتكثيف استخدام القوة، بل وتدعو إلى احتلال قطاع غزة وإقامة المستوطنات في غوش قطيف".

ووفق المعهد، يمكن رؤية مثال على هذه الشبكات في "أغروف" و"مابزيكي أرييه يهودا".

على الجانب الآخر، عملت عدة شبكات بين الجمهور على المطالبة في المقام الأول بعودة المختطفين من خلال الترويج لصفقة وإنهاء الحرب، ويمكن رؤية مثال على هذه الشبكات في "BringHomeNow أعدهم إلى الوطن الآن"، و"دموع الحرب"، و"عاجز"، و"إسرائيل الثانية".

طريقة العمل

ويقول المعد إن الأذرع الإيرانية تعمل بطريقة منهجية مشتركة ومنظمة، حيث "يركز المؤثرون الإيرانيون على جودة الأصول الرقمية على منصات التواصل مثل (إكس، فيسبوك، انستغرام، يوتيوب، واتساب، تلغرام)، بدلا من الاعتناء بـ"كمية" الأصول".

وأضاف موضحا: "إنهم يفضلون استثمار الموارد في إدارة عدد محدود من الأصول الرقمية عالية الجودة والمستهدفة، بدلا من إدارة عدد كبير من الأصول منخفضة الجودة".

كما يعمد مشغلو التأثير الإيراني إلى تنظيم عملهم حول "علامة تجارية" مركزية، حيث يقول: "إنهم يستثمرون في بناء أصول على منصات وسائل التواصل الاجتماعي".

ويتابع: "يجرى اختيار أسماء المؤدين، وتصميم الشعارات، وإنشاء خط تصميم واضح للمنشورات، لتلبية الفروق الدقيقة في الخطاب المحلي في إسرائيل".

وأردف: "هذا الإعداد يمنح الأصول مظهرا احترافيا وموثوقية، مما يسهم في بناء هوية واضحة وقابلة للتكيف مع مختلف الجماهير المستهدفة".

أما الطريقة الثالثة تأتي تحت عنوان "دعم شبكة الحسابات الوهمية"، و"تدعم شبكة من الحسابات المزيفة عالية الجودة ذات الطابع الإسرائيلي، عددا من الأصول الرقمية الخاصة بالعلامات التجارية المختلفة".

ويكمل المعهد: "تعمل هذه الحسابات كمصادر للتواصل، وترويج الرسائل المعنية بالمنظمات المختلفة التي تروج لها الشبكة".

بالإضافة إلى ذلك، "يُستخدم عدد كبير من الحسابات المزيفة ذات الاستثمار الأقل، لزيادة ظهور الحملة ومنشوراتها، من خلال نشر الملصقات والرسوم والرسائل المتطابقة، وتعزيزها بالإعجابات والمشاركات والتعليقات".

كما رصد المعهد وجود اتجاه متزايد يشير إلى استخدام خدمات الشبكة المفتوحة والمجانية بجانب الكيانات الرقمية على شبكات التواصل، مثل نماذج غوغل، ومواقع بناء الالتماسات، والصفحات المقصودة مع روابط مركزة، بالإضافة إلى حسابات “باي بال” لجمع التبرعات.

وجاءت الطريقة الخامسة تحت بند "استغلال الذكاء الاصطناعي"، إذ لاحظ المعهد استخدامه خلال الحرب لتصميم الملصقات وتوزيع مقاطع الفيديو المزيفة. 

ويشدد على أنه "بالرغم من أن جودة هذه المنتجات ليست مثالية، إلا أنها عالية بما يكفي لتشتيت انتباه المواطنين ووسائل الإعلام والمسؤولين".

ويرى أنه "كانت هناك زيادة ملحوظة في جودة وكمية هذه المنتجات، مما يشكل تحديات في تحديد المعلومات ومراقبتها".

في إطار الترويج لمثل تلك الفيديوهات، يشير المعهد إلى "توزيع مقطع فيديو مزيف، يخاطب فيه نتنياهو (المزيف) يهود العالم، ويوضح باللغة الإنجليزية لماذا ليس مسؤولا عما حدث في 7 أكتوبر".

وأضاف المعهد: "ويواصل نتنياهو (المزيف) إعطاء تفاصيل من هم الجناة الحقيقيون في رأيه، بما في ذلك الجيش الإسرائيلي وقوات الأمن والشرطة والمعارضة والمتظاهرين ضد الحكومة، ويدعو متلقي الفيديو إلى الاستثمار في إسرائيل لمنع الأضرار الاقتصادية للبلاد".

من الافتراضي إلى الحقيقي 

ويتناول المعهد في هذا الجزء، كيفية استخدام إيران للمجال الرقمي للتأثير على الخطاب المحلي وإحداث تغييرات في الفضاء المادي. 

حيث يشير المعهد إلى أن "إيران تستغل الفضاء الرقمي، لخلق أحداث ملفقة تهدف إلى التأثير على الجمهور وقادة الرأي وصناع القرار".

فمن "خلال خلق أحاسيس واهية في الفضاء الرقمي، تحاول إيران دفع الناس إلى التصرف في الواقع المادي".

كما يتضح من مثال قناة "ومضات أسد يهوذا" التي نشرت معلومات مضللة لتحفيز العنف، حيث تم توزيع تفاصيل وصور لفلسطينيين، مع إشارة لنية إطلاق النار على وجوههم.

ويعود المعهد إلى تاريخ 11 أكتوبر 2023، حين حاول أعضاء مجموعة "لا فاميليا" اقتحام مستشفى شيبا بعد انتشار أخبار كاذبة عن وجود إرهابي فلسطيني في المستشفى.

ويتابع: "أدى ذلك إلى اضطراب عند غرفة الطوارئ، وتم القبض على ثلاثة منهم، كانت الأخبار الكاذبة قد نُشرت على قناة "أسد يهودا" على تلغرام، بهدف إثارة أعمال شغب وعنف في مستشفيات مختلفة في إسرائيل".

حادثة أخرى يسلط المعهد الضوء عليها، وهي ما حدث في 4 يوليو/ تموز 2024، عندما "أُرسل شخص غريب إلى منزل والدي ليري إلباغ المختطف في غزة، يحمل باقة زهور مع رسالة تهنئة يبدو أنها بريئة".

واستدرك المعهد: "لكنها كانت تهدف إلى إحداث ضجة إعلامية، إذ إن الرسالة استغلت ألم العائلة لتأجيج المشاعر ضد المجتمع الإسرائيلي وصنع انقسامات".

حيث "كانت إيران تتحرك تحت عنوان "خلق العواصف الإعلامية والسيطرة على الخطاب المحلي"، إذ يُظهر هذا النشاط مدى الألفة والقدرة التي يتمتع بها الإيرانيون، على إحداث ضجة إعلامية والسيطرة على الأجندة العامة والإعلامية".

ويكمل المعهد: "هذا التصرف كان جزءا من محاولة لإثارة الغضب وعدم الثقة بين المواطنين وتحقيق تأثير إعلامي".

وبالفعل، "أدت الحادثة إلى ردود فعل قوية في الإعلام، حيث ظهرت العائلة في البرامج الإذاعية تعبر عن حزنها واستغرابها من هذه الخطوة".

ولاحظ المعهد أن إرسال الشخص الغريب إلى منزل والدي ليري إلباغ في 24 يوليو/ تموز 2024 أثار اهتماما ملحوظا، تم رصده في بحث "غوغل تريند Google Trends"، حيث ارتفع بشكل ملحوظ البحث عن اسم عائلة الجندي الأسير "الباغ".

ورأى أن "هذا الحدث أبرز كيفية استخدام الأصول الرقمية، من قبل المؤثرين على وسائل التواصل الاجتماعي لخلق نشاط في العالم الحقيقي، حيث تم استخدام رقم هاتف مرتبط بحساب واتساب لطلب باقة الزهور من متجر محلي".

ويؤكد المعهد أن "عملية التحليل والمراقبة المستمرة للمعلومات الرقمية، يمكن أن تساعد في كشف وتحديد عمليات التأثير الأجنبي". 

وبحسب المعهد، فقد "أسهم إعلان الشاباك عن ارتباط الحادث بعملية نفوذ إيرانية، في تقليص انتشار وتطور النقاش حول القضية".

من الأمثلة الأخرى أيضا التي رصدها وتدل على التداخل بين الفضاء الإلكتروني والواقع المحلي، هو "استخدام عمليات النفوذ الإيراني في الفضاء العام في إسرائيل، أسلوب تعليق اللافتات والملصقات في الأماكن العامة، مثل الشرفات ومحطات الحافلات، كوسيلة لخلق مظهر زائف من الموثوقية والأصالة".

وتابع: "يتم تصوير هذه اللافتات، ثم نشرها على شبكات التواصل الاجتماعي، لتبدو وكأنها ذات صلة بالمجتمع المحلي".

وأكمل: "هذه الطريقة تعزز الثقة لدى المستخدمين في المحتوى الذي يواجهونه، حيث يظنون أن هذه العلامات تعكس مصدرا موثوقا ومحليا، مما يقلل من شكوكهم تجاه الكيانات الأجنبية أو المشبوهة".

ويحذر المعهد من وجود مخاطر أخرى من عمليات النفوذ الإيراني الرقمية، إذ تستهدف طهران تجنيد عملاء تابعين لها على الأرض داخل إسرائيل.

حيث قال: "النشاط الإيراني لا يقتصر على النشر العام؛ بل يشمل أيضا التواصل المباشر مع المواطنين عبر الرسائل الخاصة على تطبيقات المراسلة مثل واتساب، وتلغرام، والبريد الإلكتروني".

وأردف: "هذا الأسلوب يتيح خلق تداخل بين التأثير والتنشيط والتجنيد وجمع المعلومات، مما يخلق مظهرا موثوقا يساهم في زيادة فعالية الرسائل المرسلة".

وأكمل قائلا: "فمن خلال بناء صورة موثوقة للأصول الرقمية على الشبكات الاجتماعية، يتمكن القائمون على التأثير، من تقديم عرض أكثر إقناعا للمواطنين المحليين عند تواصلهم مباشرة".

وهذا ما حدث بالفعل خلال الحرب، إذ "أظهرت الأنشطة الإيرانية تنوع استخدام الفضاء الرقمي، بما في ذلك تجنيد الإسرائيليين من خلال عروض عمل وحملات استطلاع، وتنفيذ إجراءات ملموسة مثل تعليق لافتات وتصوير المتظاهرين، وكذلك دفع ثمن الإعلانات على قنوات تلغرام الشعبية".

وينبه المعهد إلى أن "هذه الأنشطة توضح كيف يمكن للفضاء الرقمي، أن يُستخدم بشكل متواز لأغراض التأثير والجمع والتنشيط والتجنيد، مما يجعل الخطوط بين هذه الأنشطة غير واضحة".

وقسم المعهد شبكات عمليات النفوذ الإيرانية في إسرائيل خلال الحرب إلى ثلاثة أقسام.

المجموعة الأولى "تتمثل في العمليات الجديدة بعد اندلاع الحرب، مثل مجموعة "دموع الحرب" التي تتناول معاناة الحرب، و"أحضروهم إلى المنزل الآن" التي تتناول قضية المختطفين، و"العاجزين" التي تستهدف النساء المتأثرات بالحرب".

أما الفئة الثانية تتضمن "العملاء النشطين قبل الحرب، وهؤلاء استمروا في نشاطاتهم ولكنهم تحولوا للتركيز على مسائل الحرب، مثل شبكة "إسرائيل الثانية" التي ركزت على الانقسامات الاجتماعية، والعمل على إنشاء اتصالات مع مواطنين إسرائيليين على انفراد".

كما "كانت هناك شبكة "شيني ليفاف" التي تظاهرت بأنها مجموعة تعارف محلية رومانسية".

وثالثا، شبكات "بقايا العمليات السابقة"، التي أعيد تنشيطها خلال الحرب، مثل شبكة "أغروف" التي نشطت في التحريض ضد اليساريين والفلسطينيين.

ويلفت المعهد النظر إلى أن معظم هذه الشبكات القديمة، قد تم إغلاقها بعد كشفها إعلاميا، لكن بعض الحسابات التي "نجت" من الإغلاق، خاصة على تلغرام، عادت إلى العمل خلال الحرب. 

مثال على ذلك "شبكتا "BBMOVEMENTS بي بي موفمنتس"، و "Adok أدوك"، اللتان عملتا في عامي 2020 و2021، وعادتا للنشاط خلال الحرب".

ولذلك يرى المعهد أن "الأحداث الكبرى توفر فرصا لإحياء الأصول القديمة وفتح عمليات نفوذ جديدة، مما يتيح توجيه الأحداث الجارية وفق الأهداف الإستراتيجية".

ويضيف: "أحيانا تُستخدم الحسابات القديمة لانتشار محتوى ضار أو مضلل، كما يتضح من إعادة استخدام حسابات سابقة في نشر ملصقات وتغريدات ذات طابع تحريضي". 

ويتابع: "الكيانات المسؤولة عن هذه الحسابات قد تستمر في نشاطها طالما لم يتم إغلاقها من قبل المنصات، حتى وإن كانت هناك محاولات لنزع مصداقية هذه الأنشطة من قبل وسائل الإعلام أو جهات أخرى".

استنتاجات وتوصيات

وفي توصياته للتعامل مع تنامي التدخل الإلكتروني في الفضاء الإسرائيلي، يحذر المعهد من أن "إيران تعرف نقاط الضعف لدى الجمهور الإسرائيلي، وتتمكن من خلق عواصف إعلامية، والتأثير على الخطاب، وحتى على صناع القرار".

لذلك، "يجب تعريف عمليات النفوذ الأجنبي على أنها تهديد كبير ومناقشتها بكل جدية، بما في ذلك تخصيص الموارد وفقا لذلك".

ويجب أن "ترد إسرائيل بجدية على تهديدات النفوذ الإيراني عبر وسائل التواصل الاجتماعي، ووسائل الإعلام الأخرى".

كما يوصي المعهد بإيجاد طرق للتعامل مع التداخل بين الفضاء الرقمي والمادي، وتحديد مسؤوليات الهيئات المعنية. 

ويدعو كذلك إلى "وضع خطط للاستجابة، وتحميل الجهات الفاعلة الخبيثة المسؤولية، وإلزام شبكات التواصل الاجتماعي بالتعامل مع عمليات النفوذ الأجنبي بشفافية".

في الجانب التقني، يؤكد المعهد أن "تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي تزيد من حجم وجودة المعلومات المضللة، مما يستدعي حلولا تكنولوجية لرصد وتحليل المعلومات الكبيرة وكشف المحتوى المفبرك".

وأضاف: "العمليات الأقل وضوحا وصعبة الرصد، خاصة عبر الرسائل الخاصة، تتطلب دمج التكنولوجيا مع التدخل البشري، لتحديد وتحييد التأثيرات الأجنبية بفعالية".

وأخيرا، يوصى المعهد بـ "تعزيز دور هيئات المجتمع المدني في رصد وكشف عمليات النفوذ الأجنبي، وزيادة وعي الجمهور لمكافحة المعلومات المضللة، حيث يمكن استخدام الأصول المتاحة، لتكوين قاعدة بيانات لمواجهة عمليات التأثير".