كيف التحق نتنياهو وكيسنجر بقائمة المتهمين في قضايا التآمر بتونس؟

منذ ٣ أشهر

12

طباعة

مشاركة

"التآمر على أمن الدولة"، واحدة من التهم الخطيرة التي إن وجهت إلى مواطن في تونس وأثبت القضاء بعد بحث وتحرٍّ ارتكابه لها سيكون حينها مهددا بواحدة من أثقل الأحكام القضائية في تونس والتي قد تصل إلى الإعدام.

رغم خطورة هذه التهمة، إلاّ أنها تصدرت ترتيب التهم الموجهة للمعارضين السياسيين لنظام الرئيس التونسي قيس سعيّد منذ قراراته التي اتخذها في 25 يوليو/تموز 2021 والتي يصفها معارضون بالانقلاب على المسار الديمقراطي.

سيل من القضايا
 

ومع تزايد أعداد قضايا التآمر، تحول البعض منها إلى محلّ استغراب وسخرية لدى التونسيين، بعد أن شملت تفاصيل غريبة وشخصيات مثل وزير الخارجية الأميركي الراحل هنري كيسنجر ورئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.

انطلقت الإيقافات في أولى قضايا ما بات يعرف بـ "التآمر على أمن الدولة" في 11 فبراير/شباط 2023 عبر إيقاف كل من الناشط السياسي محمد خيام التركي ورجل الأعمال المثير للجدل قليل الظهور كمال لطيف، والقيادي السابق في حركة النهضة عبد الحميد الجلاصي.

وهذا إضافة إلى  5 متهمين آخرين بينهم موظفون ورجال أعمال في حين أوقف الصحفي والمدير العام لإذاعة موزاييك نور الدين بوطار مساء 13 فبراير/شباط 2023.

بعدها شهدت تونس سيلا من القضايا والإيقافات في صفوف المعارضين، وتوسعت الدائرة لتشمل إعلاميين وحقوقيين ورجال أعمال جرى إلحاق بعضهم بقضايا مفتوحة أو تم فتح أبحاث جديدة في قضايا تحمل نفس التهم واعتمد أغلبها على شهادات وشاة.

وبلغ عددها حتى الآن 14 قضية تآمر على أمن الدولة، وكانت آخر اثنتين منها ضمن الأكثر غرابة، نظرا لورود أسماء مسؤولين أجانب وتفاصيل مثيرة وخيالية.

ففي 19 يناير/كانون الثاني 2024، جرى تداول بحث قضائي حول قضية جديدة في التآمر على أمن الدولة شملت شخصيات مهمة في تونس وخارجها.

وكان من بينها رئيس جبهة الخلاص الوطني أحمد نجيب الشابي، ورئيس الحكومة الأسبق يوسف الشاهد، ووزير الخارجية الأميركي الراحل هنري كيسنجر.

وفي 23 يناير 2024، كشف أعضاء في هيئة الدفاع عن المعتقلين السياسيين في تونس عن فتح بحث قضائي في قضية جديدة للتآمر على أمن الدولة.

وضمت عددا من القيادات السياسية المعارضة بالإضافة إلى رئيس حكومة الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو.
 

تفاصيل مثيرة 

وفي 29 نوفمبر/تشرين الثاني 2023، جرى الإعلان في الولايات المتحدة عن وفاة مستشار الأمن القومي ووزير الخارجية السابق والمسؤول البارز في السياسة الخارجية الأميركية، هنري كيسنجر، عن عمر ناهز 100 عام في منزله بولاية كونيتيكت. 

هذا الوضع لا يعد كافيا ليمنعه من الملاحقة القضائية بتونس في قضية تآمر على أمن الدولة شملت رئيس الحكومة السابق يوسف الشاهد.

إذ أكد عدد من المحامين خبر دعوة الناشط السياسي والوزير السابق مهدي بن غربية أمام قطب مكافحة الإرهاب للاستماع له في قضية هنري كيسنجر 26 يناير/كانون الثاني 2024.

وبحسب محضر بحث مسرب نشر على مواقع التواصل الاجتماعي، أدلى فيه أحد الوشاة وهو سجين في نفس غرفة السجن التي يحتجز بها مهدي بن غربية أنه استمع لحوار دار بينه وبين أحد المساجين.

​​​​​​​
 

وأكد فيه أن محاميه أحمد الصديق أعلمه بقيام رئيس الحكومة السابق يوسف الشاهد المقيم حاليا خارج حدود تونس بالاتصال بوزير الخارجية الأميركي الراحل هنري كيسنجر وطلب منه مبالغ مالية ضخمة من أجل خلق تحركات شعبية مناهضة لنظام الرئيس قيس سعيد.

وزعم نفس الواشي أن رئيس جبهة الخلاص الوطني أحمد نجيب الشابي هو المكلف حسب الخطة الموضوعة بتنفيذ التمرد الشعبي ضد الرئيس قيس سعيد.

قبل أن يجف حبر هذه القضية التي أثارت الكثير من الجدل والسخرية في تونس، كشف عضو هيئة الدفاع عن المعتقلين السياسي سمير ديلو عن فتح بحث قضائي في قضية جديدة للتآمر على أمن الدولة، حيث إن مواطنة تقدمت للقضاء وأفادت بوجود مؤامرة جديدة على نظام سعيد.

وتمثلت المؤامرة حسب التفاصيل التي نقلها عضو هيئة الدفاع عن المعتقلين السياسيين سمير ديلو في حديث لوسائل إعلام محلية في دخول رئيس وزراء الاحتلال الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى تونس على متن غواصة والتنقل عبر ميناء رادس ثم ميناء بنزرت شمال البلاد.

وبحسب ديلو، عقد نتنياهو لقاءات مع شخصيات سياسية في المعارضة من بينهم رئيس جبهة الخلاص الوطني أحمد نجيب الشابي والقيادي بحركة النهضة المعتقل منذ قرابة العام نور الدين البحيري وشخصية نسائية لم يُسّمها.
 

شعبوية قضائية 

وفي حديث لـ "الاستقلال" رأى عضو هيئة الدفاع عن المعتقلين السياسيين المحامي مختار الجماعي أن "السلطة القضائية لم تنكر وجود مثل هذه القضايا وخاصة الأخيرة ذات العلاقة برئيس حكومة الكيان الصهيوني، لأن تصريح الناطق الرسمي باسم المحكمة كان "مخادعا" تحدث عن عدم وجود بحث "تحقيقي".

وبين أن "هذا أمر لم يقله المحامون، وإنما تحدثوا عن وجود بحث لدى باحث البداية وسموا حتى الجهة المتعهدة، وهو بحث ابتدائي تعهد به باحث البداية ولم يحل بعد على النيابة لتقدير إحالته على قاضي التحقيق أو غيره".

وأضاف المحامي التونسي "كثيرة هي الملفات التي أثارتها النيابة العمومية على اختلاف درجاتها واختصاصاتها، لدى القضاء العدلي إرهابا كان أو عاديا، ولدى القضاء العسكري، تتعلق كلها بالتآمر. وكثير من هذه الملفات وقع إقحام أسماء أجنبية منها الطرفان المذكوران".

وأكد الجماعي أن "هذا الإقحام يكشف شيئين اثنين أولهما انسياق القضاء في نفس المسار الشعبوي الذي ارتفع بعد 25 يوليو/تموز 2021 حتى أصبح سياسة دولة بمختلف مفاصلها".

وأردف: "لم يعد يخفى التدخل السافر للسلطة بالقضاء، في إقحام يراد منه إظهار الخصوم السياسيين بصورة الموالي للخارج والمتخابر مع العدو".

وأيضا حالة الخوف والتخبط التي أظهرها القضاء بعد أن ضرب في استقلاليته وحياديته بما دفع إلى استبعاد قاعدة "مبدأ ملاءمة التتبع" التي تخول للنيابة تقدير مآل ما ينتهي إليها من إعلامات وبالتالي إحالة كل إخبارية مهما كانت ضعيفة على البحث والتقصي.

وشدد عضو هيئة الدفاع عن المعتقلين السياسيين على أن "هذا السلوك أسهم في ضرب نجاعة القضاء ومس من هيبته، بل وأضعف أسانيد القرارات الصادرة في تلك الملفات طالما أن المعطى القانوني يفرض على القاضي استدعاء كل طرف من الأطراف في الوقت الذي يحول المعطى الواقعي دون ذلك".

وتجد هذه القضايا رغم غرابتها احتفاء لدى أنصار سعيد، حيث تتماهى في كثير من الأحيان مع خطاباته التي يوجه فيها اتهامات لجهات خارجية من بينها "الحركة الصهيونية العالمية".

ففي أكثر من مناسبة، جرى اتهام المعارضة السياسية في البلاد بالاستقواء بقوى خارجية، وتلقّي أموال من الخارج لضرب مسار 25 يوليو/تموز 2021.

وخلال لقاء جمعه بوزير الداخلية حينها توفيق شرف الدين والمدير العام للأمن الوطني مراد سعيدان في قصر قرطاج مساء 4 يناير/كانون الثاني 2023، اتهم سعيد أطرافا لم يسمها "بتوزيع أموال طائلة على المواطنين بهدف تعطيل السير العادي للدور الثاني لانتخاب أعضاء مجلس نواب الشعب".

ويرى مراقبون للشأن التونسي أن مثل هذه القضايا تفتح مع كل استحقاق انتخابي في البلاد للإيهام بوجود صراع حاد وتنافس على السلطة بين الرئيس قيس سعيد وأطراف أخرى مدعومة خارجيا.

رغم كل ذلك لم تنجح السلطة في دفع المواطنين للتوجه لصناديق الاقتراع في الانتخابات المحلية التي جرى تنظيم دورها الثاني يوم 5 فبراير/شباط 2024، ولم تتجاوز نسبة المشاركة فيها 12 بالمئة من الناخبين التونسيين.

ولا يخفي حقوقيون وناشطون في البلاد تصاعد ملاحقة المعارضين بتهم كيدية مع اقتراب موعد الانتخابات الرئاسية في محاولة لإفراغ الساحة من كل المنافسين المحتملين.