رغم أجور عملهم المتدنية.. لماذا يفرض الأردن رسوم توظيف باهظة على السوريين؟

23 days ago

12

طباعة

مشاركة

تعمل الحكومة الأردنية على التربح من عشرات آلاف العمال من اللاجئين السوريين، عبر إلزامهم بدفع رسوم مبالغ فيها تزيد من الأعباء على كاهلهم.

فمنذ صيف 2024، يواجه العديد من اللاجئين السوريين في الأردن عند تجديد تصاريح العمل طلبا بدفع ما يزيد قليلا على 500 دينار (700 دولار) مقابل تصريح لمدة عام، بالإضافة إلى اشتراكات تأمين اجتماعي شهرية أعلى كثيرا من ذي قبل.

ضغوط جديدة

وهذا الإجراء الجديد يشكل تغيرا كبيرا في المبلغ المترتب على السوريين في المملكة الأردنية خلال السنوات الثماني الماضية؛ حيث لم يكونوا يدفعون عادة أكثر من 10 دنانير (حوالي 14 دولارا أميركيا) لقاء تجديد تصاريح العمل.

وذلك وفقا لما أكدته "نيو هيومانيتريان" وهي مؤسسة إخبارية مستقلة، في تقرير  نشرته في 5 سبتمبر/ أيلول 2024.

وهذه الرسوم الجديدة تمثل عقبة لا يمكن التغلب عليها بالنسبة للغالبية العظمى من اللاجئين السوريين المسجلين في الأردن.

ويبلغ عدد سكان الأردن حاليا 10.961 ملايين نسمة، ويستضيف أكثر من 1.3 مليون سوري، فروا من بطش قوات نظام بشار الأسد على مدنهم منذ عام 2011، بينهم 761.58 ألف لاجئ مسجل رسميا.

ويعيش 82.6 بالمئة من هؤلاء خارج مخيمات اللجوء، وتبلغ نسبة اللاجئين الأطفال (أقل من 18 سنة) نحو 46 بالمئة.

وهناك أكثر من 60 ألف طفل سوري يعيشون في الأردن، في وقت ينخرط في العمالة داخل المملكة نحو مليون طفل تتراوح أعمارهم بين 5 و17 سنة بينهم نحو 11 ألف طفل سوري، حسب موقع "عمان نت".

وقد سمح للاجئين السوريين بالعمل في قطاعات مختلفة منذ عام 2016، بعد أن تعهد المجتمع الدولي بتمويل وتوسيع التجارة بموجب اتفاق مع الأردن.

وهي عبارة عن مبادرة لتحسين الوصول إلى التعليم والعمل القانوني للاجئين السوريين الذين أجبروا على الفرار من ديارهم.

ومنذ الإعلان عنه لأول مرة في أوائل عام 2016، وفر الاتفاق بين عمّان والمجتمع الدولي، للسوريين إمكانية الوصول إلى سوق العمل الرسمية برسوم مخفضة للغاية لتصاريح العمل بتمويل من المانحين الدوليين.

ورغم أن الاتفاق لم يشمل جميع اللاجئين السوريين ــ حيث كان حوالي 18 بالمئة فقط من العاملين في أواخر عام 2023 يحملون تصريح عمل ــ فقد حظي بالثناء الدولي الواسع النطاق لمعاملته للاجئين بصفتهم فرصة اقتصادية وليس عبئا".

وأعلن في الأردن مطلع مارس 2024 إصدار أكثر من 430 ألف تصريح عمل للاجئين السوريين منذ السماح لهم بالعمل في قطاعات مختلفة عام 2016.

وقالت مؤسسة "نيو هيومانيتريان" إن رفع رسوم تجديد تصاريح العمل هذا الصيف للاجئين السوريين في الأردن لم تأتِ من فراغ.

فقد أدت التعديلات التي أدخلت على قانون الضمان الاجتماعي في الأردن إلى إلزام عدة فئات من العمال بدفع اشتراكات الضمان الاجتماعي الإلزامية المتزايدة بمقدار 56 دينارا (79 دولارا) شهريا اعتبارا من أكتوبر 2023. 

وشمل ذلك السوريين الذين يحملون تصاريح عمل مرنة، والتي ترخص في الأساس العمل الحر وهي التصاريح الأكثر شعبية بين السوريين. 

وقد جرى تطبيق هذا التغيير بأثر رجعي إلى يناير/ كانون الثاني 2023، الأمر الذي ترك أغلبية السوريين الذين قاموا بإضفاء الطابع الرسمي على عملهم في أعقاب اتفاقية الأردن مع ديون مفاجئة وضخمة وغير قابلة للتحمل.

بسبب عدم سداد اشتراكات الضمان الاجتماعي- وهو النظام الذي أصبحوا الآن مسجلين فيه تلقائيا عندما يحصلون على تصاريحهم، مشيرا إلى هذه المساهمات تستمر في النمو كلما طالت مدة عدم سدادها.

"تنظيم العمالة"

وقبل هذا التغيير في السياسة، كان توفير تصاريح العمل للاجئين السوريين، إلى جانب اشتراكهم في مؤسسة الضمان الاجتماعي الأردنية للحصول على استحقاقات إصابات العمل والبطالة والأمومة والشيخوخة والإعاقة، يحظى بإشادة المجتمع الدولي بصفته أفضل الممارسات العالمية. 

لا سيما أن عديدا من اللاجئين السوريين في الأردن يعملون في قطاعات مختلفة مثل الزراعة والبناء والتصنيع والتجارة، لكنهم يواجهون تحديات كثيرة كالأجور المنخفضة وظروف العمل الصعبة، فضلا عن كونهم عمالة بأجور رخيصة قياسا بالعمال الأردنيين.

إذ كان يسمح للاجئين السوريين في الأردن بالعمل فقط في الزراعة والبناء والتصنيع، ولكن في 2021، منحت استثناءات للعمل في قطاعات أخرى بما في ذلك الرعاية الصحية للمساعدة في مكافحة جائحة كورونا، وفق المفوضية الأممية.

ومنذ يوليو 2021، تمكن اللاجئون السوريون من الحصول على تصاريح عمل في جميع القطاعات المفتوحة لغير الأردنيين.

ما يعني أنه يمكنهم العمل في الخدمات والمبيعات والحرف وعمال في قطاع الزراعة والحراجة وصيد الأسماك وعمال المصانع وتشغيل الآلات وفي الصناعات الأساسية، بحسب المفوضية.

وقال ممثل المفوضية في الأردن دومينيك بارتش عام 2023، إن "السماح للاجئين بالعمل يقلل من الحاجة إلى الاعتماد على المساعدات الإنسانية، مثل المساعدات النقدية والتي يمكن توجيهها لدعم الفئات الأكثر ضعفًا بينهم".

ووقعت وزارة التخطيط والتعاون الدولي الأردنية والمؤسسة العامة للضمان الاجتماعي ومنظمة العمل الدولية في 24 مايو 2022 اتفاقية لتنفيذ مبادرة جديدة بعنوان "برنامج استدامة" لتوسعة الشمول في الضمان الاجتماعي وتنظيمها رسميا. 

ويعمل المشروع على دعم القطاعات الأكثر هشاشة في الاقتصاد الأردني من خلال توفير دعم الدخل والاشتراكات للعمال الأردنيين وغير الأردنيين، بما في ذلك اللاجئين، وذلك لتسهيل تسجيلهم وإشراكهم في الضمان الاجتماعي.

وتعد الشراكة بين المفوضية السامية لشؤون اللاجئين ومنظمة العمل الدولية أمرا أساسيا لضمان الوصول إلى اللاجئين في جميع أنحاء الأردن.

وأمام ذلك، تدعي وزارة العمل الأردنية أنها تسعى إلى تنظيم وجود العمالة غير الأردنية في سوق العمل، بما فيها العمالة من اللاجئين السوريين بصورة قانونية.

ويتزامن ذلك، مع تكرار المسؤولين الأردنيين بشكل علني عن تضرر المملكة من تراجع الدعم الدولي المقدم للاجئين السوريين خلال السنوات الأخيرة.

وفي السياق، حذر وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي في مؤتمر صحفي مشترك مع وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك، في 7 سبتمبر 2024 من التداعيات الخطيرة التي قد تنجم عن تراجع الدعم الدولي للاجئين السوريين.

وأكد أن الأردن غير قادر على تحمل العبء بمفرده في توفير الخدمات الأساسية لهؤلاء اللاجئين.

وأشار الصفدي إلى أن الأردن كشف عن حجم احتياجاته لتمويل خطة الاستجابة للملف السوري لعام 2024، والذي بلغ قرابة ملياري دولار، وهو المبلغ الأدنى الذي حددته المملكة منذ عام 2015، في ظل تراجع الدعم الدولي.

 وبيّنت وزارة التخطيط والتعاون الدولي الأردنية أن الأردن تسلم 132.8 مليون دولار فقط منذ بداية عام 2024 حتى نهاية يوليو/ تموز من العام المذكور.

وعلى الرغم من أن زيادة تصاريح العمل بطرق قانونية تشكل طوق نجاة للأسر السورية اللاجئة في الأردن، إلا أن الحصول على مزايا مثل المعاشات التقاعدية والمدفوعات في حالة الإصابة أو العجز أو الوفاة أثناء العمل أمر ضعيف ويمكن رفضه بسهولة، وفق ما يقول أحد اللاجئين لموقع "نيو هيومانيتريان". 

وتتزامن هذه الخطوة الأردنية مع حديث الساسة في عمّان بشكل متزايد عن إعادة اللاجئين إلى سوريا، وهذه الرؤية بدأت تكتسب الآن زخما في المملكة.

ويشهد الأردن مؤشرات على واقع معيشي صعب يعاني منه المواطن الأردني بالأساس، وسط ارتفاع معدل التضخم في أغسطس 2024، 1.87 بالمئة على أساس سنوي وفق ما أظهرت بيانات من دائرة الإحصاءات العامة الأردنية.

اضطرابات كبيرة

وتعليقا على المشهد، يؤكد الباحث السوري، مدير موقع "اقتصادي"، يونس الكريم، أن “ارتفاع معدل التضخم في الأردن من شأنه أن يصنع اضطرابا داخل المجتمع، في ظل حديث عن أن اللاجئين يحصلون على امتيازات لا يحصل عليها الأردنيون في العمل”.

وأضاف لـ"الاستقلال"، أن "الحكومة الأردنية تسعى للاستفادة من أموال التعافي المبكر الدولية الممنوحة للسوريين والمخصص جزء منه إلى اللاجئين في دول اللجوء وبالتالي تريد عمان الحصول على دعم مالي حقيقي".

واستدرك الكريم قائلا: "إن الزيادة الكبيرة في المبلغ المفروض لتجديد إذن العمل للسوريين في الأردن هو بهدف تمويل عجز موظفيها على حساب السوريين".

وأشار  إلى أن" طرح الأردن هذه الخطة في الوقت الراهن هي لجذب الاستثمارات السورية إليها الخارجة من تركيا ومن لبنان ومصر والتمتع بامتيازات استثمارية مما يخلق حالة استثمارية تدفع بالمستثمرين السوريين لتشغيل اللاجئين بحيث تحقق هذه الرؤية استفادة الجميع". 

وأردف قائلا: "عندما يدفع السوري في الأردن رسوم كاملة إذن العمل سوف يحصل على كامل الحماية القانونية له على أراضي المملكة". 

وألمح إلى أن "خطوة الأردن تشكل عامل ضغط على وجود اللاجئين في كل دول اللجوء وتحمل في طياتها دعوة لحل سياسي عاجل للقضية السورية، وتحمل المجتمع الدولي الأعباء المالية لمنح السوريين بيئة عمل مستقرة".

وذهب الكريم للقول: “في حال فشل هذه الخطة الأردنية تجاه اللاجئين فإن عمّان تضع في رصيدها أنها حاولت لدمج السوريين لكن المنظمات الدولية والأممية لم تساعد على هذه الخطوة ”.

وهذا ما يمنح الأردن، وفق الخبير الاقتصادي، فرصة للتملص من تبعات عدم قيامه بتقديم خدمات السوريين على أراضيه على تقدير أنه حاول تقنين وجودهم وعملهم وامتصاص صدمة التجار الأردنيين الساخطين على السوريين.

ويضيف: “وهذا سيدفع لاحقا إلى إغلاق محلات السوريين غير النظامية، وسيؤثر بشكل مباشر على المشاريع الصغيرة والمتناهية الصغر، ما يشكل ضغطا آخر على السوريين ويدفعهم للعودة إلى سوريا بعدما فتح الأردن منفذا”.

والآن، وبعد أن تحول الاهتمام الدولي والتمويل إلى أماكن أخرى مثل أوكرانيا، بات من الواضح تماما أن هذه التحول في الدعم المالي وتقليصه، يضر باللاجئين ويتركهم أمام خيارات صعبة من قبل الدول المضيفة.

فاللاجئون يريدون العمل ويريدون الحماية، لكنهم لا يريدون أن يضطروا إلى الانخراط في نظام يثقل كاهلهم بالديون ولا يخدم مصالحهم في ظل ضعف التمويل لهم في دول اللجوء.