"رفع عتب".. هل أحرزت إيران هدفا عسكريا من هجومها على إسرائيل أم كشفت ضعفها؟

15675 | منذ ١٣ يومًا

12

طباعة

مشاركة

مع انتهاء الرد الإيراني على إسرائيل، بدأت ملامحه تتكشف أكثر فأكثر، والذي عده الخبراء "فاشلا عسكريا"؛ كونه بدا "مدروسا"، ولم يحقق أي نتائج تذكر في "معادلة الردع" التي تنادي بها طهران.

وأطلقت إيران في 13 أبريل 2024 أكثر من 300 صاروخ وطائرة مسيرة اتجاه إسرائيل، ردا على قصف جوي إسرائيلي مطلع الشهر ذاته لمقر القنصلية الإيرانية بدمشق.

تضخيم الهجوم

 وأدى القصف الإسرائيلي حينها لمقتل 15 شخصا، سبعة إيرانيين من “الحرس الثوري”، وخمسة سوريين، ولبناني واحد ينتمي إلى "حزب الله"، بالإضافة إلى مدنيين اثنين.

واعترضت إسرائيل والولايات المتحدة وحلفاء غربيون آخرون بينهم فرنسا وبريطانيا معظم الصواريخ الإيرانية.

وقدر مسؤولون إسرائيليون أن إيران استخدمت 185 طائرة مسيرة و36 صاروخا من طراز كروز، و110 صواريخ أرض- أرض باتجاه إسرائيل، لكنها لم تلحق ضررا سوى حفرة على أطراف قاعدة "نيفاتيم" العسكرية في النقب جنوب إسرائيل.

وتمكنت الولايات المتحدة، بدعم من مدمرات أوروبية، من تدمير "أكثر من 80" مسيّرة و"ستة صواريخ باليستية على الأقل مخصصة لضرب إسرائيل انطلاقا من إيران واليمن"، وفق ما أعلنت القيادة المركزية للقوات الأميركية "سنتكوم".

وأحصى الجيش الإسرائيلي من جهته أكثر من 350 مقذوفا وقال إن 99 بالمئة منها دُمّر.

وقد واكب الرئيس الأميركي جو بايدن، الأحداث مباشرة من "غرفة العمليات" الشهيرة في البيت الأبيض.

وقال مسؤول أميركي إن الولايات المتحدة كانت على اتصال أيضا مع إيران عبر "سلسلة اتصالات مباشرة نقلت عبر سويسرا" التي تتولى إدارة المصالح الأميركية في إيران منذ قطع العلاقات بين طهران وواشنطن قبل أكثر من 40 عاما.

وبُعيد بدء الهجوم الإيراني بعملية أطلق عليها اسم "الوعد الصادق"، قال المرشد الإيراني، علي خامنئي على منصة "إكس" إن "هذا النظام الشرير سيُعاقب".

وحاولت وسائل الإعلام الإيرانية، تضخيم الهجوم على إسرائيل، عبر تصريحات لمسؤولين كبار تصف العملية بأنها "أظهرت إرادة إيران القوية في الانتقام من المجرمين"، وفق ما قال وزير الداخلية الإيراني، أحمد وحيدي، في "رسالة شكر" إلى القوات المسلحة.

حتى إن القائد العام للجيش الإيراني اللواء عبد الرحيم موسوي، قال عقب يومين من الهجوم على إسرائيل، إن "الأعمال الدفاعية المذهلة للجيش والقوات المسلحة أدت إلى تعزيز قوة الردع الإيرانية".

إلا أنه من الناحية العسكرية فإن غالبية الخبراء نظروا إلى الهجوم الإيراني، على أنه "استعراضي" ولم يمس القدرات العسكرية الإسرائيلية بسوء.

كما طرحت تساؤلات كثيرة حول إذا ما كانت إيران قد حققت الغاية من الهجوم وخلقت قوة رادعة في وجه إسرائيل؟ أم أن الهجوم كشف عن ضعف النظام الإيراني، ومنظومته العسكرية التي يتوعد بها منذ عقود بـ"مسح إسرائيل عن الخريطة".

لا سيما أن الهجوم الإيراني رغم أنه جاء للرد على مقتل قادة في الحرس الثوري الإيراني في دمشق، إلا أنه ليس ببعيد عن المطالبات القوية لطهران بالرد على إسرائيل دفاعا عن قطاع غزة الذي يتعرض لعدوان إسرائيلي منذ السابع من أكتوبر/ تشرين الأول 2023 وخلف أكثر من 33 ألف شهيد فلسطيني.

"رد مدروس"

وضمن هذا السياق، ينظر المحلل والخبير العسكري العقيد إسماعيل أيوب، إلى أنه "بعد مداولات واتصالات إيرانية مع الغرب والأميركان من تحت الطاولة من خلال الوسطاء تمخض الجبل فولد فأرا، فحدث هذا الرد الإيراني على إسرائيل بشكل مدروس".

وأضاف أيوب قائلا لـ"الاستقلال" إن "الطائرات الإيرانية المسيرة تستهلك نحو سبع ساعات حتى تصل إلى فلسطين، وجرى اعتراض غالبيتها من قبل الولايات المتحدة ومنها ما وقع في العراق وسوريا وشرق الأردن، أما الصواريخ الباليستية والمجنحة أيضا جرى اعتراضها من قبل منظومة القبة الحديدية الإسرائيلية".

 ورأى أن "سبب فشل الرد الإيراني هو أن طهران اتفقت مع الأميركان على شكل وطريقة الرد وأين سيتم، وبالتالي جرى توجيه كل الإمكانيات الغربية للتصدي للهجوم الإيراني، خاصة أنها تركزت في مناطق غير مأهولة بالسكان". 

ومضى أيوب يقول: "هذا الهجوم المدروس هو منسق بشكل مسبق وربما إيران لن تحقق مكاسب انتقامية على مقتل قادتها بالقصف الإسرائيلي بل ربما يكونون قد اختبروا مسيراتهم وصواريخهم، ولكن على المستوى العسكري لا يوجد أي مكسب عسكري إيراني خاصة أنه لم يجرح أي جندي أو مواطن إسرائيلي". 

واستدرك قائلا: "بالمقابل كان هناك مكسب لإسرائيل والولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا وهو اختبار المنظومة المتكاملة للدفاع الجوي في المنطقة، حيث ظهر جليا في عمليات الاعتراض وهذا ما سيقود هذه الدول إلى استخلاص مزيد من النتائج لتطوير منظوماتهم فضلا عن إعادة التلاحم مع (مظلومية الدولة العبرية) التي تتعرض للاعتداء وهذا ما بدا من خلال ردود الفعل المنددة بالهجوم الإيراني ". 

وذهب أيوب للقول: "الضربة الموجعة لإيران كانت في مقتل سبعة من قادتها في دمشق داخل مبنى مدني وكان من المفترض أن ترد طهران على سفارات تتبع لإسرائيل بالمنطقة". 

عرض وهمي

كثير من الخبراء والمراقبين وضعوا الرد الإيراني في خانة الضعف، وأنه لـ"رفع العتب" الشعبي الداخلي ردا على اصطياد إسرائيل لقادة كبار من "الحرس الثوري" وقتلهم داخل أماكن سرية في سوريا منذ ديسمبر/ كانون الأول 2023.

وهنا لفت رئيس حزب إيران الجديد، حامد شيباني راد، في مقابلته مع قناة "إيران إنترناشيونال"، إلى إعلان طهران عن الهجوم على إسرائيل قبل بدء العملية، قائلا: "أرسلت إيران مئات الصواريخ والطائرات المسيرة على حساب الشعب، دون أن تجني أي فائدة منها.. واستغرق الأمر ساعات حتى تصل المقذوفات إلى وجهتها، لقد كان مجرد عرض وهمي".

بدوره، رأى الصحفي الإيراني مهدي مهدوي آزاد، أن هناك "تكلفة مالية باهظة، خلفها هذا الهجوم على الاقتصاد الإيراني"، ووصفه بأنه "خطأ إستراتيجي، مثل الهجوم على باكستان في ديسمبر 2023، والذي لم يُعرف بعد ماهية الهدف والغاية من ورائه".

وأشار مهدوي آزاد إلى “أن التقارير الدولية خلصت إلى أن الهجمات الصاروخية والمسيرات التي شنها الحرس الثوري على إسرائيل لم تكن ناجحة”، مؤكدا أن "مثل هذا النوع من الهجوم جعل إسرائيل تتخلص من قلقها، الذي كان موجودا منذ 4 عقود فيما يتعلق بموضوع القدرات العسكرية الإيرانية".

ومع ذلك، فإن القائد العام للحرس الثوري اللواء حسين سلامي قال إن هذه العملية أدت إلى "معادلة جديدة" مفادها أنه "من الآن فصاعدا، إذا قام الكيان الصهيوني بمهاجمة مصالح طهران وممتلكاتها وقادتها ومواطنيها في أي مكان، فسيواجه برد مضاد" ينطلق من إيران.

كما أشارت صحيفة "هام ميهان" الإصلاحية إلى أن "رد إيران المباشر" على إسرائيل "أنهى الوضع القائم وكسر قواعد الصراع الذي يتواجه فيه الجانبان" منذ عقود.

واستطردت: "لم تعد هناك حرب ظل بين المعسكرين اللذين يستطيع كل منهما التجرؤ على مهاجمة الطرف الآخر مباشرة".

لكن بالمقابل، فإن كثيرا من الصحف الغربية، ركزت في تحليلاتها على "ضعف" الرد الإيراني وتنفيذه بهذه “الطريقة المكشوفة” والتي غاب عنها “عنصر المفاجأة” كأحد أساليب الحرب المتبعة.

وقالت مجلة "إيكونوميست" البريطانية، في تقرير، إن "هذا الهجوم يعد هزيمة من الناحية العسكرية، وقد تكون إيران وقعت في خطأ حسابي".

وأوضحت أن “الهجوم جرى تنفيذه بشكل مخالف للإجراء المعتاد للعمليات العسكرية، التي يفترض أن تمتاز بالمفاجأة والمباغتة، فالصور ومقاطع الفيديو قد سبقت الصواريخ والمسيرات، وجرت مشاهدتها في سماء العراق والأردن، وإسقاطها قبل وصولها إلى الأجواء الإسرائيلية”.

وأضافت المجلة أنه “يتعين على إسرائيل أن تقرر كيفية الرد على تصرفات إيران، لأنه إذا شعرت طهران بأنها لا تتعرض للمحاسبة، إذا قامت بمهاجمة الدول الأخرى عبر أراضيها، فإن هذه القضية يمكن أن تغير المعادلات في الشرق الأوسط”.

كما رأت صحيفة "واشنطن بوست" في 15 أبريل، أن نجاح إسرائيل في صد الرد الإيراني قد "يشكل نقطة تحول نفسية في صدمة حرب غزة، لأن إسرائيل شعرت بالضعف والمحاصرة منذ هجوم السابع من أكتوبر، كما شعرت بعزلة دولية، لكن الصور الرمزية انقلبت ليلة السبت"، في إشارة إلى ليلة بدء الهجوم الإيراني.

وأشارت الصحيفة إلى "تهليل مسؤولي البيت الأبيض “للنصر الذي حققته إسرائيل وسلامة بنيتها التحتية، بمساعدة الحلفاء ضد الهجوم الإيراني غير المسبوق الذي كان أشبه بليلة من الألعاب النارية”، وفق تعبير الصحيفة.