"ميثاق الشراكة الإستراتيجية مع أميركا".. هل يحمي أرمينيا من روسيا؟

منذ ٣ أشهر

12

طباعة

مشاركة

تتصاعد التوترات في العلاقة بين روسيا وأرمينيا مع بداية عام 2025، حيث اتخذت يريفان خطوات جريئة نحو تعزيز علاقتها مع الغرب، بما في ذلك السعي للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي وتوقيع ميثاق شراكة إستراتيجية مع أميركا. 

هذه التحركات، التي تعد تحديا ضمنيا لموسكو، أثارت العديد من التساؤلات حول مستقبل العلاقات بين البلدين، خاصة في ظل التغيرات الجيوسياسية الراهنة.

ورغم أن الخطوات الأرمينية تمثل ابتعادا عن النفوذ الروسي التقليدي، فإن رد موسكو لا يزال متحفظا، حيث تتبنى نهج الانتظار والمراقبة بدلا من الرد المباشر. 

وفي هذا السياق، يستعرض هذا المقال المنشور على موقع "RTVI" الروسي، طبيعة هذا التوتر وأبعاده، مع تحليل دوافع الطرفين والخيارات المحتملة لمستقبل علاقتهما.

تحدٍّ مباشر

ويُستهل المقال بالإشارة إلى يريفان؛ حيث اتخذت، منذ بداية عام 2025، خطوتين واضحتين عُدّتا في موسكو تحديا مباشرا. 

الخطوة الأولى -وفق المقال- موافقة الحكومة الأرمينية على مشروع قانون للبدء في الانضمام إلى الاتحاد الأوروبي. 

أما الثانية فكانت "توقيع ميثاق الشراكة الإستراتيجية مع الولايات المتحدة". 

ومع ذلك، يوضح كيريل كريفوشييف، المتخصص في شؤون ما بعد الاتحاد السوفيتي، في مقاله على منصة RTVI، أن "العديد من المراقبين يفسرون هذه الأحداث بشكل خاطئ". 

وأردف: "نعم، تمثل هذه الخطوات ابتعادا إضافيا عن روسيا، لكنها ليست بالقدر الدراماتيكي الذي يتصوره البعض". 

وتابع: "لهذا السبب، لا يزال الكرملين غير قادر على تحديد كيفية الرد على هذه التطورات".

بين المظهر والجوهر

وأكمل كريفوشييف: "لطالما كانت قضية انجراف أرمينيا بعيدا عن روسيا موضوعا مطروحا في المجال العام لفترة طويلة، لدرجة أن الأخبار المتعلقة بها لم تعد تثير ذات الحدة السابقة". 

مشيرا إلى أن ذلك "يعود جزئيا إلى قدرة الإنسان على التكيف مع التطورات، ولكن أيضا لأن خلف العناوين المثيرة والغضب المتكرر للخبراء، توجد حقيقة أكثر بطئا في التغير مما تبدو عليه".

وأوضح: "صادقت أرمينيا، على مدار السنوات الأخيرة، على اتفاقية روما، وأعلنت عن تجميد مشاركتها في منظمة معاهدة الأمن الجماعي، وانتقدت روسيا كحليف، وبدأت في شراء الأسلحة من فرنسا والهند. كما قامت بنشر مراقبين من الاتحاد الأوروبي على الحدود مع أذربيجان وتم تمديد تفويضهم لعامين إضافيين". 

وأضاف: "بالإضافة إلى ذلك، طلبت أرمينيا بأدب سحب حرس الحدود الروس من بعض المواقع مثل مطار يريفان ونقطة "أغاراك" الحدودية مع إيران. وزادت من الرمزية في تصرفاتها، مثل زيارة أمين مجلس الأمن الأرميني أرمان غريغوريان إلى "قمة السلام" في سويسرا، أو مصافحة زوجة رئيس الوزراء نيكول باشينيان مع الرئيس الأوكراني فلاديمير زيلينسكي".

ومع ذلك، يتساءل المتخصص: “هل تغيّرت الأمور بشكل كبير فيما يتعلق بالأسس الفعلية للعلاقات بين موسكو ويريفان؟”

وتابع مجيبا: "مازال بإمكان الروس السفر إلى أرمينيا باستخدام جواز السفر الداخلي وسحب الأموال ببطاقات (مير)، بالرغم من أن ذلك يقتصر على بعض البنوك بسبب العقوبات الأميركية". 

وأكمل: "في حين أن نيكول باشينيان لا يزال يجري اتصالات منتظمة مع فلاديمير بوتين، فقد زار روسيا مرتين خلال الأشهر الستة الماضية فقط لحضور قمة رابطة الدول المستقلة والاجتماع الحكومي الأوراسي".

العلاقات التجارية

وأضاف: "تستمر العلاقات التجارية بين روسيا وأرمينيا في تحقيق أرقام غير مسبوقة". 

حيث بلغ حجم التبادل التجاري بين البلدين في النصف الأول من عام 2024 حوالي 8.3 مليار دولار، وهو أكثر من إجمالي التبادل لعام 2023 بأكمله (7.4 مليارات دولار). 

مقارنة بعام 2019، حيث كان حجم التبادل التجاري 2.5 مليار دولار فقط، وهو ما يمثل "نموا مذهلا"، وفق الكاتب الروسي.

ورغم الانتقادات الروسية، يشير المقال إلى أن "أرمينيا لا تخطط لمغادرة الاتحاد الاقتصادي الأوراسي، الذي يعد مفيدا ومربحا لها". 

وبالرغم من تصريحات نائب رئيس الوزراء الروسي أليكسي أوفرشوك بأن التقارب مع الاتحاد الأوروبي قد يُفسر كخطوة للخروج من الاتحاد الاقتصادي الأوراسي، فإن أرمينيا لم تتخذ خطوات فعلية في هذا الاتجاه، وفق المقال.

توازن بين الشرق والغرب

وفي هذا السياق، يرى المقال الروسي أن أرمينيا -من خلال هذه السياسات- تسعى إلى تحقيق توازن دقيق بين علاقاتها مع روسيا والغرب. 

وتابع قائلا: "ويبدو أن القيادة الأرمينية تبنت إستراتيجية انتقائية تستفيد من الجوانب الإيجابية للعلاقات مع كل طرف".

وبالرغم من الحديث المستمر عن إمكانية معاقبة أرمينيا من قبل روسيا بسبب تقاربها مع الغرب، يؤكد الباحث الروسي: "لم تتخذ موسكو أي خطوات عقابية مباشرة حتى الآن". 

وتابع: "يبدو أن روسيا تتبنى نهجا حذرا يركز على المراقبة وانتظار اللحظة المناسبة للتدخل إذا لزم الأمر فقد يكون ذلك من خلال دعم الفصائل الموالية لها داخل أرمينيا أو استغلال التوترات الداخلية".

واختتم مؤكدا أن "العلاقات بين موسكو ويريفان تبقى معقدة وتحتوي على الكثير من التناقضات". 

وبينما تسعى أرمينيا لتوسيع علاقاتها مع الغرب، فإنها لا تزال -حسب المقال الروسي- تعتمد بشكل كبير على روسيا في العديد من المجالات الحيوية.