بقيادة حمدوك.. كيف تبحث حركة "تقدم" السودانية عن دور في واقع متهالك؟

داود علي | 24 days ago

12

طباعة

مشاركة

فيما يستمر الصراع الدموي بين الجيش السوداني ومليشيا الدعم السريع، والذي بدأت أحداثه منتصف أبريل/ نيسان 2023، تحاول قوى سياسية أخرى تجميع نفسها للعب دور أمام هذا “الوضع الكارثي”. 

ونشرت مجلة "إنتيليجنس أونلاين" الفرنسية، في 8 مايو/ أيار 2024، تقريرا قالت فيه إن "حركة تقدم تناضل من أجل تنظيم مؤتمر موسع، حيث يحرص التحالف الذي يقوده رئيس الوزراء السابق عبد الله حمدوك على جذب المزيد من الحركات السياسية".

وأضافت: "لكن طموحاته تتعارض مع المصالح الإقليمية في الحرب الأهلية الدائرة في البلاد". 

دعم غربي

وبحثا عن السياق الزمني، تأسست تنسيقية القوى المدنية الديمقراطية "تقدم" التي يرأسها حمدوك، بعد اندلاع الحرب مباشرة بين الجيش والدعم السريع.

وقتها رفعت راية توحيد المدنيين بهدف إنهاء الأزمة، وتضم التنسيقية أحزابا ومنظمات مدنية أبرزها “قوى الحرية والتغيير” (الائتلاف الحاكم السابق).

كذلك شاركت الجماعات المسلحة التي تعد محايدة في إنشاء "تقدم" مثل، حركة تحرير السودان - المجلس الانتقالي، وتجمع قوات تحرير السودان، وحركة العدل والمساواة الجديدة (المنشقة عن حركة العدل والمساواة بقيادة وزير المالية جبريل إبراهيم).

وذكرت مجلة “إنتيليجنس أونلاين” أنه كان من المفترض أن تعقد تنسيقية القوى المدنية الديمقراطية، وهي مظلة سودانية تعرف أيضا باسم "تقدم"، مؤتمرا في العاصمة الإثيوبية أديس أبابا خلال الفترة ما بين 9 إلى 14 مايو/أيار 2024، في محاولة لتوسيع عضويتها. 

لكن القضايا اللوجستية والأمنية المتعلقة بالحرب الدائرة رحاها في السودان، والتي تصاعدت في الأسابيع الأخيرة أدت إلى تأخير المؤتمر، ربما حتى نهاية مايو.

ولفتت المجلة إلى أن حركة تقدم تلقى دعما غربيا قويا، إذ تحرص الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي والاتحاد الإفريقي أيضا على نمو برنامج "تقدم"، من خلال إشراك أحزاب وحركات سياسية أخرى من شأنها أن تسهم في الاستعدادات لفترة ما بعد الصراع. 

كما ينتظر أن يشارك نحو 600 فرد في المؤتمر الذي من المقرر أن يعقد في مقر الاتحاد الإفريقي بالعاصمة الإثيوبية.

طموحات حمدوك

ومن المتوقع أن يقوم المندوبون بانتخاب اللجان التشريعية والتنفيذية، ومن المرجح أن ينضم زعيم الحركة، رئيس الوزراء السابق حمدوك، إلى أحد هذه الكيانات.

ويلقى حمدوك حماسة من المبعوث الأميركي الخاص للسودان، توم بيرييلو، الذي يحرص على ألا يسرق الأضواء في وجود حمدوك، الذي يؤهل لدور قادم في مستقبل السودان.

وفوق ذلك يتم الدفع بأن تحضر تقدم محادثات السلام في جدة (التي تم تأجيلها أيضا في الوقت الحاضر)، حيث تتعارض مصالح اللاعبين الإقليميين مع الطموحات الديمقراطية للمجتمع المدني في السودان.

وبحسب صحيفة "سودانايل" المحلية في 6 مايو 2024، تضع "تقدم"، إستراتيجيتها الحالية على السعي لتجنب اتفاق جديد بين الجيش والدعم السريع مثل ذلك الذي أدى إلى انقلاب أكتوبر/ تشرين الأول 2021 ضد الحكومة الانتقالية.

لكن هناك نقطة ملحوظة في نشاط "تقدم" الأخير، وهو ما كشفه أحد الدبلوماسيين الأميركيين لمجلة "إنتيليجنس أونلاين" بأن واشنطن، التي وصفها بأنها الراعي الرئيس لـ"تقدم" إلى جانب الاتحاد الأوروبي والنرويج والمملكة المتحدة واليابان، تنتظر انضمام مجموعات أخرى قبل تأكيد الدعم المالي للحركة. 

ومن بين الأمور التي تصر عليها واشنطن، دعوة المزيد من لجان المقاومة (شبكات الأحياء غير الرسمية التي تم إنشاؤها في البداية لمعارضة الرئيس عمر البشير ثم الانقلابيين الذين أطاحوا به).

وهنا يقال إن لجان المقاومة هي حركة مسلحة، كانت تعد ذراعا لليساريين لإقصاء وضرب الإسلاميين عقب سقوط حكم البشير. 

والبداية الحقيقية لتشكيل نواة لجان المقاومة، كانت مع اندلاع الاحتجاجات الشعبية في سبتمبر/ أيلول 2013، عندما رفعت الحكومة أسعار المحروقات، فاشتعلت المظاهرات في الخرطوم وأم درمان، وواجهت قمعا من قوات الأمن، لتتشكل بعض لجان المقاومة بشكل غير مركزي، وغير معلن، وحملت أسلحة خفيفة. 

ومع اشتعال الثورة ضد حكم البشير، في ديسمبر/ كانون الأول 2018، خرجت هذه اللجان مرة من تحت الأرض، وأعيد تشكيلها وتوسيع مهامها، بعدما تحالفت مع تجمع المهنيين، الذي يمثل اليسار، وقاد الاحتجاجات.

ولعبت تلك اللجان دورا بارزا في الأحياء والمدن، وخاصة داخل العاصمة الخرطوم، في مواجهة قوات الأمن، ورجال الدعم السريع، الذين حاولوا فض المظاهرات، وتحديدا الاعتصام أمام مقر القيادة العامة للقوات المسلحة.

واستمرت اللجان في وجودها على نفس النسق، بالتعاون مع الأحزاب والقوى المشاركة في الاحتجاجات، حتى تم عزل الرئيس البشير في أبريل/ نيسان 2019.

في مرحلة ما بعد البشير، وفي بداية المرحلة الانتقالية، بدأت لجان المقاومة تتشابك، وتتجه إلى عمل هيكل منظم، وزادت من نشاطها وتسليحها، وخلال تلك الفترة بدأت عملية محاولة الاستقطابات من القوى المختلفة. 

ويبدو أن لجان المقاومة ستنشط مرة أخرى تحت مظلة حركة "تقدم" المدعومة غربيا. 

السياسي والعسكري 

ومع ذلك فإن لجان المقاومة لا تنصاع تماما لقادة "تقدم" السياسيين، وهو ما يؤطر أن الحركة متباينة ما بين جانبها السياسي والعسكري. 

فبحسب صحيفة “سودانايل” في 6 أبريل 2024، لا يريد بعض أعضاء لجان المقاومة أن تكون لهم أي علاقة بالحزب الاتحادي الديمقراطي، الذي خدم زعيمه محمد عثمان الميرغني في حكومة البشير، أو بحزب المؤتمر الشعبي الذي يتزعمه علي الحاج، وهو حزب إسلامي نأى بنفسه عن حزب المؤتمر الوطني الذي يتزعمه البشير. 

وسبب اعتراض لجان المقاومة أنه في ديسمبر 2022، وقعت بعض القوى منها "الحزب الاتحادي الديمقراطي" على الاتفاق الإطاري مع المجلس العسكري الحاكم الذي كان من المفترض أن يعيد إطلاق عملية انتقال السودان إلى حكومة مدنية. 

ويرى العديد من السودانيين أن عيوب هذا الاتفاق هي بمثابة نقطة انطلاق للأزمة الحالية، التي اشتعلت فيها الحرب.

وتتفق رؤى لجان المقاومة (التي تتأهب أن تكون الذراع العسكري لتقدم)، في ذلك مع رؤى الشيوعيين والاشتراكيين في حزب البعث السوداني، الذين أدانوا في بيان أصدروه في مارس/ آذار 2024 ما أسموه "مشروع التسوية السياسية الذي تتم مناقشته سرا" حيث يبدو أنهم يريدون أن يسلكوا طريقهم الخاص. 

يذكر أن الحزب الشيوعي انسحب من المفاوضات مع الجيش عام 2019 ولم يوقع على الاتفاق الإطاري لعام 2022، ويرفض إجراء أي اتصال مع الجيش.

ما يعني أن "تقدم" لا تستطيع تبني اتفاقا إطاريا يجمع السودانيين بشكل كامل، في ظل الصراع بداخلها ما بين مكوناتها المختلفة. 

الصدام بالجيش 

رغم  إعلانها الحياد الرسمي، يتهم الجيش حركة "تقدم" بدعم أعدائها في الدعم السريع.

ويعمل ممثلو "تقدم" على التخلص من هذه الصورة دوليا، ومن أبرز جهودهم لتحقيق ذلك، الجولة التي قام حمدوك بها في أوروبا خلال أبريل 2024، بعد مؤتمر إنساني كبير في باريس إلى جانب قادة حزب المؤتمر السوداني عمر الدقير وخالد عمر، وكذلك زعيم (الحركة الشعبية لتحرير السودان-شمال) ياسر عرمان.

وبحسب أحد المصادر داخل الحركة، فإن بعض أعضاء تقدم يواصلون إجراء محادثات مع كل من القوات المسلحة السودانية والدعم السريع. 

وبموجب إعلان مشترك وقعته تقدم والدعم السريع في أديس أبابا خلال يناير 2024، تم تشكيل لجنة مكونة من أعضاء من كلا الكيانين، لكنها لم تحرز تقدما يذكر منذ ذلك الحين.

ويرجع ذلك أساسا إلى عدم وجود ضمانات من الدعم السريع بشأن القضايا الإنسانية. 

لكن لا يمكن إغفال أن "تقدم" والجيش دخلوا في صدام قوي في 4 أبريل، عندما أصدرت "اللجنة الوطنية لجرائم الحرب وانتهاكات قوات الدعم السريع" التابعة للقوات المسلحة، أمرا بالقبض على عدد من قادة "تقدم" على رأسهم حمدوك، بحسب تلفزيون السودان الرسمي.

وإلى جانب حمدوك ضمت قائمة المطلوب القبض عليهم 16 آخرين، من بينهم رئيس حزب المؤتمر السوداني عمر الدقير، والأمين العام لحزب الأمة القومي الواثق البرير، ورئيس التيار الديمقراطي بالحركة الشعبية ياسر عرمان، ووزيرة الخارجية السابقة مريم الصادق المهدي.

وقتها اتهمت اللجنة المكونة بقرار من النائب العام، المشمولين في القائمة بإثارة الحرب ضد الدولة والتحريض والمعاونة والاتفاق وتقويض النظام الدستوري.

واتهمتهم كذلك بالمساهمة في جرائم الحرب والجرائم المرتكبة ضد الإنسانية والإبادة الجماعية، على حد وصف اللجنة.

سخريات مبكيات 

وعلق السياسي السوداني إبراهيم عبد العاطي على نشاط "تقدم" الأخير، قائلا: "يجب أن نستحضر ما قاله المناضل الهندي التاريخي المهاتما غاندي (كثيرون حول السلطة، قليلون حول الوطن)، ينطبق هذا على الوضع في السودان، حيث حرب أهلية عصفت بالدولة التي يناهز عدد سكانها قرابة 50 مليون مواطن، فيما تتشاكس الأحزاب والحركات".

وذكر عبد العاطي لـ"الاستقلال" أنه "من السخريات المبكيات أن تقدم التي تدعو لوقف الحرب والحد من التدخل الخارجي، تلقى دعما أميركيا أوروبيا وتتلقى أموالا من الخارج، وتحدد واشنطن أجندتها وترسم ملامح تحركاتها، فضلا عن وجود علاقات مباشرة بين حمدوك والإمارات، وحمدوك وإثيوبيا". 

وأضاف: "ألم تحكم قوى الحرية والتغيير، ألم يحكم حمدوك السودان، وبدلا من أن يؤسس لمناخ جامع تفرغ للتفرقة والإقصاء وحرب الإسلاميين، ومحاولة تدمير مؤسسات الدولة تحت شعار إعادة الهيكلة، وهو ما أوصلنا بشكل مباشر إلى تلك الحالة الدموية". 

يذكر أنه في 4 يناير 2024 نشرت مجموعة الأزمات الدولية، تقريرها عن الوضع في السودان، وأورد التقرير أن الصراع ترك 25 مليون سوداني في حاجة للمساعدة.

وأكد التقرير أن الأزمة ستتفاقم خلال العام 2024 وستضغط على دول الجوار، حيث قتل في الصراع 12 ألف شخص وهجر 5.9 ملايين داخل البلاد، مما جعلها أكبر أزمة نزوح داخلي على مستوى العالم. 

وكذلك فر 7.2 ملايين سوداني من منازلهم ونزحوا إلى داخل البلاد أو لجأوا خارجها، وكان نصف المهجرين من الأطفال (أكبر أزمة نزوح للأطفال في العالم).

وأورد التقرير الدولي أن الصراع أدى إلى تدمير البنية التحتية العامة في السودان، وأكثر من 70 بالمئة من مرافق البلاد الصحية أصبحت غير صالحة للعمل، ما أدى إلى تفشي مرض "الحصبة" الذي قتل ألف طفل، وتفشٍّ حاد للكوليرا التي أصابت 8500 شخص.

كما فقد الجنيه السوداني 50 بالمئة من قيمته (الدولار = ألف جنيه سوداني)، وتم إغلاق 10 آلاف و400 مدرسة، مع وجود 19 مليون طفل أصبحوا بدون تعليم وعرضة للمعاملة السيئة والاستغلال. 

فيما يواجه 7.7 ملايين شخص انعدام الأمن الغذائي، ويواجه 17.7 مليون شخص (نصف سكان السودان) أزمة (التصنيف المرحلي المتكامل للغذاء للمستوى الثالث) أي قبل المجاعة، وقد فر 1.4 مليون سوداني إلى البلدان المجاورة، بما في ذلك تشاد التي استضافت وحدها 400 ألف.