ماذا عن الشريعة الإسلامية في نظام الحكم الجديد بسوريا؟.. صحيفة تركية تجيب

"هذه القضايا ستتضح عند إعداد الدستور والقوانين الجديدة في المستقبل"
رأت صحيفة تركية أن الرئيس السوري الجديد أحمد الشرع، تجنب منذ تحرير البلاد من قبضة نظام الأسد، الالتزام بأي موقف قاطع بشأن أي قضية "بل يفضل ترك الأمر للزمن".
وكانت إحدى القضايا الرئيسة تتعلق بمدى تأثير أحكام الشريعة الإسلامية في هيكلية الدولة الجديدة والنظام الاجتماعي الذي سيتشكل في سوريا خلال المرحلة المقبلة.
وأوضحت صحيفة حرييت المعارضة في مقال للكاتب التركي "سيدات أرجين" أنه عند سؤاله عن ذلك كرّر الشرع دائماً الموقف نفسه.
إذ أكد أن هذه القضايا ستتضح عند إعداد الدستور والقوانين الجديدة في المستقبل، وأنه سيكون ملزما بتنفيذ هذه النصوص بصيغتها النهائية.

تغييرات في المواقف
وأشار الكاتب إلى أنه يمكن فهم أسباب الإلحاح على الشرع في هذا الموضوع بالنظر إلى خلفيته السلفية.
فقد توجه الشرع إلى العراق بعد الغزو الأميركي عام 2003، حيث قاتل هناك ضمن صفوف تنظيم القاعدة تحت اسم "أبو محمد الجولاني".
ثم عاد إلى سوريا عام 2011 وأسّس جبهة النصرة، وهو الفرع السوري لتنظيم القاعدة.
وفي عام 2016 انفصل عن القاعدة وغير اسم النصرة إلى "هيئة تحرير الشام"، التي أصبحت الجماعة المسلحة المهيمنة في إدلب تحت قيادته.
ومع ذلك، لم يكن هذا الانفصال كافيا لإزالة اسم الهيئة من قائمة الأمم المتحدة للمنظمات الإرهابية، حيث لا تزال تعدها امتدادا للقاعدة.
وعند مراجعة تصريحات الشرع خلال فترة قيادته لجبهة النصرة، فقد أكد التزامه بإقامة نظام إسلامي، وأعلن أن سوريا ستُحكم بها بعد سقوط النظام.
ومع ذلك، فإن بعض ممارساته بعد عامي 2016/ 2017، في ظل قيادة هيئة تحرير الشام، أثارت انتقادات من الجماعات السلفية الأكثر تشدداً.
ومن بين هذه الممارسات كان تشجيع إدارة هيئة تحرير الشام في إدلب الفتيات على التعليم، وهو توجه لافت في سياق التيارات المتشددة.
في ظل هذه التطورات يبقى السؤال مفتوحاً حول توجهات الشرع الحقيقية، وما إذا كان يسعى لإجراء تغييرات جذرية في فكر الجماعات الإسلامية المسلحة، أم أنه يكيّف مواقفه تبعاً للمتغيرات السياسية والميدانية.
ومهما يكن، فإن مستقبل سوريا تحت قيادته، سيظل رهينا بالتطورات القادمة ومدى نجاحه في تحقيق توازن بين القوى المختلفة داخل البلاد.
واستدرك الكاتب التركي: في خطوة مفاجئة بعد سيطرته على الأمور في سوريا في 8 ديسمبر/كانون الأول 2024، كانت أولى تحركات الشرع تتعلق بوضع النساء في المناطق التي يسيطر عليها.
فقد أصدرت القيادة العامة لهيئة تحرير الشام بيانا أعلنت فيه "حظرا قاطعا لأي تدخل أو طلب بشأن ملابس النساء أو توجهاتهن".
ويبدو أن الشرع كان واعياً تماماً للأضواء العالمية المسلطة عليه، وحرص على تجنب التشابه مع حركة طالبان التي فرضت قوانين صارمة ضد حقوق النساء في أفغانستان، بما في ذلك حظر إرسال الفتيات إلى المدارس الابتدائية.
من هنا كان هدفه كسر الصورة السلبية عنه، خاصة فيما يتعلق بحقوق النساء، وإظهار موقف مغاير لما قد يتوقعه العالم.
بالإضافة إلى ذلك، بدأ الجولاني بعد استقراره بالقصر الرئاسي في دمشق باستخدام اسمه الحقيقي أحمد الشرع، في محاولة منه للتأكيد على جديته في تولي المسؤولية.

تصريحات مثيرة للاهتمام
في العديد من المقابلات التي أجراها الشرع، جرى سؤاله عن موقفه من الشريعة الإسلامية، وكان من أبرز هذه المقابلات تلك التي أجراها مع شبكة بي بي سي البريطانية في 19 ديسمبر.
وفي هذه المقابلة سُئل الشرع عن إمكانية السماح باستهلاك المشروبات الكحولية في سوريا، فأجاب قائلاً: "هناك الكثير من الأمور التي ليس لي سلطة الحديث عنها، لأنها مسائل قانونية".
وأردف: "ستعمل لجنة من القانونيين على إعداد الدستور، وهم من سيقررون". وهذه الإجابة تُظهر تبايناً مع ما قد يتوقعه البعض من مواقف متشددة.
وهذا الموقف كان أحد النقاط التي تكررت في تصريحاته، حيث كان دائماً ما يوضح أنه لا يتدخل في الأمور القانونية ويترك القرار للّجنة المختصة.
وقد انعكست هذه المبادئ في مقابلة أخرى أجراها مع مجلة "الإيكونوميست" البريطانية، حيث سُئل عن مستقبل سوريا السياسي وما إذا كانت ستصبح دولة ديمقراطية.
وقد كانت إجابته على ذلك مثيرة للاهتمام، حيث قال: "في منطقتنا هناك العديد من التعريفات للديمقراطية. إذا كانت تعني أن الشعب يختار من سيحكمه ومن سيمثله في البرلمان، فعندها نعم، سوريا تسير في هذا الاتجاه".
ومن خلال هذه التصريحات والمواقف، يسعى الشرع إلى تقديم نفسه كقائد يسعى إلى التحول السياسي بعيداً عن التطرف، ويؤكد على الالتزام بالقوانين والدستور الذي ستعده لجنة قانونية، وهو ما قد يشير إلى محاولته بناء صورة أكثر اعتدالاً ومرونة في الساحة السياسية السورية.
وتابع الكاتب التركي: في إحدى أبرز لحظات المقابلة، جرى طرح سؤال حاسم يتعلق بمستقبل النظام القضائي في سوريا.
وقد أجاب الشرع على هذا السؤال بتوضيح مفصل، حيث تحدث عن التحضيرات الجارية في هذا الشأن.
وأشار إلى أنه سيتم استمرار النظر في القضايا التي فتحت خلال فترة النظام السابق. كما أوضح أن المجلس التشريعي الذي سيتشكل خلال الفترة الانتقالية سيكون مسؤولا عن إصدار قوانين جديدة.
وأضاف الشرع أنه ليس لرئيس الجمهورية الحق في فرض قوانين معينة، بل ستتم العملية وفقا للأحكام القانونية العامة التي ستتضمنها الوثيقة الدستورية التي سيعلن عنها.

الشريعة الإسلامية
لكن السؤال الأكثر أهمية في المقابلة هو ما إذا كانت الشريعة الإسلامية أحد الخيارات القانونية في المستقبل، وهو ما أشار إليه فريق الإيكونوميست.
وفي رده قال الشرع: "إن الخبراء هم من سيقررون. إذا وافقوا، فدوري هو تطبيق هذه القوانين، وإذا لم يوافقوا، فدوري سيكون تنفيذ قرارهم".
وهذه التصريحات تثير العديد من الأسئلة حول موقف الشرع من الشريعة الإسلامية ودوره في تشكيل النظام القضائي في سوريا، حيث يتجنب في إجاباته الالتزام بموقف محدد، تاركا الباب مفتوحا لجميع الاحتمالات.
ومع ذلك، فإن إشارته إلى أنّ هذه القرارات ستتخذ من قبل اللجان التي ستعد الدستور تشير إلى نقطة مهمة.
وهي أنه رغم إحالته اتخاذ القرار إلى الخبراء، فإنه سيكون له دور محوري في تشكيل هذه اللجان، وبالتالي في تحديد مسار النظام القضائي.
في سياق متصل، أعلن الشرع في أول خطاب له بعد انتخابه رئيسا للجمهورية عن تشكيل لجنة تحضيرية لتأسيس المجلس التشريعي المؤقت، وهو ما يعكس التزامه بمواصلة التحضيرات الانتقالية في البلاد.
كما أعلن عن تشكيل لجنة تحضيرية "لمؤتمر الحوار الوطني"، مع الإشارة إلى أن الحكومة المؤقتة ستستمر في أعمالها حتى مارس/آذار 2025.
وأضاف الكاتب التركي: بناء على هذه التحركات، يمكن القول إن الشرع سيكون الفاعل الرئيس في تشكيل الهيئات المستقبلية، حيث سيعتمد تشكيل المجلس التشريعي المؤقت ومؤتمر الحوار الوطني على تفضيلاته.
ومن الواضح أن الشرع لن يكون مجرد رئيس تنفيذي، بل سيكون عليه اتخاذ قرارات حاسمة بشأن مستقبل البلاد، مع الحفاظ على توازنات دقيقة بين القوى السياسية المختلفة.
فمن جهة، سيواجه الشرع توقعات من الجماعات الراديكالية التي تدعمه في السلطة، ومن جهة أخرى، سيكون عليه الحفاظ على رؤية تعددية تأخذ في الحسبان التنوع الديني والمذهبي والعرقي في سوريا، وهو أمر حاسم لتحقيق السلم الاجتماعي في البلاد، وفق وصف الكاتب.
لكنّ السؤال الأكبر يبقى: هل سيتمكن الشرع من إيجاد هذا التوازن الصعب بين التوجهات المختلفة؟ وكيف سيجرى اتخاذ القرارات داخل هذه الهيئات. هل سيكون هناك توافق بين الأعضاء، أم سيتم اتباع مبدأ الأغلبية؟
الجواب على هذا السؤال سيكون أول اختبار حقيقي لرئاسة الشرع، وسيحدد كيفية تعامله مع تحديات فترة الانتقال التي تمر بها سوريا، يخلص الكاتب.