الإمارات تستدعي سفير هولندا لرفض "التدخل" بشؤون الأردن.. ماذا أقلقها؟

إسماعيل يوسف | منذ ٣ أعوام

12

طباعة

مشاركة

موقف غريب اشتبكت على إثره ثلاث دول، الأردن وهولندا والإمارات، حين أعلن الأول رفضه طلبا للثاني بترخيص إذاعة تدعمها منظمات من الدول الأوروبية، لتدخل أبوظبي على الخط وتنتقد الطلب الهولندي.

الطلب يتعلق بإذاعة خاصة بشؤون اللاجئين السوريين، قدمته "شبكة الإعلام المجتمعي" الأردنية التي تتعاون مع عدة منظمات أجنبية، بينها جمعيات هولندية، ورفض الأردن بسبب مخاوف من "استغلال" الإذاعة في التعريف بانتهاكات حقوق الإنسان بالمملكة.

وكانت المفارقة أن تستدعي الإمارات، لا الأردن، السفير الهولندي لديها، للاحتجاج على التدخل في الشؤون الداخلية للأردن، ما أثار تساؤلات عن علاقة أبو ظبي بأزمة أردنية-هولندية.

وتزامنت هذه الأزمة مع إصدار عدد من المؤسسات الحقوقية الدولية تقارير تشير إلى تراجع الحريات في الأردن، وربما مخاوف إماراتية من عودة أجواء "الربيع العربي".

إذاعة أم حريات؟

القصة، حسبما روت صحف أردنية، بينها "الرأي"، بدأت في 19 أكتوبر/تشرين الأول 2022، عند طلب سفير هولندا في عمان، هاري فيرفاي لقاء وزير الإعلام الأردني، فيصل الشبول، لمحاولة إثناء عمان عن رفض طلب الموافقة على الإذاعة التي تشرف عليها منظمات مجتمع مدني.

لكن حساب السفير الهولندي على "تويتر" قال: "أبلغنا مخاوفنا بشأن تراجع ترتيب الأردن الدولي في مجال حرية التعبير"، ما أغضب حكومة الأردن التي روت قصة أخرى وتحدثت عن "انتهاك سيادتها".

صحيفة "عمون" المحلية قالت في 19 أكتوبر 2022 إن السفير الهولندي طلب بحث إمكانية ترخيص إذاعة مجتمعية ممولة من جهة هولندية وتبث لأغراض اللاجئين السوريين فقط، وهو أمر قالت مصادر قانونية إن "القانون الأردني يحظره".

ونقل موقع "مدار الساعة" (محلي مستقل) بالأردن عن مصدر وصفه بـ"المطلع" في 19 أكتوبر 2022، أن الدبلوماسي الهولندي طلب دعم ترخيص إحدى الإذاعات المجتمعية المختصة بأخبار اللاجئين ونشاطاتهم في المملكة.

وأعلنت وزارة الخارجية الأردنية، عبر حسابها على تويتر، "رفضها التصريح الذي أصدره السفير الهولندي في عمان بعد استقبال وزير الدولة لشؤون الإعلام (الشبول) له في لقاء مجاملة".

ولم تشر الوزارة لطلب السفير "تحسين حالة حرية التعبير في الأردن"، لكنها قالت في بيان إن "مدير الدائرة الأوروبية (بالوزارة) أبلغ السفير الهولندي استغراب الوزارة تدخله في معاملة طلب ترخيص إذاعة لشخص غير أردني وغير هولندي".

وأضافت: "يجري التعامل معها (تصديق الإذاعات) وفق القوانين والأنظمة وبشفافية مطلقة، ومن غير المفهوم تدخل سفير يمثل دولة صديقة في قضية تحكمها القوانين والأنظمة"، مشددة على عدم قبول الأردن "التدخل في شؤونه الداخلية".

وسبق أن قدمت هولندا للأردن عدة مساعدات للتغلب على أزمات معيشية داخلية، وأخرى تفاقمت مع تدفق اللاجئين السوريين على الأردن منذ 2011.

وفي عام 2015، دفعت هولندا 25 مليون يورو لمواجهة أعباء اللجوء السوري، كما حصل الأردن على 73 مليون دولار من التبرعات والاستثمارات من هولندا عام 2022، وفق الصحفي المتخصص في الشؤون العربية والدولية، علي يونس.

وتعود قصة ترخيص الإذاعة إلى توقيع اتفاقية بين "شبكة الإعلام المجتمعي" ومؤسسة هولندية لتأسيس "إذاعة محلية غير سياسية تقدم خدمات توعوية للاجئين" السوريين في مدينة المفرق شمال العاصمة، وفقا لبيان أصدرته الشبكة.

وذكرت في البيان الصادر عنها في 20 أكتوبر 2022 أن "الجهات الرسمية رحبت بالفكرة التي قدمها صحفي هولندي يعمل على إقامة إذاعات محلية غير سياسية، في حينها".

لكن، بعد ذلك وصلتهم إجابة بأن "طلب الإذاعة مرفوض"، وتم إعلام المؤسسة الهولندية الممولة للمشروع (REF FM)، وهي من قامت بالتواصل مع السفير الهولندي في عمان، والذي حاول بدوره الاستفسار عن مصير المشروع.

و"شبكة الإعلام المجتمعي"، مؤسسة غير ربحية أسسها ويديرها الإعلامي الفلسطيني داود كتاب، سجلت عام 2007 بهدف تأسيس وإدارة مشاريع إعلامية وثقافية في الأردن والعالم العربي.

وتدير الشبكة إذاعة مجتمعية هي "راديو البلد" ولها موقع إلكتروني "عمان نت"، وضمن أنشطتها أيضا موقع "سوريون بيننا" الذي يتناول مشاكل وحياة اللاجئين السوريين في الأردن.

تصرف غريب

في تصرف غريب، استدعت أبو ظبي السفير الهولندي لديها للاحتجاج على ما فعله زميله في الأردن.

وقالت وزارة الخارجية الإماراتية عبر بيان نشر في 20 أكتوبر 2022 إنها "استدعت سفير هولندا لديها وأبلغته احتجاجها واستنكارها الشديدين لتدخل سفير بلاده لدى المملكة الأردنية في الشؤون الداخلية للأردن الشقيق".

أستاذ العلوم السياسية، عبد الخالق عبد الله، الذي يوصف بأنه مستشار رئيس الإمارات محمد بن زايد، وصف تدخل بلاده بأنه "عين حمراء" أظهرتها أبو ظبي لأوروبا، في إشارة إلى "علامة قوة دولية"، بحسب زعمه.

لكن مراقبين يرون أن الأمر له علاقة بمحاولة الإمارات المستمرة الدفاع عن الأنظمة القمعية العربية، خاصة التي تنشط فيها جماعة "الإخوان المسلمين".

وعدوا تدخل الإمارات جزءا ممتدا من دورها في حماية أنظمة عربية متسلطة منذ بداية الربيع العربي 2011، خشية امتداد الانتقادات الدولية لملفها الحقوقي، أو الانتعاش القوي للمعارضة في الدول العربية مجددا، والتخوف من انتقال ذلك لها. 

وقال نشطاء على مواقع التواصل إن القصة كلها تتعلق بالحريات في الأردن، والإمارات تدافع عنها لأن هولندا انتقدت تدهور الحريات بالمملكة، لذا تخشى أبوظبي أن تفعل هولندا معها ذلك لاحقا.

وانتقد نشطاء أردنيون تدخل الإمارات أيضا في شؤون بلادهم، بعد هولندا، مستغربين انتقادها تدخل أمستردام في شؤون عمان، ثم تدخلها هي في شؤون الأردن ولو بالدفاع عنه.

نظام "قمعي"

ويرى مراقبون أن رفض الأردن طلب الإذاعة التي تمولها هولندا بدعوى تخصصها في شؤون اللاجئين، جاء بسبب نشر المؤسسة (شبكة الإعلام المجتمعي) التي تقدمت بطلب الترخيص تقارير عن معاناة اللاجئين السوريين في المملكة.

وتتخوف الأردن من استغلال الإذاعة في بث أخبار ومعلومات تصب في خانة معارضة النظام وسرد تفاصيل حول معاناة منظمات المجتمع المدني في الأردن أيضا.

وانتشرت في أكتوبر 2022 هاشتاغات تعبر عن الغضب في المملكة، أبرزها #الأردن_مش_بخير، الذي يتضمن وقائع عن قمع مواطنين وحالات فساد ونهب لثروات البلاد.

وتشير الأرقام الرسمية الأردنية إلى أن نسبة الفقر على مستوى الأردن للربع الأول من العام الحالي 2022 بلغت 24.1 بالمئة، حسب بيانات وزارة التخطيط الأردنية لعام 2022.

وأظهر استطلاع رأي أجراه مركز "الدراسات الإستراتيجية" في الجامعة الأردنية خلال أكتوبر 2022، أن 85 بالمئة من الأردنيين يرون أن السياسات والإجراءات الاقتصادية الحكومية فشلت في التخفيف من الأعباء الاقتصادية أو الحد من ارتفاع الأسعار أو تقليل نسب الفقر والبطالة.

تصريحات السفير الهولندي حول تراجع الحريات في الأردن، كانت مؤشرا على ذلك، حيث جاءت بعد صدور تقرير لمنظمة "هيومن رايتس ووتش" في 18 سبتمبر/أيلول 2022 يتهم عمان باستخدام "قوانين غامضة تجرم التعبير وتكوين الجمعيات والتجمع".

"رايتس ووتش" قالت إن السلطات تضطهد المواطنين الذين ينظمون أنفسهم ويمارسون المعارضة سلميا وتضايقهم، وتقيد الحقوق الأساسية مثل العمل والسفر بهدف إلغاء المعارضة السياسية.

وقالت إن "الحيز المدني في الأردن تقلص خلال السنوات الأربع الماضية، والسلطات أصدرت أحكاما جنائية غامضة وفضفاضة، لقمع حرية التعبير والتجمع".

فيما أكدت مديرة الشرق الأوسط في هيومن رايتس، لما فقيه، أن "هناك ضرورة ملحة لمعالجة التدهور الحقوقي الذي نشهده في الأردن"، مشددة على أنه "لا يمكن أن يكون الحفاظ على الاستقرار مبررا لانتهاك حقوق الناس".

وكشفت المنظمة أنها حققت في 30 حالة بين 2019 و2022 استخدمت فيها السلطات أحكاما فضفاضة "تجرم القدح والذم" لاعتقال واتهام المواطنين بسبب التعبير السلمي عن آرائهم السياسية على مواقع التواصل والتجمعات العامة.

ووفق تقرير المنظمة الأميركية "فريدوم هاوس" لعام 2022 تعد المملكة من بين الدول التي فيها "حرية جزئية".

وأشار التقرير الأميركي إلى استمرار مقاضاة الصحفيين والنشطاء ومستخدمي شبكات التواصل الاجتماعي، حيث يتم ملاحقتهم بموجب عدة قوانين.

أيضا جرى تخفيض تصنيف البلد من "معوق" إلى "قمعي" أو "مكبوت"، وهو ثاني أسوأ تصنيف يمكن أن تحصل عليه دولة، بحسب تقرير صادر في 8 ديسمبر/كانون الأول 2021، عن مرصد "سيفيكوس"، الذي يرصد الحريات في 197 دولة.