ديون إثيوبيا تدفعها نحو الإفلاس وتهدد إكمال سد النهضة.. لماذا تتخوف مصر؟

منذ ٤ أشهر

12

طباعة

مشاركة

يبدو أن ديون "سد النهضة" التي دفعت إثيوبيا لحافة الإفلاس، قد تصبح هي السلاح الذي يعرقل اكتمال وتشغيل السد، ومن ثم ترفع الحرج عن الموقف المصري الضعيف أمام إثيوبيا بعدما انتهى التفاوض بالفشل دون رد قوي.

ورفضت إثيوبيا سداد عوائد سندات بقيمة 33 مليون دولار لمشروع سد النهضة كانت مستحقة في 11 ديسمبر/كانون الأول 2023، لتصبح أحدث المتخلفين عن سداد ديونها في إفريقيا، حسب وكالة "بلومبيرغ"  الأميركية في 25 ديسمبر 2023، ما قد يعرقل خطتها بشأن السد.

وانتهت 90 بالمئة من أعمال بناء سد النهضة الإثيوبي وفقا للهيئة الحكومية المسؤولة عن المشروع، بحسب موقع "فانا" التابع للحكومة في 25 مارس/آذار 2023.

وانتهت مرحلة التفاوض بين مصر وإثيوبيا بالفشل في 19 ديسمبر 2023 وسط تهديدات "كلامية" مصرية بالاحتفاظ بحقها حال تهديد السد لها وحرمانها من حصتها المائية، وسط سخرية مصريين من ضعف رد الفعل. 

فيما يتساءل خبراء: هل تكون ديون إثيوبيا سلاحا ينقذ مصر ويهدد سد النهضة بدلا منها؟

قصة الديون

في 8 ديسمبر 2023، انتهت مفاوضات كانت بدأت بين الحكومة الإثيوبية والدائنين بشأن فائدة مستحقة بقيمة 33 مليون دولار انقضت فترة سدادها في 11 ديسمبر.

وذلك عن ديون بمبلغ مليار دولار اقترضتها إثيوبيا لبناء سد النهضة، وأعلنت أديس أبابا رسميا عجزها عن سداد ديونها ورفض الدائنون التأجيل.

وفي نوفمبر 2023 طلبت إثيوبيا تعليق ديونها أثناء إجراء مناقشات مع صندوق النقد الدولي، والتفاوض على إعادة هيكلة الديون مع الدائنين الرسميين بموجب مبادرة الإطار المشترك التي طرحتها مجموعة العشرين عام 2021.

وكانت تسعى إلى إعادة التفاوض بشأن ديونها، كما حدث مع زامبيا وغانا، بتخفيف أعبائها من جانب المقرضين، عقب استنفاد احتياطياتها من النقد الأجنبي وارتفاع التضخم.

كما انهارت محاولات موازية لتعليق الديون وتأجيل سداد سندات، مع صناديق التقاعد ودائنين آخرين من القطاع الخاص.

وقالت وزارة المالية الإثيوبية، في بيان إن "الضغوط الحادة للسيولة الخارجية" جعلها تبلغ حاملي السندات بأن وضعها لن يسمح بدفع عوائد سندات بالغة 33 مليون دولار مستحقة في 11 ديسمبر، وهو ما قد يؤدي إلى التخلف عن السداد.

وقال وزير المالية الإثيوبي، أحمد شيدي، إن الحكومة لم ترغب في سداد المبلغ لأنها "تريد معاملة جميع الدائنين بنفس الطريقة"، فيما أكد كبير مستشاري الإصلاح في الوزارة الإثيوبية، هنجات شامل، أن الدفعة لم ولن تدفع.

ودفع هذا وكالة التصنيف الائتماني "ستاندرد آند بورز غلوبال" لتصنيف السندات التي أصدرتها الحكومة الإثيوبية لبناء سد النهضة (مثل سندات بناء تفريعة قناة السويس) إلى "افتراضي" في 15 ديسمبر على افتراض أنه لن يتم دفع القسيمة.

وأدى ارتفاع أسعار الفائدة إلى تفاقم المخاطر المتعلقة بالدين في جميع البلدان النامية، إذ أصبح نحو 60 بالمئة من البلدان منخفضة الدخل مهددة ببلوغ مرحلة المديونية الحرجة أو أنها بلغت هذه المرحلة بالفعل، حسبما أعلن البنك الدولي. 

وقال البنك في "تقرير الديون الدولية" الصادر في 13 ديسمبر 2023 إن هذه البلدان أنفقت 443.5 مليار دولار لسداد ديونها الخارجية عام 2022، وذلك بعد أكبر قفزة تشهدها أسعار الفائدة العالمية على مدى أربعة عقود.

وقال البنك الدولي إن "ارتفاع تكاليف هذه الديون أدى إلى استغلال الموارد الشحيحة في غير الاحتياجات الحيوية مثل الصحة والتعليم والبيئة".    

كيف تتضرر؟

تخلف إثيوبيا عن سداد دفعة فائدة ديون بقيمة 33 مليون دولار بعد انتهاء فترة السماح يوم 22 ديسمبر 2023، يعني أنها قد تصبح أحدث دولة إفريقية تتعثر عن سداد ديونها وفق وكالة "بلومبيرغ" 25 ديسمبر 2023.

وستكون بذلك ثالث دولة في إفريقيا، بعد زامبيا وغانا، تفشل في سداد ديونها وفق وكالة "رويترز" 26 ديسمبر 2023، ما يمنعها من الحصول مستقبلا على أي قروض جديدة وربما عرقلة الإنفاق على إكمال سد النهضة، ضمن مشاريع أخرى.

ويقول خبراء اقتصاد إن منح صندوق النقد الدولي لإثيوبيا مهلة حتى 30 مارس/آذار 2024 لتسديد ديون مستحقة قبل أن يتم إعلان إفلاسها، يجعلها تحت مقصلة الدائنين، لوجود طريقة لجلب أموال، رغم محدودية ديونها مقارنة بغيرها.

يرون أن ما يزيد من حرج موقف إثيوبيا هو أن الرعاة الإقليميين والدوليين لها منغمسون في حروب ومشاكل العالم خاصة غزة وأوكرانيا وتداعيات الملاحظة الدولية في البحر الأحمر، رغم أن مبلغ الدين وهو 33 مليون دولار ضئيل للغاية.

دفع هذا الكاتب أبينا ولد مريم للقول في موقع "بوركينا" الإثيوبي في 24 ديسمبر 2023 إن آبي أحمد يقود إثيوبيا نحو الهاوية، مشيرا للآثار الضارة لهذه الديون على سد النهضة.

قال إنه عندما أصبح آبي رئيسا للوزراء عام 2018، أذهل الإثيوبيين بخطاباته حول المصالحة الوطنية والوحدة والسلام والديمقراطية وأطلق سراح السجناء السياسيين، ودعا المعارضة للعودة وحرر الصحافة ووعد بعصر من الديمقراطية.

لكن وعود "آبي" الوردية بدأت في الانهيار خلال عامين من صعوده الصاروخي، عندما اندلعت صراعات عرقية عنيفة ومذابح في أجزاء كثيرة من البلاد، وبدا غير قادر على تحقيق السلام والاستقرار لإثيوبيا، فبدأت شعبيته تتضاءل بسرعة. 

"وكانت هناك أيضًا إشارات مبكرة على أنه غير متسامح مع المعارضة لميوله الاستبدادية والمسيحية المستترة، كما مارس سياسة حافة الهاوية السياسية"، بحسب الكاتب "ولد مريم".

إذ إن آبي أحمد من أتباع "إنجيل الرخاء" المعروف أيضا باسم "إنجيل الصحة والثروة"، والذي يبشر بأن "الإيمان والخطاب الإيجابي والتبرعات للدعاة وكنيستهم ستزيد من الثروة المادية للفرد"، وفق الكاتب الإثيوبي.

وفي ديسمبر 2019، سيطر آبي أحمد بمفرده على السلطة بحزب واحد هو حزب "الازدهار"، وقام بتوحيد كل السلطات السياسية بين يديه، وأعطى الوظائف للموالين له، وسعى لتأليب أعضاء الحزب ضد بعضهم البعض على أسس عرقية.

كما مارس خدعة "السياسة المكيافيلية" التي جعلت الجميع في حيرة من أمره، وظهر كأنه يسيطر بشكل كامل على قوات الأمن والجيش.

وسرعان ما وضح أنه يريد أن يحكم البلاد بأكملها، ويسعى إلى تصعيد مجموعته العرقية الأورومو لتكون قاعدته السياسية الأساسية في الحكم، بعيدا عن مجموعات أخرى مثل "OLA" (فصيل من جبهة تحرير أورومو) يعارضونه واصطدم معهم.

ووسط أعمال عنف قبلية ومذابح، واصل آبي أحمد محاولة الظهور أمام البرلمان والجمهور، أن "الازدهار" قادم للبلاد على يديه، وعليهم أن يثقوا فيه!

واهتم ببناء سد النهضة كمشروع قومي، لكن عدم الاستقرار كان قد اجتاح كل إثيوبيا، وأثر سلبيا على الاقتصاد، واستمر التضخم في الارتفاع بشكل كبير، مما جعل الحياة اليومية لا تطاق بالنسبة للملايين، و"الأسوأ قادم" كما يتوقع "ولد مريم".

هل تتضرر مصر؟

بسبب قرب إشهار إثيوبيا إفلاسها قريبا، بدأ مصريون يحذرون من احتمالات لجوء إثيوبيا، لبيع سد النهضة لدولة أو شركة، ويطرح بعضهم فكرة احتمال أن تسعى إثيوبيا، بفعل سيطرتها على مياه النيل، لبيعها لمصر!

أحد من حذروا من ذلك هو الكاتب والناشط عمار على حسن الذي حذر من أن عجزها عن سداد فوائد ديونها البالغة 28 مليار دولار، قد يدفعها لبيع سد النهضة لدولة أو شركة، تبيع بدورها المياه لمصر والسودان!

ربما تعلن إثيوبيا إفلاسها قريبا، فهي عجزت عن سداد 33 مليون دولار فوائد مستحقة لحاملي سنداتها الدولية وقدرها مليار دولار، وبالتالي ستعجز عن سداد فوائد ديونها البالغة 28 مليار دولار وموعدها يونيو المقبل.
فهل تبيع إثيوبيا سد النهضة لدولة أو شركة، تبيع بدورها المياه لمصر والسودان؟ !

— عمار علي حسن Ammar Ali Hassan (@ammaralihassan) December 18, 2023

لكن الباحثة بمركز الدراسات الإستراتيجية بالأهرام، أماني الطويل، توقعت في تصريح لقناة "إم بي سي مصر" أن تتدخل دول، لم تحددها، لإنقاذ إثيوبيا من التخلف عن سداد ديونها بسبب مصالحها في استمرار السد؛ للضغط على مصر.

وأكدت أن "سد النهضة سياسي لا اقتصادي، وهدفه الضغط على مصر"، مؤكده أن "إثيوبيا دولة مدللة لأوروبا وأميركا وإسرائيل"، ومتوقعة التدخل لإنقاذها من التخلف عن سداد الديون وعرقلة استكمال سد النهضة.

سد النهضة سياسي مش اقتصادي.. وهدفه الضغط على مصر.. واثيوبيا دولة مدللة لأوروبا وأمريكا وإسرائيل.. والسودان تشهد نزوحا جديدا.. د. اماني الطويل الخبيرة في الشأن الافريقي تكشف (التفاصيل كاملة)

يعرض الآن مجاناً على شاهدhttps://t.co/LayFZOKEEy #الحكاية#MBCMASR pic.twitter.com/IT0ZnRQN4U

— الحكاية (@Elhekayashow) December 16, 2023

ويقول محلل سياسي مصري إن "هناك توقعات أن تتدخل الإمارات تحديدا لإنقاذ إثيوبيا ضمن خططها لحصار مصر من جهة وتطويعها، والاستفادة من سد النهضة في خططها من أجل الاستثمار الزراعي هناك والذي توسعت فيه الإمارات ضمن بيزنس الإحلال محل النفط".

وأوضح المحلل لـ"الاستقلال"، مفضلا عدم ذكر اسمه، أن للإمارات مصالح في إثيوبيا واستثمارات في سد النهضة، وسبق لوزير الموارد المائية المصري السابق محمد نصر علام التلويح إلى أن كل وساطات أبو ظبي بين القاهرة وأديس أبابا بشأن السد كانت لصالح إثيوبيا.

وخلال المفاوضات التي تدخلت فيها الإمارات بين مصر وإثيوبيا حول سد النهضة، كان غريبا أن يتضمن المقترح الإماراتي مسودة اتفاق من أهم بنوده عدم اعتراف اثيوبيا بالاتفاقيات التاريخية لتنظيم إدارة المياه!

والبند الثاني الأخطر يتضمن تلميحا لبيع أثيوبيا المياه لمصر، ما جعل مصر تتحفظ على هذا البند، وفق موقع "أنباء إثيوبيا"، مع بنود تتضمن أنه يجب أن تشارك الإمارات في شراكات استثمارية في الدول الثلاث (إثيوبيا ومصر والسودان) !!

Summary of Renaissance Dam Negotiations and Reactions from Egypt, Sudan, and Ethiopia.

The Emirati Draft: The draft document spanned three pages and began with a two-paragraph preamble. This introduction highlighted several key points, including the belief that the solution to… pic.twitter.com/qbrO55d8OW

— Ethiopian News (@RenaissanceDam) August 31, 2023

وكانت الإمارات هي الشريك التجاري الثاني لإثيوبيا، لكن عقب إبرامها اتفاقا تجاريا جديدا معها في أغسطس/آب 2023 أصبحت الشريك التجاري الأول، لكنها تحاول تبرير ذلك بأنها تخفف بذلك التوتر بين مصر وإثيوبيا!

العلاقة الاماراتية والاثيوبية علاقة صادقة وواثقة

الامارات هي الشريك التجاري الثاني وقد تتصدر الشراكة التجارية لأثيوبيا بعد توقيع الاتفاقيات التجارية اليوم

تخفيف توتر #سد_النهضة بين مصر واثيوبيا بعد مساعي دولة الامارات وصاحب السمو الشيخ #محمد_بن_زايد#محمد_بن_زايد_في_إثيوبيا pic.twitter.com/OJBNICy229

— Mohammed Taqi (@MohdTaqi11) August 18, 2023

وكان لافتا أنه في نفس يوم إعلان فشل جولة المفاوضات الأخيرة، مشاركة الإمارات بطائراتها في عرض جوي في قاعدة هرر ميدا الجوية جنوب العاصمة الإثيوبية، احتفالا بالذكرى الـ88 لتأسيس القوات الجوية الإثيوبية، حضره آبي أحمد.

وهو ما أثار تساؤلات حول مغزى هذه الخطوة الإماراتية التي تعني ضمنا مشاركتها في حماية إثيوبيا في مواجهة مصر.

تحتفظ بحقها

بدلا من أن يستغل النظام المصري برئاسة عبد الفتاح السيسي هذا الانهيار في إثيوبيا سياسيا واقتصاديا، لفرض حل على إثيوبيا بشأن حصة مصر في النيل وتنظيم عمل سد النهضة، اكتفى بالقول إن "مصر تحتفظ بحقها في الدفاع عن أمنها المائي".

وأعلنت وزارة الموارد المائية المصرية، في 19 ديسمبر 2023 انتهاء الاجتماع الرابع، والأخير، من مفاوضات سد النهضة في أديس أبابا، بالفشل في الوصول إلى اتفاق، رغم تعهد السيسي وآبي أحمد بذلك في 13 يوليو، خلال 4 أشهر والتي انتهت بالفعل في نوفمبر 2023.

"الاجتماع لم يسفر عن أية نتيجة نظرا لاستمرار ذات المواقف الإثيوبية الرافضة عبر السنوات الماضية للأخذ بأي من الحلول الوسط الفنية والقانونية لتأمين مصالح الدول الثلاث، وتمادي إثيوبيا في النكوص عما تم التوصل له من تفاهمات"، وفق البيان المصري.

وأكد البيان أنه "بات واضحا عزم الجانب الإثيوبي على الاستمرار في استغلال الغطاء التفاوضي لتكريس الأمر الواقع على الأرض، والتفاوض بغرض استخلاص صك موافقة من دولتي المصب على تحكم إثيوبيا المطلق في النيل الأزرق".

وأكد "أن مصر ستراقب عن كثب عملية ملء وتشغيل سد النهضة، وتحتفظ بحقها المكفول بموجب المواثيق الدولية للدفاع عن أمنها المائي والقومي في حالة تعرضه للضرر"، لكن دون تحرك فعلي لاستغلال أزمة إثيوبيا، كما فعلت هي واستغلت "ثورة يناير 2011" لبدء بناء السد.

واللافت أن إثيوبيا في كل المفاوضات تعلن تمسكها بـ"نصوص اتفاقية المبادئ التي وقعها السيسي معهم وتقول "سنلتزم بما وقعنا عليه"، ما يثير تساؤلات أكثر حول هذه الاتفاقية وهل تضمنت مبادئ سرية بين السيسي وإثيوبيا.

وأعلنت إثيوبيا الانتهاء من الملء الرابع لسد النهضة في 10 سبتمبر 2023 وتقوم حاليا بتعلية الممر الأوسط للسد تمهيدا للملء الخامس في أغسطس 2024.

الكلمات المفتاحية