ضغوط أميركية أم منافسة داخلية.. من يشعل خلافات الحشد الشعبي في العراق؟

يوسف العلي | 3 months ago

12

طباعة

مشاركة

بالتزامن مع إقالة مسؤول جهاز أمن الحشد الشعبي في العراق حسين فالح من منصبه، ثم التراجع عن القرار بعد أقل من 24 ساعة على اتخاذه، تحدثت تقارير غربية عن تهديد أميركي بتصنيف الجهاز ذاته على لائحة الإرهاب.

ما حصل داخل الحشد أثار تساؤلات عن مدى تعرض الحكومة العراقية لضغوطات من الولايات المتحدة من أجل عزل بعض قيادات التشكيل العسكري الذي تألف من مليشيات مسلحة غالبيتها موالية لإيران عام 2014 لمقاتلة تنظيم الدولة بعدما سيطر على ثلث مساحة العراق.

"توجيه أميركي"

فمن دون سابق إنذار، أصدر رئيس هيئة الحشد الشعبي، فالح الفياض، أمرا في 26 يونيو/ حزيران 2024، يقضي بإعفاء مؤسس ومسؤول مديرية الأمن والانضباط في الهيئة حسين فالح المعروف بـ"أبو زينب اللامي".

ونقلت وكالة "موازين نيوز" العراقية عن مصدر في هيئة الحشد (لم تكشف هويته)، أن الفياض "كلف علي الزيدي بديلا عن اللامي"، مشيرا في الوقت ذاته إلى أن الأخير "نقل إلى إدارة منصب معاون رئيس الأركان في الهيئة".

وفي اليوم التالي، أصدر الفياض، قرارا تراجع فيه عن إبعاد اللامي من مسؤولية جهاز أمن الحشد الشعبي، وذلك بعد ردود أفعال رافضة لإعفائه من منصبه صدرت عن جهات سياسية ومسلحة مختلفة، حسبما ذكرت وكالة "شفق نيوز" في 27 يونيو.

وتعليقا على ذلك، نشر حساب على "فيسبوك" يعتقد أنه يعود إلى اللامي تدوينة في 27 يونيو، شكر فيها "جميع الأخوة من أبناء عمومتي والشرفاء الذين وقفوا وقفة مشرفة وكانوا سندا لنا في هذه الفترة الحرجة والقرارات الظالمة التي كانت بتوجيه من الاحتلال الأميركي".

أبوزينب حسين فالح عزيز اللامي من مواليد عام 1969 في محافظة ميسان جنوب العراق، لا يعرف تحصيله الدراسي، لكنه عمل مفوضا في سلك جهاز الأمن خلال عهد الرئيس الراحل صدام حسين، وهذه الوظيفة عادة يشغلها من لم يكمل تعليمه الثانوي.

وعندما أمر الحاكم الأميركي المدني للعراق بول بريمر عام 2003، بدمج عناصر المليشيات الشيعية في الأجهزة الأمنية العراقية، جرى تمرير أبوزينب اللامي ضمن مجاميع من مليشيا بدر بزعامة هادي العامري ليكون ضابطا في وزارة الداخلية، وفقا لرواية الكاتب هارون محمد.

وفي عام 2020، أرسلت الحكومة العراقية أبو زينب اللامي إلى مصر مع مجموعة من الضباط، لدراسة أركان الحرب لمدة عام كامل، وكان حينها برتبة لواء، ثم في يناير/ كانون الثاني 2023، جرى ترقيته إلى فريق ركن، وذلك ضمن جدول ترقيات ضباط الجيش.

رافقت سيرة اللامي اتهامات بقتل المتظاهرين في احتجاجات أكتوبر/تشرين الأول 2019، من خلال ترؤسه غرفة عمليات تدير مجاميع من القناصة كانت تطلق النار على المحتجين من أعلى أسطح المباني المحيطة بساحة التحرير المكان الأساسي لما بات يعرف بـ"ثوار تشرين".

وكشف تقرير لوكالة "رويترز" البريطانية في 17 أكتوبر 2019، أن قناصة تابعين لمليشيات مدعومين من إيران تحت إمرة اللامي اعتلوا الأسطح وأطلقوا النار على المتظاهرين في العراق، مما تسبب في مقتل أكثر من 100 شخص وإصابة نحو ستة آلاف آخرين.

وفي 6 ديسمبر/كانون الأول 2019، صنّفت الولايات المتحدة اللامي على قائمة العقوبات لأسباب تتعلق بـ"الانتهاكات الجسيمة لحقوق الإنسان" المرتبطة بعمليات "اغتيال وقمع المحتجين". 

أسباب الإقالة

وعن أسباب إقالة مسؤول أمن الحشد الشعبي من منصبه، كشفت مصادر عراقية خاصة (طلبت عدم الكشف عن هويتها) في حديث لـ"الاستقلال" أن "اللامي متهم مع شخصيات سياسية أخرى بقيادة شبكة لغسل الأموال، عن طريق إنشاء مصرف محلي".

ولفتت المصادر إلى أن "موقف الحكومة العراقية محرج أمام الولايات المتحدة بخصوص هذه الشبكة، وبالتالي قرر رئيس الوزراء إبعاد اللامي عن مسؤوليته التنفيذية في الحشد الشعبي من أجل رفع الحرج، خصوصا أنه معاقب أميركيا".

وفي أغسطس/ آب 2023، تصدر اسم اللامي وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي، وذلك بعد ظهور مجموعة من سكان منطقة الجادرية في العاصمة بغداد تستنجد بالحكومة ومراجع الدين الشيعية لإعادة أراضيهم التي سرقها مدير أمن "الحشد الشعبي".

على ضوء ذلك، استقبل المرجع الشيعي علي السيستاني، العائلات التي اغتصبت أراضيها، وأصدر مكتبه بيانا في 19 أغسطس 2023، أكد فيه أن “هؤلاء اشتكوا من التعرض إلى ضغط وتهديد للتخلي عن أراضيهم لصالح بعض الجهات”، مدينا "هذه الممارسات المخالفة للشرع والقانون".

وفي 28 يونيو 2024، نقلت صحيفة "الشرق الأوسط" السعودية، عن مصادر عراقية لم تكشف هويتها أن هناك "اتصالات مكثفة جرت بين مسؤولين حكوميين وأمنيين وقادة فصائل طغا عليها التوتر بسبب أجواء التهديد بين أطراف مختلفة بعد إعفاء اللامي من منصبه".

وذكرت أن مليشيا كتائب حزب الله التي ينتمي إليها اللامي، أرسلت 15 عجلة تحمل أسلحة ثقيلة للسيطرة على مقر الحشد الشعبي، بالتزامن مع اتصالات أجريت بين رئيس أركانه عبد العزيز المحمداوي (أبو فدك) ومسؤولين حكوميين انتهت بالتراجع عن قرار الإقالة.

وأفادت بأن سبب قرار إقالة اللامي يعود إلى أن الأخير كان "يتخذ قرارات حاسمة من دون العودة إلى رئيس الهيئة فالح الفياض أو القائد العام للقوات المسلحة (رئيس الحكومة) محمد شياع السوداني".

وأشارت إلى أن قرار الإقالة صدر من السوداني، لكن البعض يميل إلى الاعتقاد بأن مليشيا "عصائب أهل الحق" وراء ذلك، وهي "من صك أمر الإقالة وبتوقيع رئيس الوزراء".

ولفتت الصحيفة إلى أن أصل الإقالة يعود إلى "خلافات عميقة بين كتائب حزب الله وعصائب أهل الحق، مبينة أن الأخيرة ترغب في السيطرة على هيئة الحشد بالكامل.

وبحسب معلوماتها، فإن "ما حدث ليلة الخميس (يوم إقالة اللامي) انتهى إلى انقسام حاد بين قادة هيئة الحشد الشعبي، وأنهم بحاجة إلى وقت طويل لتجاوز الشرخ الذي حدث، وربما إلى تدخل طهران في الأمر".

تهديد أميركي

وبالتزامن مع قرار إقالة اللامي ثم إعادته لمنصبه، حذرت الهيئة الولايات المتحدة من تصنيف "أمن الحشد" منظمة إرهابية، وذلك بعد طلب أميركي من حكومة العراق غلق أجوائها بوجه طائرات الشحن الإيرانية باتجاه سوريا ولبنان.

وقال موقع "مونت كارلو" الفرنسي في 26 يونيو 2024، إن “الولايات المتحدة تسعى إلى تصنيف جهاز الأمن في الحشد الشعبي (يقوده اللامي) منظمة إرهابية، لأسباب عدة، منها علاقته الوثيقة بالحرس الثوري الإيراني”.

ويعتقد الأميركيون أن أمن الحشد الشعبي ينسق بين الحرس الثوري وبين الفصائل العراقية المسلحة، وفق الموقع.

وكذلك، تتهم الولايات المتحدة جهاز أمن الحشد الشعبي بـ"دعم مليشيات عراقية، في مهاجمة القوات الأميركية في وقت سابق سواء في سوريا أو العراق، وكذلك شن هجمات باتجاه العمق الإسرائيلي بالصواريخ أو المسيرات. 

وأيضا من أسباب التوتر بين الحشد الشعبي والولايات المتحدة هو أن "جهاز أمن الحشد متهم أميركيا بخطف وقتل ناشطين في التيار المدني العراقي في الأشهر القليلة الماضية، خاصة بجنوب العراق، إذ ينشط هؤلاء ضد المليشيات بشكل أساس". 

كذلك تتهم الولايات المتحدة هيئة الأمن في الحشد الشعبي بالمسؤولية عن ملف تهريب الدولار إلى إيران لدعم الاقتصاد الإيراني وتعزيز وضع النظام السياسي في طهران، وفقا لإذاعة "مونت كارلو".

ولم يصدر أي تعليق من الحكومة العراقية أو هيئة الحشد الشعبي حتى 30 يونيو بخصوص ما ورد من معلومات عن تهديد الولايات المتحدة الأميركية بتصنيف جهاز أمن "الحشد" منظمة إرهابية.

وتطرق تقرير الإذاعة إلى أن "الولايات المتحدة أبلغت العراق كذلك بأن هناك رحلات مكثفة لطائرات الشحن الإيرانية عبر الأجواء العراقية باتجاه لبنان وسوريا. وهناك شكوك قوية بأنها تنقل أسلحة ومقاتلين أو متطوعين لدعم حزب الله اللبناني"، وسط تصعيد مع إسرائيل بسبب حرب غزة.

ونقلت الإذاعة عن لجنة الأمن البرلمانية العراقية، قولها إن "الطلب الأميركي من الحكومة العراقية برئاسة السوداني تضمن خيارين، فرض قيود صارمة على رحلات طائرات الشحن الإيرانية أو منعها من المرور عبر الأجواء العراقية باتجاه لبنان وسوريا".