توتر دبلوماسي بين الهند وكندا.. هل تجني حكومة مودي حصاد عنصريتها أمام العالم؟

داود علي | منذ ٧ أشهر

12

طباعة

مشاركة

كان مقتل الزعيم السيخي "هارديب سينغ نيجار" كفيلا بأن يشعل أزمة دبلوماسية هي الأعنف على الإطلاق بين الهند وكندا. 

ونيجار رجل دين كندي من أصول هندية، وهو زعيم طائفة السيخ بمقاطعة كولومبيا الكندية، وقد شهد يوم 18 يونيو/ حزيران 2023، مقتله أمام معبد للسيخ بمدينة ساري، دون أن توجه السلطات الكندية آنذاك التهمة لجهة معينة.

لكن في 19 سبتمبر/ أيلول 2023، أعلن رئيس الوزراء الكندي جاستن ترودو، خلال كلمة أمام مجلس العموم، أن هناك "ادعاءات موثوقة" بأن حكومة الهند تقف وراء مقتل زعيم السيخ "هارديب سينغ نيجار".

وتمثل الواقعة نموذجا لسياسة الاصطدام المستمر بين الأقليات المضطهدة في الهند، كالمسلمين والسيخ والمسيحيين من جهة، وأعضاء حزب "بهاراتيا جاناتا" الحاكم وأنصار حركة "آر ايس ايس" الهندوسية المتطرفة في الجهة الأخرى.

وأصبح الانقسام الطائفي يفرض نفسه بغض النظر عن الثقافة والتعليم، بسبب عقيدة "الهندوتفا" الشرسة التي يعتنقها رئيس الورزاء، ناريندرا مودي، وأعداد كبيرة من الهندوس.

ومنذ صعود حزب مودي إلى السلطة عام 2014، باتت أوضاع الأقليات على المحك. غير أن هذا الأمر  يؤثر أيضا تأثيرا خارجيا سلبيا على نيودلهي التي دخلت في خلافات وأزمات مع حكومات أخرى، مثل الحكومة الكندية. 

معركة دبلوماسية 

وفي 22 سبتمبر 2023، قال ترودو، في نيويورك على هامش الجمعية العامة للأمم المتحدة: "ندعو الحكومة الهندية للتعاون معنا بهدف اتخاذ إجراءات لتسليط الضوء على قضية مقتل (نيجار) وإتاحة فرصة تحقيق العدالة وتحديد المسؤوليات".

بعدها أعلنت وزيرة الخارجية الكندية ميلاني جولي "أن الضلوع المحتمل لممثل حكومة أجنبية بجريمة اغتيال مواطن كندي هنا في كندا، على التراب الكندي.. أمر غير مقبول إطلاقا".

وأضافت: "لذلك طردنا اليوم من كندا دبلوماسيا هنديا رفيعا" دون أن تسميه.

وكشفت صحيفة "واشنطن بوست" الأميركية في 23 سبتمبر أن المسؤول الهندي المطرود، هو الذي يقود الاستخبارات الخارجية الهندية في كندا.

كما أعلنت السفارة الكندية أنها "ستعدل" عدد دبلوماسييها في الهند بعد تلقيهم تهديدات عبر منصات التواصل الاجتماعي.

وقالت البعثة الدبلوماسية الكندية في بيان "في ضوء تصاعد التوترات، فإننا نتخذ إجراءات لضمان سلامة دبلوماسيينا".

 

ردت نيودلهي على إجراءات أوتاوا عندما أعلنت في 19 سبتمبر أنها أمرت دبلوماسيا كنديا رفيع المستوى بمغادرة البلاد.

وأوضحت وزارة الخارجية الهندية في بيان أن قرار نيودلهي يعكس "القلق المتزايد حيال تدخل دبلوماسيين كنديين في شؤوننا الداخلية وضلوعهم في نشاطات مناهضة للهند".

وفي 21 سبتمبر عملت شركة "بي إل إس" المكلفة بمنح تأشيرات السفر إلى الهند في كندا على تعليق عملها.

لكن المثير أن وزارة الخارجية الهندية عادت وأعلنت "أنها تشعر بالقلق على سلامة مواطنيها في كندا، بسبب "جرائم الكراهية والعنف الإجرامي المتغاضي عنها سياسيا".

وجاء في بيان للوزارة أن "التهديدات استهدفت بشكل خاص الدبلوماسيين الهنود وقطاعات من الجالية الهندية التي تعارض الأجندة المناهضة للهند"، لترد الحكومة الكندية وتنفي ادعاء الخارجية الهندية، وتقول "كندا بلد آمن". 

الخوف الهندي 

لطالما توجست نيودلهي من أنشطة السيخ في الخارج، تحديدا في كندا، والتي ترى الهند أنها قد تؤدي إلى إحياء حركة انفصالية لهذه الأقلية وإقامة دولة لهم.

فمثلا "نيجار" الذي قتلته الهند بحسب الإعلان الرسمي الكندي، كان رئيسا لمعبد سيخي ومن دعاة إنشاء دولة مستقلة للسيخ باسم "خاليستان".

والسيخية التي تضطهدها حكومة "ناريندرا مودي" الهندوسية المتطرفة، هي إحدى الديانات الرئيسة في العالم.

 تأسست في القرن السادس عشر بمنطقة البنجاب، حيث تقع الهند وباكستان اليوم، والتي قسمت بين البلدين بعد نهاية الاستعمار البريطاني في عام 1947.

ويوجد حاليا حوالي 25 مليون سيخي في جميع أنحاء العالم، وهو ما يجعلهم خامس أكبر مجموعة دينية على وجه الأرض.

ويعيش الغالبية العظمى منهم في الهند، حيث يمثلون حوالي 2 بالمئة من سكان البلاد، البالغ عددهم 1.4 مليار نسمة.

لكن هناك أعدادا كبيرة أيضا من السيخ في الشتات، منتشرين في أجزاء كثيرة من العالم.

وتعد كندا موطنا لأكبر عدد من السكان السيخ خارج الهند، حيث يوجد حوالي 780 ألفا منهم، أي أكثر من 2 بالمئة من سكان البلاد، وفق ما قال موقع بي بي سي البريطاني خلال سبتمبر 2023.

وربما يفسر هذا اهتمام أجهزة الاستخبارات الهندية بالوجود في كندا، والإقدام على عمليات، كالعملية الأخيرة التي راح ضحيتها الزعيم السيخي "نيجار". 

في حين تعد كل من الولايات المتحدة والمملكة المتحدة موطنا لحوالي 500 ألف فقط، وتضم أستراليا حوالي 200 ألف سيخي، وفق الموقع البريطاني. 

وأغلبية السيخ المهاجرين يكنون لحكومة حزب "بهاراتيا جانتا" العداء، لذلك فإن التنكيل بهم أحدث مشكلة سياسية معقدة للحزب الحاكم، على غرار مشكلات مع أقليات أخرى كالمسلمين. 

موطن الإسلاموفوبيا 

أما أكثر الأقليات اضطهادا في الهند فهي الأقلية المسلمة البالغ عددها قرابة 200 مليون نسمة.

ويعاني معظم مسلمي الهند من سياسات عنصرية، وحوادث طائفية على مدار سنوات، سقط خلالها المئات من الضحايا في عموم البلاد.

ورغم أن المسلمين يمثلون الطائفة الثانية في الهند من حيث التعداد بعد الهندوس، فإنهم دائمو التعرض للعنف خاصة في عهد حكومة "بهاراتيا جاناتا" التي تحمل أفكارا عرقية متطرفة، متمثلة في "الهندوتفا" التي تؤطر لموجات عنف كارثية.

وفي 6 يونيو/ حزيران 2022، واجهت الهند أزمة مع الدول العربية، عندما انتشرت دعوات واسعة النطاق على وسائل التواصل الاجتماعي لمقاطعة البضائع الهندية في دول الخليج، على وقع إساءة مسؤولة بالحزب الحاكم للنبي محمد صلى الله عليه وسلم.

حينها نددت السعودية وقطر والكويت ومصر ومنظمة التعاون الإسلامي بتلك التصريحات الصادرة عن المتحدثة باسم حزب بهاراتيا جاناتا وتدعى نوبور شارما.

وأمام موجة الغضب ودعوات المقاطعة وخشية مودي أن تتضرر مصالح بلاده الاقتصادية في الخليج، علق عضوية المتحدثة باسمه بسبب تعبيرها عن "آراء مخالفة لموقف الحزب" بحسب وصفه. 

 

واضطهاد الحكومة الهندوسية بقيادة مودي للمسلمين لم يغضب الدول الإسلامية فحسب، بل شاركت فيه شخصيات دولية مثل الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما. 

وفي 26 يونيو 2022، نقلت وكالة "رويترز" البريطانية تصريحات خاصة لأوباما، كان يعلق فيها على زيارة رسمية لمودي إلى واشنطن.

 وقال أوباما: "إن قضية حماية الأقلية المسلمة في الهند ذات الأغلبية الهندوسية، تستحق التطرق إليها في اجتماع مودي مع الرئيس الأميركي جو بايدن".

وشدد على أنه "من المحتمل بشدة أن تبدأ الهند في مرحلة ما في التفكك بدون هذه الحماية للمسلمين وغيرهم من الأقليات".

وفي 27 يونيو ذكرت شبكة "سي إن إن" الأميركية، أن 75 نائبا أميركيا ديموقراطيا، أرسلو رسالة إلى بايدن، يحثونه فيها على إثارة قضايا حقوق الإنسان مع مودي.

وأوردت: "كما قاطع بعضهم خطاب رئيس الحكومة الهندية أمام الكونغرس". وبعدها أكد بايدن في مؤتمر صحفي أنه بحث حقوق الإنسان والديمقراطية مع مودي خلال محادثاتهما في البيت الأبيض. 

ماكرون ومودي

وفي فرنسا واجه مودي موقفا أكثر شراسة بسبب عنصرية حكومته ضد الأقليات، حيث زار رئيس الوزراء الهندي البلد الأوروبي في 10 مايو/أيار 2023، وهو اليوم الموافق للعيد الوطني للجمهورية الفرنسية. 

وكان في استقباله الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، وواجه حينها عاصفة غضب من برلمانيين وسياسيين فرنسيين. 

وأعربوا جميعا عن استيائهم من زيارة مودي خلال عريضة وقعوا عليها، ونشرتها صحيفة "ليبراسيون" الفرنسية.

وقال الموقعون: "يجب أن يكون المرء إما جاهلا تماما بالسياق السياسي الداخلي لشبه القارة الهندية أو يكون ساخرا تماما لجعل مودي ضيف شرف الجمهورية الفرنسية في أكثر أيام السنة رمزية"، في إشارة منهم إلى الرئيس الفرنسي، الذي وجه له الدعوة واستضافه. 

وقال المعارضون إن انتماء مودي إلى أقصى اليمين وعلاقاته السابقة بمجموعة شبه عسكرية متطرفة، يحمل دلالات لا تتوافق مع قيم الجمهورية الفرنسية، الداعية إلى الحرية والمساواة. 

لا سيما أن زيارة مودي إلى فرنسا جاءت بعد أيام قليلة من هجوم المتطرفين الهندوس على كنائس في الهند وحرقها.

ففي 3 مايو 2023 نشبت مواجهات دامية واغتيالات وحرق كنائس ومنازل للمسيحيين في مدينة "مانيبور" شمال شرق الهند قرب الحدود مع ميانمار، من جانب الهندوس المتطرفين، استمرت حتى السادس من الشهر ذاته.

وبعد عدوانهم المستمر على مساجد ومنازل المسلمين، في أنحاء الهند كافة، امتد عنف جماعات "أر. إس. إس" (كان ينتمي إليها مودي سابقا) المتطرفة إلى المسيحيين.

وتحدث المسيحيون الهنود عن "إبادة جماعية" لهم  في مدينة "مانيبور"، تسببت بها جماعات الهندوس المسلحين بالعصي والسيوف، وقتل العديد منهم بوحشية وحرق آخرون أحياء. 

وهو ما أوقع الهند في مرمى انتقادات دولية من منظمات وهيئات، وجعل حكومتها المناوئة للأقليات تواجه حرجا أينما حلت خاصة في الدول المعنية بحقوق الإنسان مثل كندا والولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي.