بعدما كانت تمسك كل الخيوط بيدها.. ماذا وراء أفول نفوذ روسيا في قره باغ؟

قسم الترجمة | منذ ٨ أشهر

12

طباعة

مشاركة

توجه أصابع الاتهام إلى روسيا بـ"التقاعس" في حفظ السلام بإقليم قره باغ بسبب الحرب في أوكرانيا، وذلك بعد أن حافظت لعقود من الزمن على علاقات جيدة مع أرمينيا وأذربيجان مما ساعد على ضمان السلام في المنطقة".

وشكل دور روسيا "أحد أهم المسائل التي تم التعليق عليها في العملية العسكرية التي سيطرت بها أذربيجان على جميع أنحاء الإقليم تقريبا". 

وفي 19 سبتمبر/أيلول 2023، شنّت القوات الأذرية هجوما عسكريا على هذه المنطقة الانفصالية محققة انتصارا خاطفا، فيما وافق الانفصاليون في 23 سبتمبر على تسليم أسلحتهم بعد إقرار وقف لإطلاق النار على إثر الهجوم بيوم واحد.

نفوذ سلبي

وأشارت الصحيفة "إيل بوست" الإيطالية إلى أن "موسكو نشرت مئات الجنود في الإقليم المتنازع عليه في إطار مهمة رسمية لحفظ السلام"، مفترضة أنها حاولت من خلال رد فعلها الأخير عقاب أرمينيا لتقربها من الغرب.

وذكرت أن "روسيا تشكل القوة الاقتصادية والعسكرية الرئيسة في المنطقة، ولها علاقات وثيقة جدا مع كل من أرمينيا وأذربيجان، وقد ساعدت على مدى عقود بفضل قوتها العسكرية ونفوذها في الحفاظ على السلام في المنطقة".

إلا أنها لم تتحرك عندما هاجمت أذربيجان الأراضي الأرمنية في قره باغ منذ أيام كما لم يدل الرئيس فلاديمير بوتين بأي تصريح ولم يستدع رؤساء الدول المعنية إلى موسكو، وفق "إيل بوست".

بدورها، لم ترد قوات حفظ السلام الروسية الموجودة على الهجوم، وبقيت في قواعدها، رغم أن مهمتها الحفاظ على الوضع والتوازن بين الأذريين والأرمن.

وبحسب الصحيفة الإيطالية، هناك أسباب مختلفة محتملة لهذا "التراخي" تتعلق بالسياسة الروسية في منطقة جنوب القوقاز التي تضم أرمينيا وإقليم قره باغ.

وقره باغ، هي جمهورية مستقلة صغيرة بحكم الأمر الواقع  يعترف بها المجتمع الدولي كجزء من أذربيجان، يسكنها حوالي 120 ألف شخص جميعهم تقريبا من الأرمن.

إلا أنها تُحكم بشكل مستقل منذ حوالي 30 عاما أي منذ الحرب الأولى بين الأرمن والأذريين التي انتصرت فيها يريفان، ولها جهازها التنفيذي ومؤسساتها الخاصة وتحظى بدعم قوي للغاية من أرمينيا. 

حاولت باكو على مدى عقود استعادة قره باغ قبل أن تتمكن عام 2020 بعد نزاع جديد ضد أرمينيا من استعادة جزء كبير من الأراضي.

وبعد حرب 2020، تدخلت روسيا بشكل حاسم وأجبرت رئيس الوزراء الأرميني نيكول باشينيان والرئيس الأذربيجاني إلهام علييف على التوقيع على هدنة رسمت حدودا جديدة للإقليم، لكنه حافظ على استقلاله الفعلي. 

وأرسلت موسكو ألفي جندي إلى قره باغ ضمن مهمة لحفظ السلام لمراقبة ضمان احترام شروط الهدنة.

وأردفت الصحيفة الإيطالية بأن "أرمينيا وأذربيجان جمهوريتان سوفيتيتان سابقتان كان نفوذ روسيا فيهما قويا للغاية على الدوام".

سلطة معنوية

واحتفظت روسيا دائما بسلطة كبيرة لا سيما وأنها المهيمنة عسكريا والأكثر تطورا اقتصاديا، وهي الدولة التي لا تزال تحتفظ بسلطة "معنوية" مرتبطة بالماضي السوفييتي. 

ولهذا السبب، تدخلت باستمرار بين تسعينيات القرن العشرين وأوائل العقد الأول من القرن الحادي والعشرين في كل مرة تندلع فيها أزمات بين دول الاتحاد السوفييتي السابق لاستعادة النظام.

إلا أن هذا الوضع، تشرح إيل بوست، تغير بسبب الحرب في أوكرانيا خصوصا وأن روسيا الآن تركز بشكل كامل على تحقيق النصر هناك.

هذا إلى جانب، تحويلها قدرا كبيرا من اهتمامها وفي المقام الأول وسائلها الاقتصادية والعسكرية بعيدا عن بلدان الاتحاد السوفييتي السابقة الأخرى. 

واستشهدت الصحيفة بعدم تدخلها العملي عام 2022 عندما اندلع اشتباك حدودي مسلح قصير بين قيرغيزستان وطاجيكستان، رغم دعوتها للتوسط في وقف إطلاق النار.

وهو ما حدث أيضا في قره باغ بعد أن نصت الظروف الإقليمية الجديدة التي تم تحديدها بعد وقف إطلاق النار عام 2020 على بقاء قره باغ وأرمينيا مرتبطين بطريق جبلي واحد ما يسمى "ممر لاتشين".

ونوهت الصحيفة بأن "ممر لاتشين" كان دوره أساسيا وكان من المفترض أن تتأكد قوات حفظ السلام الروسية من بقائه مفتوحا واستمرار التجارة عبره، إلا أنها ظلت دون حركة عندما أغلقته أذربيجان منذ تسعة أشهر ما تسبب في عزلة المدنيين في الإقليم المتنازع عليه.

وقد "أثار هذا التقاعس من جانب روسيا في ظل العزلة والظروف المأساوية للمدنيين في قره باغ غضبا متزايدا في أرمينيا"، على حد وصف الصحيفة الإيطالية.

وشرحت بأن رئيس الوزراء باشينيان "لم يكن أبدا شخصية تحظى بتقدير روسيا".

وذكرت بأنه صحفي سابق تم انتخابه عام 2018 على خلفية حركة احتجاجية كبيرة تطالب بمزيد من الديمقراطية والمزيد من الإصلاحات وتقليل الفساد.

ولهذا السبب، كان باشينيان يفضل دائما التقرب من الغرب إلا أنه حافظ أيضا على علاقات جيدة مع الروس، خاصة وأن بلاده صغيرة وفقيرة وغير ساحلية، وتعتمد بشكل شبه كامل على روسيا في اقتصادها وأمنها ودفاعها.

الضعف والعقاب

وبدأ باشينيان في انتقاد روسيا بشكل مباشر وبات أقرب تدريجيا إلى الغرب بعد إغلاق ممر لاتشين.

وقال صراحة إن أرمينيا لم يعد بإمكانها الاعتماد فقط على روسيا للدفاع عنها، وبدأت في بناء علاقات أوثق مع الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة.

رد فعل روسيا كان قاسيا للغاية عندما هاجمت أخيرا أذربيجان قره باغ، بحسب "إيل بوست"

من جانبه، كتب الرئيس الروسي السابق، دميتري ميدفيديف، على حسابه بتطبيق "تليغرام" أن باشينيان "يغازل الناتو"، خمنوا ما الذي ينتظره الآن؟"، متوقعا على الأرجح عزله. 

واستنتجت الصحيفة الإيطالية أن هناك سببين للتقاعس الروسي تجاه التطورات في قره باغ، معتبرة من ناحية أن الضعف وعدم الاهتمام الناجم عن الحرب في أوكرانيا أدى إلى تقليص احتمالات التدخل الروسي.

فيما يتعلق السبب الثاني ببرودة العلاقات مع أرمينيا ووفقا لبعض المحللين، أرادت روسيا من خلال قرارها بعدم التدخل، معاقبة أرمينيا وخاصة باشينيان على محاولته التقرب من الغرب. 

وقالت إيل بوست: "أرمينيا حاليا في وضع غير مستقر للغاية، وذلك نتيجة اندلاع احتجاجات قوية جارية ضد رئيس الوزراء الذي يواجه خطر العزل".

وتابعت: "بالتوازي مع التباعد عن أرمينيا، يجري تقارب روسي مع أذربيجان، إلا أنه ينبغي على روسيا تقليديا أن تقيم تحالفا أقوى مع أرمينيا التي وقعت معها أيضا معاهدة دفاع عسكري مشترك".

وقالت الصحيفة إن "أرمينيا دولة صغيرة وفقيرة، في المقابل تعد أذربيجان واحدة من أبرز الدول المصدرة للغاز على مستوى العالم، وأكثر ثراء منها وسوقا أكبر حجما وأكثر ازدهارا للمنتجات والأسلحة روسية الصنع". 

واستطردت: "لذلك، الحفاظ على علاقات جيدة مع أذربيجان يعد أكثر ملاءمة لروسيا من الحفاظ على علاقات جيدة مع حليفتها الأرمينية القديمة".

وبذلك، خلصت الصحيفة إلى القول إن "الاختيار بين أي الدولتين، يظهر كيف أن روسيا فقدت دورها التقليدي المهيمن في المنطقة وقدرتها على حل الصراعات والنزاعات".