رعب تكتيكي.. كيف حولت عبوات المقاومة مدرعة "النمر" الإسرائيلية لخردة؟

منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

انفجار كبير يمتزج بصوت صرخات واستغاثات الجنود، من داخل عربة مدرعة إسرائيلية أعطبتها عبوة ناسفة، مع أصوات تكبيرات الفلسطينيين، هذا ما حصل في جنين شمال الضفة الغربية في 19 سبتمبر / أيلول 2023، ويكاد يحصل في كل اقتحام لمناطق شمال الضفة.

وأقر جيش الاحتلال عقب الهجوم بإعطاب مدرعة من طراز "نمر"، خلال الاقتحام، بعد تفجير المقاومة الفلسطينية "عبوة ثقيلة".

انتفاضة العبوات 

وأعلن الجيش الإسرائيلي عبر بيان في 24 سبتمبر 2023، إصابة جندي من نخبته، بعد تفجير المقاومة الفلسطينية عبوة ناسفة ثقيلة بجرافة عسكرية في مخيم عين شمس بطولكرم شمال الضفة الغربية.

ووثقت عدسات المواطنين تعرض آليات أخرى للاستهداف بالعبوات الناسفة، لم يعلن عنها جيش الاحتلال.

وشاركت في الاقتحام أكثر من 100 آلية عسكرية، بحسب شهود عيان، في حين أعلنت وزارة الصحة الفلسطينية عن ارتقاء شهيدين برصاص الاحتلال خلال العدوان.

وأعلنت سرايا القدس -كتيبة طوباس، الجناح العسكري لحركة الجهاد الإسلامي، أن مقاتليها تصدوا لقوات وآليات الاحتلال التي اقتحمت البلدة في 21 سبتمبر، بصليات كثيفة من الرصاص والعبوات المتفجرة.

وأكدت الكتيبة في بيان أن عناصرها خاضوا اشتباكات عنيفة وواسعة على أكثر من محور في البلدة، استطاعوا خلالها تفجير عدد من العبوات، ونصب عدد من الكمائن للآليات الإسرائيلية، وإعطاب عدد منها وتحقيق إصابات مباشرة في صفوف جنود الاحتلال.

وخلال العدوان الذي شنه الاحتلال على مخيم جنين في 19 يونيو/ حزيران 2023، كشف الجيش الإسرائيلي عن إعطاب نحو 7 مركبات عسكرية في العملية، وأن المركبات بقيت محاصرة في جنين لساعات، في ظل عجزه عن سحبها مع اشتداد المقاومة.

ومع الضرر الكبير الذي حققته العبوات بجيش الاحتلال، كشفت الإذاعة العبرية العامة في 9 يونيو 2023، أن الجيش بدء بتعزيز تحصين مركباته التي تقل الجنود أثناء اقتحامهم مدن شمال الضفة، تحسبا من استهدافها بعبوات ناسفة.

وتعد "سرايا القدس"، من خلال كتائبها المنتشرة شمال الضفة، أكبر قوة عسكرية في تصنيع العبوات ونصب الكمائن، بجانب "كتائب القسام" الجناح العسكري لحركة حماس، في جنين ونابلس، ومجموعات "عرين الأسود" في نابلس وتشكيلات مقاومة أخرى.

وباتت مناطق شمال الضفة الغربية كجنين وقباطية ونابلس وطولكرم وطوباس، ساحة لحرب مفتوحة ضد آليات الجيش الإسرائيلي، من خلال أنواع مختلفة من العبوات المصنعة محليا، ذات القوة التدميرية الكبيرة، والتي نجحت بإعطاب عدد كبير من الآليات العسكرية.

وطور المقاومون من خلال عمليات التصنيع محليا أنواعا متعددة من العبوات الناسفة، منها ما تستهدف المدرعات، وأخرى تستهدف القوات الراجلة، وأخرى صوتية ودخانية؛ بهدف إرباك الاحتلال، والتغطية على حركات المقاومين.

ورغم تضييقات الاحتلال، تمكن فلسطينيون متخصصون بالهندسة الصناعية والكيماوية من صناعة مادة "أستون بروكسايد" المتفجرة، وهي مسحوق أبيض متفجر غير ثابت سريع التغير، وتمثل تطورا للتصنيع المحلي للعبوات الناسفة، بحسب صحيفة "إندبندنت بالعربية" .

فارقة عسكرية

وبدأت العبوات الناسفة بالظهور خلال عام 2022، انطلاقا من جنين ولكنها كانت عبوات قليلة التأثير، إلى أن تطورت لما هي عليه اليوم.

الجدير بالذكر أن مدرعة "النمر" الإسرائيلية، التي تمكن مقاومون فلسطينيون في جنين من إعطاب عدد منها بعبوات ناسفة، تعد واحدة من أفضل المدرعات التكتيكية المتوسطة حول العالم، حسب الخبراء.

وتستخدم المدرعة ضمن الجيش الأميركي وقوات الحرس الوطني، واشترتها عدة دول في العالم، من ضمنها إسرائيل، وأجرت عمليات تطوير وتعديل على هيكلها، لتلائم عملياتها في اقتحام المدن الفلسطينية والاعتداء على الفلسطينيين ونقل المعتقلين على متنها.

من جانبه، قال الخبير العسكري، اللواء واصف عريقات، إن "المعركة بين المقاومة الفلسطينية في الضفة الغربية، والاحتلال تشهد تغيرات جذرية بعد دخول سلاح العبوات الناسفة، وتطوره، وثبوت فاعليته العسكرية على الأرض".

وأضاف عريقات لـ"الاستقلال" أن "مشهد الآليات المصفحة المتفجرة والمعطوبة والتي شوهدت كثيرا على طرق جنين ونابلس وطولكرم، تمثل فارقة عسكرية في تاريخ الاحتلال الإسرائيلي".

ولفت إلى أن "سلاح العبوات المصنعة محليا، دمر آليات تمثل فخر سلاح الاحتلال، كآلية النمر المحصنة ضد العبوات ذات المعايير العالمية، رغم كل جهود الاحتلال لمنع حدوث هذا السيناريو في الضفة".

وأكد عريقات أنه "عقب عملية تفجير آليات الاحتلال، وإجبار الجنود للخروج منها، تشتبك المقاومة الفلسطينية مع الجنود الفارين في كمائن محكمة، والأمر لا ينتهي عند التفجير، وتأخر الاحتلال في إخراج آلياته لوقت يصل لـ12 ساعة خير دليل على شدة هذه المقاومة".

وتابع: "هذا المشهد غير مألوف لدى جيش الاحتلال، فنمط حرب الشوارع، بجانب قدرات العبوات الناسفة، أمر لم يعتد عليه الاحتلال في مثل بيئة الضفة الغربية، ولذلك لجأ لطائرات الأباتشي والطائرات المسيرة الانتحارية والهجومية، للتغطية على فرار جنوده بعد عجز القوات الراجلة".

وشدد عريقات على أن "قوة وفاعلية العبوات الفلسطينية آخذة بالتصاعد، وما يربك الاحتلال هو كونها مصنعة محليا، وما يقلقه أكثر خوفه من استمرار هذا التطور، في القوة التدميرية والمواد المتفجرة التي تحتوي عليها العبوات".

وأضاف "عمليات الاحتلال الدامية والمتواصلة، هدفها منع وصول قدرات المقاومة لباقي مناطق الضفة، فعلى سبيل المثال وصول هذه العبوات لطرق تشغلها حافلات المستوطنين، بمثل هذه القدرات التدميرية، سيشكل تهديدا واضحا على استمرار مخطط الاستيطان في الضفة الغربية".

إصابات محققة

ووسعت المقاومة الفلسطينية في الضفة الغربية دائرة الاستهداف بالعبوات الناسفة، لتشمل كمائن تفجيرية للقوات الخاصة الراجلة، من خلال استهدافها بعبوات مضادة للأفراد.

وأعلن جيش الاحتلال في 30 أغسطس/ آب 2023،  إصابة 3 جنود اسرائيليين من وحدة "أغوز" (ضمن وحدات النخبة العاملة في الضفة) جراء تفجير عبوة ناسفة شديدة الانفجار، خلال اقتحام الاحتلال لمدينة نابلس بالضفة.

وذكرت صحيفة  "معاريف" الإسرائيلية أن 3 جنود أصيبوا، بعد قيام مسلحين فلسطينيين بتفجير عبوات ناسفة في قوة للجيش الإسرائيلي خلال اقتحام نابلس؛ لتأمين اقتحام المستوطنين لقبر يوسف.

وأضافت أنه تم استدعاء طائرة مروحية لمكان وقوع الانفجار؛ لنقل المصابين إلى المستشفى في منطقة رمات غان؛ لتلقي العلاج.

ووصفت القناة 14 العبرية أن الحادث في نابلس خطير جدا، بعد تفجير 3 عبوات ناسفة في القوة الإسرائيلية.

ونقلت صحيفة معاريف العبرية عن مسؤول لم تسمه في جيش الاحتلال، أن العبوات التي انفجرت بقوة وحدة النخبة إيغوز ، كانت مخبأة وسط كومة من القمامة على جانب الطريق. وأنها دفنت هناك في وقت مبكر، وتم تفجيرها عن بعد،

وقال "إنهم يحاولون إنتاج ما يشبه عبوات الشظايا، في النهاية هذه العبوات يمكن أن تكون طفاية حريق تم إفراغها وتعبئتها بالمتفجرات محلية الصنع والمسامير والبراغي، بما يكفي لإنتاج شظايا".

وأضاف المسؤول "لديهم عدة أنواع من العبوات الناسفة، تلك التي يلقونها يصنعونها من طفايات حريق صغيرة أو أنابيب، وهناك العبوات الكبيرة التي تصنع من أسطوانات الغاز الكبيرة، ويصنع منها ما يشبه عبوات سفلية تصيب أسفل المركبات".

بدوره، قال الناشط الفلسطيني سامي (21 عاما)، من جنين، والذي لم يقبل نشر اسمه كاملا خوفا من ملاحقة الاحتلال، إن "أصوات انفجار العبوات بقوات الاحتلال يمثل لحظة فرح للمخيم بأكمله، يعبر عنها بأصوات التكبيرات والتهاليل والزغاريد".

وأضاف في حديث لـ"الاستقلال" أنه "بعد كل ليلة من اقتحامات الاحتلال نخرج بالصباح لنرى ما تبقى من آلياتهم المدمرة وحتى دماء جنودهم، وكل اقتحام يعني أن هناك مدرعات ستدمر، وهذه معادلة سطرها مخيم جنين بدماء الشهداء".

وأكد الشاب الفلسطيني، أن العبوات بدأت بما يشبه العبوات الصوتية والدخانية التي لا تحدث ضررا كبيرا بقوات الاحتلال، وبعدها وصلت كتيبة جنين "الذراع العسكري لحركة الجهاد الإسلامي في جنين"،  للعبوة الناسفة المضادة للمدرعات.

وتابع: "تعمل المقاومة في صمت وسرية ويساعدها في ذلك أبناء المخيم بتقليل التجول في الليل، لإتاحة الحرية لهم في عملهم، ولهذا يقع الاحتلال بالكمائن في كل اقتحام لجنين".

وشدد سامي على أن "التهديد الأول للمقاومة في جنين هي الطائرات المسيرة، التي لا تفارق سماء المخيم أبدا وتحلق بمختلف تشكيلاتها على مسافات قريبة من الأرض، وأحيانا بمستوى شبه ملاصق لها".

مصدر العبوات

طرحت ثورة العبوات الناسفة العديد من الأسئلة على المستويات الأمنية والعسكرية والسياسية في دولة الاحتلال، عن مصدر العبوات ومن أين تأتي موادها الأولوية، وأيضا من زود المقاومين بآليات وإرشادات التصنيع.

وفي سياق متصل، أوقفت حكومة الاحتلال التصدير من قطاع غزة للضفة الغربية، 4 سبتمبر 2023، لمدة 3 أيام، بعد مزاعم بمحاولة لتهريب مواد متفجرة داخل شحنة ملابس على معبر كرم أبو سالم جنوب القطاع.

ويزعم جيش الاحتلال، أنه تم العثور على المواد المتفجرة شديدة الانفجار وذات جودة عالية، خلال تفتيش أمني للبضائع القادمة من قطاع غزة، والتي وصلت إلى معبر كرم أبو سالم على متن ثلاث شاحنات.

ويدعي الجيش أنه تم إخفاء المادة المتفجرة والتي تزن عدة كيلوغرامات، داخل ملابس من ماركات الأزياء العالمية، وعثر على العبوة داخل بطانة الملابس، ويشتبه في أنها كانت معدة للوصول إلى جهات مسلحة.

وبعد أيام من الحدث، أعلن في 10 سبتمبر 2023، عن إحباط عملية تهريب عبوات ناسفة نوعية على الحدود مع الأردن.

وذكر موقع "والا" العبري، أن قوة من الجيش أحبطت محاولة تهريب عبوات في غور الأردن، حيث تم العثور على حقيبة وفيها 3 عبوات نوعية.

وأشار إلى أنه "تم نقل العبوات للفحص لدى الجهات المختصة، وفتح تحقيق في العملية".

من جانبه، قال المراسل العسكري للقناة 12 العبرية، شاي ليفي: "في الوقت الحالي، معظم العبوات مرتجلة محلية الصنع، ويتم إنتاجها بناء على المعرفة والمساعدة من غزة ولبنان،تحت رعاية إيرانية".

واستطرد: "لكن الواضح أمام الجيش الإسرائيلي أنها مسألة وقت فقط، حتى يتمكنوا من تهريب العبوات الناسفة المعيارية القياسية إلى المنطقة، والتي يكون ضررها أكبر بكثير".

بدوره، قال الخبير في الشؤون الإسرائيلية، محمد هلسة، إن "مصدر العبوات الناسفة وأماكن تصنيعها وحيثيات الحصول على موادها الأولوية، هو أمر يصعب معرفته وتقديره، على وجه الدقة، نظرا لكونه قضية أمنية تخص المقاومة الفلسطينية، وتخص واحدة من أكبر المعضلات التي يواجهها الاحتلال حاليا".

وأضاف لـ"الاستقلال": "لكل مرحلة نضالية عنوان، مثل الانتفاضة الأولى بسلاح السكين والحجارة، والانتفاضة الثانية بالعمليات الاستشهادية، وحروب غزة بسلاح الأنفاق والصواريخ، واليوم تشهد الضفة الغربية مرحلة سلاح العبوات الناسفة".

وشدد الخبير على أن "الاحتلال يقر بوجود مجموعات وورش للتصنيع العسكري في الضفة الغربية، سواء للعبوات الناسفة أو حتى صواريخ قصيرة المدى، وكذلك بنادق، وفي ذات الوقت يتهم تجار سلاح بإيصال أسلحة ومعدات عسكرية تدخل في صناعة وتطوير العبوات".

ولفت إلى أن "الاحتلال صرح كثيرا عن عمليات تهريب أسلحة للمقاومة في الضفة الغربية، قادمة من غزة والأردن ولبنان وسوريا، ولكن الرواية الإسرائيلية تؤخذ دائما بشك كبير، فقد تكون هذه ذرائع لإغلاق منافذ الحياة على الفلسطينيين".

وأوضح أن "إسرائيل تسخر كل إمكانياتها العسكرية وقدراتها الاستخبارية والأمنية لمنع تطور سلاح العبوات الناسفة، وامتداده لكامل الضفة، ولهذا تتزايد وتيرة العمليات الدموية والتدميرية".

وأكد على أن الاحتلال يعيد سياساته الإجرامية ضد الشعب الفلسطيني في كل مكان، فسياسة الأرض المحروقة التي استخدمت في غزة تكررت في جنين وطولكرم، بحيث يستهدف الاحتلال البنى التحتية والشوارع التي سيمر منها، قبل مرور آلياته.

وتابع هلسة "يهدف الاحتلال من المجازر والدمار الكبير الذي يحدثه في كل عملية عسكرية إلى إخراج المقاومة من حاضنتها الشعبية الممتدة، وإعلاء صوت يقول إن المقاومة عبث، ولم تجلب سوى الويلات".

ونوه إلى أن "ما يجعل الاحتلال في حالة ذهول أنه ورغم السنوات الطويلة من الحملات الأمنية، والاعتقالات بمئات الآلاف من الأسرى، والمراقبة الأمنية، ومحاولات الأسرلة، إلا أن الضفة الغربية لازالت قادرة على المقاومة بشكل منظم".