فرصة سانحة.. هل تملك تركيا المقومات لتوسيع نفوذها في الساحل الإفريقي؟ 

قسم الترجمة | 10 months ago

12

طباعة

مشاركة

منذ فترة طويلة، يتابع المسؤولون في العاصمة التركية أنقرة باهتمام، التدخلات الأجنبية المتعددة في الساحل الإفريقي، في ضوء الانقلابات العسكرية التي اجتاحت المنطقة منذ عام 2020.

ويرى موقع "ميديل إيست آي" البريطاني، بنسخته الفرنسية، أنه بالنسبة لقوة صاعدة تواجه صعوبات اقتصادية، فإن الموارد الطبيعية لمنطقة الساحل واحتياجاتها لتطوير البنية التحتية تبرر تأسيس وجود سياسي كبير فيها.

ويزعم الموقع أن تركيا تستغل الخطاب المناهض للاستعمار إستراتيجيا من خلال تقديم نفسها كدولة تتمتع -على عكس فرنسا- بسجل "لا تشوبه شائبة" في علاقاتها مع إفريقيا.

فهل بإمكان أنقرة أن تحل محل باريس، أو على الأقل تزاحمها في النفوذ؟، يتساءل الموقع.

التدخل الأجنبي

ويتوقع أنه "من الممكن أن تشهد منطقة الساحل في إفريقيا، التي تجتاحها الاضطرابات السياسية في أعقاب الانقلابات الأخيرة في النيجر والغابون، المزيد من الاضطرابات مع ظهور خطر التدخل الأجنبي في الأفق".

ويشير الموقع إلى أن "المنطقة تخضع تاريخيا لسيطرة مستعمريها السابقين في باريس، على الرغم من أن مرتزقة روس من مجموعة فاغنر قد استقروا هناك في السنوات الأخيرة".

"ويُضاف إلى ذلك العلاقات الوثيقة التي تحتفظ بها الولايات المتحدة مع العديد من حكومات غرب إفريقيا في المسائل الأمنية، والدبلوماسية الصينية في قضايا الاستثمارات، والمناورات السياسية لمصر والإمارات"، حسب الموقع.

وهنا يلفت إلى أن هذا المشهد الدولي "كان له تأثير كبير في تقليص نفوذ فرنسا في معقلها السابق".

وأردف: "كما الصعوبات التي تواجهها باريس في منطقة الساحل تتفاقم بسبب المشاعر المحلية المعادية لفرنسا، والتي غالبا ما تتغذى وتنمو بعد الانقلابات العسكرية".

فمنذ عام 2020، حدثت انقلابات عسكرية أو اضطرابات سياسية كبرى في مالي وتشاد والسودان وغينيا وبوركينا فاسو والنيجر، وأخيرا في الغابون.

وفي كثير من الحالات، استغلت الحكومات الجديدة المشاعر المعادية لفرنسا لتعزيز قبضتها على السلطة وكسب الدعم الشعبي".

وبحسب "ميدل إيست آي"، يتابع المسؤولون في العاصمة التركية أنقرة هذه التطورات باهتمام منذ فترة طويلة. 

وتبعا لذلك، يلفت إلى أن "كل هذه المواقف تزعزع استقرار مصالح السياسيين الفرنسيين، الذين رأوا أخيرا أن تركيا تتدخل في مصالحها في ليبيا كذلك".

إذ إن "وجودها العسكري ساهم في الحيلولة دون انهيار الحكومة الليبية المعترف بها دوليا في مواجهة فصيل مدعوم من روسيا وفرنسا بقيادة خليفة حفتر".

بدورها، اتهمت فرنسا تركيا بانتهاك حظر الأسلحة الذي فرضته الأمم المتحدة لإنهاء الحرب الأهلية في ليبيا.

النفوذ المتصاعد

ويخالف الموقع البريطاني التصور الشائع بأن العلاقات التركية الإفريقية نشأت حديثا، حيث يؤكد أن "تركيا أرادت منذ فترة طويلة إقامة علاقات وثيقة مع القارة".

ففي عام 1998، قبل وصول حزب العدالة والتنمية بزعامة الرئيس الحالي رجب طيب أردوغان إلى السلطة، أعلنت البلاد خطة العمل الخاصة بإفريقيا، والتي كانت تهدف إلى تعزيز العلاقات الثنائية مع دول المنطقة، حسب الموقع.

وأضاف: "لكن هذه الجهود اكتسبت زخما في عهد أردوغان"، مضيفا أن "للوجود التركي في إفريقيا بعدا عسكريا أيضا".

وأوضح بالقول: "تمتلك تركيا قواعد عسكرية في ليبيا والصومال، كما توفر التدريب العسكري لعدة دول إفريقية أخرى".

إضافة إلى ذلك، عززت إستراتيجية الانفتاح على إفريقيا عام 2008 وخطة الشراكة التركية الإفريقية سنة 2013 هذه السياسة المزدوجة للاستثمار الاقتصادي وتعزيز العلاقات العسكرية.

ويشير الموقع إلى أنه "في ظل حكم حزب العدالة والتنمية، ارتفع عدد السفارات التركية في إفريقيا من 12 في عام 2002 إلى 43 في عام 2023".

كما وسعت الخطوط الجوية التركية عدد الوجهات التي تخدمها في القارة إلى 61، بينما افتتحت الوكالة التركية للتعاون والتنمية 22 مكتبا.

ولكن، يركز الموقع على أن "الركيزة الأساسية لحملات النفوذ التركية في إفريقيا هي مجمعها الصناعي العسكري".

ويلفت إلى أنه "على مدى العقدين الماضيين، زودت أنقرة الحكومات المحلية بطائرات بدون طيار مسلحة ومركبات مدرعة وأسلحة لمحاربة الجماعات المسلحة". 

وبالرغم من ذلك، يلفت الموقع إلى أن "العلاقات العسكرية لا تزال تمثل مجال نمو محتمل للأتراك في علاقاتهم مع القارة".

ففي عام 2021، بلغت القيمة الإجمالية للمعدات الدفاعية التي صدرتها تركيا أقل من 300 مليون دولار، وهو ما يمثل 0.5 بالمئة فقط من الواردات العسكرية الإفريقية.

"أفضل الأعداء"

كذلك يوضح "ميديل إيست آي" أن هذه النسبة المنخفضة نسبيا من المبيعات العسكرية للدول الإفريقية تُفسَّر جزئيا بـ"وجود لاعبين راسخين بالفعل في المنطقة".

وأتبع: "ففي منطقة الساحل، دعمت فرنسا منذ فترة طويلة حلفاءها المحليين من خلال تزويدهم بالأسلحة والمساعدات المالية".

واستدرك: "لكن من الطبيعي أن يؤدي تشكيل حكومات جديدة معارضة للنفوذ الفرنسي إلى تغيير التوازن وتوفير فرص جديدة لتركيا".

وهنا يتساءل الموقع عما "إذا كانت تركيا تملك البنية التحتية اللازمة للاستفادة الكاملة من هذه الفرص". وكذلك يتساءل: "هل التوترات المذكورة بين باريس وأنقرة مبالغ فيها؟".

وفي هذا الصدد، قال مصدر حكومي تركي ذو خبرة واطلاع بالمنطقة الإفريقية لموقع "ميدل إيست آي": "إن فرنسا وتركيا ما زالتا حليفتين داخل الناتو (حلف شمال الأطلسي)، وكلا البلدين ملتزم بدعم نفس الجماعات المسلحة ومساعدة نفس الحكومات".

ويشير إلى أن هذا هو الحال في النيجر، حيث دعمت تركيا الحكومة النيجرية المخلوعة الآن من خلال تزويدها بطائرات مسلحة بدون طيار.

كما وقعت اتفاقية في عام 2020، تسمح للشركات التركية بالتنقيب عن الرواسب المعدنية، بما في ذلك الذهب.

علاوة على ذلك، تبرعت تركيا بمبلغ 5 ملايين دولار للقوة المشتركة لمجموعة دول الساحل الخمس عام 2018، قبل الانقلابات، لدعم جهودها ضد الجماعات المسلحة.

وتتكون هذه الكتلة العسكرية من بوركينا فاسو وتشاد ومالي وموريتانيا والنيجر، وقد شهدت أربع من هذه الدول انقلابات في السنوات الأخيرة.

ويؤكد المصدر أنه "لو اتخذت تركيا موقفا مناهضا لفرنسا في منطقة الساحل، لشهدنا حملة إعلامية ضد باريس تستهدف جرائمها خلال الحقبة الاستعمارية".

وبين أنه "حتى في ليبيا، كان الدافع التركي الرئيس هو الحد من النفوذ الروسي، وليس الفرنسي".

وأضاف: "تركيا هي التي منعت الحكومة الليبية من الوقوع في أيدي روسيا عام 2020، حيث لعبت أيضا دورا رئيسا كعضو في الناتو بمنطقة الساحل".  

مساحة محدودة للمناورة

ويوضح الموقع، نقلا عن المصدر التركي، أنه "حتى لو كانت لدى أنقرة طموحات توسعية في إفريقيا، فإن ذلك من شأنه أن يضعها على خلاف مع حلفائها الفرنسيين". 

ويذكر المصدر الحكومي أنه "في الوقت الحالي على الأقل، تفتقر أنقرة إلى الموارد والمعرفة المحلية ومبيعات الأسلحة اللازمة لإحداث تغيير في المنطقة".

وبحسب البروفيسور في جامعة الدفاع الوطني بإسطنبول محمد أوزكان، فإن "تركيا غير قادرة على مسايرة تطور الأوضاع في منطقة الساحل وفقا لتفضيلاتها ومصالحها".

وبينما يؤكد أن الصادرات التركية في قطاع الدفاع قد لا تغير مسار الحرب، يعتقد البروفيسور أنها "يمكن أن تكون ذات قيمة، خاصة ضد الجماعات المسلحة". 

ويقول إن "تركيا تتبنى حاليا سياسة الانتظار والترقب وتحافظ بشكل أساسي على وجودها من خلال الخبرة التجارية، لا سيما في قطاع البناء".

من ناحية أخرى، يعتقد فيديريكو دونيلي، المتخصص في جامعة تريست في إيطاليا ومؤلف كتاب "تركيا في إفريقيا"، أنه "في العقود الأخيرة، نشأت فرص في القارة للاعبين غير تقليديين مثل أنقرة". 

وأضاف: "وفي منطقة الساحل، اتخذت أنقرة نهجا مدروسا وحازما لتوسيع وجودها، مع التركيز على العلاقات الدبلوماسية والتجارية". 

وبينما يجادل الأكاديمي بأن "منطقة الساحل توفر فرصا اقتصادية كبيرة لتركيا"، فإنه ينضم إلى المصدر الحكومي في القول بأن "سياسة أنقرة هناك ستكون متوافقة مع موقعها كعضو في حلف شمال الأطلسي".

وينقل الموقع عن سرحات أوراكجي، الباحث في مركز البحوث الإنسانية والاجتماعية "INSAMER"، قوله إن "فهم هذه الحدود والحسابات الدبلوماسية سيكون مفتاح نجاح أنقرة في منطقة الساحل".

ويعتقد أن "التخصص والمعرفة المتعمقة ضروريان، خاصة في منطقة غير مستقرة وخطيرة"، وفق تقديره.