مسلمو "الهوي" بعد "الإيغور".. هكذا تتفنن الصين في طمس هويتهم وتخريب مساجدهم

إسماعيل يوسف | منذ ٧ أشهر

12

طباعة

مشاركة

في طريق عودته من جنوب إفريقيا، عقب حضوره قمة "بريكس" في دورتها الـ15، وبعدما احتفى بانضمام دول إسلامية (مصر والسعودية والإمارات وإيران) للتجمع الجديد، تعمد رئيس الصين، شي جين بينغ، العودة مباشرة إلى إقليم شينجيانغ ذي الأغلبية من المسلمين الإيغور.

كان غريبا أن يتخذ "شي" مسارا معاكسا للطيران، باتجاه عاصمته، من جنوب الكرة الأرضية، فيطير إلى أقصى الشمال، ليهبط غرب الصين بدلا من شرقها، في زيارة غير معلنة، لشينجيانغ.

ثم يجتمع بقيادات حزبه الحاكم، ليعلن عن خطط "أشد عنفا" تجاه المسلمين، كما رصد ذلك الصحفي المتخصص في شؤون الصين، عادل صبري، في مقال نشره موقع "الجزيرة مباشر" في 3 سبتمبر/أيلول 2023.

الطابع الصيني

"شي"، الذي اتبع خططا شيطانية لمحو هوية المسلمين "الإيغور" تعمد أن يقول في خطاب ألقاه بمدينة أورومتشي عاصمة إقليم شينجيانغ، إنه "سيواصل إضفاء الطابع الصيني على الإسلام"، أي ما يسمي "تصيين الإسلام!".

ودعا مسؤولي حكومته إلى "الترويج بشكل أعمق لإضفاء الطابع الصيني على الإسلام والسيطرة بقوة على الأنشطة الدينية غير القانونية"، بحسب وكالة الأنباء الفرنسية في 26 أغسطس/آب 2023.

وصف المسلمين بـ"الإرهابيين" ضمنا، وقال إن الصين "ستواصل تعليم الإيغور (يتحدثون التركية) اللغة الصينية الفصحى (الماندارين) وإعادة تخصيصهم للعمل في مجموعات خارج المنطقة".

وهي سياسة التهجير وإجبارهم على العمل في معسكرات اعتقال، حيث تواصل الحكومة الصينية منذ سنوات، حملة ضد ما تصفه بـ"الإرهاب والتطرف الإسلامي" في إقليم شينجيانغ، واعتقلت أعدادا كبيرة من أقلية الإيغور وغيرهم من المسلمين.

محللون عدوا خطاب الرئيس الصيني العنيف لمسلمي الإيغور (11 مليون نسمة) غرب الصين (تركستان الشرقية)، كان بمثابة رسالة أيضا لمسلمي أقلية "الهوي"، وهم رابع أكبر مجموعة عرقية شرق الصين.

واحتج مسلمو "الهوي" (نحو 11 مليون نسمة)، والذين يعيشون في المقاطعات الغربية والوسطى في الصين، أيضا على هدم مساجدهم ومحو هويتهم، واشتبكت معهم الشرطة في مايو/ أيار 2023 ولا تزال تقوم بحملات اعتقالات لهم.

احتجاج مسلمي "الهوي" في منطقة "يونان" كان على هدم قباب المساجد التاريخية لإخفاء معالمها الإسلامية والهلال، ووضع أسقف بوذية محلها، مع رفع أعلام الصين وشعارات الحزب الشيوعي فوقها.

محو الهوية 

عام 2023، بدأت السلطات الصينية خطة لمحو آثار الإسلام في مقاطعة يونان، عبر إحضار عمال ومعاول لهدم مآذن المساجد، في المنطقة التي يقيم بها عدد كبير من أبناء قومية "الهوى" ذات الغالبية المسلمة.  

كان مسجدا "ناجيانيغ" و"شاديان" في مقاطعة يونان هما آخر مسجدين يحملان آثارا إسلامية ويعودان للقرن الرابع عشر، ولكن السلطات الصينية قامت بالقوة وبعد اشتباكات واعتقالات بإعادة بناء أسطحها لتصبح شبيهة بالمعابد البوذية والكونفوشيوسية.

مجلة "فورين أفيرز" الأميركية نشرت تقريرا في 6 سبتمبر/أيلول 2023 حول محو هوية المسلمين هناك، وهدم مساجدهم بعنوان "المآذن الأخيرة في يونان.. مسلمو الهوي في الصين في مرمى قومية شي الجديدة".

وحذرت من تعرض مسلمي قومية الهوي في الصين إلى حملات متتالية لطمس هويتهم الإسلامية والعرقية، على غرار ما جرى للمسلمين "الإيغور" الذين تم محو معالم مساجدهم وهويتهم في معسكرات اعتقال. 

"فورين أفيرز" نبهت الغرب الذي انتفض من أجل مسلمي الإيغور وانتقد انتهاك الصين لحقوق الإنسان هنا، إلى أن حملات الرئيس الصيني على أقلية الهوي "مرت إلى حد كبير بعيدا عن رادار الاهتمام العالمي عكس ما جرى مع مسلمي الإيغور".

وقبل هدم المساجد التاريخية ومحو قبابها وهوية مسلمي "الهوي"، شنت سلطات بكين عام 2021 حملة مشابهة ضد مساجد وهوية مسلمي "شينجيانغ"، واحتج المسلمون على مدار عامي 2021 و2022، ضد الانتهاكات الصينية.

صحيفة "واشنطن بوست" أكدت 29 مايو/أيار 2023، أن حشودا من المسلمين تصدوا في 27 مايو، لعشرات ضباط مكافحة الشغب الصينيين، وهم يتدافعون نحو بوابة مسجد ناجيانيغ، الذي يعد مقر عبادة وتعليم ديني مهم لأقلية "هوي" بمقاطعة يونان، وذلك وفقا لفيديوهات نشرها نشطاء على منصة "إكس" (تويتر سابقا).

واضطرت الشرطة للانسحاب من المنطقة أمام غضب المسلمين الذين تظاهروا واعتصموا خارج بوابة المسجد طيلة الليل، ثم أرسلت السلطات قوات ضخمة لقمع المسلمين واستمرت في تنفيذ عمليات الهدم لقباب ومآذن المساجد بالقوة.

المآذن "نفوذ"!

بدأت هذه الحملة عام 2021، حين كشف تقرير للإذاعة الأمريكية العامة "أن بي آر" في 25 أكتوبر/ تشرين الأول 2021 أن سلطات مدينة شينينغ عاصمة مدينة مقاطعة تشنغهاي شمال غرب الصين، أزالت قباب مسجد تونغوان التاريخي الذي يعود إلى سبعة قرون.

وقالت الإذاعة إن "السلطات الصينية تزعم أن هذه القباب انعكاس للتأثير الديني الأجنبي"، في إشارة إلى مزاعم عن نفوذ سعودي وعربي سابق، وأنها ترغب في إضفاء الطابع الصيني على هذه المساجد والجماعات العرقية الإسلامية التاريخية.

وتم إزالة القباب الخضراء الكبيرة التي كانت تتوج مآذنها وقاعة الصلاة مفقودة تحت شعار "إزالة النفوذ السعودي والعربي"، بينما الهدف الحقيقي هو إزالة للعمارة الإسلامية بشكل صريح كجزء من حملة لإضفاء الطابع الصيني على الجماعات العرقية الإسلامية التاريخية لجعلها أكثر تقليدية صينية، كما يقول مسلمو الصين.

موقع شبكة "سي إن إن" الأميركية أكد في 30 مايو 2023 أن الآلاف من المسلمين باتوا "يتحدون السلطات الصينية في الدفاع عن المساجد"، ما أزعج السلطات الشيوعية فقامت بقمعهم.

وقالت الشبكة إن حملة هدم قباب المساجد في قرية ناجيانيغ بمقاطعة يونان وغيرها جاءت ضمن "حملة كاسحة" أطلقها الزعيم الصيني في ما يسمى "تصيين المسلمين"، أو "تصيين الدين".

وهي محاولة شيوعية صينية لخلق "إسلام صيني" على غرار محاولات الغرب تشكيل ما يسمى "إسلام غربي معتدل" لا يلتزم المسلمون فيه بالشريعة ولا تراثهم.

ووصفت "سي إن إن" حملة تدمير قباب ومآذن المساجد بأنها "سياسية"، حيث تزعم السلطات الصينية أنها تهدف إلى "تطهير المعتقدات الدينية من النفوذ الأجنبي"، ومواءمتها بشكل وثيق مع الثقافة الصينية التقليدية، والحكم الاستبدادي للحزب الشيوعي الملحد رسميا.

وقالت "لهذا، أغلقت الشرطة مدخل المسجد التاريخي وواجهت الحشود بالدروع والهراوات، فيما تعالت صيحات الغضب من قبل السكان، وألقى بعضهم زجاجات المياه والحجارة على الشرطة".

وعلى خلفية الحادث، قطع الإنترنت في العديد من أحياء القرية وحلقت طائرات مسيرة في سماء المنطقة فيما دعت السلطات المحتجين لتسليم أنفسهم.

وخلال السنوات الثلاثة الأخيرة، أزالت السلطات الشيوعية العمارة الإسلامية وهدمت القباب وهدمت المآذن، وقال مسلمون في منطقة "هوي" إن أكثر من ألف مسجد في جميع أنحاء البلاد تم هدم قبابها ومآذنها.

ووفقا لنشطاء وجماعات حقوقية فقد تم هدم قباب ومآذن أكثر من 200 مسجد في مقاطعة يونان وحدها، إضافة لأكثر من ألف مسجد شمال غرب البلاد.

ويشدد نشطاء على أن هدف الحزب الشيوعي الصيني النهائي يتمثل بتنفيذ سياسة "الإبادة الثقافية والدينية"، تماما كما فعل في إقليم شينجيانغ مع الإيغور.

ويعود تاريخ مسجد ناجيانيغ الذي سعت الصين لهدمه ضمن حملتها الأخيرة إلى القرن الثالث عشر، وقد خضع لأعمال توسعة أكثر من مرة على مدار السنوات الماضية لإضافة مبانٍ، إلى جانب 4 مآذن وسقف مقبب. 

وعام 2019، صُنف جزء من أبنيته ضمن الآثار الثقافية المحمية ولكن في السنوات الأخيرة، تصاعدت قيود الحزب الشيوعي الصيني التي يفرضها على مظاهر التدين تصاعدا حادا، وتم تكثيف مراقبة القادة الدينيين.

وضمن هذه السياسة فرضوا على مسجد ناجيانيغ عقد لقاءات لقراءة الأفكار الماوية وتم رسم شعارات الحزب الشيوعي على الجدران لإجبار المصلين على قراءتها والولاء للحزب الشيوعي لا للدين الإسلامي.

أيضا قامت سلطات الحزب الشيوعي الصيني بمصادرة أصول المساجد وسجن الأئمة وإغلاق المؤسسات الدينية وفرض قيود على استخدام اللغات غير الصينية مثل التبتية أو الإيغورية واستهداف العلماء والكتاب المسلمين بقيود قاسية على نحو متزايد.

أقلية الهوي

يُعد المسلمون من قومية "الهوي" هم رابع أكبر مجموعة عرقية في الصين، ولديهم منطقة حكم ذاتي خاصة بهم، في المقاطعات الغربية والوسطي في الصين.

وتعود أصولهم إلى هجرة المسلمين من آسيا الوسطى في القرن الثامن ويبلغ عددهم حوالي 11 مليون نسمة.

ويتحدث "الهوي" لغة "الماندرين" الصينية، على عكس "الإيغور" الذين يتحدثون اللغة التركية.

وجات تسمية "الهوي" من عبارة "هوي جيا تو"، بالصينية التي تعني "أتباع دين شعب هوي"، ويشار بها إلى المسلمين الذين يتحدثون باللغة الصينية، سواء في الصين أم سنغافورة وماليزيا بحسب صحيفة "ساوث تشاينا مورينينغ بوست" في 21 أبريل/نيسان 2023.

وعلى عكس الإيغور، لا يسعى مسلمو عرقية "هوي" للانفصال عن الصين، ويبلغ تعدادهم نحو 11 ملايين نسمة.

وعاش هؤلاء المسلمون في الصين منذ أكثر من ألف عام، حيث بدأت المجتمعات الإسلامية بالظهور في المدن الكبرى والمراكز التجارية خاصة بعد عام 750.

وخلال حكم أسرة يوان المغولية، في القرنين الثالث عشر والرابع عشر، زاد عدد السكان المسلمين، ولكن بعد طرد المغول مما يعرف بالصين حاليا، تُركت المجتمعات المسلمة لمواجهة كراهية متزايدة خلال حكم أسرة مينغ الصينية.

وبعد استيلاء الحزب الشيوعي على الحكم في الصين عام 1949، بدأت السلطات في استهداف كل أشكال التدين، التي بلغت ذروتها في 1975، عندما احتج مسلمو الهوي في مقاطعة يونان على إغلاق مسجد، وقام الجيش باجتياح المنطقة وقتل 1600 شخص بينهم نساء وأطفال.

وفي عام 1978، خلال عهد الرئيس الإصلاحي، دنغ شياو بينغ، اتبعت السلطات نهجا أكثر تصالحية في التعامل مع الإسلام والأقليات المسلمة، إذ سُمِح لهم بترميم المساجد المدمرة وبناء مساجد جديدة.

ولكن في عهد الرئيس الحالي "شي" تغيرت الأمور بشكل جذري، وعادت السياسات إلى ترسيخ ما يعرف بقومية "الشعب الصيني" أو "الهان الصيني" الذي يعود إلى خمسة آلاف عام، ودمجها بشكل أكبر بالماركسية المعاصرة.

وينص الدستور الصيني على حرية العبادة، لكنه يرسم حدودا صارمة لهذا المبدأ، إذ لا يعترف سوى بخمس ديانات تُفرَض قيود صارمة على ممارسة شعائرها.

وتقول الإحصائيات الحكومية إن عدد المسلمين في الصين يبلغ 24 مليون نسمة أي حوالي 1.8 بالمئة من مجموع عدد السكان. 

في حين تؤكد التقارير غير الرسمية، أن هذه الأرقام غير صحيحة، وأن أعداد المسلمين في الصين تجاوز حاجز الـ50 مليون نسمة على أقل تقدير.

وأشار تقرير أعدته قناة "بون نيوز" الإنجليزية المتخصصة في شؤون الصين، أن تعداد المسلمين في الصين تجاوز 100 مليون نسمة، ليصل حوالي 130 مليونا، أي ما يعادل 10 بالمئة من مجموع سكانها، ليفوق تعداد مسلمي الصين عدد المسلمين في السعودية والعراق وسوريا مجتمعين.

مآذن اختفت

نفس هذه السياسة المتعلقة بهدم قباب المساجد، بجانب محو ثقافة المسلمين وتراثهم، طُبقت في شينجيانغ، وقامت جرافات الحزب الشيوعي بهدم معالم إسلامية يبلغ عمرها قرونا من الزمان، ضمن عمليات الغسيل الثقافية ومحو التاريخ الإسلامي.

تقرير ميداني لوكالة "رويترز" البريطانية في 13 مايو 2021 كشف أن كثيرا من المآذن الموجودة على أركان المساجد في إقليم شينجيانغ اختفت، وقال رجال أمن حولها للوكالة: "لا توجد مساجد هنا!".

وذكرت أن الآلاف من مساجد الإيغور استُهدفت في حملة للسلطات الصينية، ونقلت عن المتحدثة باسم وزارة الخارجية، هوا تشون يينغ، إنه "تم هدم بعض المساجد، بينما تم تحديث وتوسيع مساجد أخرى".

لكن "رويترز" قالت إنها زارت أكثر من 24 مسجدا في سبع مقاطعات جنوب غرب ووسط شينجيانغ (من بين 20 ألفا بالمدينة) ووجدت أن معظم المساجد التي زارتها "قد هُدمت جزئيا أو كليا".

وتوجد على بعض المساجد المفتوحة لافتات تقول إنه يجب على المصلين التسجيل قبل الدخول، فيما يحظر على القادمين من خارج المنطقة والأجانب وأي شخص دون سن 18 عاما الدخول.

كما تحتوي المساجد المفتوحة على كاميرات مراقبة وأعلام صينية ولافتات دعائية للولاء للحزب الشيوعي الحاكم.

وادعت الصين مرارا أن إقليم شينجيانغ يواجه تهديدا خطيرا من "الانفصاليين والمتطرفين الدينيين" الذين يخططون لشن هجمات ويثيرون التوتر بين الإيغور.

وأكدت مجلة "فورين أفيرز" أن السياسات "المتشددة" التي يحاول الرئيس شي، فرضها على الأقليات المسلمة في الصين، ويُطلق عليها "قومية شي"، تتجاوز التغييرات التي يسعى لفرضها على الطراز المعماري للمدن المسلمة.

ورصدت مؤسسات بحثية وتقارير صحفية ميدانية عام 2020، تشغيل نحو مليون إيغوري بمعسكرات عمل قسري، تحت التعذيب والسجن.

كما شرح تقريران لمنظمة "مشروع الأويغور لحقوق الإنسان"، و"تقرير الحريات الدينية" الذي أصدرته وزارة الخارجية الأميركية أواخر 2022، الفظائع التي ترتكبها الصين ضد المسلمين الإيغور في معتقلاتها، وكيف تمنعهم من الصيام والصلاة في شهر رمضان.

ولا يقتصر الأمر على منع الصيام والصلاة، ولكن حظرت السلطات الصينية 22 اسما مسلما على "الإيغور)" في مقاطعة هوتن، بإقليم شينجيانغ.

وقال مسلمون إن السلطات والشرطة حضرت إلى منطقتهم وعلقت منشورا بأسماء 22 اسما يستخدمه المسلمون للذكور والإناث وطلبت منهم تغيير أسماء أبنائهم وإلا سيتم منعهم من دخول المدارس.

ونقل تقرير لـ"راديو أسيا" عن مسلمين في الإقليم قولهم إن السلطات في شمال غرب الصين أبلغتهم أن الهدف وراء تغيير الأسماء هو "محاولة الحد من التطرف بين السكان الأويغور في المنطقة"، وهددتهم بعدم السماح لأطفالهم الذين يحملون هذه الأسماء بالذهاب إلى المدرسة ما لم يغير الآباء أسماءهم.

وقال التقرير إن أكثر من 80 بالمئة من الأسماء التقليدية للإيغور هي أسماء إسلامية تأتي مباشرة من القرآن والنصوص الإسلامية الأخرى، ولم يتم حظر أو منع هذه الأسماء من قبل في تاريخ الصين.