حصار جديد.. هل مخابرات السيسي وراء التغيرات بمنصتي "متصدقش" و"ذات مصر"؟

إسماعيل يوسف | منذ ٨ أشهر

12

طباعة

مشاركة

بعدما أكدت منصة "متصدقش" المصرية يوم 22 أغسطس/ آب 2023 أن محرريها سيأخذون إجازة لمدة أسبوع، عقب اعتقال الصحفي "كريم أسعد" ثم إطلاق سراحه، عادت المنصة يوم 24 أغسطس لتنشر خبرا عسكريا مهما، على غير المعتاد.

منصة "متصدقش" المتخصصة في التحقق والتدقيق الإخباري، والتي أثارت اهتماما كبيرا في الآونة الأخيرة بسبب نشرها تفاصيل فضيحة طائرة الدولارات والذهب المصرية في زامبيا وأسماء المتهمين، وتم اعتقال أحد صحفييها ثم إطلاقه سريعا، انفردت بنشر حكم عسكري بسجن ضابط جيش قتل ربة أسرة.

وكانت المنصة أول من نشر خبر حكم المحكمة العسكرية يوم 24 أغسطس على الضابط الطبيب زياد حسام الدين، بالسجن المؤبد، بتهمة قتله الصيدلانية بسمة علي، في الحادث المعروف إعلاميا بـ"حادث مدينتي".

نشرت المنصة تفاصيل جلسة التحقيق في المحكمة العسكرية، وإنكار المتهم التهم الموجهة إليه، رغم اعترافه في محضر الشرطة في بداية الأمر، رغم أن هذه المحاكمات لا يحضرها إلا المحامون بصعوبة.

وذكرت تفاصيل إمهال المحكمة الضابط المتهم شهرين للطعن أمام محكمة الطعون العسكرية، بعد الحكم عليه بالمؤبد، لا الإعدام، والذي يتوقع مصريون تخفيفه لبضع سنوات سجن فقط.

نشر المنصة هذا الخبر العسكري في وقت لا تنشر فيه أي صحف مصرية أخبارا عسكرية إلا بإذن من الجيش، وبالتزامن مع أحاديث عن "صفقة" أمنية وراء سرعة إطلاق صحفي متصدقش كريم أسعد، أثار تساؤلات.

تطويع أمني

وتعليقا على المشهد، قال الإعلامي حافظ المرازي إن متصدقش تحولت من منصة لتصحيح أخطاء منشورة إلي نقل أخبار عاجلة وانفراد بخبر من مصادر عسكرية، يُعاقب من ينقل عنها خبر بدون إذن! 

وأضاف أن هذا حدث بعد مداهمة وحجز أحد محرريها واختراق الأمن صفحتها، وألمح لتعاونها مع الأمن أو إجبارها على ذلك، قائلا: ألا "يكاد المريب يقول خذوني"؟

"الاستقلال" لاحظت أن منصة "متصدقش" بدأت، قبيل واقعة القبض علي الصحفي كريم أسعد، في نشر تقارير وأخبار تخدم جهات أمنية معينة في مصر.

نشرت تقريرا بدا أنه ترويج لرجل الأعمال الداعم لنظام السيسي "هشام طلعت مصطفي" (قاتل الفنانة اللبنانية سوزان تميم)، حول المقصود برد محكمة الجنايات "الاعتبار" له، ركزت فيه على أنه يعني محو الآثار الجنائية المستقبلية للحكم بالإدانة.

قالت إن رجل الأعمال طلعت مصطفى، "يحق له ممارسة الحقوق المدنية والسياسية، بما فيها الترشح في الانتخابات النيابية، أو شغل المناصب الوزارية، أو الإدارية، أو الحصول على وظيفة حكومية".

وعقب نشر هذا الخبر، بدأت تُنشر أخبار عن احتمالات ترشح طلعت مصطفي في الانتخابات المقبلة، على غرار رجل الأعمال الداعم للسيسي محمد أبو العينين الذي تحول لعضو بارز في مجلس النواب، مع تقديمه دعما ماليا متواصلا للنظام.

وفي 15 أغسطس، كان لافتا في تقرير لها عن سد النهضة الإثيوبي وتناول الإعلام المعارض له، اتباعها نفس أسلوب إعلام نظام السيسي المخابراتي في وضع كل قنوات المعارضة في سلة واحدة، ووصفها بأنها "قنوات الإخوان"، بما فيها قناة الشرق المملوكة للقيادي الليبرالي أيمن نور، وغيرها.

وهو ما يتعارض مع نهج "متصدقش" في تصحيح الأخبار، ويتماشى مع الأساليب الأمنية، ما قد يرجح أن التقرير ربما من إنتاج المخابرات، وتم الضغط على الموقع لنشره مقابل وقف مطاردة واعتقال أعضائه، أو اختراق الموقع ونشره ثم اعتقال الصحفي كريم أسعد.

لفت هذا التحول، نظر العديد من النشطاء، وكان أبرزهم الفنان المعارض عمرو واكد، الذي أعلن إلغاء متابعته "متصدقش" بسبب تقريرها حول سد النهضة الذي يبرئ رئيس النظام عبد الفتاح السيسي من المسؤولية عن هذه الكارثة.

قال، عبر تويتر: "بعد مشاهدة هذا التقرير المؤسف الذي يتعرض لأحد أكبر الخيانات العظمى في مصر ويصور فيه "متصدقش" الخائن (يقصد السيسي) على أنه ضحية، قررت إلغاء متابعتي لهذه المنصة وألا أثق في تقاريرهم بعد اليوم".

تساءل: "ما هو دافع إصدار تقرير يتعرض لعملية خيانة عظمى ويفتقر الإشارة للخيانة نفسها به ويدلف بتوجيه أصابع الاتهام إلى بعض النقاط التافهة في بعض التصريحات الإعلامية من فصيل لم يرتكب الجريمة ولو لم يصدقوا أو أخطأوا فقط في متابعة تاريخ عودة مصر الى الاتحاد الإفريقي؟!".

ووصف تقرير "قنوات الإخوان وسد النهضة" بأنه "تقرير مخزٍ والدوافع خلف إصداره تثير شكوكا غير حميدة".

أضاف: "الإسهاب في تصوير جماعة الإخوان على أنهم كاذبون وأن السيسي مرتكب جريمة الخيانة هو ضحية تشهير منهم ما هو إلا تصرف يدعم الخيانة بشكل مباشر ومخزٍ".

ووصف "واكد" كل ما ذكره "إعلام جماعة الإخوان" عن تنازل السيسي عن حصة مصر في نهر النيل بأنه "حقيقي".

هذا التطويع الأمني المرجح لمنصة "متصدقش"، أشار له محللون كثيرون حين بدأت المنصة تتوسع في نشر تقارير تبدو "أمنية"، تهاجم مواقع معارضة لنظام السيسي، مثل موقع "رصد" المعارض.

وقال عضو بنقابة الصحفيين لـ "الاستقلال" أنه من الوارد أن تكون تعرضت منصة متصدقش، مثل غيرها، لتهديدات أمنية للخضوع، وكانت ذروتها باعتقال الصحفي كريم أسعد، كنوع من التهديد الواضح بمصير أعضائها لو لم يتعاونوا.

وقال إنه يجب النظر لهذا التحول المحتمل، رغم أن المنصة لا تزال تنشر تقارير لا تنشرها الصحف وتبدو معارضة للسلطة، على أنه ربما يكون "ضريبة" الضغوط الأمنية، ملتمسا العذر لكثير من الصحفيين والصحف "يعملون تحت تهديد".

"ضياع الذات"

بالتزامن مع واقعة "متصدقش"، تدخلت الأجهزة الأمنية أيضا في منصة "ذات مصر" عقب إجرائها حوارا مع منير فخري عبد النور، وزير التجارة والصناعة الأسبق، في أول حكومة شكلها السيسي عقب انقلاب يوليو/ تموز 2013.

"عبد النور" كشف في حواره مع "ذات مصر" في 27 أغسطس، أن السيسي ألغى رحلة إلى جنوب إفريقيا عام 2015 خوفا من القبض عليه لدوره في مذبحة رابعة.

قال إنه ألغى هو والسيسي رحلة جنوب إفريقيا بسبب مخاوفهما من الاعتقال هناك بموجب الولاية القضائية العالمية، بعدما رفع محامون قضايا جنائية ضد السيسي وأعضاء في حكومته تتهمهم بالتورط في التحريض على القتل في رابعة والنهضة.

"عبد النور" شرح أنه خلال مؤتمر بشرم الشيخ عام 2015، حذره كبير مساعدي السيسي في ذلك الوقت، ورئيس المخابرات العامة الحالي، عباس كامل، من السفر إلى جنوب إفريقيا.

وقال له: "لا أنت ولا السيسي مسافران إلى جنوب إفريقيا، لأن الإخوان المسلمين رفعوا دعوى قضائية هناك وكان هناك حكم"

وقال الوزير السابق: "كنت على وشك أن يتم القبض علي أيضا في المملكة المتحدة، ونُصحت بالعودة إلى مصر بسرعة، بعدما قال لي السفير البريطاني إن "هناك أمرا بالتحقيق معك بسبب هذه القضية".

وعقب نشر هذه المقابلة المثيرة على موقع "ذات مصر"، حُذفت لاحقا ونشر الموقع عبارة تقول إنه "مغلق الصيانة"، أي أنه ليس محجوبا من جهة أمنية، لكن بتوجه من إدارته.

ما عدته مصادر صحفية انعكاسا لشعور القائمين عليه بأن هناك جهات رسمية غاضبة وحجبه بقرار داخلي محاولة لإرضائها أو تصحيح المسار بما يتماشى مع الخط الرسمي العام لوسائل الإعلام، لذا عاد الموقع للعمل بعد يومين.

مصادر بالموقع أكدت حدوث تدخلات وضغوط أمنية لحذف الحوار، لكن بعد مشاركة كثير من المصريين للحوار على صفحاتهم على حسابات وسائل التواصل الاجتماعي، أعيد نشر الحوار، لكن الموقع ذاته بدأ ينشر أخبارا حكومية أيضا!

وقال مصدر من إدارة الموقع، طلب عدم كشف اسمه، لموقع "مدى مصر"، أنهم علقوا عمل الموقع لـ"تخفيف حدة غضب السلطة، بسبب أداء الموقع وسياسته الفترة الأخيرة".

وأضاف أن "إدارة الموقع تلتزم الصمت حتى لا تتسبب في مزيد من احتقان قد يعرضهم لعدم العودة مجددا، ربما نستطيع الخروج من الأزمة هذه المرة"

وسبق أن أغضب "ذات مصر" السلطة حين أجرى حوارا مع حسام الخولي نائب رئيس الحزب الوطني سابقا، وحزب "مستقبل وطن" حاليا، الذي يوصف بأنه "حزب السلطة".

وسأله: "هل أنتم حزب أسسته جهة أمنية"، في إشارة لأنه حزب شكلته المخابرات المصرية، فرفض إكمال الحوار، وقال له: "لازم أسأل الأول عنكم؟".

مرحلة جديدة

واقعتا "منصة متصدقش" و"ذات مصر" عدها محللون مؤشرا على أن جهاز سامسونج (في إشارة إلى المخابرات المصرية) والجهات الأمنية بدأت مرحلة جديدة من تطويع منصات الصحافة البديلة "للعمل لحسابها بدل منعها".

عدوا ذلك التوجه "مرحلة جديدة للسيطرة على مواقع التواصل، مرجحين أن تعليمات "جهاز سامسونج" بدأت تصل أيضا لهذه المنصات المستقلة ومواقع التواصل بصفتها أكثر مصداقية وجذبا لآلاف المصريين.

وقال وكيل نقابة الصحفيين المصريين الأسبق محمد عبد القدوس لـ "الجزيرة نت" في 23 أغسطس 2023 إن تفوق الصحافة البديلة على الإعلام الرسمي مرجعه "احترام هذه المؤسسات الجديدة للحقيقة وأهميتها وضرورة وصولها للجمهور".

وذلك "على عكس العقلية القديمة للمؤسسات الحكومية التي تقوم على الانغلاق وتلبي رغبات السلطة المتعسفة فقط، وتحجم عن نشر أي حقائق".

وأشار موقع "العرب" الصادر من لندن في 30 أغسطس 2023 إلى أن النظام المصري لديه خط أحمر لم يتخل عنه في الممارسات الإعلامية.

وهو أن تكون السياسة التحريرية بعيدة عن أهداف جماعة الإخوان المسلمين شكلا وموضوعا، أو يتحول أي منبر صحفي إلى حزب يستضيف معارضين.

ورغم ترسانة القوانين التي أصدرتها سلطات نظام السيسي من أجل تكبيل حرية التعبير على مواقع التواصل خاصة فيسبوك و إكس "تويتر سابقا"، والتي تسجن أي معبر عن رايه بتهمة مبرمجة هي "نشر أخبار كاذبة".

بدأت الجهات الأمنية أسلوبا جديدا للسيطرة على السوشيال ميديا عبر شركتين تابعتين للسلطة متخصصتين في إدارة مواقع التواصل، واحتكار "التريند" وتوجيهه.

الشركتان تم الكشف عنهما خلال أزمات اعتلاء التريند بين فنانين وأصحاب مسلسلات مصرية خلال شهر رمضان 2023، والتي أظهرت اتجاه نظام السيسي للسيطرة بشكل آخر على السوشيال ميديا، عن طريق إنشاء صفحات منوعات كبيرة تسيطر عليها، بجوار اللجان الإلكترونية.

الشركة الأولي هي: " bee interactive" ويرأسها حسن حامد، وهذه الشركة تدير الحساب الرسمي لرئاسة الجمهورية، ما يوضح توجهها وتبعيتها للأجهزة الأمنية.

وهدفها السيطرة وتوجه عقول المصريين نحو هدف معين عبر إدارة عشرات الصفحات المشهورة التي تجتذبهم لمناقشة موضوعات فنية أو فضائح، وتوجههم من خلالها، مثل صفحات "ذا جلوكال" الترفيهية و"اساحبي".

وتتقاضي الشركة رواتب وإعلانات من الفنانين والمنتجين لإعادة نشر وترويج مسلسلات أو أفلام لهم وبث دعاية موالية للسلطة من خلالها.

والشركة الثانية هي «هاشتاج جروب» التي يديرها الممثل عصام السقا، وتعمل تحت إدارة "الشركة المتحدة" (شركة المخابرات التي تمتلك الصحف والفضائيات وشركات الإعلان والدعاية)، وهي مسؤولة عن السوشيال ميديا وتتولى أعمال شركة المتحدة.

وتم فضح دور هذه الشركة في الترويج لمسلسل "جعفر العمدة" في شهر رمضان حين روجت للمسلسل بقوة لأن عصام السقا كان يمثل فيه، وفاز بسبب ذلك على جائزة أفضل ممثل دور ثانٍ.

وقد أشار لأدوار الشركتين، تحقيق موسع لموقع "مدي مصر" في 19 يوليو/ تموز 2023 بعنوان "نظرية جعفر العمدة أو كيف تحتكر الدولة التريند"؟

أوضح أن هذا التوجه الجديد للسيطرة والتسويق عبر السوشيال ميديا، أفرز وحشا جديدا قد يخرج عن السيطرة وهي صفحات المنوعات المليونية، وكيف التفتت لها الدولة، بعد انتباهها لقدرتها على السيطرة على التريند.

وكيف أسفر هذا عن ظهور عشرات الصفحات الترفيهية والساخرة والجروبات المليونية، التي في ظاهرها "المنوعات" وفي باطنها "التوجيه السياسي، وصنع البروباغندا تجاه "الإيجابيات"، أي "انجازات السلطة".

وبين الحين والآخر، تنشر هذه الصفحات تدوينات إيجابية حول القيادة السياسية، بطريقة لا تشير إلى اهتمام هذه الصفحات بالسياسة، مثل تدوينات التغزل بزوجة السيسي (انتصار) أو ببرامج "المتحدة" أو التدوينات التي تتغزل بمسلسل "الاختيار" وغيرها.