"أسعد بلد بالعالم" يطلق حملة كراهية ضد المسلمين.. ماذا يحدث في فنلندا؟

داود علي | منذ ٨ أشهر

12

طباعة

مشاركة

وفق تقرير السعادة العالمي الصادر عن الأمم المتحدة للعام 2022، احتفظت فنلندا بلقب "أسعد بلد في العالم" للمرة الخامسة على التوالي، لكن لا يبدو أن هذه الحالة تشمل سائر سكان هذه الدولة.

فالمسلمون والمهاجرون وبعض الأعراق كالأفارقة والعرب وغيرهم أصيبوا بنيران الكراهية والعنصرية التي يغذيها تيار اليمين المتطرف، أحد عناصر التحالف الحاكم حاليا.

ووصل الأمر إلى تورط الحكومة الحالية للبلاد في موجة كراهية وفضائح متتالية ضد المسلمين والمهاجرين على مدار الفترة الأخيرة، لا سيما من قبل وزير الشؤون الاقتصادية، ويلي ريدمان، الداعم للنازية، وحركة "النازيون الجدد" المتطرفة. 

ولذلك، فلا يبدو أن حالة السعادة تشمل سائر الفنلنديين أو بعض المقيمين في البلد الإسكندنافي الواقع في شمال أوروبا، بعدد سكانه البالغين 5.5 ملايين نسمة، والذي أصبح العضو الحادي والثلاثين في حلف شمال الأطلسي (الناتو). 

وبحسب الموقع الرسمي للحكومة الفنلندية يقدر عدد المهاجرين الذين يعيشون في البلاد بنحو 402 ألف مهاجر، وفقا لإحصائيات العام 2022/ 2023. 

وبرزت أخيرا أحداث تشكك في التصنيف الذي يقول إن "شعب فنلندا هو أكثر شعوب العالم سعادة"، والذي عزته الأمم المتحدة سابقا للتفاؤل وثقافة التسامح والحرية. 

مسؤول نازي

ففي 27 يوليو/ تموز 2023، كشفت صحيفة "هلسنيين سانومات" المحلية، التي تعد من أكثر الجرائد مبيعا في البلاد، عن فضيحة عنصرية تورط فيها الوزير ويلي ريدمان ضد المسلمين والعرب والأفارقة. 

إذ أظهرت مجموعة من الرسائل التي أرسلها الوزير عضو "حزب الفنلنديين" اليميني المتطرف إلى حبيبته عام 2016، حينما كان نائبا في البرلمان جانبا كبيرا من العنصرية.

ووصف الوزير المتطرف الصوماليين بأوصاف غير إنسانية قائلا: "إنهم مثل العشب، تجدهم في بلدنا ينتشرون في كل مكان".

فيما وصف في رسالة أخرى العرب وسكان الشرق الأوسط بـ "القرود وقرود الصحراء".

وتطرق إلى المسلمات قائلا: "من الأفضل حظر دخول المحجبات بالكامل بدلا من إدخالهن ثم حظر الحجاب".

واقترح في إحدى رسائله تشغيل أغنية تتحدث عن مسلم مهاجر يغتصب النساء، وطلب تشغيل هذه الأغنية في حفلات الطلاب ليستمعوا لها دائما، ويعرفون من هم المسلمون، وفق زعمه.

ومما كشفته الصحيفة الفنلندية حجم الأيديولوجية المتطرفة للوزير، ففي رسالة كتب يشدد: "نحن النازيين لا نحب تسمية أبنائنا بأسماء يهودية، من المحزن أن ألمانيا النازية تلاشت من الوجود".

بورا والعنصرية

تلك الرسائل أظهرت كيف يتعامل الوزير مع الأقليات، بينما يشغل بالفعل مناصب سياسية رئيسة رفيعة. 

وتسلط الرسائل الخاصة الضوء على طريقة تفكير وزير الشؤون الاقتصادية الجديد، لكنها لم تكن حالة متفردة داخل الحكومة التي يسيطر عليها قطاع من تيار اليمين المتطرف. 

ففي 11 يوليو/ تموز 2023 تعرضت وزيرة المالية الفنلندية، ريكا بورا، لانتقادات من قبل زملائها في الحكومة، على خلفية تصريحات عنصرية منسوبة لها كتبتها قبل 15 عاما، استهدفت المهاجرين والإسلام، ما اضطرها لتقديم توضيح.

واتهمت بورا، زعيمة حزب "فينز" اليميني المتطرف، الشريك في الائتلاف الحاكم، بكتابة تعليقات تحريضية عام 2008 معادية للمهاجرين والإسلام، وحملت العبارات إساءات عنصرية، وتهديدات باستخدام العنف ضد المسلمين.

وواجهت وزيرة المالية الاتهامات بتقديم اعتذارها عن العنصرية من خلال تغريدة على صفحتها بموقع إكس "تويتر سابقا" قالت فيها: "أعتذر عن التعليقات الغبية التي كتبتها قبل 15 عاما، والأذى والاضطراب المفهومين اللذين تسببت فيهما، أنا لست شخصا مثاليا".

وكانت التصريحات الفجة لوزيرة المالية الفنلندية قد حملت دعوة صريحة لقتل أطفال المهاجرين الصوماليين.

وحول موقف حزبها المعروف بالتطرف ضد المهاجرين والمسلمين، قالت بورا "سياسة الهجرة الخاصة بنا شرعية وقانونية، حتى لو كان بعض خصومنا السياسيين يريدون إبطال أجندتنا".  

نزعة نازية

وجاءت تصريحات ريدمان وبورا في وقت تشهد فيه الحكومة أزمات متتالية على وقع العنصرية، وتأييد النازية. 

ففي يونيو/ حزيران 2023 أجبر وزير الاقتصاد "فيلهلم يونيلا" على الاستقالة، بسبب تصريحات مؤيدة للنازية.

وكان يونيلا قد ألقى بمزحة خلال الانتخابات البرلمانية حول مرشح يحمل الرقم 88 بصفته إشارة إلى "تحية هتلر"، لأن الحرف "ه" هو الثامن في الأبجدية الفنلندية.

ليتعرض الوزير الفنلندي لحملة هجوم شرسة واتهامات بالتطرف وحمل الأجندة النازية، وهي الاتهامات التي لم يستطع تفاديها ليعلن استقالته.

وفي 28 يوليو 2023 ناقش رئيس الوزراء الفنلندي "بيتري أوربو" مع رؤساء الأحزاب الحكومية، تصاعد النبرة المتطرفة داخل حكومته، وأكد عزمه إرسال رسالة واضحة إلى الفنلنديين والعالم الخارجي مفادها أنه لن يتم التسامح مع العنصرية في بلاده.

فيما قال الرئيس الفنلندي "ساولي نينيستو"، إنه "سيكون من الحكمة أن تتخذ الحكومة موقفاً واضحا بعدم التسامح مطلقا مع العنصرية".

وفي 2 أبريل/ نيسان 2023، أعلنت نتائج الانتخابات البرلمانية التي انعطفت بفنلندا انعطافة قوية نحو اليمين المتطرف.

إذ فاز حزب "الائتلاف الوطني" المحسوب على يمين الوسط بقيادة بيتري أوربو وتصدر النتائج بفارق ضئيل عن حزب "الفنلنديين" القومي المتطرف الذي تترأسه ريكا بورا، فيما حل الاشتراكي الديمقراطي ثالثا.

وخسرت رئيسة الوزراء السابقة سانا مارين السلطة وقد امتلأت صفحات وسائل الإعلام بالحديث عن الشابة الصغيرة التي جعلت السياسة أكثر إنسانية، وكانت تحظى بدعم من قطاعات المسلمين والمهاجرين.

ومن تقاليد السياسة الفنلندية أن يشكل الحزب الفائز بأكثرية الأصوات الحكومة. 

وفي 20 يونيو 2023 أدت الحكومة الائتلافية بقيادة أوربو اليمين الدستورية، وهي تعد الأكثر يمينية في التاريخ الحديث للدولة الاسكندنافية.

 

المسلمون في فنلندا 

ويعيش في فنلندا 100 ألف مسلم، بينهم حوالي ألف من التتار الأتراك، وجرى الاعتراف بالإسلام دينا رسميا بعد إصدار قانون الحرية الدينية في البلاد عام 1922، بحسب وكالة الأناضول التركية.

وقالت الوكالة في 10 أبريل/نيسان 2018 إن أول مسجد بني في إسكندنافيا أنشئ في جزيرة "سوومنلينا" الفنلندية، وكان عبارة عن غرفة في مبنى خصصت للمسلمين لأداء الصلاة.

وتحتضن العاصمة الفنلندية هلسنكي، أقدم مقبرة للمسلمين، حيث أنشأت عام 1870، ودفن بها المسلمون الأوائل الذين وفدوا إلى البلاد، وكان معظمهم من التتار الأتراك.

وفي عام 1925 تأسس أول مجمع إسلامي فنلندي بشكل رسمي، وكانت فنلندا بذلك أول دولة أوروبية غربية تعترف رسميا بمجمع إسلامي على أرضها.

وفي عام 1943 أنشأ التتار المسلمون مجمعا آخر في  مدينة "تامبرا" غير أن المسلمين من غير الأصول التترية، لا يمكنهم أن يحصلوا على عضوية المجمع الإسلامي.

كما جرى نشر ترجمة جديدة للقرآن باللغة الفنلندية في عام 1995، أعدت بواسطة أحد الدارسين الفنلنديين للغة والحضارة العربية.

وفي سنة 1996 اتحدت الجمعيات المنظمات الإسلامية في الدولة، لتؤسس اتحاد الجمعيات والمنظمات الإسلامية في فنلندا.

وأغلبية المساجد هناك تخضع لإدارة الاتحاد، الذي يهدف للحفاظ على الإسلام وتقاليده وتطوير تعاون مرن بين المسلمين والمسؤولين الخارجيين والمعاهد.

كما يتواصل مع الحكومة ومؤسسات الدولة فيما يخص الجالية الإسلامية الفنلندية سواء من المقيمين أو المهاجرين.

ويشكل المهاجرون الصوماليون معظم أفراد الجالية الإسلامية المهاجرة، بعد أن اختارتهم مفوضية شؤون اللاجئين عام 1991 للوفود إلى فنلندا، لذلك يتعرضون لكثير من الهجمات العنصرية من قبل المتطرفين.