هزت عرش الكرملين.. ما مصير مرتزقة "فاغنر" بعد اختيار بوتين لخليفة بريغوجين؟

منذ ٨ أشهر

12

طباعة

مشاركة

مقتل زعيم مرتزقة فاغنر الروسية الخاصة، يفغيني بريغوجين، المفاجئ وغير المتوقع فرصة جديدة لوزارة الدفاع والحكومة الروسية، لإعادة هيكلة هذه المجموعة شبه العسكرية من جديد، بعدما هزت عرش الكرملين في محاولة انقلاب فاشلة نهاية يونيو/حزيران 2023.

وقتل بريغوجين البالغ من العمر 61 عاما، في 22 أغسطس/آب 2023 بعد تحطم طائرة شمال موسكو، مما أسفر عن مقتل جميع الأشخاص العشرة الذين كانوا على متنها.

قائد جديد

وكانت تحلق الطائرة الخاصة المملوكة لبريغوجين فوق منطقة تفير قرب موسكو مع كبار قادة فاغنر الآخرين عندما سقطت، وكان معه على متنها ديمتري أوتكين، أحد أقرب حلفائه وشخصية رئيسة أخرى في فاغنر ومن مؤسسيها الأوائل عام 2014.

وكان أوتكين ضابطا سابقا في المخابرات العسكرية الروسية ومرتزقا نشطا في سوريا لحراسة حقول النفط هناك، وكان متورطا في تنظيم قافلة فاغنر التي حاولت القيادة إلى موسكو.

وانتظر الرئيس الروسي، فلادمير بوتين، يومين بعد إعلان مقتل بريغوجين الملقب بـ"طباخ بوتين"، لتقديم التعزية في ضحايا الطائرة الخاصة، واصفا بريغوجين بأنه "رجل أعمال موهوب" وأنه ارتكب "أخطاء" لكنه "حقق نتائج".

وقاد قائد فاغنر تمردا مسلحا قصيرا وفاشلا ضد الجيش الروسي نهاية يونيو 2023، الأمر الذي دعا بوتين لوصفه بـ"الخائن"، قبل أن يتدخل رئيس بيلاروسيا، ألكسندر لوكاشينكو، بوساطة وينفى بريغوجين إلى بلده مع جزء من قواته للإقامة هناك بشكل دائم.

وفي أعقاب "الزحف على موسكو" الذي قام به بريغوجين قبل شهرين، توقع رئيس وكالة الاستخبارات المركزية الأميركية، ويليام بيرنز، أن "يأخذ الرئيس بوتين كل ما في وسعه للانتقام".

والآن بعد قطع الرأس الكبير لمنظمة المرتزقة، باتت الأخيرة أمام سيناريوهات على رأسها إعادة هيكلتها من جديد من قبل الكرملين، وتعيين قائد بديل لها مقرب من بوتين، مع حفاظ موسكو على فاغنر كقوة شبه عسكرية وأداة لا تقدر بثمن لتنفيذ سياستها الخارجية في كثير من قارات العالم.

وصعد على الفور اسم العقيد في الجيش الروسي، أندريه تروشيف، لأن يكون الخلف المحتمل لبريغوجين والزعيم الجديد للمجموعة المسلحة.

وما يميز الكولونيل الذي يُعرف بـ"ذي الشعر الرمادي"، أنه من أبرز مؤسسي "فاغنر" عام 2014، وقد نال أعلى الأوسمة في روسيا لدوره في القتال بسوريا.

والعقيد السابق في سلاح المدفعية في الجيش، ولد بمدينة سانت بطرسبورغ في أبريل/ نيسان 1953.

وتروشيف، هو رئيس أركان عمليات مجموعة "فاغنر" في سوريا، التي تدخلت روسيا فيها عسكريا عام 2015 لإنقاذ نظام بشار الأسد من السقوط إثر ثورة شعبية ضده عام 2011.

ويعد تمرد فاغنر التهديد الأكثر مباشرة الذي يواجهه بوتين خلال حكمه منذ توليه السلطة منذ عام 2000، رغم نفي موسكو لسنوات أي ارتباط بفاغنر، قبل أن يعترف بوتين في يونيو 2022 أن المجموعة العسكرية "تمول بالكامل" من قبل الدولة.

بإمرة الكرملين

ولذلك، ينظر الخبراء العسكريون إلى أن القيادة الجديدة لـ"فاغنر" ستكون قابلة لاقتراحات الكرملين ووجهات نظره، ولن يكون هناك أي نوع من المواجهة بالطريقة التي رأيناها من قبل حينما كان بريغوجين حيا والذي لطالما انتقد وزارة الدفاع في حرب أوكرانيا.

وانتقد بريغوجين نقص الذخائر، وعزا التأخير في تسليمها لمقاتليه على الجبهة في شرق أوكرانيا إلى "خيانة" محتملة.

وقاد ذلك قائد فاغنر للقول في 24 يونيو 2023 عبر رسالة صوتية أنه وعناصر مجموعته البالغ عددهم 25 ألفا "مستعدون للموت" من أجل "الوطن الأم" و"تحرير الشعب الروسي" من التسلسل الهرمي العسكري.

وبنبرة ملؤها الغضب، قال بريغوجين حينها: "لقد شنوا ضربات صاروخية، على معسكراتنا الخلفية. قُتل عدد هائل من مقاتلينا".

لقد شكل غزو أوكرانيا الفرصة الكبيرة لإعلان رجل الأعمال بريغوجين دوره الحقيقي في تنفيذ مصالح بلاده.

إذ إنه في البداية لم يعرف مؤسس "فاغنر" الحقيقي، كون البناء الهرمي لها سريا، فلا يوجد مسؤولون ولا أوراق رسمية ولا مقر مسجل رسميا.

وكان فقط ينظر للمجموعة، على أنها شركة أمنية وعسكرية مقربة من بوتين.

وبعد سنوات من النفي الشديد، أقر بريغوجين، في 26 سبتمبر/أيلول 2022، في منشور على حسابات شركته "كونكورد" عبر وسائل التواصل الاجتماعي، بأنه أسس مجموعة فاغنر في مايو/أيار 2014 للقتال في أوكرانيا، واعترف بانتشار عناصر منها في إفريقيا وسوريا وأميركا اللاتينية خصوصا.

ومن أجل ذلك، أحدثت "فاغنر" الفوضى في عدد من دول العالم، ولم تكتف بأن تكون فقط ترسا للجيش الروسي أينما وجد ضمن معاهدات عسكرية جديدة كسبها بوتين مع حلفاء جدد.

والآن بعد موت بريغوجين، فإن مصير مجموعات فاغنر في الخارج وهي الشبكة المعقدة والمربحة من العمليات العسكرية والتجارية التي أنشأها الراحل بريغوجين لصالح روسيا في أوروبا والشرق الأوسط وسوريا وجمهورية إفريقيا الوسطى ومالي أصبحت على المحك.

لكن خطوة بوتين الجديدة عقب مقتل بريغوجين أعطت دليلا على نية الدفاع الروسية على جعل فاغنر قوة تأتمر بإمرتها.

ووقع الرئيس بوتين، في 25 أغسطس/آب 2023 مرسوما يلزم عناصر المجموعات المسلحة غير النظامية بأداء قسم اليمين مثلما يفعل جنود الجيش.

ويلزم نص المرسوم بحسب ما نشره الموقع الإلكتروني للحكومة الروسية، جميع العناصر المسلحة في روسيا التعهد بـ"الإخلاص" و"الوفاء" لروسيا، و"الامتثال الصارم لأوامر القادة والمسؤولين الأعلى رتبة".

كما يتعهد العناصر بـ"احترام الدستور الروسي بشكل مقدس"، و"الدفاع بشجاعة عن الاستقلال والانتظام الدستوري" للبلاد، وتنفيذ المهام الموكلة إليهم.

ويتزامن إطلاق المرسوم الرئاسي، مع إعلان الكرملين أن "فاغنر" ليس لها وجود قانوني رسمي، إذ إن القوانين الروسية تحظر تشكيل مجموعات مرتزقة مثل "فاغنر"، لكن السلطات تتغاضى عن نشاطات هذه "المجموعات العسكرية الخاصة"، التي تقدم رسميا خدمات "أمنية".

وفي روسيا نفسها، كانت عمليات فاغنر في حالة توقف عقب الانقلاب الفاشل على جيش موسكو، مما يشي وفق الخبراء العسكريين أن إعادة تأهليها كان قائما على قدم وساق.

ويعتقد المهتمون أن الخطوة الثانية بعد تنصيب قائد جديد لفاغنر حيث يطرح اسم العقيد في الجيش تروشيف، هي تغيير ولاء العناصر لصالح الجيش، بما يزيل فكرة حلها، وتمهيد الطريق أمام تأميمها من قبل الدولة، من أجل الحفاظ على "إنجازاتها لصالح موسكو" في أكثر من مكان بالعالم.

ووفقا للتقارير الأخيرة، بدأ المئات من مقاتلي فاغنر الذين تم نفيهم إلى قواعد في بيلاروسيا بمغادرة ذلك البلد، وبعضهم غير راض عن مستويات الأجور المنخفضة، بينما انتقل آخرون للعمل غرب إفريقيا، وانخفض عدد القوة هناك من أكثر من 5000 بنحو الربع.

هيكلة مدروسة

ويتوقع المحللون حاليا حدوث تغيير طفيف في البلدان التي تعمل فيها فاغنر، بموجب اتفاقيات رسمية مع موسكو.

وقال جون ليتشنر، الباحث المقيم في الولايات المتحدة والذي يكتب كتابا عن بريغوجين خلال تصريحات تلفزيونية في  25 أغسطس 2023: "فاغنر سبب دائم للقلق. هناك عقود، إنها مثل الأعمال التجارية، ويجب أن تستمر".

وأضاف "فيما يتعلق بالمصداقية، ستحاول فاغنر إعطاء الانطباع بأن الأمور تسير بشكل طبيعي، وأنها لا تزال شريكة".

وفي إفريقيا، قد تظل المجموعة على حالها تقريبا، تحت إدارة جديدة أو قد يجري ضمها إلى مجموعة روسية أخرى.

لكن قدرة فاغنر على العمل في أماكن قد لا يكون لموسكو وجود رسمي أو قانوني فيها تجعلها "أداة لا تقدر بثمن" في أيدي الكرملين لتنفيذ سياسته الخارجية.

فعلى سبيل المثال، أفادت تقارير صحفية، قبل يوم واحد من تحطم طائرة بريجوزين، بأن مسؤولا روسيا زار ليبيا لطمأنة الحلفاء هناك بأن مقاتلي فاغنر سيبقون في البلاد، ولكن تحت سيطرة موسكو.

وأبلغ نائب وزير الدفاع الروسي، يونس بك يفكوروف، اللواء المتقاعد خليفة حفتر (الذي عينه مجلس النواب الليبي في طبرق قائدا للجيش) خلال اجتماع في بنغازي بتاريخ 21 أغسطس 2023 أن قوات فاغنر ستكون تابعة لقائد جديد.

وضمن هذه الجزئية، علق الباحث الليبي جلال حرشاوي من المعهد الملكي للخدمات المتحدة، بالقول في تصريحات تلفزيونية لقناة "الجزيرة" الإنجليزية إنه "لا يوجد ما يشير إلى أن التوقيت لم يكن مجرد صدفة، لكن زيارة يفكوروف تشير إلى أن البصمة الروسية في ليبيا قد تتزايد وتتوسع بدلا من أن تتقلص".

ويجمع الخبراء على أن روسيا ستقطع أي تهديد مستقبلي محتمل من بقايا مجموعات فاغنر راهنا، وهو الأمر الذي يدفع موسكو للقول إن فاغنر كانت مستقلة عن الحكومة، مما يمنح القيادة الروسية إمكانية إنكار عملياتها العسكرية الإجرامية سابقا.

لكن رغم ذلك، يشير أستاذ السياسة الدولية في جامعة لانكستر، أماليندو ميسرا، في حديث لمجلة "تايم" الأميركية في 24 أغسطس 2023، إلى أن "الكرملين يحتاج إلى منظمة يمكنها القيام بعملها القذر بفعالية".

ولهذا لا يمكن تجاهل الأهمية الإستراتيجية لفاغنر بالنسبة للسياسة الخارجية الروسية.

وبالمحصلة، فإنه في أغلب الأحيان، كان نموذج أعمال فاغنر متوافقا مع السياسة الخارجية الروسية، حيث كان جذابا للدول الإفريقية التي تشعر بالإهمال من قبل الغرب.