"الغجر" قد تطلق شرارتها.. ما احتمالات الحرب بين إسرائيل وحزب الله اللبناني؟

مصطفى العويك | منذ ١٠ أشهر

12

طباعة

مشاركة

في الأسابيع الأخيرة، تصاعدت حدة التوتر على الحدود بين لبنان وفلسطين المحتلة، مع قيام الاحتلال الإسرائيلي بضم الجزء الشمالي من قرية الغجر اللبنانية، ونصب "حزب الله" خيمتين في مزارع شبعا اللبنانية، التي ما تزال محتلة من قبل إسرائيل. 

وفي 6 يوليو/ تموز 2023، أطلق صاروخان من منطقة لبنانية متاخمة للحدود باتجاه الأراضي المحتلة، بالتزامن مع اجتياح القوات الإسرائيلية لجنين في فلسطين. فردت إسرائيل بقصف مدفعي استهدف الأراضي اللبنانية، دون وقوع إصابات. 

وفي 12 يوليو، أصيب عدد من الشبان اللبنانيين عقب قيامهم بالاقتراب من السياج الحدودي، ومحاولة تخريبه في الذكرى السنوية لحرب يوليو/ تموز 2006. 

كل ذلك أدى إلى توتر شديد أوحى بإمكانية اشتعال جبهة الجنوب اللبناني بعد 17 عاماً من الهدوء الذي أرساه القرار الأممي 1701، المستند على توازن القوى بين حزب الله وإسرائيل.

قرية الغرائب

تعد قضية قرية الغجر واحدة من أكثر المشكلات تعقيدا، إذ يبلغ عدد سكانها نحو 2900 نسمة، جميعهم من الطائفة العلوية.

وتقع القرية في الجولان السوري عند سفح جبل الشيخ قرب الحدود اللبنانية الجنوبية مع فلسطين المحتلة. 

وعندما رسمت الحدود بين لبنان وسوريا لم تحسم السيادة عليها. بعدها منحت الدولة السورية جنسيتها لسكان القرية وأشرفت على إدارتها. 

ويظهر الإحصاء السكاني في سوريا عام 1960 اسم القرية بين التجمعات السكانية السورية، حيث بلغ سكانها 620 نسمة. واحتلتها إسرائيل في حرب الأيام الستة في يونيو/ حزيران 1967. 

وعن هذه الجزئية، يقول جمال الخطيب مدرس رياضة ومتحدث باسم أهالي القرية في حوار مع راديو "قناة ARD" الألمانية أن قريته "تم تقاذفها مثل كرة بينغ بونغ بين جبهات النزاع. بدأ كل شيء عام 1967". 

ويضيف "كنا دولة مستقلة لمدة ستة أشهر، بحدود مغلقة. لم يخرج أحد ولم يدخل أحد. وفي وقت ما، كان يجب على شخص ما الاعتناء بنا". 

ويمضي يقول "بعد ستة أشهر تلقينا قطعة صغيرة من الورق، كانت تصريح دخول إلى إسرائيل والعمل هناك". 

عام 1978، اجتاحت القوات الإسرائيلية الجنوب اللبناني، وبقيت هناك حتى عام 2000. وخلال هذه الفترة، توسعت الغجر شمالاً باتجاه الأراضي اللبنانية. 

عام 1981 أصدر الكنيست الإسرائيلي "قانون الجولان"، الذي قضى بإنهاء الحكم العسكري، والاعتراف بها كمحافظة إسرائيلية. 

ليصبح سكان قرية الغجر مواطنين إسرائيليين عقب حصولهم على الجنسية الإسرائيلية. 

ويقول العميد المتقاعد في الجيش اللبناني أمين حطيط، والذي ترأس اللجنة اللبنانية التي أشرفت على ترسيم الحدود مع إسرائيل، بأن اللجنة "فوجئت بأن ثلثي مساحة الغجر بات ضمن الأراضي اللبنانية، والثلث الآخر في سوريا". 

ويضيف حطيط في حديث لموقع "الجزيرة" في 13 يوليو، 2023 "مع وضع الأمم المتحدة الخط الأزرق (خط حدودي وهمي) الذي يقع في 13 نقطة متنازع عليها، أصبح الجزء الشمالي من الغجر بلبنان، والجنوبي في الجولان السوري المحتل". 

ويبين أنه "سمح لأهل الغجر بالقسم اللبناني والسوري بالتنقل عبر بوابة تشرف عليها الأمم المتحدة". 

إثر ذلك لم يفقد سكان الغجر جنسيتهم الإسرائيلية إلا أنهم عدوا "مواطنين إسرائيليين على أراضي العدو" حسب القانون الإسرائيلي. 

خوفاً من الانفصال عن أقاربهم في القرية، طلب مختار القرية عدم شمولها بالقرار الأممي 425 الذي يطالب إسرائيل بالانسحاب من الأراضي اللبنانية. كما طلب أهلها من السلطات الإسرائيلية السماح لهم بالبقاء في إسرائيل. 

في غضون ذلك، حولت السلطات الإسرائيلية الجزء الجنوبي من القرية إلى موقع سياحي جذاب، يتوافد عليه السياح من الداخل الإسرائيلي بكثافة. 

يقول علي الخطيب "كل بضعة أشهر، يبدأ مشروع جديد .استطعت أن أرى كيف ظهرت البنية التحتية والطرق والمحلات التجارية والنظام واللوائح". 

وعندما سئل الخطيب هل يفضل أن يكون في لبنان أجاب: "لا، ليس لدي عائلة هناك، بمن أتصل، عائلتي في سوريا". 

لم يفقد الخطيب أمله في العودة إلى سوريا في وقت ما "عندما يكون هناك سلام كل شيء ممكن". 

مع بداية شهر يوليو/ تموز 2023، أنهت إسرائيل تثبيت السياج الجديد الذي يقضم الجزء الشمالي من قرية الغجر. 

ورفعت أبراجاً للمراقبة على كل منها كاميرات يصل مداها إلى 5 كلم. وبالتالي باتت القرية بكاملها خارج السيادة اللبنانية، والتي كانت شكلية إلى حد بعيد. 

خيمتا حزب الله 

ورد حزب الله على الإجراءات الإسرائيلية بإقامة خيمتين وضع فيهما عناصر مسلحة بمحاذاة الخط الحدودي. 

وذكرت هيئة البث الإسرائيلية "مكان" أن "قوة تابعة لحزب الله دخلت أراضي سيادية لدولة إسرائيل، وأقامت فيها موقعاً عسكرياً مسلحاً". 

وحاولت السلطات الإسرائيلية حل قضية الخيمتين بالطرق الدبلوماسية، حيث تقدمت بشكوى الى الأمم المتحدة، إلا أن ذلك لم يجدِ نفعاً. 

ذلك أن حزب الله أبلغ جميع الوسطاء الذين تواصلوا معه في هذا الشأن، أن هذه الأراضي لبنانية تحتلتها إسرائيل وللبنان الحق في الوصول إليها. 

وتأتي هذه التطورات ضمن مسار تصعيدي منذ التفجير الذي وقع في مفترق مجدو شمال فلسطين المحتلة في 13 مارس/ آذار 2023، والذي نجم عنه إصابة خطيرة لشاب من عرب 48. 

وأعلنت أجهزة الأمن الإسرائيلية في اختتام تحقيقاتها الرسمية أن حزب الله هو الذي يقف خلف العملية. 

وقالت إذاعة إسرائيل في 22 أبريل/ نيسان 2023،  إن "شابا لبنانيا دخل إسرائيل باستخدام سلم أتاح له القفز عبر السياج الحدودي، بمساعدة من قوات الرصد التي ينشرها حزب الله على طول الحدود". 

وأضافت "إن هذه العملية تدخل في سلسلة عمليات احتكاك بادر إليها حزب الله، وبلغت 250 حادثة بين إسرائيل، وبين الجيش اللبناني وحزب الله منذ بداية 2023". 

تلاها المناورة العسكرية التي نفذها حزب الله تحت اسم "سنعبر" في 22 مايو/ أيار 2023، على بعد 20 كيلومترا من الحدود مع فلسطين المحتلة بحضور وسائل إعلام محلية ودولية. 

وشارك فيها 200 عنصر من حزب الله استخدموا الأسلحة الحية والثقيلة، واستعرضوا راجمات الصواريخ. فضلاً عن محاكاة افتراضية لعملية اقتحام أراضي الاحتلال عبر تفجير الجدار الفاصل. 

وعقب انتهاء المناورة، وجه رئيس المجلس التنفيذي في حزب الله هاشم صفي الدين تهديداً مباشراً لإسرائيل بقوله "لا داعي لعرض الصواريخ الدقيقة، لأن العدو سيرى فعلها في قلب كيانه إذا ارتكب أي حماقة يتجاوز فيها قواعد اللعبة". 

زادت حدة التوتر عقب إطلاق صاروخين باتجاه الجولان المحتل صباح 6 يوليو/ تموز2023، وقع أولهما ضمن الأراضي اللبنانية، فيما وصل ثانيهما إلى تخوم قرية الغجر. 

هذان الصاروخان كانا رسالة اعتراضية على ضم قرية الغجر إلى إسرائيل، ولا سيما أن إطلاقهما تزامن مع صدور بيان عن حزب الله أدان فيه ما قام به العدو الإسرائيلي. 

وعد حزب الله الإجراءات الإسرائيلية "احتلالا كاملا للقسم اللبناني من بلدة الغجر بقوة السلاح، وليس مجرد خرق روتيني". 

ودعا في بيانه "الدولة اللبنانية بكل مؤسساتها، والشعب اللبناني بقواه السياسية والأهلية كافة إلى التحرك، لمنع تثبيت هذا الاحتلال، والعمل على تحرير هذا الجزء من أرضنا، وإعادته إلى الوطن". 

ورد جيش الاحتلال بإطلاق 15 قذيفة باتجاه أحراش وأراض غير مأهولة عصر اليوم نفسه. 

كذلك أصيب 3 عناصر من حزب الله في 12 يوليو/ تموز 2023، بنيران إسرائيلية، غداة محاولتهم تخريب السياج الأمني، حسب المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي. 

إضافة إلى إطلاق جنود إسرائيليين قنابل مسيلة للدموع في 15 يوليو/ تموز باتجاه النائب قاسم هاشم، المقرب من حزب الله، والذي كان يجول مع عدد من الصحافيين في جولة داخل خط الانسحاب.

ويقول الصحفي يحيى دبوق، المتخصص في الشؤون الإسرائيلية، المقرب من حزب الله "إن الإجراءات الإسرائيلية ترفع من احتمالات التصعيد، وتفتح الميدان على أكثر من احتمال، خصوصاً أن بيان الإدانة الصادر عن حزب الله واضح في دلالته". 

ويشير في مقالة له بصحيفة "الأخبار" اللبنانية في 10 يوليو 2023 إلى وجود "عدد من من الحوادث المسجلة، ما يعلن منها وما لا يعلن، وهو معطى يتوافق مع إرادة اللاحرب".

يقول دبوق إن حزب الله يقدر حدود الفعل الذي يفضي إلى مواجهة وذاك الذي لا يفضي إليها، ومعظم إجراءاته وأفعاله تستند إلى مشروعية الفعل والرد على الاعتداءات". 

ويضيف "واحدة من ميزات موقف حزب الله تجاه الغجر أن أي فعل سيبادر إليه ضد العدو، يبقى في دائرة الرد على اعتداء صارخ للسيادة اللبنانية". 

ويخلص إلى أن الإجابة عن مدى احتمالية اندلاع حرب هي "نعم، لكنها نعم نسبية. مع ذلك الحرب نفسها ما زالت غير حتمية". 

لا حرب

في موازاة ذلك، أدت التطورات إلى إعادة طرح ملف ترسيم الحدود البرية بين لبنان وإسرائيل. وهي العملية التي تأجلت أكثر من مرة منذ انسحاب الجيش الإسرائيلي في مايو/ أيار عام 2000.

وصولا إلى عام 2022 حينما وقع الطرفان على اتفاق لترسيم حدودهما البحرية بوساطة أميركية. 

وفي هذا الإطار، أعلن رئيس الحكومة اللبنانية نجيب ميقاتي في تصريحات صحفية أن بلاده أبلغت الأمم المتحدة استعدادها لترسيم الحدود الجنوبية مع إسرائيل على طول الخط الأزرق. 

وشدد على أن لبنان يعد قرية الغجر تابعة له باعتراف الأمم المتحدة. 

وفي السياق عينه، وصل كبير مستشاري البيت الأبيض لشؤون الطاقة عاموس هوكستين إلى إسرائيل في 12 يوليو/ تموز 2023، في زيارة التقى خلالها رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو. 

وجرى التباحث في توتر الأوضاع على الحدود مع لبنان، وقضية خيم حزب الله وفق ما أوردته صحيفة "يسرائيل هيوم". 

وهوكستين هو الذي أدار المفاوضات غير المباشرة لترسيم الحدود البحرية العام الماضي، وأسهم في نجاحها، ويوصف بأنه "عراب الاتفاق" الذي حصل. 

كذلك أشارت صحيفة "نداء الوطن" اللبنانية إلى أن "قيادة الجيش اللبناني باشرت تحضير ملفات الحدود البحرية والتدقيق فيها كي تكون حاضرة عندما يحين الوقت المناسب لانطلاق ورشة الترسيم البرية على الحدود مع إسرائيل". 

بيد أن أمين عام حزب الله حسن نصر الله رفض في خطاب له في 13 يوليو/ تموز 2023، "منطق الحديث عن ترسيم حدود برية بين لبنان وإسرائيل". 

وطالب في خطابه الذي اتسم بنبرة هادئة بعيدة عن التشنج "بانسحاب العدو من النقاط اللبنانية المحتلة". 

ومع أنه حذر إسرائيل من التعرض للخيمتين اللتين نصبهما حزب الله، إلا أنه لم يتحدث عن الحرب ولم يهدد أو يتوعد. 

وألمح إلى جهوزية حزبه للحرب ولتحريرها عسكريا بقوله إن "الغجر لن تترك لإسرائيل". 

وتعليقا على ذلك، يقول الكاتب السياسي أحمد الأيوبي لـ"الاستقلال" إن خطاب نصر الله حمل رسالتين. 

الأولى حسب الأيوبي هي "إسقاط فكرة ترسيم الحدود البرية لأنها مرسمة أساساً منذ عام 1923". 

والثانية هي أن "أرض الغجر بالقسم الشمالي للبنان، وعلى إسرائيل الخروج منها سليماً تفادياً لإخراجها عسكرياً". 

بدوره، يرى الصحفي سامر زريق أن حزب الله لا يغلق باب الحل السياسي والدبلوماسي لقضية الغجر. 

ويضيف "كلا الطرفين يدركان تماماً مخاطر الذهاب إلى حرب وانعكاساتها في اليوم الذي سيليها". 

ويرجح زريق لـ"الاستقلال"، أن "يتم حل القضية عبر تفاوض غير مباشر ووساطات دولية. كما يتوقع أيضا أن لا تشهد قرية الغجر أي حسم نهائي حول وضعها بالقريب العاجل". 

في حين يربط الكاتب السياسي صهيب جوهر مسألة التوتر جنوباً باقتراب التجديد لقوات "اليونيفيل". 

وهي قوات دولية بمساهمة من عدة بلدان تتولى الفصل بين حزب الله وإسرائيل، ومراقبة الحدود اللبنانية مع فلسطين المحتلة تطبيقاً للقرارين الأممين 425  و1701، ويجري التمديد لها سنوياً. 

لكن السنوات الأخيرة شهدت ضغوطاً أميركية لزيادة صلاحيات "اليونيفيل" وتعزيزها من أجل الحد من حركة حزب الله. 

ويقول جوهر لـ"الاستقلال": "رغم ما حصل في قرية الغجر، فإن هناك نوعا من التوازن بالخروقات، وإسرائيل تحاول رفع التوتر لتحقيق مكاسب إضافية بورقة التمديد". 

ويضيف "لا أحد يستطيع تحمل وزر الحرب". 

ويتوقع استجابة إسرائيل لما وصفه بتهديد حزب الله، وأن "تنسحب تكتيكياً من القسم اللبناني بقرية الغجر لتجنب اندلاع اشتباك مسلح، لا سيما في ظل الأزمة السياسية الكبيرة في إسرائيل والمظاهرات الحاشدة ضد الحكومة على خلفية التعديلات القضائية".