ملف أغلق منذ 30 عاما.. لماذا أعيدت محاكمة قيادي إسلامي في المغرب؟

عالي عبداتي | منذ ١٠ أشهر

12

طباعة

مشاركة

هي القضية الأولى في المغرب التي يعاد فتحها، بعد أن سبق للقضاء أن أصدر أحكامه النهائية فيها، ومر على أحداثها 30 عاما، مما جعل ناشطين وفاعلين وأكاديميين ينتقدون الحكم ويعلنون تضامنهم مع المحكوم عليه.

قضية القيادي في حزب "العدالة والتنمية" الإسلامي المعارض، عبد العلي حامي الدين، الرئيس السابق لمنتدى الكرامة لحقوق الإنسان، وأستاذ العلوم السياسية والقانون الدستوري بجامعة محمد الخامس في الرباط.

وقضت غُرفة الجنايات الابتدائية بمحكمة الاستئناف بمدينة فاس، في 11 يوليو/ تموز 2023، بالحبس ثلاث سنوات نافذة بحق حامي الدين، وغرامة 20 ألف درهم (حوالي ألفين دولار)، في ملف مقتل الطالب اليساري، بنعيسى آيت الجيد، على خلفية أحداث عنف طلابي في جامعة "محمد بن عبد الله" بفاس.

ووفق موقع "اليوم24" المحلي، جاء النطق بالحكم بعد 22 جلسة محاكمة لحامي الدين، في ملف مثير للجدل، تعود وقائعه إلى سنوات التسعينيات، وذلك بتهمة "جناية الضرب والجرح المفضي إلى القتل دون نية إحداثه".

بلاغات منددة

ويأتي الحكم رغم مرافعة الدفاع الذي شدد على أسبقية البت في قضية حامي الدين من قبل، وتحذيرات قانونيين وسياسيين وحقوقيين من تهديد فتح هذا الملف لـ"الأمن القضائي" للبلاد.

وكان القيادي الإسلامي قد اعتُقل وحوكم في هذه القضية، وأدين بسنتين سجنا، قبل أن يتبين أنه تعرض للظلم، ويحصل على تعويض من "هيئة الإنصاف والمصالحة" التي شكلتها الدولة المغربية بداية القرن الواحد والعشرين لتعويض ضحايا الانتهاكات الحقوقية.

وفي أول تفاعل له مع الحكم، رفض حامي الدين التعليق واكتفى بمنشور عبر صفحته على "فيسبوك" في 11 يوليو 2023، جاء فيه: "حسبنا الله ونعم الوكيل، قل لن يصيبنا إلا ما كتب الله لنا".

كذلك فعلت زوجة حامي الدين، بثينة قروري، أستاذة العلوم السياسية بجامعة محمد الخامس بالرباط، ورئيسة منتدى الزهراء للمرأة المغربية، التي كتبت في تدوينة بحسابها على فيسبوك: "الظلم مؤذن بخراب العمران"، مضيفة: "ويمكرون ويمكر الله والله خير الماكرين".

مباشرة بعد إصدار الحكم، أعلن حزب العدالة والتنمية عن عقد اجتماع استثنائي لأمانته العامة، برئاسة الأمين العام، رئيس الحكومة الأسبق، عبد الإله ابن كيران.

وصدر بلاغ للحزب في 12 يوليو، في مستهله "احترامه التام والكامل لاستقلالية السلطة القضائية وللأحكام الصادرة عن القضاء".

وقالت أمانة العدالة والتنمية، إنها "تتأسف لكون هذا الملف، الذي أعيد فتحه مرة أخرى بعد 30 سنة، من خلال شكاية كيدية مباشرة بخلفيات سياسية مفضوحة، ما كان له أصلا أن يُفتح من الوجهة القانونية، لكونه ملفا تم البت فيه بموجب حكم نهائي وقطعي اكتسب قوة الشيء المقضي به". 

وأعربت عن أملها أن يُستدرك هذا الحكم ويُصحح في مرحلة الاستئناف بما ينصف حامي الدين، ويؤكد عدم مشروعية إعادة متابعته بما يقتضي براءته، وذلك من حيث كون هذا الحكم أعاد تكييف التهمة من طرف المحكمة لثاني مرة لكي تتطابق في النهاية مع نفس التهمة التي سبق وصدر الحكم بشأنها عام 1994.

وأردفت: "باعتبار أنه لا يمكن أن يحاكم أي أحد من أجل نفس الوقائع مرتين، لأن ذلك يمس في الصميم بمبدأ دستوري وبالأمن القضائي وباستقرار الأحكام القضائية".

بدوره، أصدر منتدى "الكرامة لحقوق الإنسان" بيانا في 12 يوليو 2023، أكد خلاله أنه تلقى "بصدمة كبيرة، الحكم الابتدائي الصادر ضد حامي الدين الرئيس السابق للمنتدى".

ورأى المنتدى أنه "معني بهذه القضية منذ بدايتها، لكونها أثيرت في خضم حملة ظالمة استهدفت رئيسه حامي الدين، بصفته مدافعا عن حقوق الإنسان، إثر المواقف الحقوقية للمنتدى في العديد من القضايا".

وقال إنه "تم التمهيد لإعادة إثارة ملف قضائي صدرت فيه أحكام اكتسبت قوة الشيء المقضي به منذ 28 سنة مضت، عبر إطلاق حملات إعلامية تحريضية ممنهجة، منذ سنة 2017، تردد سبا وقذفا برعاية جهات معروفة للسعي بسوء نية وبشكل متكرر ومفضوح للترويج لاتهامات جنائية كاذبة".

وأكد المنتدى الحقوقي، أن هذه الحملة سعت "للنيل من نضال حامي الدين في مجال الديمقراطية وحقوق الإنسان، وسخرت من أجلها أدوات إعلامية اشتهرت بانخراطها في حملات التشهير والتشويه والاغتيال المعنوي لرموز العمل الحقوقي الجاد والمستقل".

ونبه إلى أنه "وخلافا للقواعد الأساسية للعدالة الجنائية، وعبر اعتماد شهادة معدلة لشاهد سبقت إدانته في نفس الأحداث، غير شهادته الأولى بعد 30 سنة، لتتم متابعة حامي الدين مرة ثانية من أجل أفعال سبق محاكمته بشأنها وصدرت بشأنها مقررات قضائية اكتسبت قوة الشيء المقضي به وقضى بسببها سنتين حبسا نافذا".

ورأى منتدى الكرامة أن "إعادة تكييف التهمة من طرف المحكمة لثاني مرة حتى تتطابق في الأخير مع التهمة الأولى موضوع قرار قاضي التحقيق بنفس المحكمة في 17 مايو/ أيار 1993، دليل قاطع لا يترك أي مجال للشك أن إعادة محاكمة حامي الدين مخالفة للدستور".

غضب وتضامن

عدد كبير من الفاعلين والناشطين عبروا عن تضامنهم مع حامي الدين، رافضين الحكم عليه وإعادة محاكمته، من خلال تدوينات نشروها عبر حساباتهم على فيسبوك في 12 يوليو 2023.

وفي هذا الصدد، قال الباحث الأكاديمي بلال التليدي: "أسأل الله تعالى أن يرفع الهم والغم عن أسرة أخي حامي الدين وعائلته، وأن يسمعنا خيرا فيما يأتي من الأيام، وأن يطوى هذا الملف العبثي الذي يخسر فيه الجميع..".

وتابع: "الحكم الذي صدر في حقه مؤلم ومعضل ولا حول ولا قوة الا بالله".

من جانبه، قال أستاذ علم الاجتماع بجامعة ابن طفيل في مدينة القنيطرة، عصام الرجواني: "تضامني اللامشروط مع الأستاذ عبد العلي حامي الدين".

واسترسل: "قضية عبد العلي فضيحة سياسية وحقوقية وقانونية بكل المقاييس، ودليل فاقع على غياب أدنى شروط الأمن القضائي والمحاكمة العادلة ببلدنا السعيد".

من جانبه، قال الأستاذ الجامعي، عضو لجنة الخبراء في الأمم المتحدة سابقا، محمد الشرقاوي: "أيها الصاحون إلى سؤال العدالة، نزاهة القضاء تعزز سمعة الدولة، وتعسفه يجوّف شرعية السلطة وينسف رأسمالها الاجتماعي".

أما الكاتب العام للمرصد المغربي لمناهضة التطبيع، عزيز هناوي، فكتب قائلا إن "الظلم خراب الملك".

ورأى هناوي أن "الحكم على حامي الدين ظلم يمشي على قدميه فوق الدستور وكل المرجعيات القانونية".

الباحث القانوني، سليمان صدقي، فتفاعل مع الموضوع بتدوينة قال فيها: "بلادنا تحتاج حقيقة لانفراج حقوقي وسياسي، والرجوع عاجلا لمسار الدمقرطة والإصلاح، والقطع بشكل نهائي مع ممارسات ماضوية".

فيما رأى رئيس المركز المغربي للأبحاث والدراسات المعاصرة، امحمد الهلالي، أن "تسييس القضاء وتسخيره في تصفية المعارضين هو أعلى درجات الاستبداد والفساد".

واسترسل: كما أن "انتهاك سبقية البت، وعدم احترام مقررات هيئة الإنصاف والمصالحة، ليس له من توصيف سوى أنه ردة حقوقية وسياسية غير مسبوقة في التاريخ المعاصر".

دلالات خطيرة

وأكد الكاتب الصحفي يونس مسكين، أن "أسوأ ما في الموضوع كونه أول خطوة من نوعها تنطوي على تراجع صريح عن الأطروحة الأساسية التي بني عليها عبور المغرب بين عهدين ملكيين، وبين قرنين وبين مرحلتين مختلفتين".

وأوضح مسكين لـ"الاستقلال"، بخصوص المرحلتين "أي أطروحة العدالة الانتقالية، والاعتراف بأخطاء الدولة، وإنصاف ضحاياها جراء التجاوزات التي تعرضوا لها، بل والانخراط في عملية بناء مع من كانوا في دائرة الاختلاف سابقا.

وذكر أن "حامي الدين حاز مقررا تحكيميا من هيئة الإنصاف والمصالحة، يؤكد أنه تعرض لتجاوزات وتعذيب من جانب السلطات خلال فترة التحقق في جريمة قتل الطالب آيت الجيد".

واستطرد: "هنا تكمن أسوأ رسائل الملف، خاصة في سياق يحمل عادة الكثير من القلق تجاه توفير ضمانات المحاكمة العادلة، لكونها تتجاوز البعد الفردي والحزبي، لتلامس الجوهر والإستراتيجي".

أما الأستاذ الجامعي والبرلماني السابق، عبد العزيز أفتاتي، فرأى إعادة فتح الملف والحكم على حامي الدين، مرده أن "الرجل إصلاحي رسالي، وديمقراطي ملتزم، ومثقف مجتهد، ومناضل مؤسساتي".

وتابع أفتاتي لـ"الاستقلال"، وأيضا لأنه "عصي على التطويع والتدجين ومناهض للسلطوية والفساد، ولأنه يرفض التزلف سرا وعلانية لرموز البؤس السياسي".

وذكر أن "بطش المنظومة امتد إلى حامي الدين بصفته رمزا من رموز الإصلاح، وواحدا من طلائع المستقبل السياسية بلا منازع، ومناضلا عضويا وأكاديميا مقتدرا وسياسيا مميزا".

ورأى أفتاتي، أن "هذا الأمر مع الأسف يسيء لصورة وطننا، ويُظهره وكأنه أصبح مرتعا للانتقام السياسي، ولترهيب المخالفين، وإخراص المزعجين".

وشدد البرلماني السابق على أن "الحكمة الوطنية تقتضي العناية بالنخبة السياسية النزيهة المتجذرة، والاستثمار فيها من أجل المستقبل، لأن ذلك صمام الأمان والاستقرار".

وأردف "أما المضي في مقاربة خاطئة، وتكريس المسار الذي طال في وقت سابق نخبة إعلامية زج بها في أتون السجون في محاكمات غير عادلة، وبأحكام لم تقنع أحدا، فذلك لا يخدم المستقبل لا القريب ولا البعيد ولا الاستقرار الصلب المستدام"، في إشارة إلى اعتقال الصحفيين توفيق بوعشرين وأمين الراضي.

وبعد أن شدد أفتاتي على "حاجة المغرب الماسة لانفراج سياسي وحقوقي وليس العكس"، أوضح أن "المحاكمة العادلة النزيهة كانت تقتضي إبطال المتابعة الكيدية".

وخلص إلى التأكيد أن "الأمل كبير في المسار الاستئنافي، وفي حكم القانون، والمحاكمة العادلة، لضمان الأمن القضائي، ومعالجة هذا الحكم الابتدائي الجائر".

خلفيات سياسية

من جانبه، يؤكد الباحث الأكاديمي، علي فاضلي، أن "الهدف من واقعة محاكمة حامي الدين وأمثالها من الوقائع المحاصرة للقوى الإصلاحية، هي دفع هذه القوى للتخلي عن منهجها الإصلاحي واليأس منه".

وشدد فاضلي لـ"الاستقلال"، على أن "الهدف الإستراتيجي لقوى النكوص كان وما يزال هو محاربة القوى الإصلاحية التي تنطلق من الثوابت الوطنية، لكي يخلو لها الفضاء لتعيث في الأرض فسادا".

وأوضح أن "هذه القوى، عملت منذ حصول المغرب على استقلاله، على إحداث الشقاق بين الملكية والأحزاب الوطنية، لأنها تعلم علم اليقين أن أي التقاء بين الملكية والقوى الإصلاحية لن يكون في صالحها".

ولهذا، يتابع فاضلي، فهذه القوى "لا مشكلة لديها من الخطاب الراديكالي، لأنه خطاب يخدم تموقعها وإستراتيجيتها، بل إنها تعمل على دفع جزء من القوى الإصلاحية نحو الراديكالية".

وتابع: "في حين تحارب القوى الإصلاحية وعلى رأسها العدالة والتنمية، كما حاربت الزعيم الوطني علال الفاسي والمجاهد الكبير عبد الكريم الخطيب، وغيرهما ممن كانوا متشبثين بثلاثية الإسلام والملكية والإصلاح".

وقال فاضلي إن "حامي الدين هو تعبير عن القوى الإصلاحية وخطابها الإصلاحي القائم على ثلاثية الإسلام والملكية والإصلاح، ومن هنا نفهم لماذا يُستهدف".

وبخصوص موقف الجمعية المغربية لحقوق الإنسان (أهلية)، والتي وقفت في هذه القضية ضد حامي الدين، فقال فاضلي إن موقفها لا يمكن وصفه إلا بأنه "مشبوه"، وفق وصفه.

وأوضح أن "رئيس الجمعية، عزيز غالي، يحاول التدليس في نقاشه للقضية، حين تحدث عن كون جرائم الاغتيال السياسي لا تتقادم، لتبرير إعادة المحاكمة".

وتابع: "ذلك أن قضية حامي الدين لا تتعلق في المقام الأول بالتقادم المسقط للمتابعة، بل تتعلق بسبقية البت، وعدم جواز محاكمة نفس الشخص على نفس الفعل مرتين، وهو أحد المبادئ الأساسية التي يدرسها أي طالب للحقوق في سنته الأولى".

وأضاف المتحدث ذاته، "كما أن حامي الدين سبقت متابعته بجناية المشاركة في القتل، لكن المحكمة لم تجد أي دليل على تلك المشاركة، كما حصل على مقرر من هيئة الإنصاف والمصالحة التي قادها رفاق عزيز غالي ينصف حامي الدين في ذلك الملف".

وأردف: "أما بالنسبة لقضية عدم تقادم جرائم الاغتيال السياسي، فلا وجود لمثل هذا المبدأ في منظومة القانون الجنائي المغربي".

واسترسل: "إذا أراد غالي فتح ملف الاغتيالات السياسية، فأعتقد أن التيار (اليساري) الذي ينتمي له غارق حتى أذنيه في ملفات الجرائم السياسية، فهو التيار الذي ارتكب جرائم سياسية بحق المقاومين وعلى رأسهم عباس مساعدي".

واستطرد فاضلي: "كما أنه التيار الذي قاد عمليات إرهابية تحت غطاء الخيار الثوري ضد مغاربة، ذنبهم أنهم كانوا يخدمون في قوات الأمن، كما أنه التيار الذي تورط في دعم محاولة الانقلاب العسكري بقيادة الجنرال محمد أوفقير سنة 1972، والتي خلفت مئات القتلى من الأبرياء".

وزاد: "بل إن رفاق غالي يفتخرون بالعمل العسكري خلال مرحلة العنف الثوري، وأدبياتهم ما تزال تؤمن بالعنف، بل والحرب الأهلية كأحد الخيارات الضرورية لحسم التناقضات داخل المجتمع".