برنامج الأغذية العالمي يفاقم معاناة اللاجئين السوريين بالأردن.. لماذا قطع مساعداته؟

تتزايد الضغوط أكثر فأكثر على اللاجئين السوريين بالأردن، في ظل تكرار رفع بعض المنظمات الدولية غطاء المساعدات عنهم، الأمر الذي يتركهم وأطفالهم تائهين في أزمة إنسانية كبرى تكاد تفتك بهم.
وفي أحدث الإجراءات، أعلن وزير الخارجية الأردني أيمن الصفدي، أن برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة سيقطع مساعداته الحيوية عن اللاجئين السوريين بالمملكة بدءا من مطلع أغسطس/آب 2023.
معاناة جديدة
وجاء كلام الصفدي في سلسلة تغريدات على حسابه الرسمي بتويتر نشرها بتاريخ 13 يوليو، أضاف فيها: أن "وكالات الأمم المتحدة الأخرى وبعض المانحين يفعلون الشيء نفسه، لن نكون قادرين على سد الفجوة، وسيعاني اللاجئون (..) لا يمكننا تحمل هذا العبء وحدنا".
ولفت وزير الخارجية الأردني في تغريدة أخرى إلى أن "توفير حياة كريمة للاجئين مسؤولية عالمية، ليس للأردن وحده كبلد مضيف، ويجب أن تعمل الأمم المتحدة لتمكين العودة الطوعية، وحتى ذلك الحين لا بد أن تحافظ وكالاتها على الدعم الكافي".
وأردف في تغريدة أخرى بالقول: "سنتشاور مع البلدان المضيفة الإقليمية لعقد اجتماع لتطوير استجابة مشتركة لانخفاض الدعم للاجئين السوريين (..) وتدابير التخفيف من تأثيره، لا يمكن لعبء توفير حياة كريمة لهم أن يستمر في التحول نحونا وحدنا".
ويبلغ عدد سكان الأردن حاليا 10.961 ملايين نسمة، ويستضيف أكثر من 1.3 مليون سوري، فروا من بطش قوات النظام السوري وقصفها على مدنهم منذ عام 2011، بينهم 761.58 ألف لاجئ مسجل رسميا.
ويعيش 82.6 بالمئة من هؤلاء في مدن وقرى الأردن أي خارج مخيمات اللجوء، وتبلغ نسبة اللاجئين الأطفال (أقل من 18 سنة) نحو 46 بالمئة.
فيما يأوي مخيم الزعتري (85 كلم شمال شرق عمان) قرب الحدود مع سوريا نحو 80 ألف لاجئ.
وإذ يشكل اللاجئون السوريون 20 بالمئة من عدد سكان الأردن تقول المملكة إن كلفة استضافة هؤلاء اللاجئين تجاوزت العشرة مليارات دولار حتى عام 2017.
ويتلقى اللاجئون السوريون المساعدات المالية عبر بطاقات فيزا كارد صالحة لشراء أساسيات الحياة من المحلات التجارية الأردنية، إذ يمنع شراء أي منتج يعد من الكماليات عبر هذه البطاقة.
"أزمة غير مسبوقة"
ونقلت وكالة "رويترز" البريطانية عن مكتب برنامج الأغذية العالمي في عمان قوله في 13 يوليو/تموز 2023 إن "أزمة تمويل غير مسبوقة" أجبرته على قطع المساعدات الغذائية عن 50 ألف من بين 465 ألف لاجئ كانوا يساعدون في الأردن.
بيد أن المنظمة قررت خفض مساعدتها الشهرية فى يوليو/تموز 2023 بمقدار الثلث، معتبرة أن هناك عجزا قدره 115.8 مليون دولار أميركى لتغطية الاحتياجات الغذائية لـ 465 ألف لاجئ فى المخيمات والمجتمعات، حسبما أشار تقرير لها.
وأضاف التقرير أن نحو 96 بالمئة من المستفيدين في مايو/أيار 2023 كانوا من سوريا، و3 بالمئة من العراق، والباقي من اليمن والسودان والصومال ودول أخرى.
ويقدم البرنامج 32 دولارا شهريا لكل فرد من الأسر "شديدة الاحتياج"، بينما يقدم 21 دولارا شهريا لكل فرد من الأسر المصنفة "متوسطة الحاجة".
وانعدام الأمن الغذائي هو الحالة التي يجد الناس أنفسهم فيها بقدرة محدودة أو غير مؤكدة للحصول على غذاء كاف.
وسبق أن أعرب مدير برنامج الأغذية العالمي ديفيد بيزلي مطلع أبريل/نيسان 2023، عن قلقه بشأن عدم إمكانية تأمين مبلغ 23 مليار دولار يحتاجها البرنامج عام 2023 لمساعدة ملايين المحتاجين.
كما حذر بيزلي من أن العالم سيشهد هجرة جماعية وأن دولا منها الصومال وجنوب السودان، وسوريا ولبنان ستكون مهددة بزعزعة استقرارها حال لم يتوفر المبلغ المطلوب.
وفي وقت تكافح فيه الوكالات الإنسانية التابعة للأمم المتحدة ومجموعات الإغاثة الأخرى من أجل مواكبة المساعدات للسوريين مع ارتفاع الاحتياجات وتناقص تدفقات التمويل، يجد اللاجئون السوريون أنفسهم أمام خيارات قاسية.
ضغط مدروس
وفي هذا الإطار يقول الصحفي السوري المختص بالشؤون الاقتصادية، علي إبراهيم، إن "قرار برنامج الأغذية العالمي التابع للأمم المتحدة بقطع مساعداته الحيوية عن اللاجئين السوريين ستكون أكثر كارثية على من هم خارج المخيمات الذين يكابدون لهيب الأسعار وإيجار المنازل وتشغيل جميع أطفال العائلة لتأمين الاحتياجات الأساسية".
وأضاف إبراهيم لـ "الاستقلال": "في حال استمرار تخفيضات المساعدات الدولية وخاصة أن الأزمة تتعلق بالتمويل، فإن هذا سيدفع اللاجئين لتقليص وجباتهم بشكل أكبر عن المعتاد والبحث عن العمل المجهد والاستدانة المالية".
وربط "خطوة قطع الأغذية العالمي مساعداته الحيوية عن اللاجئين السوريين، بإعادة إدماج النظام السوري بالمجتمع الدولي من جديد، والحديث عن إعادة توطينهم في بلدهم الأم".
فضلا عن "محاولة عدد من الدول المانحة الضغط على اللاجئين السوريين ضمن سياسة مدروسة لإجبارهم على العودة لبلدهم وهذا أحد الأساليب".
وكان استطلاع أجرته المفوضية السامية للأمم المتحدة لشؤون اللاجئين في يونيو/حزيران 2023 أظهر أن 97 بالمئة من اللاجئين السوريين الذين شملهم الاستطلاع في الأردن ليس لديهم نية للعودة في الأشهر الـ 12 المقبلة، في حين أن 0.8 بالمئة فقط يرغبون بذلك.
وذهب إبراهيم للقول: "إن النظام السوري يريد إعادة هؤلاء كونه متيقنا من عودة الدعم المالي الدولي لهم عبر كثير من المنظمات التي ستعمل داخل سوريا وبتسهيلات منه".
وهو ما سيزيد من الحركة المالية للنظام وبذلك يجري تخفيف عبء اللاجئين على الدول التي تستضيفهم ونقل الكرة إلى ملعب الأسد، وفق تقديره.
وتابع: "لهذا فإن الدول التي تستضيف اللاجئين ما تزال تواجه رفض قبول هؤلاء بالعودة الطوعية لبلدهم أولا لعدم وثوقهم أمنيا بالنظام، وكذلك عدم تنفيذ حل سياسي في البلاد".
بمعنى أن اللاجئين ينقلون بذلك من جحيم إلى آخر نظرا لعجز النظام عن تنشيط الاقتصاد وفي ظل نقص المحروقات وارتفاع الأسعار وانعدام الكهرباء وانهيار كامل للبنية التحتية نتيجة دمار المدن والبلدات، بحسب إبراهيم.
ومطلع يوليو/تموز 2023، توجه الصفدي إلى دمشق وبحث مع رئيس النظام بشار الأسد، ملفي اللاجئين السوريين ومكافحة تهريب المخدرات التي تدخل الأردن من سوريا.
وقالت وزارة الخارجية الأردنية في بيان حينها إن النقاش بين الصفدي والأسد "ركز على قضية اللاجئين والخطوات اللازمة لتمكين العودة الطوعية لهم" من الأردن.
وأضافت أن الصفدي استعرض خلال اللقاء "جهود المملكة من أجل التدرج نحو حل شامل ينهي الأزمة (السورية) ويعالج تبعاتها الإنسانية والأمنية والسياسية دوليًا وفي سياق المسار العربي".
تخفيض الحصص
ويؤكد ناشطون إنسانيون أن أي أسرة لاجئة في الأردن تحتاج إلى 500 دينار أردني (700 دولار أميركي) شهريا كي تعيش حياة كريمة.
وكانت مفوضية الأمم المتحدة السامية لشؤون اللاجئين في عمّان، حذرت خلال تقرير لها نشر في 22 أغسطس/آب 2022، من أن انعدام الأمن الغذائي بين تلك الفئة في الأردن آخذ في الارتفاع.
إذ صرح 46 في المئة من الآباء اللاجئين بأنهم خفضوا حصصهم من الغذاء حتى يتمكنوا من تأمين ما يكفي أطفالهم الصغار على المائدة.
إضافة إلى ذلك، يرسل عدد متزايد من الأسر الأطفال لجمع القمامة وذلك لكسب بعض من المال، مما يؤدي إلى تفويت المدرسة والتعليم، وفق التقرير المذكور.
وأقرت الحكومة الأردنية ومنظمات أممية في يناير/كانون الثاني 2018 خطة الاستجابة للاجئين السوريين في المملكة للأعوام 2018 إلى 2020 بتمويل يقارب 7,3 مليار دولار، بما معدله 2,4 مليار دولار سنويا.
وكان برنامج الغذاء العالمي أوقف في يوليو/تموز 2021 الدعم الشهري من المساعدات الغذائية عن 21 ألف لاجئ سوري، بسبب "نقص التمويل الذي أجبر البرنامج على إعطاء الأولوية للأكثر احتياجا"، وفق ما قال في بيان له.
وحينها لفت إلى أن "التمويل في الوضع الحالي غير كاف لتلبية الاحتياجات الغذائية لجميع اللاجئين في الأردن".
كما حدد برنامج الأغذية العالمي أنه بحاجة بشكل عاجل إلى 58 مليون دولار أميركي لمواصلة تقديم المساعدات الغذائية الشهرية لنصف مليون لاجئ حتى نهاية عام 2021.
وسبق أن قال ممثل برنامج الأغذية العالمي والمدير القطري في الأردن ألبرتو كوريا مينديز خلال مؤتمر عبر الفيديو منتصف مارس/آذار 2021 إن "انعدام الأمن الغذائي بين اللاجئين في الأردن هو الآن الأعلى منذ أن بدأت العائلات في القدوم من سوريا قبل 10 سنوات".
وأضاف مينديز أنه "وفقا لتقديرات برنامج الأغذية العالمي، يعاني ربع اللاجئين في جميع أنحاء الأردن من انعدام الأمن الغذائي و65 بالمئة على حافة انعدامه، وهي زيادة كبيرة منذ بدء وباء (كوفيد-19)".
خيارات "مؤلمة"
وتوقع مراقبون أن يلجأ برنامج الأغذية العالمي لاتخاذ خيارات "مؤلمة" بسبب الموارد المحدودة لديه عقب الانكماش الاقتصادي الدولي الذي دفع لتخفيف الميزانيات المخصصة لدى الدول المانحة التقليدية.
إضافة إلى عدم دخول الدول المانحة غير التقليدية الأخرى إلى مجال التمويل ولا سيما الدول الصناعية الكبرى التي تستطيع أن تساهم في سد هذا النقص الذي سيحيل حياة المحتاجين إلى جحيم تكاد ترمي بهم في براثن المجاعة.
وكثيرا ما كرر ممثل المفوضية العليا لشؤون اللاجئين في الأردن دومينيك بارتش القول إنه في "حين أن الحل السياسي الذي سيسمح بعودة اللاجئين إلى سوريا هو الهدف النهائي، علينا ضمان توافر فرص كافية لهم أثناء بقائهم في الأردن، جنبا إلى جنب مع الأردنيين، حتى يكونوا أعضاء منتجين في المجتمع".
وبلغ معدل الفقر، وفق الأرقام الرسمية في الأردن حتى خريف 2020، نحو 15,7 بالمئة، كما ارتفعت البطالة عام 2020 لتصل إلى نحو 23 بالمئة، في بلد تجاوز دينه العام 102 بالمئة من الناتج الداخلي.
وبحسب وزير التخطيط الأردني ناصر الشريدة، فإن بلاده بحاجة إلى 2,4 مليار دولار من المانحين الدوليين من أجل تلبية احتياجات اللاجئين السوريين الموجودين على أراضي المملكة خلال عام 2021.
وقال الشريدة في تصريحات لقناة "المملكة" الرسمية: "جزء من هذا التمويل مخصص لتلبية احتياجات وأولويات مباشرة للاجئين السوريين سواء في المخيمات أو المجتمعات المستضيفة".
وأيضا جزء للمجتمعات المستضيفة وآخر لتعويض الخزينة العامة عن الإنفاق الرأسمالي عن الخدمات المختلفة كالتعليم والصحة والخدمات الأخرى.
وفي حال لم يتحصل برنامج الاغذية العالمي على احتياجاته المالية المطلوبة، فإن عشرات آلاف العائلات من اللاجئين السوريين ستتأثر بهذا الإجراء.
وخاصة الأكثر هشاشة منهم الذين يرتبطون بشكل كامل بالمساعدات الدولية داخل الأردن لاسيما في الشتاء وهو أصلا مرحلة صعبة يكابدون فيها الأمرين مع قدوم هذا الفصل القاسي.
المصادر
- وزير الخارجية الأردني: "الأغذية العالمي" قرر قطع الدعم عن اللاجئين السوريين
- Jordan urges World Food Programme to reverse subsidy cuts for Syrian refugees
- مفوضية اللاجئين تحذر من تحوّل وضع اللاجئين في الأردن إلى أزمة إنسانية في غضون أشهر بسبب نقص التمويل
- الأردن.. الصفدي يبحث مع غريفيث تهيئة عودة اللاجئين السوريين