خطابات سعيد العنصرية تجاه اللاجئين.. كيف أشعلت مواجهات دامية بصفاقس؟

تونس- الاستقلال | منذ ١٠ أشهر

12

طباعة

مشاركة

تسببت خطابات الرئيس التونسي قيس سعيد العنصرية تجاه المهاجرين من إفريقيا جنوب الصحراء بتصاعد الاشتباكات بين هؤلاء والمواطنين التونسيين، مما أنتج حالة رفض وعداء تجاههم.

كان آخر تلك الأحداث مساء 2 يوليو/تموز 2023، حيث مواجهات بين شبان تونسيين ومهاجرين أفارقة من جنوب الصحراء في مدينة صفاقس وسط شرق البلاد، أسفرت عن وقوع إصابات وحرق عدد من المنازل.

وأخذت الأحداث منعرجا خطيرا بعد مقتل أحد الشباب التونسيين طعنا بسكين من قبل مجموعة من المهاجرين بحسب شهادات الأهالي في المنطقة مساء 3 يوليو 2023.

وتحتضن صفاقس العدد الأكبر من المهاجرين من إفريقيا جنوب الصحراء، حيث تحولت المدينة إلى نقطة تجمّع ومنصة لانطلاق قوارب الهجرة غير النظامية من سواحلها في اتجاه إيطاليا. 

وانتقد قيس سعيد في 21 فبراير/شباط 2023 وجود المهاجرين الأفارقة في تونس، وعده تهديدا ديموغرافيا لبلاده، وسُجّلت حينها عدة حالات اعتداء على مهاجرين من إفريقيا جنوب الصحراء بعد تلك التصريحات.

 وشجبت حينها منظمات غير حكومية محلية ودولية "خطاب الكراهية والترهيب ضد المهاجرين"، كما انتقدوا اتفاقا محتملا بين تونس والاتحاد الأوروبي يقضي بالتصدي للهجرة غير النظامية والسماح بقبول المرحلين من أوروبا في البلد المغاربي.

أحداث دامية

ومنذ مساء 2 يوليو 2023، ضجت مواقع التواصل الاجتماعي في تونس بعشرات المقاطع المصورة لمواجهات باستعمال الحجارة والعصي والآلات الحادة بين شبان تونسيين ومهاجرين مقيمين في عدد من الأحياء.

وتصاعدت الحملة ضد المهاجرين لتتحوّل في عدد من أحياء مدينة صفاقس لعمليات ملاحقة ومداهمة للمنازل التي يسكنوها بلغت إلى درجة طردهم وحرق أثاثهم.

إلا أن الأحداث أخذت تطورا دراماتيكيا بعد طعن عدد من المهاجرين مواطنا تونسيا يبلغ من العمر 46 عاما بحسب شهود عيان مما أدى إلى وفاته بعد مدة قصير.

وأفاد الناطق الرسمي باسم المحكمة الابتدائية بمدينة صفاقس فوزي المصمودي في 4 يوليو 2023 في مداخلة له على إذاعة موزاييك (محلية) أنه "حسب شهود عيان هناك شبهات لتورّط مهاجرين أفارقة من جنوب الصحراء في عملية الاعتداء"، مضيفًا أنه جرى فتح بحث تحقيقي من أجل "القتل العمد مع سابقية القصد".

كما أشار إلى أنّ الوحدات الأمنية أوقفت بعد الحادثة بساعات 22 شخصا من إفريقيا جنوب الصحراء في إطار حملات أمنية لمراقبة الوثائق والإقامة.

وذكّر بأنها أوقفت في الليلة التي تسبقها 34 شخصًا أيضًا، على خلفية أحداث عنف بين هؤلاء المهاجرين ومتساكني صفاقس، وهي الأحداث المتواصلة منذ فترة وفي تصاعد.

واتهمت  عدد من منظمات المجتمع المدني في 5 يوليو 2023  في بيان لها "السلطات التونسية باستغلال هذا الوضع كذريعة لتنفيذ حملة اعتقالات متتالية طيلة الأيام الماضية تلتها عمليات ترحيل قسري وغير قانوني، تحت التهديد".

وقالت المنظمات إن الهدف "تطهير" المدينة من أي شخص من دول إفريقيا جنوب الصحراء وذلك بنقلهم من مركز و محافظات ولاية صفاقس إلى وجهات مجهولة.

وبحسب نفس البيان "جرى التأكيد على فقدان مجموعة متكونة من 28 شخصًا، مع ترحيل مجموعة أخرى متكونة من 20 شخصا من بينهم طالبو وطالبات لجوء ونساء وأطفال إلى المنطقة الحدودية رأس جدير (الحدود التونسية الليبية)".

هذه المعطيات أكدتها منظمة هيومن رايتس ووتش في تقرير لها يوم 7 يوليو 2023، حيث نقلت شهادات عن طرد قوات الأمن التونسية بشكل جماعي لعدة مئات من المهاجرين وطالبي اللجوء الأفارقة بينهم أطفال ونساء حوامل، منذ الثاني من نفس الشهر إلى منطقة عازلة نائية على الحدود التونسية - الليبية.

قالت لورين سيبرت، باحثة حقوق اللاجئين والمهاجرين في هيومن رايتس ووتش: "ينبغي للحكومة التونسية وقف عمليات الطرد الجماعي وتمكين وصول المساعدات الإنسانية فورا إلى طالبي اللجوء الأفارقة الذين طردوا إلى منطقة خطرة على الحدود التونسية-الليبية، مع القليل من الغذاء وفي غياب المساعدة الطبية".

وأردفت أن "إخضاع الناس للانتهاكات وتركهم في الصحراء ليس جائرا فحسب، بل إن الطرد الجماعي ينتهك القانون الدولي أيضا".

تخبط رسمي 

أمام هذا الوضع المعقد والخطير في مدينة صفاقس، تقف السلطة في تونس عاجزة عن تقديم أي حلّ للأزمة المتفاقمة وسط إصرار من قبل الرئيس قيس سعيّد على الترويج مجددا لخطاب شعبوي قائم على التنصل من المسؤولية وتحميلها لجهات مجهولة كعادته.

وعلى إثر الأحداث، توجه سعيّد، في 4 يوليو، إلى مقر وزارة الداخلية، حيث اجتمع بوزير الداخلية كمال الفقي، وعدد من القيادات الأمنية.

وبحسب بيان للرئاسة، رأى قيس سعيد  أن "تونس دولة لا تقبل بأن يقيم على أرضها أحد إلا وفق قوانينها كما لا تقبل بأن تكون منطقة عبور أو أرضا لتوطين الوافدين عليها من عدد من الدول الأفريقية، ولا تقبل، أيضا، أن تكون حارسة إلا لحدودها".

وأضاف أن "هناك شبكات إجرامية يجب على الدولة التونسية تفكيكها وأن هناك العديد من القرائن الدالة على أن هذا الوضع غير طبيعي".

وتساءل الرئيس التونسي عن كيفية قطع هؤلاء الوافدين على بلاده آلاف الكيلومترات والاتجاه إلى مدينة بعينها، وأنهم كيف يعرفون هذه المدن أو الأحياء وهم في بلدانهم، مضيفا: "هل هؤلاء مهاجرون أو مهجّرون من قبل جماعات إجرامية تتاجر ببؤسهم".

هذا التساؤل نفسه هو الذي أطلقه عدد من الناشطين الحقوقيين، حول كيفية دخول المهاجرين إلى الأراضي التونسية التي لا تجمعها حدود برية مع أي من الدول التي يقدم منها المهاجرون.

إذ أكّدت عدد من التقارير لمنظمات مهتمة بقضايا الهجرة أن الجزء الكبير من المهاجرين يصلون إلى تونس عبر الحدود الجزائرية بعد رحلات قد تستمر لأشهر لعبور الصحراء وعدد من الدول التي تجتاحها صراعات مثل مالي والنيجر.

ولم تحاول السلطات الإجابة عن هذه التساؤلات أو تقييم الأداء الأمني في مراقبة الحدود الشرقية لتونس رغم ملاحظة توافد مئات المهاجرين يوميا عبرها ومشاهدة عدد كبير منهم يجتاز البلاد سيرا على الأقدام وصولا لمدينة صفاقس.

حلول منعدمة 

تعليقا على هذه التطورات، رأى الباحث في الفكر السياسي والعلاقات الدولية جلال الورغي أن "فرص معالجة السلطات في تونس أزمة المهاجرين غير النظاميين، تكاد تكون معدومة".

وبين في حديث لـ"الاستقلال" أن "السلطة مطالبة اليوم ببلورة خطة عاجلة أولية للاحتواء، تراعي ضوابط احترام القوانين والمواثيق الدولية، وتتجنب ولا تتورط في أي إساءة أو سوء معاملة للمهاجرين غير النظاميين، حتى لا تتعقد قضيتهم وتتحول إلى أزمة ذات أبعاد خطيرة".

وأضاف "لا تبدو الحكومة الحالية التي تعد الأضعف في تاريخ تونس منذ استقلالها، قادرة على معالجة ملف بهذا الحجم من التعقيد".

فهي حكومة إدارية، لا رافعة سياسية لها، ومرجعيتها الوحيدة رئيس دولة هو في حد ذاته مثير للجدل، ويبدو جزءا من المشكل وليس الحل.

وواصل القول: "يجب أن تعترف السلطة اليوم أن أزمة المهاجرين النظاميين المنفلتة، هي جزء من أزمة وطنية شاملة تعانيها البلاد".

ويرى الورغي أنه "رغم أن قضية الهجرة غير النظامية ملف معقد، وظاهرة عابرة للقارات والحدود بطبعها، وتعاني منها العديد من الدول وإن بدرجات متفاوتة، فإن ذلك لا يمنع من القول إن السلطات تتحمل مسؤولية كبيرة فيما آل إليه الوضع في تونس، بسبب التدفق المنفلت للمهاجرين غير النظاميين".

وحمّل الرئيس قيس سعيد مسؤولية ما حصل في مدينة صفاقس حيث "أطلق خطابا لا يقل خطورة عن الخطاب المثير للجدل بشأن المهاجرين قبل أشهر، عندما تحدث عن تدفقهم على مدينة صفاقس بشكل مخطط له ومركز، مثيرا تساؤلات عن الدوافع وراء ذلك".

وهي تصريحات لا تعكس استشعار المسؤولية، ولا تقدر مخاطر ما ينجر عنها من تداعيات، فرئيس الدولة ليس مطلوبا منه طرح تساؤلات واستفسارات وإنما تقديم إجابات، وفق الأكاديمي التونسي.

وبحسب قوله، فإن هذه التساؤلات الاستنكارية لسعيد "أججت مخاوف وانشغالات لدى أهالي مدينة صفاقس، ملاحظين غياب السلطة، وغياب التحرك الجدي، بل غياب حتى حملة اتصالية لتطمين الرأي العام أن الدولة تسيطر على الوضع وأنها بصدد معالجته".

ويعتقد أن هذا الفراغ الحكومي وغياب التحرك الجدي دفع الأهالي بوعي وبدون وعي وبتقدير سليم أو خاطئ إلى محاولة معالجة الأمر بأنفسهم، ما وضع أبناء الجهة في مواجهة مع مهاجرين غير نظاميين كل حلمهم ركوب البحر والانتقال للضفة الشمالية، حيث القارة الأوروبية.

ولا يمكن عزل الأحداث الجارية في مدينة صفاقس عن المفاوضات الجارية بين تونس والاتحاد الأوروبي، والتي حذرت عدد من المنظمات الحقوقية المحلية أن تؤدّي إلى توقيع اتفاق يجعل من الأمن التونسي حارسا للحدود البحرية الأوروبية.

وتصاعدت التحذيرات في الأسابيع الأخيرة من القبول  بتحويل تونس مركزا لاستقبال المهاجرين المرحلين من أوروبا، مقابل دعم مالي يصل إلى مليار يورو.

ودعت مجموعة من الأحزاب السياسية في بيانات لها إلى مصارحة الشعب التونسي بالمفاوضات القائمة مع الاتحاد الأوروبي حول الهجرة وما تتضمنه من شروط والتزامات بعيدًا عن الشعارات الموجهة للاستهلاك الشعبوي.

وحذرت من إبرام أي اتفاق مصيري بقرار فردي دون عرضه على النقاش العام والإجماع الوطني.