تطورات لافتة.. هل يتفق الغرب وإيران على إحياء مفاوضات الملف النووي؟

فتحت النقاشات التي استضافتها قطر، بين منسق الاتحاد الأوروبي للمحادثات بشأن الملف النووي الإيراني، إنريكي مورا، وكبير المفاوضين النوويين الإيرانيين، علي باقري كاني، باب التساؤل واسعا عن مدى اقتراب الطرفين من إحياء المفاوضات مجددا بين طهران والغرب.
وفي يناير/ كانون الثاني 2023، أكد مدير عام الوكالة الدولية للطاقة الذرية، رافائيل غروسي، لموقع "الفاتيكان" الرسمي، إن المفاوضات النووية مع إيران وصلت إلى "طريق مسدود" وتوقفت، محذرا من أنه "لا يمكننا إحراز تقدم" مع إيران أو إحياء الاتفاق النووي.
زخم متزايد
وفي آخر تطورات بالملف النووي الذي حصل في العاصمة القطرية الدوحة، كشفت شبكة "سي إن إن" في 22 يونيو/ حزيران 2023، نقلا عن مصدر دبلوماسي (لم تفصح عن هويته) قوله إن "الزخم يتزايد لإحياء المفاوضات حول برنامج إيران النووي المتنامي".
وأوضح المصدر أن "المحادثات بين إيران والاتحاد الأوروبي في 21 يونيو 2023، ركزت على النقاط الشائكة الرئيسة، بما في ذلك مستويات التخصيب النووي والتعاون الإيراني مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية".
وأضاف أن المناقشة التي استمرت يومين في الدوحة بين دبلوماسي الاتحاد الأوروبي مورا وكبير المفاوضين النوويين الإيرانيين كاني "تؤدي إلى تطورات إيجابية في العديد من القضايا".
وأكد المصدر أن "البيئة الحالية إيجابية للتهدئة".
وعقب ذلك، وصف مورا على "تويتر" المحادثات بأنها "مكثفة"، فيما غرّد كاني بأنهما عقدا "اجتماعا جادا وبناء بشأن مجموعة من القضايا، بما في ذلك المفاوضات بشأن رفع العقوبات، وهي الأولوية الرئيسة لطهران، التي واجهت عددا كبيرا من العقوبات على مدى العام الماضي من الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة".
Had a serious and constructive meeting with @enriquemora_ in Doha. We exchanged views and discussed a range of issues including negotiations on sanctions lifting. pic.twitter.com/YeEVlhfANQ
— علی باقریکنی (@Bagheri_Kani) June 21, 2023
جاء الاجتماع بعد أسبوع من لقاء كاني بمسؤولين من الموقعين على الصفقة المعروفة رسميا باسم "خطة العمل الشاملة المشتركة" (JCPOA) التي جرى الاتفاق عليها عام 2015.
"خطة العمل الشاملة المشتركة" هو اتفاق جرى التوصل إليه بين إيران وقوى دولية، هي الأعضاء الخمسة الدائمون في مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة (الصين، فرنسا، روسيا، بريطانيا، والولايات المتحدة) وألمانيا، المعروفون مجتمعين باسم 5 + 1، كما شارك الاتحاد الأوروبي.
وتأتي المحادثات بعدما زار وزير الخارجية الإيراني حسين أمير عبد اللهيان الدوحة في 20 يونيو 2023، قبل أن يتوجه إلى عُمان في اليوم التالي، إذ سبق أن لعبت كل من قطر وسلطة عمان أدوار وساطة بين إيران والقوى الغربية.
وكذلك أجرى الإيرانيون محادثات مع الأوروبيين، وأخرى غير مباشرة مع الأميركيين بدعم من القطريين، وأدت إلى تطورات إيجابية في العديد من القضايا المتعلقة بالطرفين على أمل إعطاء زخم إيجابي لخطة العمل الشاملة المشتركة مع الأوروبيين، وقضايا الأسرى مع الأميركيين.
وبعد فشل سابق لمحاولة إحياء "خطة العمل الشاملة المشتركة" ووسط احتجاجات شعبية في إيران، قالت إدارة الرئيس الأميركي جو بايدن في أكتوبر/تشرين الأول 2022 إن الاتفاق النووي "لم يكن محور اهتمامنا" لكنها قالت إنها ملتزمة باستخدام الدبلوماسية لمنع طهران من حيازة سلاح نووي.
واندلعت في إيران احتجاجات شعبية في 14 سبتمبر/ أيلول 2022 عقبَ مقتل الشابة الإيرانية من أصل كردي، مهسا أميني، بعد تعرضها للضرب أثناء احتجازها واعتقالها على يد شرطة الأخلاق التابعة للحكومة بحجة عدم ارتدائها اللباس المحتشم.
لكن المحادثات استؤنفت أواخر عام 2022، حيث عملت دول من بينها سلطنة عمان كوسطاء، إذ سافر أحد كبار المسؤولين في الإدارة الأميركية، بريت ماكغورك، مرات عدة إلى الدولة الخليجية هذه لإجراء مناقشات غير مباشرة مع ممثلي الحكومة الإيرانية.
Intense talks yesterday and today with Vice Minister @Bagheri_Kani in Doha on a range of difficult bilateral, regional and international issues, including the way forward on the JCPOA. Good exchange on the Gulf (EU strategy, new @EUSR_Gulf, Irán/KSA agreement) pic.twitter.com/vb5Tw9ff7n
— Enrique Mora (@enriquemora_) June 21, 2023
أرضية مهيأة
وبخصوص مدى اقتراب إيران والدول الغربية من التوصل إلى إحياء مفاوضات الملف النووي، قال الباحث العراقي المهتم بالشأن الإيراني، عماد الزوبعي إن "الأرضية في الوقت الحالي مهيأة للتوصل أكثر مما كانت عليه في إدارة الرئيس الأميركي الأسبق باراك أوباما".
وأوضح الزوبعي لـ"الاستقلال" أن "إدارة أوباما عندما أرادت الاتفاق مع إيران على البرنامج النووي كانت هناك معارضة خليجية، لكن اليوم متصالح مع طهران ولا أعتقد ثمة ما يمنع إحياء المفاوضات النووية مع الغرب، بل ربما أنهم بحاجة إليها الآن".
ولفت الباحث إلى أن "دول أوروبا وحتى الولايات المتحدة اليوم بأمس الحاجة إلى الغاز وخفض أسعار النفط، وإذا حصل اتفاق فإن الأسعار ستتراجع، وقد يذهب الغاز الإيراني إلى أوروبا، لذلك روسيا هي من عرقلت لإحياء التوصل لاتفاق نووي من جديد".
وفي مارس/ آذار 2022، دخلت المحادثات بين إيران والقوى العالمية حالة من عدم اليقين، بعد أن طلبت روسيا من الولايات المتحدة تقديم ضمانات بأن العقوبات التي فُرضت عليها بسبب غزوها لأوكرانيا في فبراير/ شباط من العام نفسه، لن تضر بتجارتها مع طهران.
وقال وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف إن العقوبات الغربية على بلاده أصبحت حجر عثرة أمام إحياء الاتفاق النووي الموقع بين إيران والقوى الدولية عام 2015، حسبما نقلت وكالة رويترز البريطانية في 6 مارس 2022.
ووفقا لـ"رويترز" فإن نظيره الأميركي أنتوني بلينكن سعى إلى تبديد الحديث عن مثل هذه العقبات عندما قال إن العقوبات المفروضة على روسيا بسبب غزوها لأوكرانيا ليس لها علاقة باتفاق نووي محتمل مع إيران.
وأشار الباحث إلى أن "الأمر اليوم مرتبط بما ستقدمه دول الاتحاد الأوروبي إلى إيران بخصوص إحياء الاتفاق النووي، في المقابل ما الذي تعطيه الأخيرة من تنازلات، وكل ما يتم التوصل إليه قد يدفع الولايات المتحدة إلى القبول به".
ورأى الزوبعي أن "إدارة بايدن حاليا منشغلة في الوقت الحالي عن القضايا المصيرية والإستراتيجية، ناهيك عن ندمهم وعدم رضاهم على زج أوكرانيا بصراع الناتو مع روسيا".
وتوقع بأن "عودة الاتفاق النووي، قد يسهل على السعودية الحصول على البرنامج النووي، الذي قد تساعدها فيه فرنسا أو روسيا، وبالتالي فإن الرياض لن تمانع هي وباقي دول الخليج، كونها أيضا طبعت العلاقة مع طهران، بالتالي لم يبق من يعارض سوى الاحتلال الإسرائيلي".
رسائل متبادلة
وفي 12 يونيو 2023، كشف الناطق باسم وزارة الخارجية الإيرانية، ناصر كنعاني، عن محادثات غير مباشرة بين طهران وواشنطن في مسقط، بوساطة سلطنة عمان، مؤكدا أنها "ليست سرّية".
وخلال تصريحات نقلتها وكالة الصحافة الفرنسية، أضاف كنعاني: "رحّبنا بجهود جميلة لسلطنة عمان، التي طرحت قبل أسابيع عدة، لتفعيل المفاوضات الرامية إلى إلغاء الحظر عن إيران، وتبادلنا الرسائل مع الجانب الآخر، تبادل الرسائل هذا مستمر".
لكن كنعاني نفى وجود أي مفاوضات لإبرام اتفاق نووي مؤقت، لافتا إلى تواصل مفاوضات إعادة تفعيل اتفاق عام 2015.
وشدد على أن وساطة عُمان تشمل أيضا عملية تبادل الأسرى التي "تستمر المفاوضات بشأنها"، مضيفا: "يمكننا أن نعبّر عن ارتياحنا، لأن هذا سيحدث، إذا كان الجانب الآخر جادا أيضا، لذلك كل شيء يعتمد على إرادة الجانب الآخر".
ويُحتجز ما لا يقل عن ثلاثة أميركيين إيرانيين في إيران، بينهم سياماك نمازي، وهو رجل أعمال إيراني يحمل الجنسية الأميركية، صدر بحقه حكم عام 2016 بالسجن 10 سنوات، بتهمتي التجسس والتعاون مع الحكومة الأميركية.
من جهتها، تحدثت إيران عام 2022 عن احتجاز "عشرات" المواطنين في الولايات المتحدة، اتهم بعضهم بـ"الالتفاف حول العقوبات الأميركية" المفروضة على طهران.
وفي 11 يونيو 2023، أعرب المرشد الأعلى في إيران علي خامنئي عن إمكانية توصل بلده إلى اتفاق مع الغرب بخصوص الأنشطة النووية.
ونقلت وسائل إعلام رسمية عن خامنئي قوله "لا ضير في الاتفاق (مع الغرب) لكن البنية التحتية لأنشطتنا النووية لا ينبغي المساس بها".
وتأتي موافقة خامنئي الحذرة بعد أيام من نفي كل من طهران وواشنطن صحة تقرير ذكر أنهما يقتربان من إبرام اتفاق مؤقت تكبح بموجبه إيران برنامجها النووي مقابل تخفيف العقوبات.
وكانت المحادثات غير المباشرة قد وصلت بين طهران وواشنطن لإحياء الاتفاق المبرم مع ست قوى كبرى إلى طريق مسدود في سبتمبر 2022 وسط تبادل الاتهامات بين الجانبين بتقديم مطالب غير منطقية.
ويذكر أن اتفاق 2015 كان قد حد من نشاط إيران في مجال تخصيب اليورانيوم وجعل من الصعب على طهران تطوير أسلحة نووية، وذلك مقابل رفع العقوبات الدولية عنها.
وفي العام 2018، انسحب الرئيس الأميركي آنذاك دونالد ترامب من الاتفاق وأعاد فرض العقوبات التي أصابت الاقتصاد الإيراني بالشلل، مما دفع طهران إلى التحرك تدريجيا نحو عدم الالتزام ببنود الاتفاق المنصوص عليها.
من جانبه، نفى خامنئي ذلك خلال تصريحاته، مكررا موقف بلاده الرسمي بأن "الجمهورية الإسلامية لم تسع أبدا لصنع قنبلة نووية".
وأردف: "الحديث عن أسلحة طهران النووية كذبة وهم (الغرب) يعرفون ذلك، لا نريد صنع أسلحة نووية بسبب عقيدتنا الدينية وإلا لما تمكنوا من عرقلة ذلك".
وأضاف خامنئي، وهو صاحب الكلمة العليا في جميع شؤون الدولة بما في ذلك البرنامج النووي، قائلا إنه يتعين على هيئة الطاقة الذرية الإيرانية مواصلة العمل مع الوكالة الدولية للطاقة الذرية التابعة للأمم المتحدة "في إطار من الضمانات".
وفي الوقت نفسه، دعا خامنئي السلطات الإيرانية إلى "عدم الرضوخ للمطالب المبالغ فيها والخاطئة للوكالة الدولية للطاقة الذرية"، مضيفا أنه يجب احترام قانون أقره البرلمان الإيراني في العام 2020.
وبموجب هذا القانون، تعلق طهران عمليات التفتيش التي تجريها الوكالة الدولية للطاقة الذرية على المواقع النووية الإيرانية وتكثف تخصيب اليورانيوم إذا لم تُرفع العقوبات.
وقال في شأنه خامنئي: "هذا قانون جيد.. يجب احترامه وعدم انتهاكه عند إتاحة الوصول للمواقع والمعلومات (للوكالة الدولية للطاقة الذرية)".
المصادر
- Momentum building in Iran talks with West, says source
- غروسي: مفاوضات الاتفاق النووي مع إيران وصلت إلى طريق مسدود
- خامنئي يقول إن اتفاقا مع الغرب حول الأنشطة النووية ليس مستحيلا طالما "لا يمس ببنيتها التحتية"
- إيران تؤكد استمرار محادثاتها غير المباشرة مع واشنطن بوساطة عُمانية
- ما خطة العمل الشاملة المشتركة ولماذا وافقت إيران عليها؟