بلد مسلم متعدد الموارد.. كيف أحكمت إسرائيل قبضتها على غينيا؟

داود علي | منذ ١٠ أشهر

12

طباعة

مشاركة

رؤية إسرائيل للتقارب مع الدول الإفريقية ليست وليدة الزمن الآني، بل منذ تأسيس الكيان، حيث قال ديفيد بن غوريون أول رئيس وزراء للاحتلال: "الدول الإفريقية ليست غنية، لكن أصواتها في المحافل والمؤسسات الدولية تعادل أكثر الدول قوة".

وفي عام 2017، قال رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو: "عادت إسرائيل إلى إفريقيا وعادت إفريقيا إلى إسرائيل"، في إشارة منه إلى وصول العلاقات بين تل أبيب وبعض العواصم الإفريقية إلى درجة كبيرة من التقارب. 

وتعد غينيا من الدول التي حدثت بها تحولات كبيرة في العلاقة مع الاحتلال، فرغم أن تل أبيب لا تمتلك سفيرا لها في غينيا، لكنها جددت العلاقات الدبلوماسية معها عام 2016، بعد انقطاع دام لحوالي خمسة عقود.

وغينيا دولة مهمة ذات غالبية مسلمة تقع في غرب إفريقيا وكانت قد قطعت علاقاتها مع الاحتلال، تضامنا مع الدول العربية إبان نكسة 5 يونيو/ حزيران 1967.

والآن تعود إسرائيل بقوة إلى هذه الدولة مع تراجع الاهتمام العربي، حيث باتت العاصمة كوناكري تعج بالشركات ورجال الأعمال الإسرائيليين، مع ارتباطات قوية بين الرئيس المؤقت حاليا مامادي دومبويا وإسرائيل على أكثر من صعيد. 

اختراق أمني

وتولي إسرائيل لأنشطة الأمن السيبراني في غينيا أولوية كبيرة، ففي 22 يونيو/ حزيران 2023، كشفت مجلة "إنتيليجنس أونلاين" الفرنسية، أن إبراهيم ساكو ابن شقيق وزير العدل الغيني السابق أبراهام ساكو،  يساعد شركة (Kaymera Technologies) الإسرائيلية في غينيا.

وأضافت المجلة الاستخباراتية، أن "ساكو يساعد رجال الأعمال الإسرائيليين آفي روزين وأمري لافي وشاليف هوليو وشركة الأمن السيبراني الإسرائيلية (Kaymera) لتقديم حلول لرئيس غينيا المؤقت مامادي دومبويا".

وذكرت أن "شركة الأمن السيبراني الإسرائيلية تقدم حلول اتصالاتها الآمنة للإدارة الرئاسية في غينيا، برئاسة الزعيم المؤقت للبلاد، المقدم دومبويا".

وذلك عن طريق شركة (Guinea Business Limited) برئاسة إبراهيم ساكو، والتي تستعين بمشورة شركة الأمن السيبراني الإسرائيلية في غينيا. 

ولا يمكن إغفال أن (Kaymera) تأسست على يد آفي روزين، المقرب من الموساد، والذي يدير أيضا شركة الاستخبارات السيبرانية الإسرائيلية (Blue Ocean).

وهو الوضع الذي ينطبق على أمري لافي مؤسس مجموعة NSO ، وشاليف هوليو، فكلاهما على صلة وثيقة بالموساد، وقد نفذوا جميعا إلى غينيا لتقديم الخدمات السيبرانية، ولإقامة شبكة معلوماتية قوية، بحسب ما أوردته "إنتيليجنس أونلاين".

ولا يقف الأمر عند ذلك حيث تعمل شركة الأمن السيبراني الإسرائيلية المتواجدة في غينيا في مجال الهاتف المحمول، وتقدم عطاءات لتزويد نظام التشغيل الخاص بها (Kaymera OS) إلى مكتب الرئيس الغيني نفسه.

بالإضافة إلى توفيرها لأنظمة التشفير، حيث يوفر النظام المثبت في هواتف أندرويد، الحماية ضد الهجمات عبر شبكة المشغلين SS7 .

لكن أخطر ما تفعله تلك الآلية إمكانيتها الفائقة في تحديد المواقع الجغرافية للهواتف، كما توفر الحماية ضد أحصنة طروادة وأنواع أخرى من برامج التجسس.

 كما تقدم أيضا تطبيق مراسلة مشفر من طرف إلى طرف مثل سيجنال، ويعد نظام القيادة والتحكم (Kaymera 360)  الخاص بالشركة، والمستخدم لمراقبة وحماية مجموعة من الأجهزة في وقت متزامن، من أهم أدواتها.

وجميع تلك الإمكانيات تمثل خطرا على الأمن القومي للدولة الغينية، وحجر ثقل لأجهزة الأمن الإسرائيلية في تلك المنطقة. 

دمبويا وإسرائيل

والسؤال الذي يطرح نفسه أمام ذلك التوغل، لماذا يسمح الرئيس الغيني ممادي دمبويا بتوغل على هذه الشاكلة؟

الأمر يعود إلى 5 سبتمبر/ أيلول 2021، عندما نفذ دومبويا قائد القوات الخاصة، وهي وحدة للنخبة في جيش غينيا انقلابا عسكريا على الرئيس ألفا كوندي، واعتقل الأخير.

حينها ذكرت التقارير الدولية، ومنها "وكالة الأناضول" التركية الرسمية، أن دومبويا الذي انقلب على رئيسه هو صناعة فرنسية، واستمد جميع أفكاره العسكرية وتدريباته من خلال مسيرته مع الجيش الفرنسي.

وأن لديه 15 عاما من الخبرة مع الجيش الفرنسي، لكن الأهم أن باريس أرسلته بشكل خاص إلى إسرائيل، لتلقي تدريبات متخصصة، بصفته خبيرا في إدارة الدفاع والقيادة الإستراتيجية.

وهو ما يفسر بوضوح قرب الجنرال الغيني من الأجهزة الأمنية والعسكرية الإسرائيلية، وأسباب تسهيل إجراءات شركات الاحتلال داخل أراضي الدولة الإفريقية

ليس هذا فحسب ففي 7 مايو/ آيار 2023، نشر مركز "حضارات للدراسات السياسية والإنسانية" تقريرها عن نفوذ الشركات الأمنية الإسرائيلية في غينينا. 

وذكر أن شركة (Sparta Security Solutions) الإسرائيلية تقوم بتدريب الوحدات الخاصة للجيش الغيني في قواعد تدريب عسكرية خاصة.

وأفادت أن الرئيس دمبويا زار قاعدة تدريب للوحدات الخاصة في العاصمة كوناكري، في ظل تواجد أفراد إسرائيليين يرتدون ملابس عليها شعارات شركة سبارتا وعلم دولة الاحتلال، حيث شوهد حوالي 200 مقاتل و 12 مدربا، يعملون في القاعدة. 

الدوافع الإسرائيلية

التوجهات الإسرائيلية نحو غينيا وتوطيد العلاقة بأنظمة الحكم هناك، ناجمة عن دوافع مختلفة سواء بتزكية القوة الناعمة والنفوذ أو الدوافع الاقتصادية البحتة. 

خاصة وأن غينيا تتمتع بمواردها الطبيعية الهائلة، ورغم ذلك هي واحدة من أفقر البلدان في القارة الإفريقية. ولا يزال يتعين عليها الاستفادة بالكامل من احتياطيات خام الحديد الموجودة لديها في جبال سيماندو.

حتى إن رجال الأعمال الإسرائيليين سبقوا الحكومة للاستفادة من ثروات غينيا، وهناك قضية الرشوة الشهيرة التي وقعت عام 2016، واتهم فيها قطب المناجم والألماس الإسرائيلي بيني شتاينميتز، بدفع ملايين الدولارات كرشوات لحكومة غينيا مقابل تقديم مصالحه التجارية في البلاد.

وتدور القضية حول شراء شركة شتاينميتز (BSGR)، منجم حديد في غينيا، صرفت عليه 165 مليون دولار كنفقات استكشاف، وباعت نصفه بعد عدة سنوات مقابل 2.5 مليار دولار، كدلالة فاضحة لما يفعله أقطاب المال والأعمال الإسرائيليون هناك.

وتمثل غينيا أهمية أخرى لإسرائيل، لكونها أحد أعضاء مجموعة (الإيكواس)، وهي المجموعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا، والتي تضم حاليا (بنين- بوركينا فاسو- الرأس الأخضر- غامبيا- غانا- غينيا- غينيا بيساو- ساحل العاج، ليبيريا- مالي- النيجر- نيجيريا، السنغال، سيراليون وتوغو).

ويمثل مجموع سكان الإيكواس، قرابة 385 مليون نسمة، وتسعى إسرائيل للتواصل والاستفادة القصوى من هذه المجموعة المؤثرة والصاعدة في القارة السمراء. 

خلفية تاريخية

وفي سبتمبر/ أيلول 2017، صرح المدير العام لوزارة الخارجية الإسرائيلية (آنذاك) يوفال روتم، لصحيفة تايمز العبرية، قائلا: "إن الرحلة إلى إفريقيا طويلة، وسوف يستغرق الأمر بضع سنوات، وأنها تتطلب منا الاستثمار والمثابرة، وعلى طول الطريق، ستكون هناك عقبات، لكننا سوف نتغلب عليها".

وكانت غينيا في حد ذاتها من أكبر عقبات إسرائيل في إفريقيا، وذلك في عهد الرئيس الغيني أحمد سيكو توري، الذي حكم البلاد من عام 1958 إلى 1984، وهو الذي أمر بقطع العلاقات مع إسرائيل تماما كرد فعل على نكسة 5 يونيو 1967. 

وكان يميل إلى مصر والدول الإسلامية، وهو نفسه كتب تفسيرا بسيطا لسورة الفاتحة وكتب كتابا بعنوان "الإسلام دين الجماعة".

ودعم علاقاته بالدول العربية والإسلامية وقام بزيارة رسمية لمصر منح خلالها الدكتوراه الفخرية من جامعة الأزهر الشريف وازدهرت الدعوة الإسلامية في ربوع غينيا التي يدين أكثر من 95 بالمئة من سكانها بالإسلام علي المذهب المالكي.

ومن قوة علاقته بمصر، فإن القاهرة أقرضته عام 1960، مبلغ 6 ملايين دولار لتعميق ميناء كوناكري. 

لكن التحول وقع بوفاة سيكو توري، ثم الانقلاب العسكري الذي قام به الجنرال "لانسانا كونتي" في 3 أبريل 1984، وقام بتشكيل مجلس أعلى للإصلاح الوطني، كان جله من العسكريين. 

حينها بدأت إسرائيل لأول مرة اختراق المجال الغيني، وكثفت أنشطتها بالعسكريين الانقلابيين الغينيين، وتواصلت بشكل غير مباشر، لأن الشعب الغيني لم يكن يزل تحت تأثير حكم سيكو توري، وبصفته شعبا مسلما، كان سيرفض إقامة أي نوع من العلاقات مع الاحتلال. 

لكن مع تراجع قوة مصر الإقليمية، وانحسار النفوذ العربي في إفريقيا، ملأت إسرائيل الفراغ.