"مقطع الوعيد".. ما سر انزعاج الحكومة الفرنسية من النشيد الوطني الجزائري؟

قسم الترجمة | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

سلط موقع بريطاني الضوء على الجدل الدائر بين فرنسا والجزائر بسبب مقطع في النشيد الوطني الجزائري، تعده فرنسا معاديا لها.

وذكر موقع "ميدل إيست آي" في نسخته الفرنسية، أن الحكومة الفرنسية عبرت عن استيائها من موقف السلطات الجزائرية على خلفية تمسكها بـ"مقطع الوعيد" في نشيدها الوطني.

وفي 21 مايو/ آيار 2023 وقع الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون مرسوما يعدل ويتمم المرسوم رقم 86-45 المؤرخ في 11 مارس/ آذار 1986 والذي يحدد ظروف أداء النشيد الوطني، ويترك صلاحية قراءته كاملا أو مختصرا بيد السلطات.

وردا على سؤال بشأن المرسوم الجزائري، قالت وزيرة الخارجية الفرنسية كاثرين كولونا، إن هذا "النشيد قد تجاوزه الزمن، ..، لقد كُتب عام 1956 في سياق وظرف الاستعمار والحرب، ويتضمن كلمات قوية تعني فرنسا".

وكانت الوزيرة تشير إلى المقطع الثالث من النشيد الجزائري الذي يقول: "يا فرنسا قد مضى وقت العتاب، وطويناه كما يطوى الكتاب، يا فرنسا إن ذا يوم الحساب فاستعدي وخذي منا الجواب".

والنشيد الوطني الجزائري "قسما"، كتبه الشاعر الراحل مفدي زكريا داخل زنزانته خلال فترة الثورة التحريرية (1954/1962)، وتم اعتماده نشيدا رسميا للدولة بعد الاستقلال عام 1962، ويتضمن 5 مقاطع.

قضية حساسة

وقال الموقع البريطاني إنه إذا كانت هناك حاجة لتوضيح كيفية تأجيج القضايا الحساسة بين فرنسا والجزائر، وكيفية عمل وسائل الإعلام والسياسيين من الجانبين على إبقائها مشتعلة دائما، فإن الأحداث الحالية تقدم مثالا جليا على ذلك.

وأوضح أن النشيد الوطني الجزائري يعزف بشكلين، الأول يكون بكل أبياته كاملا، أما الحالة الثانية فيُعزف فيها "بشكل جزئي" وذلك يعني فقط أول فقرة.

ويكمن الجدل حول الفقرة الثالثة من النشيد الوطني الجزائري التي تقول: "يا فرنسا قد مضى وقت العتاب، وطويناه كما يطوى الكتاب، يا فرنسا إن ذا يوم الحساب، فاستعدي وخذي منا الجواب".

لكن وسائل الإعلام الفرنسية، قرأت المرسوم الجزائري الجديد بصورة مغايرة.

فعلى سبيل المثال قالت مجلة "فالور أكتويل": "يا فرنسا إن ذا يوم الحساب"، هذا المقطع الذي كان في طي النسيان، قد يُعزف الآن خلال زيارة رسمية للرئيس الفرنسي إلى الجزائر".

وفي الوقت نفسه، تزايدت المطالب من قبل السياسيين الفرنسيين من اليمين واليمين المتطرف بشأن موضوع آخر مثير للجدل، وهو إعادة النظر في اتفاقية الهجرة لعام 1968، التي تمنح -على الورق- مزايا للجزائريين الراغبين في الاستقرار في فرنسا.

بدوره، قال وزير الاتصال الجزائري السابق عبد العزيز الرهابي، إن "الأناشيد الوطنية تعد رموزا بين الأمم منذ القرن الثامن عشر، وتجسد تاريخ البلدان، وبالمثل، تشير العديد من الأناشيد الوطنية إلى العدو الذي كان في الماضي، وتعكس الروح الوطنية للشعوب".

وفي لقاء مع صحيفة "لوفيغارو" الفرنسية، قال السفير الفرنسي السابق في الجزائر، كزافييه درينكور، إنه "بناء على نص المرسوم الصادر أخيرا، فإن النشيد الجزائري سيُعزَف بالكامل في "الاحتفالات الرسمية بحضور رئيس الجمهورية".

"بالإضافة إلى ذلك، سيُعزف أيضا خلال زيارات رؤساء الدول، وهذا يتطلب، على سبيل المثال، عزفه بالكامل خلال زيارات الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون"، وفق درينكور.

وأضاف المسؤول الفرنسي السابق: "يمكن أن نتصور أنه عندما زار الرئيس الفرنسي العاصمة الجزائرية في أواخر أغسطس/ آب 2023، كان يمكن أن يُعزف النشيد الوطني الفرنسي "لامارسييز"، ويليه النشيد الوطني الجزائري "قسمًا"، والذي يستهدف البلد الذي تستضيف الجزائر رئيسه!"

"سيناريو كارثي"

ويرى درينكور أن هذا "السيناريو كارثي ولكنه غير ممكن، حيث أن كلا من المرسوم السابق والجديد ينص على أن الزيارات الرسمية لرؤساء الدول أو ما يماثلهم، تتضمن عزف النشيد الوطني الجزائري في صيغته المختصرة"، في إشارة إلى المادة رقم 4 من المرسوم.

أما التغيير الوحيد في المرسوم -وفق الموقع- فيتعلق بعزف النشيد الوطني الجزائري خلال الاحتفالات الرسمية، التي يحضرها الرئيس الجزائري.

حيث أوضح المرسوم السابق الصادر عام 1986، أن النشيد الوطني يُعزف في هذه الحالة بصيغته المختصرة، بينما يؤكد المرسوم الجديد عزف النشيد بالكامل، وهذا يشمل الأبيات المتعلقة بفرنسا، وفق الموقع.

"وفيما يتعلق بالاختلاف بين الاحتفالات والمراسم، فإن الأولى تكون أكثر رسمية وتشمل الاحتفالات الوطنية مثل ذكرى اندلاع حرب الاستقلال في 1 نوفمبر/ تشرين الثاني 1954، والاحتفال بالذكرى السنوية للاستقلال في 5 يوليو/ تموز"، وفق الموقع.

"كذلك تعبر الاحتفالات عن رمزية أعمق للنضال من أجل تحرير البلاد، بالمقارنة مع المراسم الرسمية الأخرى مثل حفلات الافتتاح وتوزيع الجوائز، وخلافه"، حسب الموقع.

وأضاف ميدل إيست آي أنه "بينما لم يعبّر المسؤولون الفرنسيون في بيان عن موقفهم من هذا الأمر، مثلما لم يفعلوا أيضا فيما يخص إعادة النظر في اتفاقية عام 1968، إلا أن وزيرة الخارجية الفرنسية، كاثرين كولونا، أدلت أخيرا بتصريحات حول الأمر".

ووصفت الوزيرة الفرنسية هذا المقطع الذي يتحدث عن فرنسا في النشيد الوطني الجزائري بأنه "عفا عليه الزمن".

وأبدت "كولونا" استغرابها من قرار السلطات الجزائرية في هذا الوقت، لإحياء النقاش مجددا حول المقطع المثير للجدل في فرنسا، لكونه يعود إلى مرحلة عفا عليها الزمن، تختلف عن الوضع الحالي الذي يتقارب فيه الرئيسان تبون وماكرون.

وفي سياق الحس القومي الجزائري المشتعل، وفي ظل تجمُّد العلاقات الثنائية بين باريس والجزائر، وتأجيل زيارة تبون إلى فرنسا حتى فصل الخريف على الأقل، أثارت هذه التصريحات ردود فعل متتابعة من الجانب الآخر من البحر الأبيض المتوسط، الجزائر.

تصريحات استفزازية

بدوره، انتقد الوزير والسفير الجزائري الأسبق عبد العزيز رحابي، تصريح كولونا، واصفا إياه بـ"غير المقبول"، مؤكدا أن هذا التصريح يتناقض مع السعي خلف تحسين العلاقات مع الجزائر.

وأضاف رحابي أن تصريحات الوزيرة الفرنسية "تشجع النقاش في فرنسا حول قانون الهجرة، والمواقف الدبلوماسية الجزائرية بشأن أوكرانيا ومجموعة البريكس"، في إشارة إلى الموضوعات التي تُنتقد عليها الجزائر في الداخل الفرنسي.

وأردف أنه "من الصادم سماع [كولونا] تعبر عن رغبتها في نسج أفضل العلاقات مع الجزائر، وفي الوقت نفسه تشكك في القرار السيادي للبلاد 'بتوسيع استخدام' النشيد الوطني في الظروف والشروط التي تختارها الحكومة الجزائرية".

من جانبه، قال عبد الوهاب يعقوبي، عضو لجنة الشؤون الخارجية في البرلمان الجزائري، النائب عن الجالية الجزائرية في فرنسا، إن "النشيد الوطني الجزائري رمز تاريخي للأمة الجزائرية وهو مسألة سيادية للجزائر، لا يحق سياسيا لأي جهة التعليق على المسائل السيادية للجزائر".

وأشار يعقوبي إلى أنه "يتعين على الجانب الفرنسي احترام القرار الجزائري، هناك ماض مؤلم بين البلدين ويعبر النشيد عن جزء منه، وهذا الألم ما زال  مستمرا حتى الآن".

كذلك، وصفت "حركة البناء الوطني"، المشاركة في الائتلاف الحكومي بالجزائر، تصريحات كولونا بأنها "استفزازية، وغير مقبولة، وتشكل خرقا صارخا للأعراف الدبلوماسية المتعارف عليها".

وقالت الحركة إن "هذه النبرة الاستعلائية المردودة، وما تحمله مضامينها من محاولة المساس بسيادة القرار الوطني... تأتي في توقيت زمني يتّسم بالتوتر المقصود تدفع به الحملة العدائية المضللة التي تقودها بعض النخب والكيانات السياسية الفرنسية على الجزائر".