"ورطة السيسي".. لماذا حجبت مصر اسم شهيد "العوجة" وسلحته ببندقية متهالكة؟

إسماعيل يوسف | منذ عام واحد

12

طباعة

مشاركة

ثلاثة ألغاز كشفت عنها "عملية العوجة" التي نفذها الجندي المصري الشهيد محمد صلاح إبراهيم، في 3 يونيو/حزيران 2023 وقتل خلالها ثلاثة جنود إسرائيليين وأصاب اثنين آخرين بينهما ضابط.

اللغز الأول، تكتم سلطات مصر على اسم وتفاصيل الجندي الشهيد وعدم تحمسها لاستعادة جثمانه ودفنه في مصر، رغم إعلان إسرائيل أسماء قتلاها ودفنهم.

بينما نشر التلفزيون الرسمي الإسرائيلي اسم الجندي المصري وصورته، ما يعتقد أنه سيحرج النظام المصري الذي اضطر لاستلام جثمان صلاح في 4 يونيو 2023.

رمز للشباب

ولم تحتج مصر على صورة الجندي بعد قتله وتجريد جنود الاحتلال من ملابسه وتصويره شبه عار مدرجا في دمائه، رغم أن هذا يسيء لصورة الجيش المصري، وبدا الأمر كأن النظام يتبرأ منه.

جاء ذلك بعدما وصفته إسرائيل بأنه "مخرب" و"إرهابي"، و"لم تستبعد ميوله الجهادية"، وفق صحيفة "يديعوت أحرونوت" العبرية في 5 يونيو/حزيران 2023، ومطالبتها القاهرة بفحص ملفه واستجواب زملائه لمعرفة "توجهاته الدينية".

ووصفت صحف عبرية الجندي بأنه "استشهادي" أو "ذئب منفرد"، بدعوى أنهم عثروا معه على نسخة من القرآن الكريم، وتم رصده وهو يصلي قبل العملية، وهو ما يعدونه "علامة على تطرفه".

وزعمت "يديعوت أحرونوت" في 4 يونيو/حزيران 2023 أن "الجيش الإسرائيلي يفترض أن المجند المصري ذئب منفرد"، وأنه "تحرك للهجوم بدافع ديني وجهادي".

وأكدت وكالة "رويترز" البريطانية في 4 يونيو 2023 أن "محققين مصريين يستجوبون عائلة وزملاء الجندي، وما إذا كان مرتبطا بجماعة سياسية أو دينية أو مريضا عقليا".

ورغم التعتيم الرسمي المصري، بدأ زملاء وأقارب الجندي الشهيد محمد صلاح تسريب اسمه وصوره عبر مواقع التواصل الاجتماعي.

اللغز الثاني، رفض الجيش المصري وصف الجندي بـ"الشهيد" وقول المتحدث العسكري أنه "توفي" برغم أن عقيدة الجيش تصف كل قتلاه، وخاصة العاملين في سيناء من الجنود بأنهم "شهداء".

ورأى محللون ونشطاء مصريون أن الهدف من وراء ذلك هو عدم تحويله إلى بطل شعبي، مثل الجنديين المصريين السابقين؛ سليمان خاطر وأيمن حسن اللذين قاما بعمليات مشابهة 1985 و1990 وقتلوا 28 إسرائيليا، ومن ثم تلافي تقليد جنود آخرين له على الحدود.

وأكد هذا معلق الشؤون العربية لقناة "كان" الرسمية، روعي كيس، بقوله إن "النظام المصري حرص على خفض الاهتمام بالعملية التي نفذها الجندي المصري وحرص على عدم وصفه بـ"الشهيد" حتى لا يندفع المزيد من الجنود لمحاكاته وتنفيذ عمليات مماثلة، وحتى يحافظ على التعاون الأمني مع إسرائيل".

أيضا قال المساعد السابق لوزير الخارجية المصري، السفير السابق معصوم مرزوق، لموقع "العربي الجديد" في 6 يونيو/حزيران 2023 إن "تل أبيب أكثر حرصا من القاهرة على احتواء أي تداعيات للحادث".

وذلك "منعا لأي ردود فعل قوية على المستوى الشعبي، أو جعل الجندي المصري رمزا بين الشباب، حتى لا يشكل إغراء لأحد بتكرار ما فعله"، وفق قوله.

ورطة السيسي

اللغز الثالث، هي طبيعة السلاح القديم المتهالك الذي كان يحمله الجندي، وهو بندقية روسية قديمة من طراز "كلاشينكوف" AK-74، ومع هذا نجح في هز سلطات الاحتلال كلها بتسليحه الضعيف.

وهو ما طرح تساؤلات بين المصريين، أين صفقات السلاح بمليارات الدولارات التي يشتريها السيسي؟ وكيف يسلح النظام جنود حراسة حدود مصر، بأضعف الأسلحة في مواجهة جنود الاحتلال المدججين بأفضل أنواع الأسلحة؟

ولماذا تتعمد القاهرة توزيع أسلحة قديمة على جنود الجيش الذين يحمون الحدود مقابل تسليح قوات الأمن والجيش داخل العاصمة بأحدث الأسلحة المتطورة لقمع الشعب داخليا وقتل الآلاف منهم في الاحتجاجات؟

وسخر مصريون من ورطة السيسي، بعدما أثبت جيش الاحتلال كفاءة الجندي المصري الشهيد وتخطيطه ببراعة لعملية قتل الإسرائيليين عمدا، رغم سلاحه الضعيف، وفي ظل تغير عقيدة الجيش من الدفاع لـ"البيزنس". 

ووصف المحلل الإسرائيلي عاموس هرئيل بصحيفة "هآرتس" في 5 يونيو/حزيران 2023 حادث الحدود بين إسرائيل ومصر بأنه "الأحدث في سلسلة من إخفاقات الجيش الإسرائيلي استمرت عامين".

قال إن المسؤولين العسكريين والاستخباريين المصريين الذين حضروا للجانب الإسرائيلي للمشاركة في التحقيق حول عملية الجندي "لم يحاولوا ترويج نفس القصة التي طبخها المصريون محليا، والخاصة بأنه كان يطارد مهربي المخدرات".

وأن القادة المصريين الذين حضروا اجتماعات مع كبار المسؤولين العسكريين الإسرائيليين "اعترفوا بمسؤوليتهم عن الحادث"، لكنهم برروا ما جرى بأن "الجندي تصرف بمبادرة منه" على حد علمهم، وليس له شركاء.

وقال: "لا تزال المخابرات المصرية تتحقق مما إذا كان له أي صلة بالناشطين في المنظمات الإرهابية، والتفسير المصري الحالي، هو أن الجندي ربما خضع لعملية تطرف وتصرف من تلقاء نفسه دون إخبار قادته أو أصدقائه بخطته!!".

انهيار عقيدة السيسي

كانت عملية الجندي المصري هي أبرز صفعة يواجهها رئيس النظام السيسي، حيث أظهرت فشل المحاولات المكثفة التي بُذلت عقب انقلاب 3 يوليو/تموز 2013 في تغيير عقيدة الجيش تجاه دولة الاحتلال.

خبراء ومحللون يرون أن "عملية العوجة" التي قام بها الجندي المصري هدمت ليس فقط عقيدة السيسي العسكرية الجديدة وأثبتت أن عملية التضليل وغسيل المخ للجنود والشعب لم تنه كراهيتهم لدولة الاحتلال، أو وصفها بأنها "العدو".

ومنذ تولى السيسي الحكم في مصر عقب انقلاب 2013 وتنصيب نفسه رئيسا منذ عام 2014، حرص على تغيير عقيدة الجيش، حيث أصبح العدو هو "التيار الإسلامي" و"الشعب" لو ثار ضده، وليست إسرائيل هي العدو.

وارتبط هذا بعملية تنشيط غير عادية للتطبيع المصري الإسرائيلي، وصل حد التعاون العسكري في سيناء ومطالبة مصر لإسرائيل بقصف سيناء عدة مرات لمعاونتها في قتل عناصر "تنظيم الدولة"، بدعوى أن قيود اتفاقية "كامب ديفيد" تمنع تحليق الطيران المصري هناك.

وكتب المحلل أوفير وينتر في مركز "معهد بحوث الأمن القومي" في 4 يونيو/حزيران 2023 يؤكد أن "الهجوم الخطير على الحدود المصرية يكشف التهديد الصامت من سيناء"، وأن "السلام لم يمنع الهجمات".

وأوضح أن الهجوم "يلقي بظلال على عقد من التنسيق الأمني ​​والعسكري غير المسبوق"، مشيرا لوصف قائد المنطقة الجنوبية المنطقة (بعد العملية) بأنها "كانت حدود سلام"، أي لم تعد كذلك.

وقال "وينتر" أن الهجوم يُذكر بالمشاكل المزمنة على الحدود المشتركة والطويلة (حوالي 200 كيلومتر) و"كشف عن تهديد جاء من بين قوات الأمن المصرية وبدافع من النزعة الدينية أو القومية".

وأبدي الخبير الصهيوني انزعاجه من وصف الخطاب العام المصري (المعادي لإسرائيل) الجندي على شبكات التواصل الاجتماعي بأنه "بطل"، داعيا نظام السيسي للتصدي لذلك بحزم "لضمان ألا يتم إضفاء الشرعية على ما فعله الجندي، وتصبح مصدر إلهام للآخرين".

وسبق أن أفادت دراسة لمعهد "كارنيغي للشرق الاوسط" 28 فبراير/شباط 2019 حول الجيش المصري أن السيسي سعى لتغيير عقيدته العسكرية لتكون مواجهة الانقلابات التي قد تحدث ضده، ولجعل الجيش أكثر قابلية للعمل مع حلفاء السيسي.

وأكدت الدراسة أن الجيش المصري في عهد السيسي، جري التركيز على اشتغاله بالأنشطة الاقتصادية، والقيام بمهام أمنية ومراقبة الضباط وتقلص الحديث عن إسرائيل كعدو.

أيضا قال السفير الإسرائيلي السابق بالقاهرة حاييم كورن في حوار مع قناة "بي بي سي" البريطانية، 3 مارس/آذار 2016، إن "العقيدة القتالية للجيش (المصري) قد تغيرت من اعتبار إسرائيل عدوا لصديق في محاربة الإرهاب".

أكد أن هذا ما تؤمن به القيادة الحالية (السيسي)، وقال: "العدو الحقيقي لمصر هم الإخوان وليس بلاده"، وأضاف لها "حركة حماس" كعدو خارجيا، زاعما أن "الإرهاب هو التحدي الحقيقي للدولة المصرية".

وأزعج وسائل الإعلام الإسرائيلية اكتشافها أن الجندي المصري البطل محمد صلاح، سبق أن نشر على حسابه علي فيس بوك خلال الحرب على غزة في 2021 منشورا أبدى دعمه لفلسطين تحت هاشتاغ "غزة تحت القصف".

ونشرت قناة "كان" وعدد من الصحف والفضائيات الإسرائيلية عشرات المقالات وساعات البث للحديث عن البطل المصري وعدائه لإسرائيل لتؤكد أنه قام بالعملية عمدا ليقتل الإسرائيليين وليس كما ادعت مصر لمطاردة تجار مخدرات.

وكان هتاف جماهير النادي الأهلي المعتاد "بالروح بالدم نفديك يا فلسطين" خلال مباراة الفريق المصري مع نادي الوداد المغربي في 5 يونيو 2023 مؤشرا آخر على كراهية المصريين للتطبيع ودعمهم الحرب ضد إسرائيل.

وجاء الهتاف بعد عملية الجندي المصري الشهيد التي قتل فيها ثلاثة جنود إسرائيليين لينقل رسالة للنظام بأنه لا سلام مع الاحتلال، وأن محاولته تغيير العقيدة العسكرية لجعل إسرائيل "ليست عدوا" قد فشلت.

سلاح قديم

حرصت وسائل الإعلام الإسرائيلية على نشر صورة لسلاح الجندي المصري الذي نجح بواسطته في وقوف إسرائيل على رجل واحدة، منوهه إلى أنه "سلاح قديم" من طراز كلاشينكوف.

وأوضح خبير عسكري سابق لـ"الاستقلال" أن السلاح الذي كان يحمله الجندي وهو أغلب ما يتم تسليمه للجنود المجندين، بندقية من طراز AK-74، أي منذ 1974، وجرى تطوير نسخ منها في مصر باسم (المعادي 1988). 

وانتقد نشطاء تسليم السلطات المصرية سلاحا متطورا وفتاكا لضباط الشرطة والعمليات الخاصة، مخصصا للشعب المصري بينما يخصصون سلاحا قديما مهترئا للجنود الذين يحرسون الحدود.

أيضا لا تملك قوات حرس الحدود المصرية آليات ثقيلة خلال حراستها للحدود مع إسرائيل، بل تقتصر على سيارات دفع رباعي (جيب) قديمة مر على استخدامها عشرات السنوات.

وتعاني كذلك من ضعف في الخدمات اللوجستية في ظل وجودها في مناطق صحراوية نائية، يصعب التحرك فيها، لذا يجرى تجنيد جنود من محافظات جنوبية في الصعيد من الفقراء للخدمة على الحدود، وسط ظروف معيشية صعبة للغاية.

وتحت عنوان "لماذا لا تستخدم مصر بندقيات متطورة ولماذا تحتفظ بـ AK-7؟ أوضح تقرير نشره "المنتدى العربي للدفاع والتسلح"، منذ مطلع نوفمبر 2013 أن الجيش المصري يمتلك بندقيات متطورة.

لكن المنتدى أوضح أنه "لا يتم استخدامها إلا في الوحدات الخاصة البحرية والمظلات"، بينما السلاح المنتشر هو هذه البندقية القديمة التي ظهرت في يد الجندي المصري.

وتساءل المنتدى: لماذا لا يزال الجيش المصري يستخدم الكلاشينكوف الروسي AK-74؟ مبررا ذلك بسهولة استخدامه في جميع الظروف المناخية.

وأوضح أنه تم تطويره وإنتاجه تحت اسم "المعادي" من قبل شركة المعادي لهندسة الصناعات في مصنع 54 في القاهرة، بترخيص من روسيا.

"لكن القديم من هذا السلاح يواجه مشكلة قـوة الارتداد مما يؤدي إلى عدم الدقة"، لكن في النسخ اللاحقة تم تطوير إمكانيات هذه البندقية لبيعها للخارج، وفق المنتدى.

ويقول أستاذ العلوم السياسية الدكتور خليل العناني إن مصر أنفقت ما يقرب من 44 مليار دولار على شراء السلاح خلال العقد الماضي، معظمها جاء بعد استيلاء عبد الفتاح السيسي على السلطة عام 2014. 

ووصف صفقات السلاح التي عقدها مع فرنسا وألمانيا وإيطاليا والولايات المتحدة وروسيا والتي حققت أرقاما قياسية لشركات تصنيع وبيع السلاح في تلك البلدان بأنها "صفقات زادت المصريين فقرا"، في مقاله بموقع "الجزيرة" 15 مايو 2021.

وكشف تقرير مارس/آذار 2023 لـ معهد ستوكهولم لأبحاث السلام الدولي "سيبري" أن مصر والسعودية وقطر من بين أكبر 10 مستوردين للأسلحة في العالم، وكانت مصر في المركز السادس عالميا بنسبة 4.5 بالمئة.

3 قتلوا 31 

جاءت العملية التي نفذها الجندي المصري، قرب معبر العوجة وقتل خلالها ثلاثة جنود إسرائيليين لتعيد تذكير العالم باستمرار مقاومة المصريين للتطبيع رغم مرور 44 عاما على اتفاق السلام.

هذه العملية هي ثالث عملية مقاومة مصرية على مدار 33 عاما منذ 1985 حتى 2023، وخلالها قتل ثلاثة من الجنود المصريين ما مجموعه 31 جنديا ومستوطنا إسرائيليا.

كانت الأولي عام 1985 ونفذها المجند سليمان خاطر، وأدت إلى مقتل 7 إسرائيليين، والثانية عام 1990، ونفذها الجندي أيمن حسن، بعد أن تسلل إلى فلسطين المحتلة وقتل 21 إسرائيليا، والثالث للجندي محمد صلاح وقتل فيها 3 جنود إسرائيليين.

لهذا قال رئيس شعبة الاستخبارات العسكرية السابق اللواء احتياط عاموس يادلين:"لم يتربَّ المصريون على السلام معنا، وعلينا أن نفترض أن نشاطا مسلحا بين الحين والآخر سيخرج ضدنا من جهة هذا الحليف"، بحسب صحف إسرائيلية.

وقال الجنرال عموس يدلين إن "المصريين لم يتثقفوا على السلام معنا لذا نتوقع مزيدا من العمليات على الحدود"، ولكنه دعا للحفاظ على نظام السيسي بصفته "حليفا يجب عدم التفريط بالعلاقة معه"، وفق صحيفة "يديعوت أحرونوت 5 يونيو 2023.

وكان الجندي المصري السابق أيمن محمد حسن محمد أكد أنه فكر وخطط للهجوم العسكري بالأسلحة والذخيرة لقتل أكبر عدد من الضباط والجنود وعلماء مفاعل ديمونة النووي من العسكريين وجيش إسرائيل.

وسبق أن ظهر حسن في لقاء تلفزيوني روى فيه تفاصيل عمليته ضد جنود الاحتلال مؤكدا أنه استعمل 7 خزنات سلاح.

ويتولى جهاز المخابرات الحربية والاستطلاع التابع لوزارة الدفاع المصرية مسؤولية التنسيق مع جيش الاحتلال، على طول الحدود، حيث تتم المتابعة الميدانية من خلال اللقاءات بين ضباط الطرفين على المعابر الحدودية الرسمية.

بينما لا توجد آلية تنسيق بين الجنود الموزعين على عشرات الأبراج والمواقع العسكرية المنتشرة على طول الحدود بين الطرفين، ويتم توجيه التعليمات للأفراد من خلال التواصل بين المخابرات الحربية وقيادة قوات حرس الحدود والجيش.