خلافات متصاعدة.. هل تدور حرب بالوكالة بين محمد بن زايد والسيسي في السودان؟

يبدو أن ثمة خلافات تطورت لحرب بالوكالة تدور بين مصر والإمارات على أرض السودان، حيث تدعم أبو ظبي قائد قوات الدعم السريع حميدتي ضد الجيش النظامي بقيادة عبد الفتاح البرهان الذي تدعمه مصر.
ولعل جانبا من هذه المعركة بدأ يجري على أرض مصر بعدما قررت الإمارات "الانسحاب تماما من أي مشاريع في مصر وتجميد نشاطها"، حسبما كشفت صحيفة "فايننشال تايمز" البريطانية في 28 أبريل/ نيسان 2023.
وحدث ذلك كنوع من العقاب للقاهرة، بعدما زار رئيس الإمارات محمد بن زايد مصر يوم 12 أبريل 2023 قبل حرب السودان بثلاثة أيام ليقنع رئيس النظام المصري عبد الفتاح السيسي بدعم حميدتي، حسبما علق محللون.
لكن "فايننشال تايمز " أشارت إلى أن لقاءً مرتقبا آخر بين السيسي وابن زايد سيجري خلال مايو/ أيار 2023 قد يحسم استمرار تجميد مشاريعها في مصر أو استئنافها.
وهو ما عده مراقبون تأكيدا لما تردد عن أن الزيارة السابقة يوم 12 أبريل كانت للضغط على السيسي، أما الثانية، فهي لتحديد موقفه النهائي من السودان.
مساومة علنية
في ضوء هذه التطورات، يرى محللون أن إشارة "فايننشال تايمز" استئناف استثمارات ومساعدات أبو ظبي إلى القاهرة المعروفة شعبيا بـ"الأرز" بعد لقاء السيسي وابن زايد في مايو يشير لمساومة تتعلق بموقف مصر في السودان كي يتوافق مع دعم الإمارات لحميدتي.
رجحوا أنه لو وافقت مصر على تبني موقف الإمارات في السودان ستعيد أبو ظبي استئناف مشاريعها عبر الصندوق السيادي.
أما لو رفضت مصر أو حافظت على سياسة عدم التدخل التي أعلنها السيسي في اجتماعه مع المجلس العسكري، ودعم الجيش السوداني سرا، فقد تستمر الخلافات ويستمر وقف الاستثمارات الإماراتية.
فالكاتبة "داليا زيادة" الموالية للنظام المصرية كتبت تشير لهذا الأمر في 30 أبريل، مؤكدة أن "مصر تحت ضغوط شديدة من القريب قبل الغريب مستغلين الملف الاقتصادي".
قالت بوضوح إن "الإمارات تمسك مصر من أكبر نقطة ضعف، وأيدينا اللي بتوجعنا"، أي الانهيار الاقتصادي لو لم تدعم الإمارات مصر باستثمارات وتضخ دولارات.
#مصر تحت ضغوط شديدة من القريب قبل الغريب مستغلين الملف الاقتصادي اللي هو مع الأسف أكبر نقطة ضعف في الدولة (أيدينا اللي بتوجعنا يعني)..
— Dalia Ziada - داليا زيادة (@daliaziada) April 30, 2023
نصبوا لنا الفخ ودخلناه بمزاجنا على أمل إنه قد يصلح الحال من جانب أخر، لكن لم يصلح شيء، ده بالعكس الخناق بيشتد، واحنا مش عارفين نخرج منه خلاص. pic.twitter.com/v8ZRjM4ryO
وعن زيارة ابن زايد قبل الحرب بـ3 أيام للقاهرة، قالت إنه طلب من السيسي في الزيارة الخاطفة أن تدعم مصر مليشيات حميدتي أو تتوقف عن شراكتها مع الجيش السوداني الوطني.
فيما بدأ موقع "صدي البلد" الذي يملكه رجل الأعمال الموالي أيضا للنظام المصري محمد أبو العينين يتحدث عن أن الإمارات أكبر مستثمر عربي في مصر وحجم استثماراتها وصل 28 مليار دولار في بداية 2023.
ونقل عن الأمين العام لمجلس الإمارات للمستثمرين بالخارج، جمال بن سيف الجروان أن "حجم الاستثمارات الإماراتية في مصر ارتفع من 20 مليار دولار في 2020، إلى 28 مليارا حتى مطلع 2023"، عقب زيارة ابن زايد إلى مصر في 12 أبريل.
و"حميدتي" رجل الإمارات في السودان، واستقبله ابن زايد في فبراير 2023، وأقرب حليف لحميدتي في أبو ظبي هو نائب الرئيس منصور بن زايد، وفقًا لما أكدته صحيفة نيويورك تايمز الأميركية في 22 أبريل 2023.
حرب بالوكالة
يوم 20 أبريل 2023 حذرت وكالة الأنباء الفرنسية ضمنا من خطر مواجهة محتملة بين الإمارات ومصر في السودان في ظل تحركات أبو ظبي هناك ودعمها لقوات حميدتي وإثيوبيا أيضا في ملف سد النهضة.
وقالت: "يتعدى الصراع في السودان الزعيمين البرهان وحميدتي إلى حلفاء في المنطقة والعالم، والوضع الحالي يتيح لدولة الإمارات الاحتفاظ بنفوذها، خاصة عبر حليفها حميدتي الذي يشعر بالتهديد من مصر".
فيما أكد موقع "إمارات ليكس" المعارض في 25 أبريل، أن توقف استثمارات الإمارات في مصر جاء كرد إماراتي عنيف على إفشال مصر دور حميدتي الذي تدعمه ومساندة الجيش المصري لنظيره السوداني.
أيضا قالت إذاعة فرنسا الدولية (RFI) في 26 أبريل، إن صراعا مُتسترا يدور بين مصر والإمارات في السودان بسبب تضارب المصالح في السودان، وأن مصالح القاهرة وأبو ظبي والرياض تعقد الصراع بين الجنرالات.
وذكرت أن كل دولة تعمل من أجل دعم أحد الطرفين المتحاربين وفقا لمصالحها "غير أن العلاقة بين مصر والإمارات معقدة الآن، وتعمل كل دولة الآن خلف الكواليس من أجل دعم أحد الطرفين المتحاربين وفقا لمصالحها".
وقالت الإذاعة إن "أسوأ كابوس للقاهرة اليوم هو رؤية السيناريو الليبي يعيد نفسه في السودان كما أنها تواجه معضلة أن وصول قوات الجنرال حميدتي إلى السلطة قد يتعارض مع مصالح مصر في السودان".
يوم 19 أبريل 2023 قالت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأميركية أيضا، إن أبو ظبي والقاهرة تتواجهان في السودان من خلال دعم طرفي الحرب، حيث تقدم أبو ظبي الدعم لمليشيا الدعم السريع، بينما تقدم القاهرة الدعم للجيش السوداني.
ونقلت عن أشخاص وصفتهم بالمطلعين، أن زعيم المليشيا الليبي القوي خليفة حفتر المدعوم من أبو ظبي، والجيش المصري قدما دعما عسكريا للجنرالين اللذين يتقاتلان في السودان المجاور.
قالوا إن خليفة حفتر، قائد الفصيل الذي يسيطر على شرق ليبيا، أرسل طائرة واحدة على الأقل لنقل الإمدادات العسكرية لقوات الدعم السريع، بينما مصر أرسلت في الوقت نفسه طائرات حربية وطيارين لدعم الجيش السوداني.
وسبق هذا قول الجيش السوداني يوم 18 أبريل 2023 إن حميدتي يحشد قوة كبيرة في قاعدة جوية شمالية "لتأمين هبوط طائرة مساعدات عسكرية من جهات إقليمية".
فيما أكدت صحيفة الغارديان البريطانية في 23 أبريل، أن "حفتر يرسل الشاحنات التي تحمل النفط إلى جانب شحنات صغيرة من الذخيرة والأسلحة والأدوية إلى قوات الدعم السريع السودانية" بطلب من الإمارات.
وأوضحت أن "مصر قصفت سرا معسكرات حميدتي وأضعفت دعم الإمارات له، عبر خليفة حفتر، الذي أبلغ حميدتي بتحرك الجيش بقيادة البرهان ضده في البداية".
وشددت الصحيفة على أن "دعم الإمارات لحفتر وحميدتي هو جزء من المنافسة في الشرق الأوسط والمكاسب المالية".
وقبل زيارة بن زايد لمصر يوم 12 أبريل، سبقه نجل خليفة حفتر إلي السودان والتقي حميدتي ما أثار تساؤلات حول أهداف الزيارة وعلاقتها بالحرب التي اندلعت ودور الإمارات، ومحاولات تكبيل دور مصر هناك.
مصر بلا هيبة
مؤشر آخر للمواجهة المصرية الإماراتية على النفوذ في السودان، ظهر خلال قصة عودة جنود وضباط مصر الـ204 من السودان، والذين أحرجت الإمارات مصر بإظهار أن الأمر تم بواسطتها لا بواسطة الجيش المصري، وبطلب منها لحميدتي.
وذكرت مصادر مصرية مطلعة لـ"الاستقلال" أن هناك كواليس عدة غير معلنة لعملية إطلاق سراح الجنود والضباط الذين كانوا في السودان، خاصة الـ27 الذين احتجزتهم قوات حميدتي في مطار مروي شمالي السوداني.
تحدثت المصادر عن خلاف مصري إماراتي ضمني بسبب تعمد أبو ظبي إحراج القاهرة بنص بيان خارجيتها أنها هي التي قامت بـ"وساطة" لإطلاق الجنود المصريين بينما لم تذكر الخارجية المصرية كلمة "وساطة".
وقالت إن حرص القاهرة على تجاهل الحديث عن دور وساطة الإمارات أو الصليب الأحمر الدولي جاء لحفظ ماء الوجه، إذ أن إبراز "الوساطة" الإماراتية يهدم هيبة وصورة الجيش والنظام في مصر، كما أن إبراز دور الصليب الأحمر يعني أن الجنود كانوا "أسرى".
هذا الخلاف حول كلمة "وساطة" ظهر في بياني خارجية مصر والإمارات، رغم أنه بيان مشترك، حيث ذكر بيان خارجية أبو ظبي أن "دولة الإمارات تنجح في وساطة تأمين سلامة الجنود المصريين في السودان".
بينما تحدث بيان الخارجية المصرية عن "نجاح جهود تأمين سلامة باقي الجنود المصريين في السودان" دون الإشارة للوساطة الإماراتية مكتفيا بالحديث عن "التنسيق والتعاون مع دولة الإمارات"، دون ذكر كلمة "وساطة".
فيما تجاهل بيان الجيش المصري تماما ذكر اسم الإمارات والحديث فقط عن أن "تأمين وصول باقي عناصر القوات المسلحة المصرية لمقر السفارة المصرية، تم بالتنسيق مع الجهات السودانية المعنية والدول الصديقة والشقيقة واللجنة الدولية للصليب الأحمر بالسودان".
وكانت اللجان الإلكترونية التابعة للنظام في مصر قد حرصت على الترويج لرواية تظهر أن القوات الخاصة التابعة للمخابرات العامة المصري هي التي أنقذت جنود مصر، خاصة المجموعة التي تضم 27 جندي من يد قوات حميدتي.
وذلك في عملية غامضة، لم تشر اللجان لتفاصيلها، أثناء نقلهم من مروي للخرطوم ثم سلمتهم للسفارة المصرية هناك لحين تدبير عودتهم لمصر، رغم أن الجنود تم تسلميهم عبر الصليب الأحمر كما نشرت مواقع سودانية ووصفتهم بأنهم "أسرى".
وكتب الصحفي لؤي الخطيب أحد النشطاء العاملين باللجان الإلكترونية المصرية تفاصيل ما زعم أنها "العملية صقر 204" لتحرير الجنود المصريين، ما أثار سخرية مواقع التواصل التي تحدثت عن توقعها مسلسلا دراميا جديدا باسم "الاختيار 4".
زعم أن القوات التي كانت في قاعدة مروي العسكرية وعددها 204 نجح 177 منهم في أن يجلوا أنفسهم بأنفسهم، بينما "احتجزت" مليشيات حميدتي الـ27 الآخرين داخل القاعدة.
تحدث عن تشكيل غرفة عمليات بقيادة عبد الفتاح السيسي، مكونة من: جهاز المخابرات العامة والقوات المسلحة ووزارة الخارجية.
كما زعم "تحرك" قوات العمليات الخاصة المعروفة بـ"GIS" التابعة للمخابرات العامة مع المخابرات الحربية للسودان "لتنفيذ تكليفات القائد الأعلى للقوات المسلحة، وإعادة العناصر المصرية سالمة، وفورا".
ووصف الصحفي المصري جمال سلطان، هذه الرواية المخابراتية التي وزعت على صحفيي اللجان بأنها "بسبب العار الذي لحق بالنظام كله جراء أسر الجنود على يد ميليشيات حميدتي في السودان".
قال إن سبب "تسويق روايات خرافية عن عمليات عسكرية خيالية خطط لها الجنرال لإنقاذ الجنود" هو "ظهور السيسي في مشهد العاجز الضعيف الخائف قليل الحيلة، ينتظر تدخل الإمارات لإنقاذ ماء وجهه هناك".
أجهزة السيسي ولجانهم الالكترونية مسهم الجنون خلال اليومين الماضيين بسبب العار الذي لحق بالنظام كله جراء أسر الجنود على يد ميليشيات حميدتي في السودان ، وظهور الجنرال في مشهد العاجز الضعيف الخائف قليل الحيلة، ينتظر تدخل الإمارات لإنقاذ ماء وجهه هناك، انتشرت حالة من الهوس خارج حدود…
— جمال سلطان (@GamalSultan1) April 21, 2023
المصادر
- Egypt struggles to lure Gulf buyers in state asset sell-off
- Libyan Militia and Egypt’s Military Back Opposite Sides in Sudan Conflict
- السودان: روسيا، إيطاليا، إسرائيل، مصر... من هم حلفاء البرهان وحميدتي؟
- Soudan: pourquoi les intérêts du Caire, Abou Dhabi et Riyad compliquent le conflit entre généraux
- Libyan warlord could plunge Sudan into a drawn-out ‘nightmare’ conflict