آخرهم الشيخ "الباني".. لماذا تفّرغ مليشيات الإمارات اليمن من علمائه؟

إسماعيل يوسف | منذ عام واحد

12

طباعة

مشاركة

في أول أيام عيد الفطر المبارك الموافق 21 أبريل/ نيسان 2023، وقف الشيخ عبد الله الباني في مديرية "بيحان" بمحافظة شبوة وسط اليمن، خطيبا لصلاة العيد كما هو معتاد سنويا، وبعدما انتهى من الخطبة قتله مسلحون بالرصاص بدم بارد.

المسلحون التابعون لمليشيا موالية للإمارات، اعترضوا سيارة الشيخ "الباني" أثناء عودته إلى المنزل بعد صلاة العيد، وأطلقوا عليه وابلا من الرصاص، ما أدى إلى مقتله على الفور وإصابة آخرين من حراسته وعدد من أبنائه الذين كانوا معه في نفس السيارة.

والشيخ الباني يشغل منصب مدير عام مكتب الصحة العامة والسكان في مديرية بيحان بشبوة التي يسيطر عليها المجلس الانتقالي الجنوبي الموالي للإمارات، إلى جانب عضويته في حزب "التجمع اليمني للإصلاح" (أكبر حزب إسلامي باليمن).

جريمة بشعة

وفي نفس اليوم، نعى حزب "التجمع اليمني للإصلاح" بشبوة، في بيان، الشيخ الفقيد، مؤكدا أنه "تم تصفيته من قبل عناصر إجرامية رغم كونه مقاوما للمليشيا الحوثية".

وأضاف أن "هذه الجريمة البشعة شكلت صدمة لكل أبناء شبوة ولكل ضمير حي وحولت فرحة العيد إلى حزن عميق بعد  أن تم قتل شخصية وطنية ورمز من رموز المجتمع في مديرية بيحان والمحافظة".

وخلال اتصال هاتفي مع محافظ شبوة عوض العولقي، طالب رئيس مجلس القيادة الرئاسي في اليمن رشاد العليمي، بالكشف عن ملابسات عملية الاغتيال وضبط الجناة وإحالتهم إلى المحاكمة، وفقا لوكالة أنباء "سبأ" الرسمية.

وأعرب العليمي في اليوم ذاته عن تعازيه لعائلة الشيخ الباني، وحث "سلطات شبوة والأجهزة الأمنية على مواصلة جهودها الحثيثة من أجل وحدة الصف، واستتباب الأمن والاستقرار، وتحسين الخدمات".

وسبق أن قتلت المليشيات الموالية للإمارات شيوخا وشخصيات سياسية محسوبة على حزب الإصلاح في شبوة وعموم اليمن لتصديهم لنفوذها وهيمنتها في المناطق النفطية مثل شبوة.

وضمن مشروعها "الانفصالي" في جنوب اليمن، تحرض الإمارات المرتزقة الموالين لها (دفاع شبوة وألوية العمالقة) و"المجلس الانتقالي الجنوبي" الانفصالي ضد الإسلاميين بشكل مستمر.

من بينها اغتيال "محمد الشجينة" مدير فرع جمعية الإصلاح الاجتماعي الخيرية بعدن بعد ساعات من اختطافه من أمام منزله يوم 2 أكتوبر/ تشرين الأول 2018. 

ومحاولة اغتيال الدكتور "عارف أحمد علي" القيادي في التجمع اليمني للإصلاح بمحافظة عدن في 31 يوليو/ تموز 2018، من خلال وضع عبوة ناسفة بسيارته فأصيب وبترت قدم ولده أحمد الذي كان معه.

واغتيال القيادي في حزب الإصلاح بعدن، الشهيد بلال منصور الميسري الذي قتل أمام منزله يوليو/ تموز 2021.

ماذا جرى؟

وعن ملابسات اغتيال الشيخ عبد الله الباني، قال الصحفي اليمني "أنيس منصور"، إنه صدرت توجيهات من مكتب أوقاف المحافظة بتكليف مدير مكتب الأوقاف بمديرية بيحان (من السلفية الجامية) للخطابة نيابة عن الشيخ الباني في مصلى المطار (الذي كان خطيبا فيه لأكثر من عشرين عاما).

وأوضح في منشور عبر تويتر، أن قرار مكتب أوقاف المحافظة كان مخالفا لقرار وزير الأوقاف الذي وجه بمنع أي تغييرات للأئمة والخطباء، لذا رأى "الباني" أن توجيه مدير أوقاف المحافظة مخالف ومصادم لقرار الوزير، وذهب لإمامة صلاة العيد.

واستعان مدير أوقاف مديرية "بيحان" بقوات "دفاع شبوة" الذين يتواجدون في المديرية فأرسلوا مدرعة وطقمين إلى ساحة المصلى، لمنع الشيخ الباني من الخطابة.

ثم وصل الشيخ الباني مع أولاده وأسرته إلى مصلى العيد للصلاة كعادته، وجلس في موقع إمام المصلى وبدأ بأداء تكبيرات العيد مع الناس، وحاول أحد الجنود الضغط عليه للتوقف عن الرغبة بالخطابة إلا أن الشيخ استمر بالتكبير.

قام الشيخ عبد الله بالصلاة بالناس وأداء خطبتي العيد والسلام والمعايدة عقب الخطبة بصورة طبيعية، وعندما ركب سيارته مع مرافقيه متوجها للخروج من المصلى، اعترضت المدرعة طريقه ومنعته من الخروج.

رغم أنه أبدى استعداده للذهاب معهم، بدأت أعيرة الجنود من أسلحتهم تنطلق نحو الشيخ وسيارته والمرافقين، فأصيب الجميع.

ثم تقدم أحد الجنود إلى مكان جلوس الشيخ في السيارة وأفرغ عليه ما تبقى من رصاص سلاحه بصورة مباشرة، ليقتل الشيخ مضرجا بدمائه بما يقارب من ثلاثين طلقة، ثم انصرف الجنود ثكنتهم العسكرية مخلفين قتيلا وستة جرحى (توفي أحدهم لاحقا).

وتم القبض على سبعة متهمين، وفق الصحفي أنيس، و4 فقط وفق صحف يمنية، ممن أطلقوا الرصاص وتم التحفظ عليهم في سجن بيحان المركزي.

والجندي الذي باشر إفراغ مخزن سلاحه على الشيخ مباشرة وتسبب بقتله اعترف أمام لجنة التحقيق.

ولا يزال هناك 15 جنديا ممن شاركوا في إطلاق الرصاص مطلوبين للتحقيق والمثول، لكنهم هربوا.

وقد طلبت السلطات نقل الجنود إلى السجن المركزي بـ "عتق"، إلا أن قائد لواء دفاع شبوة في بيحان رفض تسليم جنوده 

وقد نشر الصحفي "أنيس منصور" صورا لجنود قال بأنهم المتهمين باغتيال الشيخ الباني، وهم من المحسوبين على قوة "دفاع شبوة" التي تعتبر أحد أذرع الإمارات المليشياوية هناك.

من جانبها، اعترفت ما تسمى بـ"قوات دفاع شبوة"، وهي مجاميع مسلحة غير شرعية، بقتل  الباني، بعد أدائه لصلاة وخطبتي العيد في المديرية.

وزعم الناطق باسم اللواء السادس دفاع شبوة، إن الحادث لم يكن مقصودا بل جاء نتيجة اشتباكات بين ضباط وجنود اللواء، وأفراد من حراسة الشيخ الباني، مطالبا بعدم التسرع في الحكم وانتظار تحقيقات اللجنة المكلفة بالتحقيق من قبل المحافظ.

لكن أسرة الشيخ الباني، أصدرت بيانا مقتضبًا بشأن عملية الاغتيال وأكدت أن قوات من دفاع شبوة المرابطة في مصلى المطار ببيحان، قاموا بإطلاق النار على الشهيد بشكل مباشر مشيرة إلى أن الجناة هم "جنود دفاع شبوة اللواء السادس".

وطالبت الأسرة، السلطة المحلية بتسليم قتلة الشيخ، وشددت على تسليمهم للدولة ومحاكمتهم، كما أكدت أنها لن تباشر دفن الجثمان حتى يتم إظهار نتائج التحقيق ومعرفة الجناة وتسليمهم للجهات المختصة.

وأظهرت مقاطع فيديو تم تداولها على مواقع التواصل الاجتماعي، لحظات من خطبة الشيخ الباني أمام المصلين، وهو يدعو إلى التآخي والتحالف والتوحيد بين أبناء الشعب اليمني ضد الحوثي الذي لا يفرق في عدائه بين الفصائل السياسية كافة.

وذلك "بدلاً من الخلاف على فرض خطباء"، كما قال (في إشارة إلى محاولة تعيين خطيباً جديداً للعيد).

ما دور الإمارات؟

بعد اغتيال الخطيب اليمني في مدينة شبوة، كتب ضابط المخابرات الإماراتية "منصور خلفان" على حسابه على تويتر يعترف، ضمنا، أنهم هم من قتلوه.

قال إن "توجيهات محمد بن زايد رئيس الإمارات هي تصفية أي خطيب سروري إخواني في عدن وشبوة وحضرموت"، متابعا: "ما نقبل خطيب الإخوان!".

وتداول ناشطون يمنيون تغريدة ضابط المخابرات الإماراتية بغضب، وحذروا من اغتيالات للأئمة والخطباء في عدن وشبوة وحضرموت بتعليمات محمد بن زايد، وحملوه ما جرى سابقا.

واتهم الصحفي "عبد الرحمن الأهنومي" رئيس تحرير صحيفة "الثورة" اليمنية "المرتزقة" بقتل خطيب العيد في شبوة، "كما قتلوا المئات من قبله في عدن وحضرموت وغيرها"، وفق تعبيره.

قال عبر حسابه على تويتر: "الاحتلال (في إشارة للإمارات) هو من ينفذ هذه الجرائم وإذا لدى أحد رهان بأنه سيكون آمنا في ظل بيادات إماراتية أو سعودية فهو واهم".

أيضا اتهم المحامي عبد الوهاب الخيل، "مرتزقة الإمارات بشبوة بقتل خطيب العيد عبد الله الباني أمام الناس عقب انتهاءه من خطبة العيد، معتبرا ذلك "نتيجة من نتائج فوضى الاحتلال (الإماراتي) وأدواته الرخيصة".

فيما أبدي الحوثيون فرحتهم بقتله لأنه كان يحرض ضدهم كما قالوا، وكتب القيادي، عضو المكتب السياسي لحركة أنصار الله الحوثية "محمد البخيتي" يزعم أن الخطيب القتيل حرض السنة على الشيعة، ثم اشتكي من "المرتزقة" فقتلوه.

من جانبها، حركت الإمارات أبواقها في اليمن للرد على اتهامها بالوقوف وراء اغتيال أئمة الإخوان، حيث أكد الكاتب والباحث السياسي، سعيد عبد الله بكران، الموالي لها، على فيسبوك يتهم المقتول بأنه هو من بدأ المنافسة على المنبر وأحضر مسلحين!.

قال إن "الشيخ عبد الله الباني، حضر إلى مصلى العيد في مديرية بيحان، برفقة مسلحين وذلك بعد أن كسر قرار السلطة المحلية في المحافظة، بأداء خطبة صلاة العيد ولم يسمح للخطيب المعين بقرار رسمي من القيام بوظيفته".

وزعم أن جماعة الإخوان التي ينتمي لها المقتول الباني، "استخدمت الرجل حيا لكسر قرارات السلطة المحلية والاستيلاء على المنابر، واستثمرته حتى بعد موته في ضخ منشورات تأجج من الفتنة في المنطقة".

أطماع إماراتية

تعد محافظة شبوة النفطية محط مطامع إماراتية، حيث إنها من أهم المناطق النفطية في اليمن، ويوجد فيها العديد من حقول النفط، وأيضًا منشأة بلحاف الأكبر في اليمن، والتي توقفت عن التصدير وباتت مقرًّا للقوات الإماراتية.

وقد نجح حزب الإصلاح الإسلامي، بحكم دوره السابق في الحكم، من الوجود في المؤسسات العسكرية والأمنية والخدمية في محافظة شبوة، على حساب حزب المؤتمر (الحاكم سابقا)، و"المجلس الانتقالي الجنوبي".

وحاول الأخير السيطرة على المحافظة خلال السنوات الماضية، لكنه فشل بذلك في ظل المحافظ السابق صالح بن عديو الرافض للتواجد الإماراتي، والذي وقف حجر عثرة أمام مشاريعها في المحافظة. 

لذا كانت إزاحة المحافظ، هي الخطوة الأولى لتسليم المحافظة للإمارات، ، وكانت نتيجة ذلك مواجهات جرت في المحافظة خلال أغسطس/آب 2018.

وأهمية محافظة شبوة العقبة للإمارات أنها تمثل إتمام لمشروعها "الانفصالي" في جنوب اليمن، وأهمية لـ "المجلس الانتقالي الجنوبي"، لفرض سيطرته على المحافظات الجنوبية الشرقية، مثل المهرة وحضرموت.

لذا تثير الإمارات المشكلات هناك وتحرض قوات مرتزقة تابعة لها هي "ألوية العمالقة الجنوبية"، و"قوات دفاع شبوة"، لمحاربة نفوذ حزب الإصلاح هناك، وسبق لها أن قامت بعمليات قصف لقوات يمنية يشارك فيها الحزب.

وهناك خطط للإمارات لانتزاع شبوة من يد الحكومة الشرعية، خاص أنها محافظة نفطية، دفعت محافظ شبوة السابق محمد صالح بن عديو، إلى اتهام الإمارات بـ "خلق مليشيات مناهضة للدولة".

وأقال الرئيس السابق عبدربه منصور هادي، المحافظ "بن عديو" في 25 ديسمبر/كانون الأول 2021، بطلب من الإمارات والسعودية بسبب مواقفه المناهضة لسيطرة القوات الإماراتية على سواحل المحافظة النفطية.

وذلك بعدما تعرض لعملية تشويه واستهداف ممنهجة، واغتيل شقيقه سعيد بن عديو بالرصاص عبر أدوات أبو ظبي لترهيبه.

ويتهم يمنيون، محافظ شبوة الجديد الحالي الذي جلبته ودعمته الإمارات (عوض الوزير العولقي) بأنه تابعا لأبو ظبي وينفذ أجندتها، حيث كان يقيم هناك قبل استقدامه لتولي المحافظة.

وترفض الإمارات إخلاء قواتها من المدينة وخاصة ميناء "بلحاف" الإستراتيجي ومنشآته الغازية، وتسليم المنشأة إلى الحكومة، حتى تتمكن من استئناف العمل فيها، وإنقاذ الوضع الاقتصادي المتدهور في اليمن.

وتعد منشأة "بلحاف" لتصدير الغاز أكبر مشروع استثماري في اليمن، وتقدر تكلفة إنشائه بنحو 5 مليارات دولار، وترفد الاقتصاد اليمني بحوالي 4 مليارات دولار سنويا.

وتساهم في المنشأة شركات دولية ويمنية، أبرزها شركة "توتال" الفرنسية التي تستحوذ على نحو 40 بالمئة من المشروع.

وتشير دراسة لمركز "مالكوم كارنيجي" في 16 مارس/آذار 2023 إلى أن الإمارات بدأت منذ عام 2018 في إعادة ضبط استراتيجيتها، وتعزيز مصالحها بالسيطرة على السواحل اليمنية والممرات الملاحية بهدف "إحباط انتشار الإسلام السياسي"، على حد قوله.

وأوضحت أن الدعم المالي والعسكري من دولة الإمارات للمليشيات المحلية، ولا سيما المجلس الانتقالي الجنوبي، وهو حركة انفصالية ساعدت في إنشائها في عام 2017، منحها نفوذاً كبيراً، لا سيما على المواقع البحرية الأمامية. 

أشارت إلى أن الإمارات أنشأت ودعمت قوات العمالقة وشبوة في محافظة شبوة، وقوات النخبة الحضرمية في محافظة حضرموت، ما أعطى الإمارات فرصة لوضع حلفائها على طول الساحل للسيطرة على الموانئ اليمنية وحقول النفط والغاز ومحطات التصدير.

وفي 10 أغسطس/آب 2022، قام طيران مسير إماراتي بشن غارات على القوات الحكومية التي تضم قوات حزب الإصلاح، لإفساح الطريق أمام سيطرة مليشيات دفاع "شبوة" و"العمالقة" التابعة للمجلس الانتقالي المدعوم إماراتيا.

وجاءت معركة شبوة هذه في إطار تقليص نفوذ أطراف الشرعية السابقة وتحديدا حزب "الإصلاح" والقوات الموالية له، وحزب "المؤتمر" جناح الرئيس السابق عبدربه منصور هادي، لمصلحة أطراف الحكم الجديدة ممثلة في حزب "المؤتمر" جناح عائلة الرئيس الراحل علي عبد الله صالح والمجلس الانتقالي الجنوبي.