نزار الأسعد.. رجل أعمال سوري مشهور بالفساد وجسر بشار الأسد لتجاوز العقوبات

لندن - الاستقلال | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

 نزار الأسعد الملقب بـ"إمبراطور النفط السوري"، من أبرز رجال الأعمال الذين نمت ثرواتهم في سوريا بعدما قرر الرئيس السابق حافظ الأسد تبني عائلات اقتصادية لها وزنها المالي، ضمن تحالف ما يعرف بـ"تزاوج السلطة بالمال".

وأسهمت رعاية نظام الأسد الأب للأسعد المنتمي لعائلة علوية من الطبقة الغنية في توسع استثماراته لتتجاوز مئات الملايين من الدولارات، مستفيدا من التسهيلات الأمنية والمشاريع الحساسة التي كان يتسلمها بالشراكة مع الدائرة الضيقة لعائلة الأسد.

حتى إن البعض بات يسميه نزار الأسد (بحذف حرف العين من كنيته)، وذلك لحجم المشاريع والاستثمارات التي يحصل عليها دون غيره من رجال الأعمال بسوريا.

واستند رأس النظام بشار الأسد على الأسعد عقب اندلاع الثورة السورية في مارس/آذار 2011 في الالتفاف على العقوبات الاقتصادية الغربية، بوصفه أحد حيتان سوريا الاقتصاديين الذين تمكنوا من نقل استثماراتهم للخارج.

وعلى الرغم من أن الأسعد كان يدير معركة مساندة النظام السوري اقتصاديا من خارج سوريا، إلا أنه كان مكبلا بالعقوبات الأوروبية ما جعل تحركاته محدودة في هذا الصدد.

إلا أن الأسعد عمل جاهدا على التخلص من العقوبات بشكل قانوني، وهو ما تحقق مع قرار محكمة العدل التابعة للاتحاد الأوروبي، في 8 مارس/آذار 2023 بإلغاء العقوبات ضد نزار الأسعد.

وشكلت هذه الخطوة تشجيعا لجهود نظام الأسد لدفع هيئات أوروبية أخرى لرفع عقوباتهم عن الدولة السورية نفسها، بجهود من رجال الأعمال الكبار المنتمين له وعلى رأسهم الأسعد.

لا سيما أن نظام الأسد رغم أنه لا يزال معزولا على الساحة الأوروبية، إلا أنه يأمل في أن يخفف الاتحاد الأوروبي عقوباته المفروضة عليه منذ عام 2011 لقمعه الثورة بالحديد والنار.

النشأة والتكوين

وولد نزار جميل الأسعد في قرية عين جاش بمحافظة طرطوس عام 1948، لعائلة من الطائفة العلوية، ميسورة الحال.

إذ إن والده الذي تخرج في الجامعة في فرنسا عام 1934، كان صاحب شركة صغيرة للتعهدات في أوائل ستينيات القرن العشرين، ثم أنشأ شركة للتعهدات في مجال الكهرباء.

كما أن زوج ابنة عمه هو رجل الأعمال محمد مخلوف، والد رامي مخلوف ابن خال بشار الأسد، ومدير منظومته المالية منذ عام 2000 – 2020.

ودرس نزار الهندسة المدنية وتخرج منها في سبعينيات القرن العشرين، وانضم إلى أعمال والده في مجال الإنشاءات ووسعها لتشمل أعمال بناء الفنادق وغيرها من المجالات المماثلة.

قبل أن ينتقل مطلع الثمانينيات إلى قطاع تعهدات النفط والغاز للعمل مع شركات دولية كشركة "Ent repose"، وهي شركة مقاولات رائدة في مجال الهندسة والمشتريات وانخرطت في بناء أول مصنع للغاز في سوريا.

كما عمل نزار مع الشركات الأجنبية مثل Petrofac، Brown Root ونفذ العديد من مشاريع البنية التحتية في مجال النفط في الثمانينيات والتسعينيات واكتسب خبرة واسعة مكنته من اكتساب مرجعية للعمل في الخارج مع شركات عالمية.

وأسس نزار بالاشتراك مع رجل الأعمال البارز غسان مهنا شركة أسميها "ليد" للمقاولات والتجارة، متخصصة في مقاولات النفط والغاز والمنشآت البتروكيماوية، بما في ذلك محطات المعالجة ومحطات الطاقة وخدمات البناء الكهروميكانيكية وخطوط الأنابيب والمشاريع الإنشائية والهندسية المدنية واسعة النطاق.

وقاد عمل الأسعد مع الشركات الأجنبية لأن يدخل سوق العمل الخارجي والبدء بمشاريع مع كبرى الشركات العالمية لتنفيذ مشاريع عدة في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، خاصة في الجزائر.

كما أسس نزار الأسعد شركة "LEAD LTD" في المنطقة الحرة في "جبل علي" في الإمارات كشركة "أوف شور"، لكي تصبح شركة ذات طابع دولي بالمشاركة مع مساهمين آخرين وهم عدد من المديرين لدى شركته لكن من دون الشريك السابق غسان مهنا.

وأسهم الأسعد عام 2009 في تأسيس عدة مشاريع منها: شركة شام وسورية القابضتين وشركة المتحدة للتأمين، وشركة أسمنت البادية.

كما أسهم في تأسيس بنك عودة سورية بدمشق، ودخل في قطاع التأمين عبر إنشاء الشركة السورية العربية للتأمين.

وتعود ملكية شركة "إيبلا" للنفط التي تأسست في العام 2010، لنزار الأسعد، والذي كان يحتكر وحده جميع أعمال الصيانة والتنفيذ لمشاريع النفط والغاز في سوريا منذ العام 2005.

وحصلت شركة "ليد" على جائزة World Finance، كأفضل شركة للتعهدات في مجال النفط في سوريا لعام 2009.

شارك نزار الأسعد في شركة "أسعد وبيتنجانة وشركاؤهم" لإنتاج زيوت الطعام وسمنة "الخير والريف".

وأصبح الأسعد رئيسا للجانب السوري في مجلس رجال الأعمال السوري الجزائري، وعضوا بمجلس إدارة اللجنة الوطنية السورية لغرفة التجارة الدولية حتى عام 2011.

كما أسس شركة دجاجنا، وشركة طرطوس للصناعات الورقية، وأنشأ مزرعة للخيول العربية الأصلية باسم مزرعة الجميل، وقد باع معظم هذه الشركات أو تنازل عنها للنظام السوري.

كما استفاد الأسعد عقب الغزو الأميركي للعراق عام 2003 من الاستثمار هناك، حيث كانت شركة "ليد" إحدى الشركات العربية العاملة بمجال النفط.

إدارة الإمبراطورية

عقب اندلاع الثورة السورية عام 2011 وتراكم العقوبات الغربية على نظام الأسد، أدرك الأسعد أن إدارة اللعبة من الخارج هو الأنجع له ولإمبراطوريته المالية.

فقرر الأسعد الحاصل على الجنسية الكندية، مغادرة سوريا عام 2012، بعدما تنازل عن استثماراته في شركة شام القابضة، وباع أسهمه في شركة إسمنت البادية.

وانتقل نزار الأسعد عام 2012 للعيش في لبنان بصورة دائمة وتخلى عن جميع أعماله في سوريا، ثم حصل على الجنسية اللبنانية قبل نهاية ولاية الرئيس اللبناني ميشيل سليمان عام 2014 بنحو 16 ساعة، مع بعض كبار التجار السوريين المحسوبين على النظام السوري، كما حصلت ابنتاه ندى وميا على الجنسية اللبنانية كذلك.

واستفاد الأسعد في تنمية ثروته ومشاريعه واستثماراته في سوريا منذ ثمانينيات القرن العشرين من صلة القرابة برامي مخلوف ابن خال بشار الأسد.

قبل أن ينقلب الأسد على مخلوف عام 2020 ويستحوذ على غالبية أملاكه ويخرجه خارج اللعبة الاقتصادية في سوريا وتصبح بيد زوجته أسماء التي باتت تدير حاليا ما يسمى "اقتصاد الحرب" من القصر الجمهوري عبر رجال أعمال ومسؤولين مرتبطين بها مباشرة.

كما أن الأسعد شريك للواء "ذي الهمة شاليش"، ابن عمة رئيس النظام السوري بشار الأسد، المسؤول عن أمنه الشخصي بعد أبيه حافظ.

فمقابل تنمية ثروته المالية، كان شاليش يسهل حصول الأسعد على عقود لتقديم الخدمات الفنية النفطية لمشاريع في محافظتي دير الزور والرقة منذ عام 1990، وكذلك منح الأسعد مناقصات لمشاريع تعبيد الطرق بأعلى قيمة مالية لتنفيذه.

واستغل الأسعد مكانته وصلاته مع المسؤولين الكبار في نظام الأسد في توظيف المئات من أبناء الطائفة العلوية للعمل في حقول النفط السورية شرق البلاد.

وذلك على حساب أهالي المنطقة من الطائفة السنية، لدرجة أن غالبية هؤلاء لهم قيود كموظفين دون حضورهم إلى العمل بينما يقبضون رواتبهم بشكل طبيعي.

أحد أعمدة التهريب

ويؤكد موقع "مع العدالة" (مستقل) الذي يعنى بإحقاق مبدأ المساءلة ومنع الإفلات من العقاب لمجرمي الحرب، أن "نزار الأسعد يعد أحد أعمدة عمليات تهريب البضائع من العراق إلى سوريا".

وأضاف في تعريفه بالأسعد، أنه عمل لصالح بشار وشقيقه ماهر، ورامي وشقيقه إيهاب مخلوف، وامتدت أعماله نحو الجزائر والإمارات، وانخرط في هذه الأثناء عبر شركة ليد في تبييض الأموال، خاصة في الجزائر".

وبحسب الموقع فإن الأسعد حصل على سجل في جبل علي، بدولة الإمارات كشركة "أوف شور"، وذلك لتفادي الملاحقة القانونية، حيث تقوم الشركة بنقل الأموال المنهوبة في سوريا إلى الجزائر التي سمح بعض مسؤوليها بتحويل نحو 70 بالمئة من إيراد الشركة إلى حسابات خارج الجزائر.

وفي منتصف 2009، أحكم نظام الأسد تحالفه مع رجال المال في سوريا عبر تشكيل مجالس رجال الأعمال مع أكثر من سبعين دولة حول العالم والتي ضمت أكثر من 100 رجل أعمال.

وآنذاك عين نزار الأسعد رئيسا لمجلس الأعمال السوري- الجزائري، نظرا لكون الأسعد يمتلك شركة هناك تقدم خدمات نفطية ويجني منها المال لصالح النظام.

وفي هذا السياق يؤكد موقع "اقتصاد مال وأعمال السوريين" المعارض، أن رجال الأعمال هؤلاء "يسيطرون على أكثر من 60 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي السوري، ويمتلكون كل شيء، من التجارة إلى الصناعة إلى الزراعة إلى التصدير إلى السياحة إلى الاتصالات إلى قطاع المصارف والتأمين..".

إذ كان هؤلاء واجهات اقتصادية يديرون مصالح نظام الأسد الداخلية والخارجية عبر منحهم الامتيازات وتسهيل الأمور القانونية أمامهم، بما يتيح لهم دون سواهم تنفيذ المشاريع وفتح المصانع والاستيراد والتصدير، بينما يواجه رجال الأعمال من خارج هذه الدائرة صعوبات ومضايقات تجعل أعمالهم محدودة.

مساندة الأسد

ولعب الأسعد عقب عام 2012 دورا كبيرا في استيراد مادتي الفيول والمازوت لنظام الأسد عبر علاقاته وشركاته المتخصصة بهذا المجال في الخارج، ولذلك لتغطية العجز في المحروقات بمناطق النظام.

ومن أكثر الأدلة على استمرار وقوف الأسعد إلى جانب نظام الأسد هو تنفيذ شركته "إيبلا" للنفط أعمال صيانة لمصفاتي نفط حكوميتين، هما "بانياس" في طرطوس الساحلية على البحر المتوسط التي تأسست عام 1974، ومصفاة "حمص" وسط البلاد التي تأسست عام 1959.

إذ إنه بالكاد يمتلك النظام القدرة على تكرير النفط لتلبية الطلب المحلي على الوقود بالاعتماد على مصفاة بانياس الأكبر إنتاجا، بطاقة إنتاجية 130 ألف برميل يوميا، مقابل 110 آلاف برميل في حمص.

وقد فضحت "صحيفة الثورة" التابعة للنظام، في مطلع أكتوبر/تشرين الأول 2020، قيام مصفاة بانياس بالتعاقد مع شركة "إيبلا" الخاصة لتنفيذ أعمال إصلاح بقيمة 4.5 ملايين دولار، شملت توريد واستبدال وشائع وحوامل أفران التقطير للمصفاة بعد أن فازت الشركة بهذه المناقصة مما يدل على مدى التسهيلات الممنوحة لشركات الأسعد في مناطق النظام.

وورد اسم نزار الأسعد ضمن الأسماء الخمسة التي رفعت عنها وزارة الخارجية البريطانية العقوبات في المملكة المتحدة في أكتوبر/تشرين الأول عام 2021، دون إبداء أسباب.

اللافت أن الأربعة الآخرين، جميعا متوفون، وأبرزهم وزير الدفاع السوري الأسبق علي حبيب.