اتفق عليه خلال تشكيل الحكومة.. ما أسباب عرقلة "العفو" عن سنة العراق؟

يوسف العلي | منذ عام واحد

12

طباعة

مشاركة

تسعى القوى السنية في العراق إلى إصدار قانون للعفو العام عن السجناء من أبناء المكون، والذي جرى الاتفاق عليه مع قوى الإطار التنسيقي الشيعي، خلال مرحلة تشكيل الحكومة الحالية برئاسة محمد شياع السوداني في أكتوبر/تشرين الأول 2022.

لكن طرح الموضوع خلال الوقت الحالي أثار أزمة سياسية في البلاد، على اعتبار أن تحالف السيادة (سني) أمهل القوى الشيعية حتى نهاية شهر رمضان، للإيفاء بتعهدها، الأمر الذي تباينت حياله مواقف أطراف "الإطار التنسيقي" فالبعض رفض تمريره، فيما لم يمانع آخرون.

مهلة سُنية

دعا رئيس تحالف "السيادة" السني، خميس الخنجر، الحكومة والبرلمان لإقرار قانون العفو العام قبل نهاية رمضان، وذلك وفقا للاتفاق السياسي الذي تشكلت على أساسه حكومة السوداني.

وقال الخنجر خلال تصريح أدلى به لعدد من القنوات المحلية من جامع "أم القرى" ببغداد في 31 مارس/آذار 2023 إنه ضغط قبلها بيوم خلال لقاء جمعه مع رئيس الوزراء محمد شياع السوداني من أجل إقرار قانون العفو العام في رمضان، و"لا نريد أن يأتي العيد من دون إقراره".

وأضاف: "نحن نحاول أنا ورئيس البرلمان محمد الحلبوسي (القيادي في السيادة)، وخلال هذا الأسبوع لديّ جلسات مع جميع قادة القوى السياسية للإسراع في قانون العفو، ولا نريد أن نعفو عن المجرمين، وإنما أن يخرج الأبرياء من السجون وتعويضهم".

وفي السياق ذاته، منح رئيس البرلمان محمد الحلبوسي نفسه إجازة لمدة 15 يوما، الأمر الذي ربطه البعض بمحاولة منه لتعطيل إقرار الموازنة المالية للعامة للبلاد التي أرسلتها الحكومة في 13 مارس 2023 لغرض التصويت عليها لإطلاق التخصيصات المالية للمشاريع المتضمنة فيها.

وعلى ضوء ذلك جرى الحديث عن نشوب خلاف بين الحلبوسي ورئيس الحكومة وتجري وساطات لإنهاء الخلاف بين الطرفين، لكن المكتب الإعلامي للأول أصدر بيانا نفى فيه ذلك.

وقال مكتب الحلبوسي في 1 أبريل/نيسان 2023: "ننفي ما تداولته بعض وسائل التواصل الاجتماعي حول وجود وساطات من قيادات سياسية بداعي الصلح بين رئيسي البرلمان والحكومة. كما نؤكد عدم وجود أي خلاف شخصي يتطلب الوساطة أو المصالحة".

 وفي السياق ذاته، قالت النائبة عن تحالف السيادة أسماء كمبش إن "موضوع العفو العام ضمن الاتفاقية التي حصلت بين أطراف ائتلاف إدارة الدولة، وهناك موافقة مبدئية عليه. لكنه لم يدخل حيز التنفيذ لغاية اللحظة".

وتأسس تحالف "إدارة الدولة" في 25 سبتمبر/أيلول 2022، بعد انسحاب التيار الصدري من البرلمان، ويمثل الأغلبية التشريعية كونه مشكلا من "الإطار التنسيقي" الشيعي، والحزب الديمقراطي والاتحاد الوطني الكرديين، وتحالف السيادة وعزم السنيين، وحركة بابليون المسيحية.

وأوضحت البرلمانية العراقية أن "بعض الأطراف السياسية تحث على العفو الخاص قبل العام، على اعتبار أن مرتكبي جرائم كبيرة قد يكونون مشمولين بالعفو العام، لكننا سنضع آلية لشمول أكبر عدد ممكن من المعتقلين داخل السجون بالقانون".

تباين شيعي

وعلى صعيد قوى الإطار التنسيقي المعنية بالموضوع، أكد رئيس ائتلاف دولة القانون، نوري المالكي (أحد قادة الإطار التنسيقي)، خلال مقابلة تلفزيونية في 25 مارس 2023 "استعداده الكبير" لتمرير قانون العفو العام الذي نص اتفاق تشكيل حكومة السوداني على إقراره.

ومثل ذلك، قال النائب عن كتلة "الإطار التنسيقي" البرلمانية ثائر مخيف خلال تصريح لصحيفة "المدى" العراقية في 28 مارس 2023 إن "تمرير قانون العفو العام تأخر نتيجة الأزمات السياسية والصراعات التي شهدها العراق".

وأضاف مخيف أن "هناك قضايا جنائية تتطلب العفو العام ولا تستوجب الحبس الشديد لفترات طويلة"، لافتا إلى أن "وجود فقرات ونصوص مختلفة في القانون، إذ من غير الممكن أن يشمل جميع من هم في السجون".

وتابع: "لا توجد حواجز تمنع تمرير القانون، لكنه بحاجة إلى توافق سياسي ودراسة من اللجنة القانونية والجهات المختصة"، مرجحا "قرب تمريره".

وفي المقابل، شن النائب عن التحالف ذاته، يوسف الكلابي، هجوما حادا على زعيم تحالف السيادة خميس الخنجر، متهما إياه بمحاولة الإفراج عمن وصفهم بـ"الإرهابيين" و"الداعشيين".

وقال الكلابي خلال بيان له في 31 مارس 2023 إن الخنجر يسوّق لقانون العفو لإخراج الإرهابيين من السجون، مشيرا إلى أنه "سأكون درعا لأبناء شعبي ضد مخططاتكم وفتنكم وسرقاتكم".

وعلى الشاكلة ذاتها، نفى النائب عن الإطار التنسيقي، أحمد الموسوي، تقديم الإطار أي تنازلات سياسية من أجل تمرير قانون العفو العام، ولاسيما فيما يتعلق بقانون الانتخابات الذي أقره البرلمان في 27 مارس 2023.

وقال الموسوي خلال تصريح نقله موقع قناة "الرافدين" العراقية في 29 مارس 2023 إن الإطار التنسيقي له الكلمة العليا داخل البرلمان، وأنه مرر قانون الانتخابات دون التنازل عن أي شيء، والحديث عن التصويت عليه مقابل إقرار قانون العفو العام "لا صحة له".

وأعاد البرلمان إقرار قانون الانتخابات الذي اعتمد في عام 2018، واستطاعت الحركة الاحتجاجية خلال أكتوبر 2019، إلغاءه ودفع القوى السياسية لإقرار قانون جديد يدعم المستقلين، إذ سمح بفوز نحو 70 مستقلا من أصل 329 مقعدا بالبرلمان في انتخابات عام 2021.

الورقة الأخيرة

وعن مدى تمرير قانون العفو العام قبل نهاية شهر رمضان (21 أبريل 2023)، رأى الباحث العراقي، لطيف المهداوي أن "القوى السياسية الشيعية اعتادت التسويف بعد أخذ ما تريده من شركائها السياسيين سواء السنة منهم أو الأكراد".

وقال المهداوي لـ"الاستقلال" إن "إقرار قانون العفو بالصيغة التي تريدها القوى السنية يمثل كارثة بالنسبة للكتل الشيعية التي تولت الحكم منذ عام 2003، وتتعامل بطائفية مقيتة في هذا الملف".

وأوضح الباحث أن "هذه القوى تعمد كلما انهارت شعبيتها إلى إخراج دفعة من المعتقلين السنة للإعدام، حتى تشفي غليلها وغليل جماهيرهم المغيّبة، التي تصدق كذبهم بأن هؤلاء هم من فجروا وقتلوا أبناءهم، ويقف وراءهم السياسيون السنة والمجتمع السني حاضنتهم".

من جهته، قال المحلل السياسي العراقي، كتاب الميزان على "تويتر" في 31 مارس 2023 إن "الحلبوسي اقتنع مؤخرا أنه قدّم كل ما طلبهُ الإطار التنسيقي من السيادة دون أن يلتزم الأخير وينفذ ما عليه من بنود الاتفاق، لهذا يحاول أن يعطل الورقة الأخيرة التي بقيت في يده وهي الموازنة، مقابل إقرار قانون العفو العام".

وعلى نحو مماثل، كتب عضو التيار الصدري، عصام حسين على "تويتر" في 1 أبريل 2023: "ستسمعون هذه الأيام أن تحالف السيادة يحاول تجويع الجنوب (الشيعة) بإصراره على عدم تمرير الموازنة رغم أنه مضى على موعدها خمسة أشهر"، في إشارة إلى توظيف الإطار التنسيقي للملف.

وشهد العراق بعد عام 2003 قانونين للعفو العام، الأول أقر عام 2008 والثاني في عام 2016، فضلا عن تعديل صدر بعد سنة واحدة من العفو العام الأخير، لكنه لم يشمل إلا عددا قليلا من المعتقلين.

وتسعى القوى السنية إلى إجراء تعديل على آخر قانون للعفو العام ليشمل من صدرت بحقهم أحكام قضائية تصل إلى المؤبد والإعدام، وذلك بإعادة محاكمتهم بدعوى انتزاع اعترافاتهم بالإكراه وتحت وطأة التعذيب.

وفي منتصف العام 2021، أعلنت مفوضية حقوق الانسان في العراق (هيئة مستقلة مرتبطة بالبرلمان) تسجيلها نحو 76 ألف معتقل، منهم 49 ألف محكوم، و3 آلاف امرأة فضلا عن 2000 حدث، في مواقف الاحتجاز والسجون المنتشرة بعموم البلاد ما عدا إقليم كردستان.