تصريحات قيس سعيد "العنصرية".. كيف تؤثر على تونس اقتصاديا؟

عالي عبداتي | منذ عام واحد

12

طباعة

مشاركة

حذر خبراء اقتصاديون من التداعيات السلبية لتصريحات الرئيس التونسي قيس سعيد غير المدروسة على البلاد وعلاقاتها مع الدول والمؤسسات المالية.

وكان آخرها تصريحات له وُصفت بالعنصرية تجاه المهاجرين الأفارقة، نشرتها الصفحة الرسمية لرئاسة الجمهورية على فيسبوك، في 21 فبراير/ شباط 2023.

وطالب الرئيس التونسي، في البيان قوات الأمن والسلطات بضرورة الوقف الفوري لتدفق المهاجرين، واتخاذ إجراءات لمعالجة الظاهرة، واصفا الوضع بـ "غير الطبيعي".

وقال سعيد، وفق البيان: "الهجرة مؤامرة لتغيير التركيبة السكانية لتونس بجعلها دولة إفريقية فقط لا تنتمي إلى العالم العربي والإسلامي".

وأدان الاتحاد الإفريقي تصريحات سعيد، ووصفها بأنها "خطاب كراهية عنصري"، ما دفع الرئيس التونسي لإطلاق تصريحاته لتبرئة نفسه دون الاعتذار والتراجع.

وعقب تعرضه لانتقادات واسعة ندد الرئيس التونسي، 5 مارس/آذار 2023، بالعنصرية، وأشار إلى العواقب القانونية التي قد يتعرض لها من يهاجمون المهاجرين.

دخل البنك الدولي على خط هذه التصريحات، وقال رئيسه ديفيد مالباس للموظفين في مذكرة، إنه أوقف عمله المستقبلي مع تونس بعد أن أثارت تصريحات رئيس البلاد بشأن المهاجرين من إفريقيا جنوب الصحراء مضايقات وأعمال عنف بدوافع عنصرية.

وفي المذكرة، التي أرسلت في 7 مارس، قال مالباس إن البنك أوقف إطار عمل الشراكة مع تونس، الذي يحدد البرامج المستقبلية بين عامي 2023 و2025، بشكل مؤقت.

وأرجأ اجتماع مجلس هذا الإطار، الذي كان مقررا في 21 مارس حول مراجعة تعامل إستراتيجي جديد مع البلاد حتى إشعار آخر.

وقال إن البنك الدولي ينظر إلى الوضع على أنه مقلق للغاية، مشددا على أن "سلامة المهاجرين والأقليات ودمجهم جزء من القيم الأساسية لمؤسستنا المتمثلة في الاحتواء والاحترام ومناهضة العنصرية بجميع أشكالها وصورها".

وأكد أن "التعليق العام الذي يؤجج التمييز والعدوان والعنف العنصري غير مقبول على الإطلاق".

وقال مالباس إن تونس لديها "تقاليد عريقة في الانفتاح والتسامح"، وإن البنك سيظل منخرطا بشكل كامل في البلاد ويعمل على المساعدة في تحسين ظروف الحياة لجميع الناس، سواء كانوا مواطنين أو مقيمين أو مهاجرين.

وأضاف أن البنك يعمل على ضمان سلامة جميع موظفيه في تونس، وخاصة الأفارقة، بما في ذلك اتخاذ تدابير أمنية إضافية.

وأشار إلى أن إجراءات السلامة يمكن أن تؤثر على تنفيذ برامج البنك الدولي، لكن "سلامة الموظفين لها الأولوية على المخاوف المتعلقة بالبرامج".

والبنك الدولي مانح رئيس لتونس، ويساعدها في تمويل واردات الغذاء وتنمية الأعمال في الوقت الذي تسعى فيه الحكومة إلى حزمة إنقاذ من صندوق النقد الدولي.

تداعيات وخيمة

في قراءته لما جرى، أكد الخبير الاقتصادي عز الدين سعيدان، أن تداعيات قرار البنك الدولي ستكون وخيمة بالنسبة لتونس التي أعدت موازنتها لسنة 2023 بناء على حاجتها إلى قروض بقيمة 25 مليار دينار، منها 15 مليار دينار بالعملة الصعبة.

وأشار سعيدان في 8 مارس 2023، إلى أن نفس هذه الموازنة تنص على أن مستحقات الدين لنفس العام بلغت 21 مليار دينار، منها 12 مليار دينار بالعملة الصعبة، وفق لـ "سبوتنيك عربي" الروسية.

وتابع "بينما لم تتوصل البلاد إلى اتفاق نهائي مع صندوق النقد الدولي، كيف ستتمكن الحكومة من تغطية نفقاتها لسنة 2023؟ وأيضا تسديد مستحقات الديون لذات العام؟"

وقال الخبير إن قرار البنك الدولي سيصعب مهمة تعبئة الموارد بالنسبة لتونس، لأن العديد من الجهات المانحة سواء كانت مؤسسات أو دول تنتظر توصل تونس إلى اتفاق نهائي مع صندوق النقد لدعمها ماليا.

وحثّ سعيدان السلطة التونسية على تدارك الوضع بأسرع ما يمكن لتفادي التداعيات السلبية لقرار صندوق النقد الدولي، مشيرا إلى أن أقصر طريق إلى ذلك هو تقديم اعتذار رسمي.

وبين المتحدث ذاته أن البنك الدولي يضع مسألة نبذ التمييز العنصري من بين أدبياته الأساسية، ويرى أن التعامل مع تونس في ظل التطورات الأخيرة في ملف المهاجرين سيكون مخالفا لمبادئه.

ويرى أن "ملف تونس قد يطرح في اجتماع آخر للبنك الدولي، ولكن ذلك مرتبط بتصرفات السلطات التونسية التي طُلب منها ضمنيا تقديم اعتذار رسمي"، مشيرا إلى أن تصريحات وزير الخارجية لا تدل على إمكانية حدوث ذلك.

وكان وزير الخارجية التونسية نبيل عمار، قد قال خلال لقاء مع وكالة الأنباء الفرنسية في 28 فبراير 2023، إن بلاده بعثت رسائل طمأنة واتخذت الإجراءات كافة لحماية جميع المهاجرين في تونس، سواء كانوا قانونيين أم غير قانونيين، مستبعدا مسألة الاعتذار.

من جانبه، يقول الخبير الاقتصادي وجدي بن رجب، إن "الخطوة الأخيرة التي اتخذتها هذه المؤسسة المالية لن تمس بالمشاريع التي جرى الاتفاق عليها مسبقا من بينها دعم الشركات ومشاريع الطاقة".

وأوضح بن رجب، في تصريح لـ "أصوات مغاربية"، في 7 مارس 2023، أن "الخطاب الأخير للرئيس وتكرر الاعتداءات على المهاجرين دفع هذه المؤسسة المالية إلى تعليق النقاشات حول خطة العمل المستقبلية".

وأشار إلى أن "تونس كانت حصلت على العديد من القروض والتسهيلات المالية عقب ثورة 2011 في إطار سعي العواصم الغربية لتكريس ثقافة حقوق الإنسان والقيم الكونية".

وقال إن "العكس قد يحدث الآن في ظل تصاعد الخطابات التي لا تتلاءم مع القيم التي يتبناها الغرب والمؤسسات المالية الكبرى".

وحول إمكانية اتخاذ مؤسسات مالية أخرى كصندوق النقد لإجراءات جديدة مع تونس على غرار ما حدث مع البنك الدولي، يرى بن رجب أن "السلطات يمكن أن تتفادى هذه الخطوات باتخاذ إجراءات جديدة لصالح المهاجرين".

هذا فضلا عن لعب الدبلوماسية لدور فعال في شرح موقف تونس إزاء الملفات الحقوقية من بينها قضية المهاجرين، وفق تقديره.

عزلة دولية؟

أكد أستاذ الاقتصاد في الجامعة التونسية رضا الشكندالي، أن "موقف البنك الدولي من تونس صادم، وتداعياته ستكون وخيمة على مصير المحادثات مع صندوق النقد الدولي".

ولفت إلى أن "البنك بصدد تقديم مساعدات عاجلة لتونس للخروج من الأزمة الاقتصادية والمالية الراهنة"، بحسب "اندبندنت عربية" 8 مارس 2023.

ويضيف أستاذ الاقتصاد أن "تونس باتت على وشك العزلة الدولية، بالتالي ستكون عاجزة عن توفير التمويلات من الدول المانحة".

ودعا الشكندالي إلى "الاستعداد لخطة بديلة في حال رفض صندوق النقد الدولي إقراض تونس، والتعويل على الإمكانات الذاتية للدولة كتأمين إنتاج الفوسفات وتصديره عبر المؤسسة العسكرية، لتلافي تعطيل الإنتاج والنقل عبر الاحتجاجات والاعتصامات".

كما دعا إلى "التعويل على تحويلات التونسيين في الخارج، من خلال تشجيعهم على فتح حساب خاص بالعملة الصعبة في البنوك التونسية، والتخلي عن الضريبة على الثروة التي نص عليها قانون المالية 2023".

وأيضا "الخفض في الأداء على الأرباح بالنسبة إلى الشركات الخاصة، والعفو على مخالفات الصرف بالنسبة إلى الأموال المتداولة في السوق الموازية من أجل ضخ السيولة في الدورة الاقتصادية".

أما الإعلامي والمحلل السياسي نصر الدين السويلمي، فأكد أن المؤسسات المالية الدولية انتقلت في علاقتها مع تونس من مرحلة التوصيات ومرحلة الشراكة إلى الوصاية التامة.

وذكر السويلمي في تصريح لـ "الاستقلال"، أن إشارات في هذا المستوى وقعت من قبل من طرف البنك الدولي، وخاصة ما ارتبط بإيحائه لضرورة إشراك الاتحاد العام للشغل (نقابي) وموافقته على الإصلاحات الاقتصادية المزمع تنفيذها.

من جانب آخر، نبه المتحدث ذاته إلى أن القرار ذا طابع مؤقت، مشيرا في هذا الصدد إلى تصريح فريد بلحاج، نائب رئيس مجموعة البنك الدولي لشؤون الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، والذي قال فيه إن مجلس الإدارة اختار انتظار هدوء الأوضاع في تونس.

وأبرز السويلمي أن بلحاج أكد النقاشات مع تونس تأجلت مؤقتا، موضحا أن التمويلات السابقة المتفق عليها ستمضي، وأن قرار التأجيل أو تعليق التعاون يهم الاتفاقيات المنتظرة أو المتفاوض بشأنها.

يؤكد الإعلامي بقناة الجزيرة القطرية، محمد كريشان، أن تصريحات قيس سعيد التي وُصفت بالعنصرية، سببت ضررا كبيرا لتونس، ويحتاج إلى سنوات طويلة لجبره ومعالجة تداعياته.

وقال كريشان في مقال رأي بعنوان "تونس: خطاب العنصرية برعاية رسمية"، نشره بـ "القدس العربي"، 7 مارس 2023، أن تلك التصريحات خلفت ردود فعل في كل أنحاء العالم بما في ذلك الأمم المتحدة والاتحاد الإفريقي.

كما رافقتها إجراءات تمثلت في إلغاء اجتماعات اقتصادية إفريقية كانت ستعقد في تونس وإعلان البنك الدولي عن تأجيل اجتماع مجلس المحافظين بشأن إستراتيجية جديدة مع البلاد وتعليق إطار عمل شراكة معها.

وذكر كريشان أن الأرقام الرسمية تتحدث عن 15 ألف مهاجر إفريقي، متسائلا إن كان هذا الرقم سيغير التركيبة السكانية، في حين وصل إلى إيطاليا 18 ألف مهاجر تونسي في سنة 2022 لوحدها.

وأردف، "أي منطق يدفع إلى تبني أطروحات تآمرية سخيفة؟"، منتقدا عدم جرأة السلطات التونسية على الاعتذار عما وقع، كما انتقد تنفيذ بعض المواطنين التونسيين أعمال عنف في حق مهاجرين أفارقة.

وقال كريشان إن هذا الخطاب العنصري دفع بالكثير من المهاجرين إلى العودة لبلدهم، بعد بيانات من سفارات إفريقية عديدة في العاصمة التونسية تدعوهم إلى الحذر الشديد وملازمة بيوتهم والاستعداد لإجلائهم.

وخلص كريشان إلى القول: "من حسن الحظ وبواعث الفخر، أن هناك كذلك تونسيين لم يقبلوا بكل ما سبق، وعبّروا عن ذلك علنا بل منهم من خرج إلى الشارع في مظاهرات تنديدا بالعنصرية".

إجراءات سياسية

لم يستبعد البعض فكرة المؤامرة فيما وقع لتونس، إذ قال الخبير الاقتصادي معز حديدان، إنه "يشم رائحة السياسة" تفوح من المذكرة الداخلية للبنك الدولي بشأن التعليق الوقتي للتعاون مع تونس.

وأوضح حديدان أن بعض الدول المؤثرة قد تكون قد ضغطت داخل البنك حتى تكون تونس بلد إقامة للمهاجرين، وفق ما نشرت في "الجزيرة نت"، في 8 مارس 2023.

ويؤكد حديدان أن جميع دول العالم، وعلى رأسها المتقدمة، تطبق إجراءات صارمة ضد المهاجرين غير النظاميين بهدف تنظيم الهجرة.

ورجح أن يعود نسق التعاون بين البنك الدولي وتونس إلى وضعه الطبيعي، خاصة بعد اتخاذ إجراءات إيجابية تحمي الجالية الأجنبية.

وفي الوقت الحالي لا يرى حديدان أي انعكاسات سلبية حينية على الوضع الاقتصادي في تونس جراء التعليق المؤقت للنقاشات حول المشاريع المستقبلية التي سيمولها البنك الدولي.

وأوضح أن ما حصل هو توجيه مذكرة داخلية في البنك الدولي دون اتخاذ قرار رسمي.

وأكد أن القرار الرسمي لا بد أن يتخذ من لدن مجلس إدارة البنك الدولي لتعليق التعاون بشكل مؤقت مع تونس.

لكنه اعترف بإمكانية وقوع تداعيات سلبية على الوضع الاقتصادي والمالي للبلاد في حال حصل ذلك، نظرا لتآكل مخزون العملة الصعبة لتونس وحاجتها للاقتراض.

ويقول حديدان إن تونس دخلت مع تخفيض ترقيمها السيادي لأدنى المستويات من قبل وكالات الترقيم السيادي الدولية في منعرج خطير قبل بلوغها مرحلة عدم الوفاء ببعض تعهداتها المالية، مشددا على ضرورة طي صفحة المهاجرين بسرعة والقيام بالإصلاحات الضرورية.

وفي رده على مسألة الضغوط لأجل توطين المهاجرين، يؤكد الإعلامي والمحلل السياسي نصر الدين السويلمي، أن لا علاقة لقرار البنك الدولي بالأوضاع السياسية المحلية.

وشدد في حديث لـ "الاستقلال"، أن البنك يتدخل في المسألة الاقتصادية، وإذا كانت الدولة قادرة على المستوى الاقتصادي، فإنه يوقع معها شراكات واتفاقيات تمويل، وإذا كانت الدولة غير قادرة فإنه يوقف هذا التمويل.

وأوضح الإعلامي التونسي أن البنك الدولي لا يمكن أن يكون أداة مساومة أو ضغط بخصوص المهاجرين، منبها إلى أن ذلك ليس من اختصاصه.

وتابع: "يمكن أن يكون النقاش بخصوص المهاجرين مع دول الاتحاد الأوروبي، وخاصة إيطاليا، وقد يكون فيه مساومات أو شيء من هذا القبيل، لكن مع البنك الدولي فالأمر مختلف".

وتعاني تونس أزمة سياسية منذ 25 يوليو/تموز 2021، حين فرض سعيد إجراءات استثنائية منها: تجميد اختصاصات البرلمان، وإصدار تشريعات بمراسيم رئاسية، وإقالة رئيس الحكومة، وتعيين أخرى جديدة.

وترفض غالبية القوى السياسية والمدنية بتونس هذه الإجراءات وتعتبرها "انقلابا على الدستور"، بينما تؤيدها قوى أخرى ترى فيها "تصحيحا لمسار ثورة 2011" التي أطاحت بحكم الرئيس، آنذاك، زين العابدين بن علي (1987 ـ 2011).

أما سعيد، الذي بدأ في 2019 فترة رئاسية تستمر خمس سنوات، فقال إن إجراءاته "ضرورية وقانونية" لإنقاذ تونس من "انهيار شامل".