"نكسات خطيرة".. هل يعود العنف بين الأطراف الشيعية في العراق؟

12

طباعة

مشاركة

توقع معهد أميركي عودة العنف بين الأطراف الشيعية خلال العام 2023، ويرى أن الأسباب الرئيسة للخلاف "لم تُحل حتى الآن".

وقال معهد "بروكنجز" إنه "منذ تعيين رئيس الوزراء، محمد شياع السوداني، في أكتوبر/ تشرين الأول 2022، بدأت قوات الحشد الشعبي في استجماع قوتها من جديد".

وأشار إلى أنه "رغم العديد من التحديات والنكسات الخطيرة منذ عام 2018، أظهرت قوات الحشد الشعبي قدرة ملحوظة على التعافي من ضعف القيادة والانقسامات الداخلية، وهزيمة انتخابية كبيرة، وفقدان رأس المال السياسي لدى شرائح كبيرة من الجمهور العراقي".

كما أن قوات الحشد تجاوزت الضغوط الناجمة عن الاغتيالات الأميركية في يناير/ كانون الثاني 2020 لقائدها السابق، أبو مهدي المهندس، وداعمه الإيراني قاسم سليماني، القائد السابق لفيلق القدس التابع للحرس الثوري الإيراني.

خرج عن الإجماع

وأكد المعهد الأميركي أن "الحشد الشعبي لم يُظهر مرونته فحسب، بل ما زال يحتفظ أيضا بالمزايا السياسية والعسكرية التي من المرجح أن تجعله قوة لا يستهان بها لعقود قادمة".

يذكر أن "الحشد الشعبي" يتكون من فصائل شيعية في الغالب، وقد تأسس في 13 يونيو/ حزيران 2014، بعد فتوى للمرجع الشيعي، علي السيستاني، لحمل السلاح ومحاربة "تنظيم الدولة".

وفي أغسطس/ آب 2022، اندلعت اشتباكات دامية في العراق بين أنصار التيار الصدري و"الإطار التنسيقي" المكون من عدة قوى سياسية شيعية أخرى، تضم الحشد الشعبي، وذلك بعد إعلان زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر اعتزال العمل السياسي.

وقال المعهد: "مع الحديث عن تعافي الحشد الشعبي، فإنه يواجه أيضا عدة تحديات، وربما تتعرض أنشطته العدائية -التي تشمل انتهاكات حقوق الإنسان- للتقييد، خاصة إذا كان بإمكان الغرب وحلفائه الإقليميين العمل مع جهات فاعلة معتدلة داخل العراق، أو أولئك الذين يخشون احتكار الحشد الشعبي للسلطة".

وأورد أن "شرعية الحشد الشعبي قد قُوضت بالفعل نظرا لما فعله عام 2018، عندما قامت الفصائل المدعومة من إيران بقمع المدنيين بشكل ممنهج، خلال احتجاجات أكتوبر/ تشرين الأول 2019، التي تحدت النخبة الحاكمة وسوء إدارتها، وكذلك النفوذ الإيراني في البلاد".

وحسب التقرير، فقد ظهر هذا الضعف التراكمي - إلى جانب فطنة زعيم التيار الصدري، مقتدى الصدر، وتفوقه- في الانتخابات البرلمانية لعام 2021.

وفاز الحشد الشعبي بـ17 مقعدا، وهو رقم ضئيل، مقابل 47 مقعدا فاز بها عام 2018.

في المقابل، نجح خصمه الرئيس، التيار الصدري، الذي حصل على 73 مقعدا، بفارق واضح عن انتخابات 2018، التي فاز فيها بـ54 مقعدا.

لكن في الأشهر اللاحقة، حاول "الصدر" تشكيل أغلبية ائتلافية في البرلمان على حساب الحشد الشعبي والإطار التنسيقي الشيعي، غير أن قرار الصدر خرج عن إجماع تقاسم السلطة.

تعميق الخصومة

وأدى الخلاف على تشكيل الحكومة إلى تعميق الخصومة بين شيعة العراق، تلك الخصومة التي انفجرت أخيرا في شكل أعمال عنف خلال أغسطس/ آب 2022.

هذه الاشتباكات جعلت الصدر يتخلى عن آماله في تشكيل حكومة الأغلبية وانسحب - ربما مؤقتا- من الصراع السياسي في العراق، حسب التقرير.

ونتيجة لسوء التقدير من الصدر، صعد "السوداني"، المقرب من رئيس الوزراء الأسبق نوري المالكي، إلى رئاسة الوزراء في أكتوبر/ تشرين الأول 2022، وفق "بروكنجز".

ووصف المعهد الأميركي صعود السوداني بأنه كان بمثابة "هدية" للحشد الشعبي، الذي رسّخ نفوذه في الدولة العراقية، ووسّع قدراته الاقتصادية، ونوّع مصادر إيراداته، ووسّع شبكة المحسوبية الخاصة به.

فعلى سبيل المثال، حصل الحشد الشعبي على ما كان يسعى إليه بعد سنوات من الضغط على الحكومة، حيث أُعلن عن تأسيس شركة بشكل رسمي، تحمل اسم "المهندس"، تكون بمثابة الذراع الاقتصادية للحشد، وباعتراف الحكومة العراقية نفسها.

ورغم ذلك، فإن هناك عدة تحديات تعترض الحشد الشعبي، منها أن الصدر لا يزال يرى نفسه الزعيم الشرعي لشيعة العراق، على المستوى السياسي والديني.

وأشار التقرير إلى أن "الصدر يقود أقوى حركة اجتماعية سياسية في العراق، بجانب واحدة من أقوى المليشيات في البلاد وهي سرايا السلام".

ورغم أن انسحابه من الحياة السياسية مؤقت على الأغلب، إلا أن الصدر سيظل يمثل تحديا كبيرا لقوات الحشد الشعبي في المنافسة على خلافة القيادة الدينية في المستقبل، وعلى معارك النفوذ الاقتصادي، والشؤون السياسة اليومية.

"ولن يهدد هذا الصراع الشيعي-الشيعي قوات الحشد الشعبي فحسب، بل قد يشعل المزيد من العنف، أو حتى يتحول إلى حرب أهلية أخرى"، وفق معهد "بروكنجز".

وأكد التقرير أن "لدى الصدر 3 ملايين داعم من الطائفة الشيعية، وهذا يمنحه أساسا اجتماعيا وسياسيا كافيا للطعن في النظام السياسي في فترة ما بعد المرجع الشيعي، على السيستاني".

وأشار المعهد إلى أن صراع الخلافة على المنصب الديني سيصعّد التنافس بين الصدر من جهة، والحشد الشعبي وحلفائه السياسيين مثل "حزب الدعوة الإسلامية" – الذي يقوده المالكي- من جهة أخرى.

وبهذا، يمكن أن تتحول هذه المنافسات السياسية بين الشيعة إلى عنف بشكل متزايد، ولسوء الحظ، قد تكون أحداث 2022 بمثابة معاينة لما ينتظر العراق في المستقبل، حسب التقرير.

ووفق بروكنجز، فإن التوترات بين الفصائل الشيعية لا تزال مرتفعة للغاية، لا سيما في مدينة البصرة الغنية بالنفط.

وتوفر الموارد العديدة التي تتمتع بها المدينة قاعدة اقتصادية حيوية لتلك الفصائل، كما تشكل مركزا إستراتيجيا حيويا لعملياتهما التجارية غير المشروعة، ما قد يقود إلى تجدد الاشتباكات فيها مرة أخرى.

احتمال الاشتباكات

وقال المعهد: "بصرف النظر عن الخصومات السياسية بين الشيعة، فإن العراق يعاني أيضا من العداوات الإقليمية الأوسع التي يمكن أن تنتشر بشكل واسع على أراضيه". 

وتابع: "من ذلك، التوترات بين الرياض وطهران، فمنذ اندلاع المظاهرات في إيران قبل أشهر، شنت طهران هجمات على قواعد مزعومة لجماعات المعارضة الإيرانية في كردستان العراق، كما ضربت أهدافا في الشمال والجنوب كجزء من حرب الظل مع إسرائيل والولايات المتحدة".

وشدد المعهد على أنه "إذا تصاعدت التوترات بشكل أكبر، فقد يقع العراق في نار إقليمية، قد يستغلها الصدر وقوات الحشد الشعبي".

أما على الصعيد المحلي، فلا تزال المظالم الاجتماعية والاقتصادية واسعة النطاق، وسيكافح السوداني لمعالجتها. 

لكن تجدد الاحتجاجات الشعبية من شأنه أن يقود إلى اشتباكات عنيفة بين الصدر وقوات الحشد الشعبي من جديد، حسب التقرير.

"وعلى ذلك، فإن الهدوء السائد منذ تعيين السوداني هو على الأرجح هدوء خادع"، يؤكد المعهد الأميركي.

ووفق "بروكنجز"، فإنه "إذا استحوذ العنف على العراق مرة أخرى، فغالبا سيكون الحشد الشعبي في صدارة المشهد".

استطرد: "علاوة على ذلك، فإن حقيقة أن قوات الحشد الشعبي متغلغلة بعمق داخل الأجهزة العراقية تجعل من الصعب إدارة الدولة، كما تجعل ممارسات بناء الدولة التقليدية الغربية غير مناسبة، في مواجهة هذه التحديات متعددة الجوانب التي يفرضها الوضع في العراق".

وبدلا من ذلك، يجب على الغرب وحلفائه الاعتماد على تمكين اللاعبين السياسيين العراقيين المستعدين لمواجهة انتهاكات حقوق الإنسان التي يرتكبها الحشد الشعبي، ومقاومة جهوده لاحتكار السلطة بتوجيه ودعم إيران.

وختم المعهد تقريره بالقول: "يجب على هؤلاء الذين قد يكونون مؤهلين للرد بشكل جماعي ضد قوات الحشد الشعبي – قبل كل شيء- أن يعالجوا انقساماتهم الداخلية حول مستقبل العراق، وأن يسووا خلافاتهم حول كيفية تقاسم السلطة وإدارة ثروة البلاد".