وسط مخاوف من الفوضى.. هكذا تجاوزت نيجيريا اختبار الانتخابات

إسماعيل يوسف | منذ عام واحد

12

طباعة

مشاركة

كما كان متوقعا، فاز ممثل الحزب الحاكم في نيجيريا "أحمد بولا تينبو" بمنصب رئيس الدولة بعدما تقدم على منافسيه الـ17 الآخرين في الانتخابات الرئاسية التي أجريت يوم 25 فبراير/ شباط 2023، بينما رفضت المعارضة النتائج.

"تينوبو"، مرشح حزب "مؤتمر كل التقدميين"، حصل على 8.8 ملايين صوت، متقدماً على منافسيه الرئيسيين، أبو بكر عتيق مرشح حزب الشعب الديمقراطي (6.9 ملايين صوت)، وبيتر أوبي (مسيحي) مرشح حزب العمّال (6.1 ملايين صوت).

كما حصد أكثر من 25 بالمائة من الأصوات في ثلثي ولايات البلاد على الأقل (24 من 36 ولاية) بالإضافة إلى منطقة العاصمة أبوجا، وهو شرط لا بد منه لفوزه بالرئاسة.

وكان ملايين النيجيريين ينتظرون بفارغ الصبر نتائج الانتخابات الرئاسية والبرلمانية، التي هيمنت عليها ثلاثة أحزاب سياسية.

هي: "المؤتمر التقدمي الحاكم" و"الشعب الديمقراطي" المعارض، و"العمل" المعارض، لمعرفة مصير بلادهم، سواء ستنجح الديمقراطية في تثبيت دعائمها أم تسيطر الصراعات الدينية والعرقية على المشهد.

في السياق طالب حزبا المعارضة الرئيسيان (العمال والشعب الديمقراطي) بإلغاء الانتخابات الرئاسية واعتبرا أن التلاعب بالنتائج أدى إلى اقتراع لم يكن حراً ولا نزيها ولا شفافاً، وفق موقع قناة "فرانس 24".

إلى جانب الانتخابات الرئاسية، اختار النيجيريون أيضا ممثليهم في البرلمان (الجمعية الوطنية)، وهم 109 أعضاء في مجلس الشيوخ و360 في مجلس النواب، بإجمالي 469 نائبا.

كما ستجري انتخابات اختيار حكام 28 ولاية من أصل 36 ولاية بنيجيريا، في 11 مارس/آذار 2023.

أهمية الانتخابات

وتنافس في الانتخابات الرئاسية 18 مرشحا لخلافة الجنرال محمد بخاري الذي أنهى ولايتين رئاسيتين، أبرزهم ثلاثة، هم مرشح الحزب الحاكم "بولا تينوبو" والمعارضة "أبو بكر أتيكو"، وكلاهما مسلمان.

والثالث "بيتر أوبي"، مسيحي من جماعة "الإيغبو" العرقية في الجنوب، وكانت تشير النتائج الأولية لتقدمه، حيث حظي بدعم شبابي، ونجحت حملته في استغلال وسائل التواصل لجذب الناخبين الشباب.

لكن الفائز "تينوبو" يواجه سلسلة من الأزمات، حيث تعاني أكبر دولة في القارة السمراء من حيث عدد السكان وأكبر دولة إفريقية منتجة للنفط، تحديات أمنية كبيرة.

في صورة صراع ديني قبلي داخلي، ومع حركات مسلحة وعصابات، إضافة إلى تحديات اقتصادية أبرزها الفقر والبطالة ونقص السيولة والفساد المستشري.

وأهمية انتخابات نيجيريا، أنها أكثر دول إفريقيا سكانا، وغالبية سكانها مسلمون، وكانت بؤرة للانقلابات العسكرية، التي انتهت عام 1999 بعودة النظام الديمقراطي.

وخرج الشعب لينتخب رئيسا جديدا خلفا لبخاري، الذي أنهي فترتيه الرئاسيتين (فاز 2015 ثم 2019) كما ينص الدستور، ولم يترشح، وبالتالي ترك منصبه لرئيس جديد، وسط تنافس عرقي وديني تتميز به الاستحقاقات.

وغالبا ما كانت الانتخابات السابقة تشهد اضطرابات عقب إعلان النتائج، لذا تثار مخاوف مما سيعقب الإعلان عن النتائج النهائية في أول أسبوع من مارس 2023 حول مستقبل الديمقراطية والحريات وتنفيذ مشاريع اقتصادية لحل مشكلات البلاد.

ويعد الدين بجانب الانتماء العرقي والإقليمي أداة مهمة للتعبئة والخلاف في نيجيريا، ومنذ عام 1999، حين عاد الحكم الديمقراطي بعد الانقلابات، وهناك موازنة دقيقة لضمان أن الرئيس ونائب الرئيس لا يشتركان في نفس الدين.

ويشكل المسلمون في الشمال الأغلبية، بينما يغلب على الجنوب المسيحية، ويتنازع كل فريق ديني وعرقي الحق في السلطة وخروج الرئيس المقبل من الإقليم التابع له، أو أن يكون الرئيس من ديانة وقبيلة ونائبه من أخرى.

وكان ملفتا في هذا الصدد انتقاد مجموعات مسيحية، قيام مرشح المعارضة "بولا تينوبو"، وهو مسلم من عرقية "يوروبا"، باختيار "كاشيم شيتيما"، المسلم أيضا من قبيلة "الكانورية"، لمنصب نائب الرئيس، وعدم اختياره مسيحيا.

وغالبا ما يستند تصويت النيجيريين على أسس الدين والقبلية العرقية بخلاف شخصية المرشح وبرنامجه الانتخابي، والناخب متعصب للمرشح الذي يمثل منطقته.

علامة إيجابية

وقبل الانتخابات، قال أستاذ العلاقات الدولية والعلوم السياسية في جامعة ولاية ناساراوا بنيجيريا، جيدوفور أديبي، لموقع "قراءات إفريقية" في 23 فبراير 2023، إن "انتماء المرشحين الرئيسين للمجموعات العرقية الثلاث سيؤثر على النتيجة".

ومن بين عدد السكان المقدر بـ216 مليون نسمة، تضم نيجيريا أكثر من 250 مجموعة عرقية وتشهد استقطابا بين الشمال بأغلبيته المسلمة والجنوب ذي الأكثرية المسيحية.

وما بين 50 إلى 60 بالمئة من إجمالي السكان من المسلمين، وحوالي 40 بالمئة من المسيحيين وهناك حوالي 105 معتقدات أخرى قليلة العدد.

سبب آخر لأهمية الانتخابات، هو تزايد عدد السكان وتزايد بطالة الشباب حيث يُفترض أن تصبح نيجيريا عام 2050 ثالث أكبر دولة من حيث عدد السكان في العالم، والمخاوف من احتمال أن تؤدي الصراعات للتراجع عن الديموقراطية.

وهو ما يفسر ضمنا أن نسبة المشاركة في هذه الانتخابات "هي الأعلى منذ أكثر من عقدين"، بحسب وكالة "بلومبرغ" في 25 فبراير 2023.

"نسبة الإقبال والتصويت غير عادية ولا تُصدق وهي الأكبر التي رأيتها في كل السنوات"، حسبما كتبت المدير العام لمنظمة التجارة العالمية، نغوزي أوكونجو إيويالا، عبر "تويتر".

وسعت السلطات لإدخال تحسينات على عملية الانتخاب لمنع التزوير أو الرشا، عبر استخدام أساليب تكنولوجية، مثل بصمة الأصابع الإلكترونية ونظام التعرف على الوجه الإلكتروني.

وضمن عمليات مكافحة شراء الأصوات، تم تغيير أوراق عملة تستخدم بكثرة في شراء الأصوات الانتخابية وكان يخزنها بعض السياسيين لشراء الأصوات بها، وقبض على بعضهم بالفعل، حسبما أوضح موقع "قراءات إفريقية" في 23 فبراير 2023.

وبفعل هذا، أكد موقع "بلومبرغ" في 25 فبراير أن ظاهرة شراء الأصوات الانتخابية مقابل 500 إلى 10 آلاف "نيرة" نيجيرية (ما بين 2 إلى 22 دولارا)، والتي كانت تتميز بها نيجيريا تقلصت في هذه الانتخابات.

مع ذلك، يرى محللون أن هذه الانتخابات السابعة التي تم إجراؤها منذ نهاية الحكم العسكري في عام 1999، وأن بعض المؤسسات الديمقراطية تزداد قوة، ولا ينتمي أي من المرشحين الرئيسين للضباط العسكريين. 

كما أشاروا إلى أن الرئيس بخاري سلم  السلطة بهدوء، معتبرين هذا "إنجازا وعلامة إيجابية"، وفق صحيفة "الغارديان" البريطانية في 26 فبراير 2023.

منافسة قوية

وبدأ السباق على منصب الرئاسة بين 18 مرشحا من أحزاب مختلفة، لكن المنافسة الحقيقة اقتصرت على 4 مرشحين رئيسين ينتمون لأديان مختلفة وللجماعات العرقية الثلاث (فولاني، واليوروبا، والإيبو).

وكان المرشح الأبرز الذي دعمه الرئيس المنتهية ولايته بخاري، هو "تينبو" (70 عاما) وهو مرشح عن الحزب الحاكم، ويدين بالإسلام وينتمي لقبيلة "اليوروبا" ولكنه ضعيف صحيا.

وأظهرت النتائج الرسمية لولاية إيكيتي الجنوبية الغربية انتصارا واضحا لمرشح الحزب الحاكم "بولا تينوبو" في أحد معاقله، وجاء الأول في الترتيب وفق موقع "ستيرز" التابع لكلية لندن الذي يرصد النتائج.

وقالت صحيفة "الغارديان" بنسختها النيجيرية في 26 فبراير إن "تينبو" فاز على منافسيه "أتيكو" و"بيتر أوبي" في جميع الحكومات المحلية الـ 16 في ولاية "إكيتي".

و"تينبو" هو حاكم لاجوس بين أعوام 1999 و2007، ويوصف بـ"العراب" أو "صانع الملوك" بسبب نفوذه الهائل داخل السلطة، وركز في حملته على أنه الوحيد القادر على إصلاح نيجيريا.

وحرص الرئيس المنتهية ولايته على إظهار أنه صوت لصالح "تينبو" مظهرا ورقته في صندوق الاقتراع، رغم أن الاقتراع سري، ويتعرض المخالفون لغرامة 100 ألف نيرة (215 دولارا) أو السجن لمدة ثلاثة أشهر.

والمرشح الثاني البارز "أتيكو" (عتيق)" (76عاما) عن حزب "الشعب الديمقراطي" المعارض، وسبق له أن ترشح للرئاسة خمس مرات من قبل وخسرها كلها، رغم أنه أمضى معظم حياته المهنية في أروقة السلطة، وكان نائبا سابقا للرئيس أوباسانجو.

أتيكو رجل أعمال ثري صعد السلم السياسي وسط اتهامات بالفساد دون أن تتم إدانته على الإطلاق، وله خبرات في العمل السياسي، حسبما يقول الكاتب النيجيري مصطفى البرنامي عبر حسابه في تويتر، وتشير النتائج إلى أنه يأتي في المركز الثاني.

أما المرشح الثالث، فكان المسيحي الجنوبي "بيتر أوبي" من حزب العمل وهو حاكم سابق مرتين لولاية أنامبرا الجنوبية الشرقية، ويصفه مؤيدوه ومعظمهم من الشباب بأنه "البديل الموثوق بين المرشحين".

تحديات الفائز

وقالت وكالة الأنباء الفرنسية في 24 فبراير 2023 إن "الرئيس المقبل لأكبر اقتصاد في القارة السمراء وأكبر دولة نفطية، سيرث سلسلة من المشاكل حيث تواجه منطقة غرب إفريقيا خطر تراجع حاد للديمقراطية وانتشار الهجمات المسلحة".

ولأن الانتخابات جرت في ظل جملة من التحديات التي تُواجه البلاد على المستوى السياسي والاقتصادي والأمني، فقد جعل ذلك النيجيريين يتطلعون إلى واقع أفضل بعد الانتخابات رغم المشكلات والتحديات الكثيرة.

فهناك شكاوى من انتشار الفساد، وانعدام الأمن وانتشار الحركات المسلحة سواء ما يتعلق بجماعة "بوكو حرام" أو قُطاع الطرق واللصوص، بخلاف أزمة الحركات الانفصالية في جنوب شرق نيجيريا.

كما يعاني النيجيريون من أزمات اقتصادية عدة رغم أن بلادهم "دولة بترولية" وتزايد الهجرة للدول الغربية بسبب ذلك.

وتعد البطالة مشكلة كبيرة تدفع العديد من الخريجين لمغادرة البلاد خشية عدم وجود وظائف لهم بعد سنوات من الدراسة الجامعية.

وتظهر أحدث الأرقام الصادرة عن المكتب الوطني للإحصاء أن 33 بالمئة من السكان عاطلون عن العمل، والنسبة أكبر (42.5 بالمئة) بين الشباب الأصغر سنا.

ورغم كونها بلدا منتجا رئيسا للنفط، إلا أن أربعة من كل عشرة نيجيريين يعيشون تحت خط الفقر و"يفتقرون إلى التعليم وعدم وجود بنية تحتية أساسية مثل الكهرباء ومياه الشرب والصرف الصحي، وفقا لـ"البنك الدولي" في 22 مارس 2022.

وتقول "مجموعة الأزمات الدولية" إن انعدام الأمن، بسبب هجمات "بوكو حرام" و"تنظيم الدولة" في الشمال الشرقي والجماعات الجنائية في الشمال الغربي والوسط والانفصاليين المسلحين في الجنوب الشرقي "يزيد الاضطرابات".

وأشار موقع "ذا كونفرزيشن" الأسترالي مطلع فبراير 2023 إلى خمسة تحديات حرجة ستواجه نيجيريا عقب الانتخابات تدور حول التماسك الوطني، والأمن، والاقتصاد، وتدهور نظام التعليم الجامعي، ومحاربة الفساد. 

وأوضح أن "التهديدات الكبيرة ترجع لوجود نظام حكم متصدع، حيث نيجيريا أكثر انقساما واستقطابا مما كانت عليه في أي وقت مضى، بسبب الصدوع المتمثلة في المركزية العرقية والطائفية والتطرف الديني الذي يهدد البلاد بحافة الهاوية".

ونوه إلى "الاستقطاب في المناقشات الوطنية حول الرئاسة التناوبية، والجدل حول العقيدة الدينية والعرقية للمرشحين للرئاسة"، وأيضا الحركات الانفصالية في إقليم "بيافرا" في الجنوب الشرقي، والخطاب السام والمتعصب المتمركز حول الأعراق عبر وسائل الإعلام ومواقع التواصل الاجتماعي.

وشدد الموقع على أنه "يجب على الرئيس المقبل اتخاذ إجراءات عاجلة لتحقيق المصالحة الوطنية والتكامل لتجنب الفوضى الوشيكة وانهيار الأمن القومي والاقتصاد المنهك".

وأوضح أن معادلة النجاح للرئيس المقبل تتلخص في "رجل دولة جيد يسعى للتخفيف من حدة المشاكل، عبر تبني التزام متشدد بمبادئ الحكم الديمقراطي الصالح، حتى في مواجهة الضغوط الرجعية المحتملة الناشئة عن مصالح فئات معينة راسخة".

واستدرك الموقع: "أما لو جاء (رجل دولة سيء)، فهناك احتمالات بأن تتفاقم التحديات، وتصل إلى مزيج قابل للاشتعال قد ينذر بفشل الدولة في نيجيريا".