رغم ادعاء الحكومة نجاح مباحثات واشنطن.. لماذا لم تتحسن أزمة العراق المالية؟

يوسف العلي | منذ عام واحد

12

طباعة

مشاركة

لا يزال موضوع زيارة الوفد العراقي إلى واشنطن يأخذ مساحة واسعة في وسائل الإعلام المحلية، خصوصا بعدما رفضت الولايات المتحدة الأميركية إبداء أي مرونة في قضية تطبيق نظام "سويفت" على الدولار، الذي فرضته على العراق منذ نوفمبر/تشرين الثاني 2022.

ويهدف هذا النظام إلى تقديم أحدث الوسائل العلمية في مجال ربط وتبادل الرسائل والمعلومات بين جميع أسواق المال، من خلال البنوك المسؤولة عن تنفيذ ذلك بمختلف الدول، وبذلك يتمكن المشترك من مقابلة احتياجات العملاء الأجانب والمحليين أيضاً.

وفي 9 فبراير/شباط 2023، أجرى وفد عراقي برئاسة وزير الخارجية فؤاد حسين، وعضوية محافظ البنك المركزي علي العلاق مع شخصيات أخرى زيارة إلى الولايات المتحدة، استمرت لأكثر من أسبوع جرت خلالها محادثات في قضايا عدة من أبرزها الملف المصرفي والمالي.

لكن الزيارة والتصريحات التي خرجت بها كل من بغداد وواشنطن لم تكن نتائجها واضحة المعالم، الأمر الذي أثار العديد من التساؤلات بخصوص ما حققته المحادثات الثنائية، وما الذي يمكن أن يترتب عليها خلال المرحلة المقبلة في العلاقة بين البلدين؟

تفاؤل حكومي

وفي تقييم عراقي رسمي للمحادثات التي جرت في واشنطن وما خرجت به من نتائج، قال فؤاد حسين إن "مفاوضات الوفد العراقي الأخيرة في واشنطن بشأن حركة الدولار كانت ناجحة، وجرت وفق تفاهمات مشتركة دون شروط مسبقة".

وأوضح حسين خلال مؤتمر صحفي في بغدد في 20 فبراير 2023 أن "السياسة النقدية كانت ضمن أجندة زيارة الوفد العراقي إلى واشنطن".

وأشار إلى "مناقشة القضايا السياسية ومحاربة الفساد والعلاقات الإقليمية مع الجانب الأميركي، وأن هدف الزيارة إلى واشنطن كان يتعلق بالقطاع الاقتصادي".

ولفت الوزير العراقي إلى أنه "جرى تحديد حركة الدولار والمستفيد الأخير وفق نظام منصة إلكترونية توضع في العديد من المصارف والمنافذ الحدودية للسيطرة على الدولار وإدارته بشكل سليم في العراق".

وبيّن حسين أن "المفاوضات كانت ناجحة وجيدة ومتقدمة من أجل حماية مفاصل اقتصاد العراق ومحاربة التهريب"، مشددا على أنه "سيكون هناك استقرار في سعر صرف الدولار في السوق العراقية، وما يجرى الآن من ارتفاع وانخفاض هو مسألة وقت".

ونوه إلى أن "العملة العراقية قوية، واحتياطي العراق تجاوز 100 مليار دولار وسيكون هناك استقرار (للدينار) في وقت قريب"، مشيرا إلى أن "هناك فواتير غير حقيقية كانت تتقدم للحصول على الدولار".

وفي 21 فبراير 2023 دخل حيّز التنفيذ، قرار من البنك المركزي العراقي يلزم المصارف وشركات الصرافة المسجلة، باعتماد المنصة الإلكترونية في بيع الدولار الأميركي، محذرا في الوقت نفسه المخالفين من قطع حصصهم الأسبوعية من النقد (الدولار) في نافذة بيع العملة التابعة له.

وكان محافظ البنك المركزي العراقي علي العلاق، أكد خلال بيان رسمي في 15 فبراير 2023، أن "المنصة الالكترونية الجديدة وجدت لتجنب وقوع أي عقوبات على الجهات التي تجري عمليات تحويل سواء كانت مصارف أو غيرها".

وبين أن المنصة تعمل على حماية القطاع المصرفي للبنك المركزي والبنوك من الوقوع في أي إشكال يتعلق بالتحويلات المالية الخارجية وهذا يخدم جميع الأطراف.

وأوضح العلاق، أن "مسؤولية البنك المركزي إغلاق  الفرق في سعر الصرف، وخطواتنا جادة وحثيثة، ونتلقى دعما كبيرا من جميع الأطراف لتحقيق الهدف".

وأكد أن "مباحثاتنا مع صندوق النقد الدولي كانت مثمرة جدا واتفقنا على البرامج التي تخدم بشكل مباشر وغير مباشر لتحقيق هذا الهدف".

"زيارة فاشلة"

وفي المقابل، وصف أستاذ الاقتصاد في جامعة البصرة نبيل المرسومي، الزيارة بأنها "لم تكن ناجحة" بالقول إن "الأمر واضح، أنه لا رجوع عن المنصة الإلكترونية (سويفت) بعد اليوم".

وأردف خلال مقابلة تلفزيونية في 21 فبراير 2023 أن "ما يجري هو إصلاح مصرفي من نوع جديد مفروض من الخارج ، وليس من بنات أفكار البنك المركزي العراقي".

ولفت المرسومي إلى أن "الإصلاح مفروض من البنك الفيدرالي الأميركي بقواعد جديدة يجب على البنك المركزي العراقي الامتثال لها، وبالتالي فإن الأخير سيلزم كل المصارف والشركات للعمل على المنصة الإلكترونية".

وتابع: "لذلك فإن تمويل التجارة سيمر عبر الحوالة المصرفية والاعتمادات السندية، وربما يستغرق هذا الأمر 3 أشهر أخرى لردم الفجوة بين السعرين الرسمي (1310 دينارا للدولار) والموازي (1520 دينارا للدولار) رغم أنه من المتوقع أن تبقى الفجوة بحدود 100 نقطة، لأسباب أخرى تتعلق بضرورة تهريب الدولار لتمويل بعض الاستيرادات العابرة للحدود".

وأكد الخبير الاقتصادي أن "جميع محافظي البنك المركزي العراقي السابقين كانوا يعترفون دائما أن نافذة بيع العملة للبنك فيها فساد، لكنهم كانوا غير قادرين على إصلاح الأمر، إلا أنه جرى فرض الإصلاح اليوم من الخارج".

وأردف المرسومي، قائلا: "بالتالي على المركزي العراقي، والجهاز المصرفي العمل وفق ما يريده الأميركيون، وأن هذه خطوة جيدة لأنها تحفظ أموال العراق، رغم أنها جاءت بعد 20 عاما من تهريب كبير وعمليات غسيل للأموال العراقية".

وأشار الخبير الاقتصادي إلى أن "الغاية من عملية المنصة الإلكترونية التي طبقتها الولايات المتحدة هي تقويض التجارة بين العراق وإيران، في تحول إستراتيجي أميركي ضد الدول التي تصنفها بأنها معادية لها".

وصاية مالية

وعن ما سيترتب على المحادثات بين بغداد وواشنطن، قال الخبير السياسي العراقي أمير الدعمي خلال تغريدة على "تويتر" في 17 فبراير 2023، إن "البنك الفيدرالي الأميركي يوصي بمراقبة التحويلات من خلال مركز مقره في (العاصمة الأردنية) عمّان"، من دون ذكر أسباب اختيار الأردن دون غيره.

وبين أن هذا الأمر "أشبه بالوصاية على العراق ولا يفرق كثيرا عن وصاية الأمم المتحدة بالبند السابع".

وينص الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة على اتخاذ "إجراءات قسرية" في حال كان السلام مهددا تتراوح بين العقوبات الاقتصادية واللجوء إلى القوة. 

ويسمح الفصل ذاته بممارسة الضغوط على بلد لإجباره على الالتزام بالأهداف التي حددها مجلس الأمن، قبل أن يتم تطبيق إجراءات قسرية.

وعلى الصعيد ذاته، كشف الأكاديمي والخبير في الشؤون السياسية والاستراتيجية العراقي سمير عبيد، أن "واشنطن فرضت عددا من الشروط على العراق من أجل تجاوز أزمة الدولار وتهريبه إلى الخارج".

وبين خلال سلسلة تغريدات على "تويتر" في 14 فبراير أن من الشروط الأميركية التي وقعها الوفد العراقي بواشنطن فتح مكتب فيدرالي بعمان مهمته مراقبة حركة الأموال العراقية.

وكشف أن "السوداني (رئيس الوزراء العراقي) كسر حاجز التردد والمجاملة مع قادة الإطار (حلفاء إيران) وأخبرهم بالشروط الأميركية الصارمة التي وقع عليها الوفد العراقي في واشنطن والتي باتت ملزمة" حسب قوله.

وهو ما عدّها الأكاديمي العراقي "فرضا للوصاية الأميركية على الاقتصاد العراقي بتوقيعهم بواشنطن".

وعلى الوتيرة ذاتها، قالت الخبيرة الاقتصادية العراقية سلام سميسم خلال تغريدة على "تويتر" في 14 فبراير 2023، إن "إنشاء مركز لمراقبة تحويلات العراق المالية في عمّان من البنك الفيدرالي هو وصاية مالية نقدية على الحوالات العراقية، الخبر مرّ وكأن لا شيء حدث، سادتي نحن مقبلون على كارثة اقتصادية لا تقل عن البند السابع".

 

 

بدوره، قال النائب عقيل الفتلاوي عن الإطار التنسيقي الشيعي إن "البنك الدولي والإدارة الأميركية يستخدمان منصة سويفت لفرض إرادتهما وابتزاز العراق"، مضيفا أن "الولايات المتحدة تجاوزت مرحلة الهيمنة العسكرية واتجهت نحو الهيمنة الاقتصادية عن طريق تلك المؤسسات تحت الغطاء الأممي".

ورأى الفتلاوي خلال مقابلة تلفزيونية في 9 فبراير 2023 أن "تلك المؤسسات نموذج سيء للهيمنة وتجويع الشعوب"، لافتا إلى أن "الولايات المتحدة في الوقت الحاضر مازالت العنصر المقيد والضاغط على الاقتصاد العراقي، خاصة بعد خروج العراق من البندين السابع والسادس".

وينص الفصل السابع من ميثاق الأمم المتحدة على اتخاذ "إجراءات قسرية" في حال كان السلام مهددا تتراوح بين العقوبات الاقتصادية واللجوء إلى القوة. 

أما الفصل السادس من ميثاق الأمم المتحدة فينص على دعوة الأطراف المتنازعة إلى تسويـة النزاع بينهم بالمفاوضة والتحقيق والوساطة والتوفيق والتحكيم والتسوية القضائية، أو اللجوء إلى الوكالات والتنظيمات الاقليمية أو غيرها من الوسائل السلمية.

"كواليس لافتة"

رغم حديث وزير خارجية العراق، أن الزيارة كانت إيجابية، لكن سفير واشنطن السابق في بغداد دوغلاس سليمين كشف خلال مقال نشره موقع "معهد دول الخليج العربية في واشنطن" في 17 فبراير 2022 أن "الهاجس الاقتصادي وتهريب الدولار مسيطر بالكامل على التفكير الأميركي".

وأوضح السفير السابق أن "هناك رواية قوية في واشنطن بأن حكومة السوداني متواطئة في توسيع النفوذ الإيراني في العراق".

وأشار إلى أن "وزير الخارجية فؤاد حسين أوضح أن تصرفات رئيس الوزراء ضد الأهداف الإيرانية في العراق، لا سيما بيانه العلني في يناير/كانون الثاني 2023 بدعم استمرار الوجود الأميركي في بلاده".

وبحسب السفير، فإن حسين ووفده سعى وراء الكواليس إلى "تخفيف المخاوف في الإدارة والكونغرس من أن السوداني هو نتاج دعم إيراني".

لذلك جادلوا بأن الدعم السياسي لرئيس الوزراء لا يأتي فقط من الأحزاب السياسية الموالية لإيران ولكن من الحزبين الكرديين الرئيسين والأحزاب السنية والمسيحيين والشيعة المعتدلين، إضافة إلى دعم السوداني العلني للقوات الأميركية، وفق قوله.

وبين سليمين أن "الوفد تحدث بأدب من أجل دعوة السوداني لزيارة البيت الأبيض في المستقبل غير البعيد كإشارة على دعم واشنطن، وهو أمر قالوا إنه يمكن أن يساعد رئيس الوزراء في اتباع سياسات، مثل الإصلاح الاقتصادي والإداري، التي لا تملك دعم الأحزاب والمليشيات الموالية لإيران".

وأكد السفير الأميركي السابق أن "الزيارة أقنعت الكثيرين في الإدارة بالنظر مرة أخرى في كيفية إحراز تقدم في هدف السياسة الأميركية الطويل الأمد المتمثل في عراق ذي سيادة وديمقراطية ومزدهر".

ورأى سليمين أنه "ينبغي لواشنطن، بينما تظل متشككة، أن تنظر في الزيارات المتبادلة التي يقوم بها المسؤولون الأميركيون، وأن تدعو إلى مزيد من المناقشة حول الأجندة الاقتصادية التي تثيرها بغداد، خاصة فيما يتعلق بقضايا الاستيلاء على الغاز والمناخ".

وفي 16 فبراير 2023 قال وزير الخارجية الأميركي أنتوني بلينكن، في كلمته خلال مؤتمر صحفي مشترك مع نظيره العراقي فؤاد حسين إن "بلاده تعمل على تعزيز الاقتصاد العراقي وإعادة دمجه بالمنطقة في إطار العلاقات الاستراتيجية التي تربط البلدين"، موضحا: "نركز الآن بشكل مكثف للغاية على البعد الاقتصادي لتلك الاتفاقية".

ووقع العراق والولايات المتحدة الأميركية في نوفمبر/ تشرين الثاني 2008، اتفاقية بين البلدين أطلق عليها "الإطار الاستراتيجي" وصادق عليها مجلس النواب العراقي في نهاية نفس العام ودخلت حيز التنفيذ في شهر يناير/كانون الثاني من العام التالي 2009.

وترسي هذه الاتفاقية واسمها الكامل هو "اتفاقية الإطار الإستراتيجي لعلاقة صداقة وتعاون بين الولايات المتحدة وجمهورية العراق" أسس تعاون مشترك وطويل المدى بين البلدين في سبعة مجالات رئيسة هي: "السياسة والدبلوماسية، الدفاع والأمن، الثقافة، الاقتصاد والطاقة، الصحة والبيئة، تكنولوجيا المعلومات والاتصالات، تطبيق القانون والقضاء".

في كل واحدة من مجالات التعاون هذه، حددت الاتفاقية الأهداف العامة المرتبطة بكل قطاع وهي، في أغلبها، تتصل بتقوية المؤسسات العراقية وتطوير قدراتها على تأدية مهامها بفعالية.

وللإشراف على إنجاز هذه الأهداف، نصت الاتفاقية على تشكيل لجنة تنسيق عليا أميركية-عراقية، تلتقي دوريا، مهمتها متابعة تنفيذ بنود الاتفاقية وتُمثل فيها الوزارات والمؤسسات المعنية بالمشاريع التي تُحدد في إطار الاتفاقية.