لنشر التشيع وزيادة النفوذ.. هذه إستراتيجية إيران في دول إفريقيا

قسم الترجمة | منذ عام واحد

12

طباعة

مشاركة

رصدت مجلة تركية المشروع الإيراني لنشر المذهب الشيعي في دول إفريقيا، مؤكدة أن التوجه "في تنامٍ مطرد وملحوظ".

وقالت "المجلة التركية لدراسات الشرق الأوسط" إنه "في وقت تشهد فيه الجهات الفاعلة العالمية والإقليمية اضطرابا جيوسياسيا جديدا ومنافسة اليوم، تكتسب إفريقيا أهمية كشريك تجاري ووجهة استثمارية، ولكن أيضا كساحة للجهات الفاعلة الخارجية لإظهار قوتها العسكرية والإستراتيجية". 

وأشارت المجلة في ورقة بحثية للكاتب التركي، أورهان كارا أوغلو، إلى أن "وجود الجهات والقوى الفاعلة العالمية في إفريقيا مكّنها من وضع سياسات بشأن القارة السمراء".

قائمة التشيع

وفي هذا الصدد، قال كارا أوغلو: "كانت أنشطة إيران في شمال إفريقيا على وجه الخصوص كقوة إقليمية، وخاصة سياستها التشيعية، أكثر بروزا من منافسيها الآخرين". 

بالإضافة إلى "المنظور الفارسي الموروث من الإمبراطورية الفارسية، أثر التشيع بشكل كبير ولا يزال يؤثر على الميول الجيوسياسية والجيوثقافية لإيران الحالية". 

وتابع كارا أوغلو: "مع تسييس المذهب الشيعي، ربما أصبح أحد العوامل التي تلعب دورا مهما في تشكيل الهوية الوطنية الإيرانية والحفاظ عليها هو الأكثر أهمية".

ورأى أن "التشيع الإيراني، الذي يشكل نظاما اجتماعيا وثقافيا مختلفا عن الحضارات الأخرى المحيطة به في هذا الصدد، قد تشابك مع القومية الفارسية منذ عهد الشاه إسماعيل وأصبح اليوم المحدد الرئيس للأمن والسياسة الخارجية". 

وأردف كارا أوغلو: "إيران ترى نفسها المدافع عن جميع المسلمين في العالم، ولذلك، فإنها تستخدم العامل الديني كوسيلة لشرعية سياستها الخارجية في مناطق مختلفة، أحدها القارة الإفريقية".

ولفت إلى أن "العلاقات بين إيران والقارة السمراء تسارعت في ظل حكم محمد رضا بهلوي (1941-1979)، واتبع بهلوي سياسة توسيع علاقات إيران مع عدد من البلدان الإفريقية، بما في ذلك الجزائر ومصر والمغرب وجنوب إفريقيا".

وأكد كارا أوغلو أن "علاقات الجمهورية تعمقت مع إفريقيا أكثر بسبب ثورة عام 1979، التي سعى من خلالها إلى تقديم نفسه كمدافع عن المضطهدين ومحاربة الإمبريالية الغربية في ذلك الوقت". 

وأوضح أنه "منذ العام 1979، بني الوجود الإيراني في القارة الإفريقية على معاداة الولايات المتحدة والجهود المبذولة لتطوير العلاقات الاقتصادية والسياسية مع دول المنطقة في عملية نشر الطائفة الشيعية".

وأشار الكاتب إلى أن "أحد الدوافع الرئيسة للتوجه الجيوسياسي الإيراني هو التأثير على البلدان التي تنخرط فيها الشعوب أو الحكومات بالفعل في الاستعمار الثقافي مع الغرب. فيمكن للمشاعر المناهضة للاستعمار في أجزاء من إفريقيا أن تمهد الطريق لطهران وبعض دول إفريقيا للوصول إلى منظور مشترك، مما قد يسمح لإيران بتوسيع دورها في المنطقة".

واستطرد: "مع مرور الوقت، قدمت إدارة طهران، وخاصة من خلال السفارات ووكلاء الثقافة، منحا دراسية للطلاب الإفريقيين للدراسة في الجامعات الإيرانية الشيعية، وبهذه السياسة، خلقت عنصر القوة الناعمة ومهدت الطريق لبداية علاقات ثنائية طويلة الأمد".

30 سفارة

وبالإضافة إلى مبادراتها الاجتماعية والثقافية، تحاول إيران، التي لديها سفارات في أكثر من 30 بلدا حتى اليوم، إقامة علاقات وثيقة مع البلدان الإفريقية بالمعنى التجاري وتنظم العديد من المعارض التجارية في إفريقيا في هذا الصدد. 

وبين كارا أوغلو أن "إيران تواصل جهودها الشيعية في إفريقيا من خلال المهاجرين اللبنانيين في إفريقيا، والسفارات الإيرانية ووكلاء الوزارات الثقافية، والتجار والمربين الشيعة العراقيين والسوريين واللبنانيين". 

ومنذ عام 1990، كثفت السفارات الإيرانية ووكلاء الوزارات الثقافية في القارة أنشطتها وبدأت في حماية المجتمعات اللبنانية والجماعات الشيعية في إفريقيا وبناء مؤسسات لهؤلاء الفئات.

وتشمل هذه البلدان، المغرب والجزائر وتونس وليبيا ومصر والسودان والسنغال ونيجيريا ومالي وبوركينا فاسو وجزر القمر والصومال وكينيا وأوغندا وبنين وكوت ديفوار والكاميرون وتنزانيا وغانا وجنوب إفريقيا. 

ومن بين هذه البلدان، تجذب السنغال ونيجيريا وغانا والمغرب والجزائر وتونس اهتماما أكبر من البلدان الأخرى.

ومع قرب نهاية القرن 19، بدأ المهاجرون اللبنانيون، وخاصة المسيحيين، بالهجرة إلى إفريقيا من أجل التهرب من أداء الخدمة العسكرية الإلزامية في الجيش العثماني أو البحث عن عمل، وفق الكاتب التركي.

وتحول العديد من الطائفيين الشيعة بين المهاجرين اللبنانيين تدريجيا إلى الأنشطة الشيعية في البلدان الإفريقية التي هاجروا إليها. 

وذكر كارا أوغلو أنه "من المعروف أن السفارات الإيرانية وزعت بعض المجلات والكتب في بلدانها، مستهدفة في البداية الأشخاص الذين يشككون في الشيعة". 

واستطرد "تم تزويد الطلاب الأفارقة بمنح دراسية للدراسة في الجامعات الإيرانية الشيعية، وقد تبنى معظم هؤلاء الطلاب المذهب الشيعي، وعند عودتهم إلى بلدانهم، فإنهم يقودون الأنشطة الشيعية نيابة عن إيران". 

وأكمل: "منذ عام 1990، كثفت السفارات الإيرانية ووكلاء الوزارات الثقافية أنشطتها وبدأت في رعاية المجتمعات اللبنانية والجماعات الشيعية في إفريقيا وإنشاء مؤسسات لها".

قوة أكبر

وفي إطار إستراتيجية التشييع في إفريقيا، قام الرؤساء الإيرانيين بزيارات متكررة إلى مختلف بلدان القارة السمراء، وخلال هذه الزيارات، تم الاستثمار في مجالات مختلفة، مثل فتح القواعد العسكرية، وتعزيز العلاقات التجارية والسياسية، وإنشاء مصافي النفط والمصانع.

ورأى أن "هذه التحركات الاقتصادية مهدت الطريق أمام إيران لمواصلة جهودها لنشر التشيع في إفريقيا بقوة أكبر، واستمرت هذه السياسة الإيرانية خلال فترة ولاية الرئيس السابق حسن روحاني".

ومنذ عام 1980، هاجر المعلمون العراقيون ثم السوريون واللبنانيون إلى بلدان مثل ليبيا والجزائر للعمل والتجارة، ومن بين هؤلاء المهاجرين، قام أعضاء من الطائفة الشيعية أيضا بأنشطة لنشر التشيع في البلدان التي كانوا يقيمون فيها، وفقا للكاتب التركي. 

ومن المحتمل أن تواصل إيران هذه السياسة تحت قيادة إبراهيم رئيسي، من خلال التركيز على نيجيريا والسنغال والمغرب وتونس والجزائر وتنزانيا من خلال بذل الجهود لتعزيزها.

وفي هذا السياق، "نعتقد أن التشيع ليس فقط عنصرا دينيا/دنيويا للمجتمعات، ولكنه أيضا مصدر مرجعي إستراتيجي للعملاق الإيراني"، بحسب الكاتب التركي.

وشدد على أن "إيران تهدف إلى زيادة نفوذها الطائفي وحماية مصالحها الوطنية في سياق السياسة الخارجية من خلال إنشاء مجموعات موالية لإدارة طهران". 

ولفت الكاتب النظر إلى أنه "لا تعد الدبلوماسية الدينية ذات التوجه الشيعي أداة للسياسة الخارجية للدولة الإيرانية فحسب، بل أيضا مصدرا مرجعيا مهما لإستراتيجية هجينة تواجه عناصر ثيوسياسية وجيوسياسية وواقعية سياسية". 

وختم كارا أوغلو دراسته بالقول إن "إيران تريد أن تميز نفسها عن الجهات الفاعلة الإقليمية والعالمية الأخرى التي تريد أن تكون فعالة في المنطقة، من خلال القيام بأنشطة الدبلوماسية الدينية في كل من المجالات السياسية والدينية وغير الدينية في هذه القارة المهمة".