اتهامات متبادلة بالفساد.. هكذا يتصارع أعوان إيران على كعكة الإعلام العراقي

يوسف العلي | منذ عام واحد

12

طباعة

مشاركة

منذ تولي محمد شياع السوداني رئاسة الحكومة بالعراق في أكتوبر/ تشرين الأول 2022، يدور صراع على رئاسة شبكة الإعلام العراقي، الذراع الحكومية للقنوات والصحف الممولة من الدولة، والتي يرأسها الإعلامي نبيل جاسم المحسوب على رئيس الوزراء السابق مصطفى الكاظمي.

الصراع على شبكة الإعلام العراقي يجرى حاليا بين أطراف داخل الإطار التنسيقي الشيعي الذي ينتمي إليه السوداني، ما أثار تساؤلات عن أهمية هذه الشبكة والجهات التي تسعى إلى السيطرة عليها في ظل تمسك أبداه السوداني برئيسها الحالي.

وتأسست شبكة الإعلام العراقي عام 2004، كجهة إعلامية رسمية بعد حل وزارة الإعلام العراقية عام 2003 بقرار من الاحتلال الأميركي، حيث تتبع للشبكة مجموعة قنوات "العراقية" وجريدة "الصباح" و"وكالة الأنباء العراقية" و"إذاعة بغداد".

ولطالما كانت الشبكة تحت رحمة الأحزاب السياسية النافذة وسطوة رئيس الوزراء رغم تمويلها من المال العام وارتباطها مباشرة بالبرلمان. وأيضا، غالبا ما تتدخل رئاسة الوزراء والقوى السياسية في تعيين رئيس الشبكة وأعضاء هيئة الأمناء الخمسة الذين يتوزعون إلى شيعة وسنة ومكونات أخرى.

ووجهت للشبكة انتقادات لاذعة بسبب توجهاتها منذ تأسيسها، ولا سيما في أيام الحرب الطائفية في البلاد (2006 - 2008)، إذ كانت تتهم بتسعير هذه الحرب، وتسهم في تشويه المكون السني كونه كان يقاوم الاحتلال الأميركي، وتظهرهم على أنهم "إرهابيون".

كما كانت تظهر اعترافات معتقلين سنة من خطباء مساجد وغيرهم أخذت منهم تحت التعذيب وتعرضها في برنامج أطلقت عليه "الإرهاب في قبضة العدالة".

وأقدم الجاسم، بعد تكلّيفه من قبل الكاظمي في يوليو/ تموز 2020 بمنصب رئيس شبكة الإعلام العراقي، على سلسلة من الإجراءات التصحيحية، إذ سمح بظهور المعارضين السياسيين للأحزاب الحاكمة على شاشات الشبكة، كما نقل مشاهد الاحتجاجات المدنية وآراء الحراك المدني، التي كانت محظورة قبل توليه المنصب.

"صراع إرادات"

الخلافات حول رئاسة شبكة الإعلام العراقي وصلت ذروتها عندما قرر مجلس أمناء الشبكة، إقالة رئيسها نبيل جاسم، في 8 يناير/ كانون الثاني 2023، الأمر الذي رفضه السوداني وأمر باستمرار عمل الأخير في منصبه كون الإقالة غير قانونية.

وقال مدير مكتب رئيس الوزراء إحسان العوادي إنه "رغم أن قانون شبكة الإعلام العراقـي رقـم (26) لسنة 2015 أجاز للمجلس المـذكور إنهاء خدمة رئيس الشبكة قبل انتهاء مدة ولايته، إلا أن ذلك يكون في حالة توافر أحد الأسباب المنصوص عليها في البند (ثانيـا) من المادة (14) من القانون موضوع البحث".

وأضاف في وثيقة موجهة لرئيس الشبكة في 8 يناير: "بالنظر لخلو القرار من أحد الأسباب المذكورة في الفقرة (1) آنفـا، بحسب الأولويات المتوافرة لدينا، فيكـون أمـر إنهـاء الخدمـة لا سـنـد لـه مـن القـانون ولا يعمـل بـه، ووجه رئيس مجلس الوزراء استمراركم بمهام عملكم وفق القانون".

لم يكتف السوداني عند هذا الحد في رده على قرار إقالة نبيل جاسم من منصبه، بل أمر بسحب الحمايات الأمنية الخاصة بمجلس أمناء شبكة الإعلام العراقي، حسبما نشرت قناة "المركز الخبري الوطني" على التلغرام في 9 يناير، كما أوصى البرلمان العراقي بإعفاء رئيس وأعضاء مجلس أمناء الشبكة.

لكن "هيئة الأمناء" ردّت على قرار السوداني عبر بيان، قالت فيه: "يؤكد مجلس أمناء شبكة الإعلام العراقي أن إقالة رئيس الشبكة السابق نبيل جاسم تمت وفق السياقات القانونية التي نص عليها قانون الشبكة وبأسباب بلغت (27) سببا مع المرفقات والوثائق، وصلاحية قرار إنهاء تكليف رئيس الشبكة صلاحية حصرية لمجلس الأمناء".

وقبل ذلك، كان مجلس أمناء شبكة الإعلام العراقي، قال، في بيان، إنه "بحضور رئيس المجلس ونائبه وأعضاء المجلس، قُرّر إنهاء تكليف رئيس الشبكة نبيل محمد جاسم من مهامه لعدم قناعة المجلس بأدائه وللمخالفات الإدارية".

كما قرر مجلس الأمناء تكليف عبد الحكيم جاسم شمخي بمهام رئاسة الشبكة، موصيا رئيس الشبكة الجديد بتقديم تقييم مفصل بأداء دوائر الشبكة إلى مجلس الأمناء في غضون 30 يوما من تاريخ مباشرته.

فيما شدد المجلس على رئيس الشبكة الجديد أن يعالج الأسباب الواردة في إقالة رئيس الشبكة السابق في غضون 30 يوما من تاريخ مباشرته.

وجاء هذا القرار بعد أكثر من شهرين على ظهور جملة من الشائعات التي أفادت بهذا القرار، جرّاء رفض قوى "الإطار التنسيقي" الموالية لإيران، لبقاء رجل الكاظمي، نبيل جاسم في ذلك المنصب الحساس.

"ديربي ناري"

وعن هذا الصراع، كشف خبير بالشأن السياسي العراقي لـ"الاستقلال"، أن "مليشيا عصائب أهل الحق بزعامة قيس الخزعلي هي من تقف بوجه أطراف الإطار التنسيقي لإبقاء نبيل جاسم رئيسا للشبكة".

وأضاف الخبير العراقي، مفضلا عدم ذكر اسمه، أن "أطراف الإطار التنسيقي الشيعي تعد نبيل جاسم من بقايا عهد الكاظمي ولابد من إخراجه من منصبه، لكن جاسم تعهد للعصائب بألا يرفض لهم طلبا، الأمر الذي دفع هذه المليشيا إلى إبقائه في مكانه مقابل تنفيذ أجندتها".

وفي السياق ذاته، نشرت قناة "أوروك نيوز" القريبة من التيار الصدري عبر تطبيق تلغرام في 8 يناير، معلومات بخصوص الصراع الدائر على شبكة الإعلام العراقي، وصفت فيه ما يجرى بأنه "ديربي ناري".

وقالت "أوروك نيوز" إن "الصراع محتدم بين فريق (المالكي العصائب لدعم نبيل جاسم ) وفريق الكتائب وجعفر الونان (رئيس مجلس أمناء شبكة الإعلام) لإقالة نبيل ومنح المنصب لشخص مقرب آخر".

وتزامنا مع ذلك، أصدر المكتب الإعلامي لكتلة "الصادقون" البرلمانية التابعة لمليشيا "عصائب أهل الحق" بيانا في 9 يناير، قال فيه إن قرار مجلس أمناء شبكة الاعلام العراقي بإقالة رئيس الشبكة ومدى قانونيته، أمر عائد للجهات القانونية المختصة.

ودعت الكتلة، البرلمان العراقي إلى "تقييم حقيقي لمجلس الأمناء الحالي وإعادة النظر في تشكيلته الحالية وضرورة اختيار مجلس أمناء جديد يستطيع الاضطلاع بواجباته بشكل مهني".

في المقابل، فبعد قرار مجلس الأمناء القاضي بإقالة نبيل جاسم، غرد المدون القريب من "كتائب حزب الله" في العراق، أحمد الذواق، قائلا: "الحمد لله انتهى نبيل جاسم. الكل وقف ضدي من أصدقائي الإعلاميين وخسرت بعض من أحبهم بسبب نبيل لأنه كان يتصل بهم ويشكي مني. اليوم انتهى نبيل. شكرا مجلس الامناء على هذا القرار".

كما اتهم المحلل السياسي القريب من الإطار التنسيقي، نجاح محمد علي، عبر تويتر في 3 يناير، مدير المكتب الإعلامي للسوداني، الإعلامي ربيع نادر، القريب من "عصائب أهل الحق" بعرقلة إقالة نبيل جاسم وطالب مجلس الأمناء بالإبقاء عليه في منصبه.

اتهام ربيع نادر لم يكن الأول من نوعه، فسبق أن وجه القيادي في الحشد الشعبي محمد البصري اتهاما له بعرقلة إقالة نبيل جاسم، وغرّد في 12 نوفمبر/ تشرين الثاني 2022، قائلا: "ربيع نادر يرفع شعار يالثارات نبيل جاسم فبعد انتقادنا له باتصاله بهيئة الأمناء للإبقاء على نبيل جاسم يحذف أسمائنا من اللقاء بالسيد السوداني (رئيس الوزراء)".

"حرب شخصية"

كما انخرطت بالصراع لجنة الثقافة والسياحة والآثار في البرلمان العراقي، إذ أعرب رئيسها النائب فاروق حنا عتو، عن استغرابه من قرار إقالة نبيل جاسم ووصفه بأنه "غير المتوقع"، حسب بيان صدر عن مكتبه في 9 يناير.

 وأضاف عتو: "نحن كرئيس السن (أكبر الأعضاء سنا يصبح رئيسا في حال لم يصوت البرلمان على رئيس للجنة) وأعضاء لجنة الثقافة والسياحة والآثار والإعلام ليس لنا علم بالموضوع، وخصوصا إذا كانت الأسباب تتعلق بالتلكؤ أو الفساد، كان من الأفضل قيام المجلس بتزويدنا بما لديهم وخصوصا ما يستوجب إبعاد نبيل جاسم".

وشدد رئيس اللجنة البرلمانية على ضرورة "سحب القرار والتريث لحين تحقيق لجنة النزاهة في الموضوع بعدها يكون حسم الموضوع".

بدورها، دعت عضوة لجنة النزاهة في البرلمان، النائبة الكردية سروة عبد الواحد، أعضاء المجلس جميعاً إلى توحيد الموقف بوجه ما سمتها "الحروب والصراعات الشخصية" الدائرة في شبكة الإعلام العراقي منذ سنوات.

وأبدت عبد الواحد خلال بيان لها في 9 يناير، استغرابها من قرار إنهاء تكليف جاسم، مطالبة بـ"إقالة أعضاء مجلس الأمناء".

وقالت: "رغم أهمية مجلس أمناء شبكة الإعلام العراقي، لكنه يخلو من مكون أساسي (الأكراد) من مكونات المجتمع العراقي، ولا يمثل إلا توجها واحدا، يعكس حقيقة تكوينه في ظروف غامضة وغريبة من مجلس الوزراء الأسبق، الذي لم يأخذ بالحسبان الشخصيات المهنية والكفاءة، واعتمد المجاملات السياسية في اختيار أعضاء مجلس الأمناء".

وأضافت: "إننا إذ نطالب بإقالة أعضاء مجلس أمناء شبكة الإعلام العراقي، وإيقاف جميع القرارات المتخذة من قبلهم، وفتح تحقيق عاجل بخصوص العقود التجارية وعقود الدراما التي أبرمها هذا المجلس".

ومضت تقول: "أدعو جميع زملائي أعضاء مجلس النواب إلى توحيد الموقف والوقوف بوجه الحروب والصراعات الشخصية الدائرة في شبكة الإعلام العراقي منذ سنوات بعيدا عن المهنية والوطنية وخدمة الإعلام العراقي".