سجن ومنع وغرامات.. ما إمكانية محاكمة ترامب "جنائيا" في اقتحام الكونغرس؟

إسماعيل يوسف | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

يواجه الرئيس الأميركي السابق دونالد ترامب أربع تهم لتورطه في الهجوم الذي شنه أنصاره على مبنى الكابيتول (مجلس النواب) في 6 يناير/كانون الثاني 2021.

صوت أعضاء لجنة مجلس النواب الأميركي، التي تحقق في أحداث اقتحام الكونغرس بإجماع أعضائها، 19 ديسمبر/كانون الأول 2022 على "توصية" بمحاكمة ترامب وآخرين دعموه جنائيا.

لجنة التحقيق النيابية طالبت وزارة العدل بتوجيه اتهامات جنائية ضد ترامب لدوره في التحريض على اقتحام المبنى، بعد جمعها أدلة على مدار 18 شهرا بعد استدعاء العديد من المسؤولين والتحقيق، ومراجعة الوثائق والمعارك القانونية.

هذه هي المرة الأولى في التاريخ الأميركي التي يوصي فيها الكونغرس بتوجيه اتهامات لرئيس سابق، بحسب صحيفة "الغارديان" البريطانية.

وتصويت اللجنة غير ملزم، ويعود الأمر إلى وزارة العدل، التي عينت مدعيا عاما للتحقيق بشكل مستقل، وهو من سيقرر بشكل نهائي ما إذا كانت ستلاحق الرئيس السابق أم لا، إلا أن الوزارة لا يمكنها إغفال توصية مجلس النواب.

وعين المدعي العام ميريك جارلاند بالفعل مستشارًا خاصًا، هو جاك سميث، لتولي تحقيقين متعلقين بترامب، بما في ذلك التحقيق في واقعة 6 يناير.

واستدعي "سميث" مسؤولين في سبع ولايات اتصل بهم ترامب أو مستشاروه خلال محاولاتهم للاعتراض على نتائج الانتخابات الرئاسية لعام 2020، كما يحقق أيضا في إخفاء الرئيس السابق وثائق سرية في منزله بعد ترك منصبه.

إذا أدين ترامب بارتكاب الجرائم التي حدثته عنها اللجنة، فقد يواجه سجنا لأكثر من 10 سنوات، وغرامات كبيرة، بحسب ما نشرت صحيفة "الغارديان" في 19 ديسمبر.

وقد تصل العقوبة إلى 20 عامًا في السجن، والمنع من الترشح لمنصب سياسي، بجانب دفعه غرامات بمئات الآلاف من الدولارات، وفق ما قال موقع بي بي سي البريطاني.

كالعادة، رد ترامب، باتهام لجنة التحقيق النيابية في الهجوم على الكابيتول بالسعي لمنعه من الترشح للانتخابات الرئاسية المقبلة في 2024 من خلال توصيتها لوزارة العدل بتوجيه "اتهامات زائفة" إليه.

قال في منشور على منصته للتواصل الاجتماعي "تروث سوشيال" إن "كل هذه الأفعال الرامية لملاحقتي هي على غرار محاكمة عزلي، محاولة حزبية لإقصائي، أنا والحزب الجمهوري" من الانتخابات الرئاسية المقبلة.

أدلة الاتهام

تحدثت لجنة التحقيق التي تشكلت من تسعة أعضاء (7 ديمقراطيين و2 جمهوريين) عن "أدلة مهمة" تجزم أن "ترامب كان يعتزم تعطيل الانتقال السلمي للسلطة بموجب الدستور الأميركي".

قرار اللجنة اتهم ترامب بأربع تهم جنائية هي: عرقلة العدالة، والتآمر للاحتيال على الولايات المتحدة، والتآمر على تقديم تصريحات خاطئة للحكومة الأميركية والتحريض على العصيان، أو تقديم المساعدة لتمرد.

جاء فيه أن "على الرئيس واجب دستوري أساسي للحرص على تنفيذ القوانين بأمانة، ولا شيء يمكن أن يكون خيانة أكبر لهذا الواجب من المساعدة في التمرد على النظام الدستوري كما فعل ترامب".

لجنة التحقيق المسماة "6 يناير"، في إشارة لليوم الذي اقتحم فيه يمنيون متطرفون من أنصار الرئيس السابق مبنى الكونغرس، أكدت أن "كل الطرق تؤدي إلى محاكمة دونالد ترامب"، بحسب ما نشرت سي إن إن الأميركية في 20 ديسمبر.

عضو لجنة التحقيق النيابية في حادث اقتحام الكونغرس، النائب الديمقراطي آدم شيف قال إن تقرير اللجنة يتضمن أدلة قوية تدين الرئيس السابق دونالد ترامب.

قال لشبكة "سي إن إن" إن "التقرير يتضمن الأدلة الكافية التي يحتاجها محققو وزارة العدل لاتخاذ قرار بإدانة ترامب".

أوضح أن "الأدلة على أن دونالد ترامب ارتكب جرائم جنائية فيما يتعلق بجهوده لقلب نتائج الانتخابات موجودة في التقرير، وأعتقد أنها كافية لتوجيه الاتهام له".

شدد على أن "ترامب حاول بطرق متعددة الضغط على مسؤولي الولايات للعثور على أصوات غير موجودة"، و"حاول التدخل لعرقلة جلسة تشريعية مشتركة"، و"حرض على مهاجمة مبنى الكونغرس". وتساءل: "إذا لم يكن هذا فعلاً إجرامياً، فما الفعل الإجرامي إذن؟!".

رئيس اللجنة بيني طومسون،  قال: "لم يسبق لرئيس أن حاول سرقة فترة ولاية ثانية، على الرغم من الأدلة الدامغة على خسارته".

أكد أن ترامب خسر انتخابات 2020 وكان يعرف ذلك، لكنه اختار محاولة البقاء في المنصب من خلال مخطط متعدد الأوجه، لقلب النتائج ومنع نقل السلطةـ للرئيس الفائز، بحسب صحيفة "الغارديان". 

ووجهت اللجنة اتهامات أخرى ودعوات لمحاكمة "جون إيستمان"، محامي ترامب واتهمته بأنه "كان المهندس الرئيسي لهذا المخطط"، و"وضع الكثير من الحيل لبلورة إستراتيجية لإلغاء فوز جو بايدن في الانتخابات".

قالت: "ساعد إيستمان ترامب في الضغط على مايك بنس نائب الرئيس (السابق)  لتعطيل التصديق على الأصوات الانتخابية، على الرغم من أن المحامي كان يعلم أن فعل ذلك سيكون غير قانوني".

وأحالت لجنة التحقيق النيابية النائب "إيستمان" للمحاكمة في وزارة العدل بتهم التآمر، وكذلك لمحاولته عرقلة إجراءات رسمية.

كما أحالت أربعة ممثلين عن الحزب الجمهوري إلى لجنة الأخلاقيات، من بينهم زعيم الحزب الجمهوري كيفن مكارثي، بسبب وضعهم استراتيجية لإبقاء ترامب في منصبه.

وكان ملفتا أن أعضاء في اللجنة تابعين لحزب ترامب (الجمهوري) أدانوا الرئيس السابق وعدّوا أنه لا يصلح للترشح مجددا للرئاسة، بحسب بي بي سي.

وقالت النائبة الجمهورية، ليز تشيني، نائبة رئيس اللجنة، في بيانها الافتتاحي إن ترامب "لا يتمتع بالأهلية لتولي منصب عام"، مضيفة: "لا يمكن لرجل تصرف بهذه الطريقة أن يخدم في أي منصب سلطة في أمتنا مرة أخرى".  

حتى الآن، هناك أربعة تحقيقات جنائية تلاحق ترامب، أبرزها التحقيق في دوره في الهجوم على الكونغرس في السادس من يناير 2021.

بحسب ما نشر موقع "فوكس" الأميركي في 7 ديسمبر، يركز المدعي العام، ميريك غارلاند، على هجوم 6 يناير على مبنى الكابيتول.

وأعلن في يناير/كانون الثاني 2022، أن أولوية وزارته هي التحقيق في اقتحام الكونغرس، المتهم فيه 830 شخصا.

التحقيق الثاني مع ترامب يدور حول الوثائق السرية التي أخفاها في فيلته في فلوريدا.

وقال مكتب التحقيقات الفيدرالي إنه وجد أكثر من 100 وثيقة سرية، بعضها يحتوي على معلومات حول الأسلحة النووية.

وموجه لترامب فيه تهم: انتهاكات محتملة لقانون التجسس، والتعامل غير السليم مع السجلات الفيدرالية، وعرقلة التحقيق الفيدرالي.

التحقيق الثالث معه يتعلق بمحاولات ترامب تعطيل انتخابات 2020 في ولاية جورجيا وإنشاء قائمة من الأعضاء المزيفين في المجمع الانتخابي لإبلاغ الكونغرس عن طريق الاحتيال أن الأصوات الانتخابية للولاية قد جرى الإدلاء بها لصالح ترامب.

أيضا يخضع ترامب لتحقيق رابع يتعلق بشركاته والاحتيال المالي وتضليل البنوك أو مسؤولي الضرائب بشأن قيمة أصولها.

مستقبل ترامب والبلاد

قد تكون نتائج تحقيق الكونغرس بإحالة ترامب لمحاكمة جنائية، خاتمه لمسيرته السياسية بعدما رشح نفسه مجددا لانتخابات 2024، وذلك حال توجيه وزارة العدل هذه الاتهامات رسميا.

لطالما حاول ترامب تصوير التحقيقات والدعاوى القضائية الجنائية والمدنية الموجهة إليه كجزء من "مطاردة الساحرات" الحزبية، التي يتمثل هدفها النهائي في إحباط عودته إلى السلطة السياسية.

لكن تحقيق الكونغرس الذي انتهى، وتحقيقات وزارة العدل التي لا تزال مستمرة، تشير إلى أنه "ربما يواجه رياحًا سياسية قاسية بشكل متزايد بينما يحاول الاستعداد للمنافسة مجددا على الرئاسة عام 2024. 

يدعم هذا استطلاعات الرأي الأخيرة التي تؤكد أنه لا يزال "غير محبوب" مع قطاعات واسعة من الجمهور الأميركي، وأن دعمه ينخفض ​​حتى بين الناخبين الجمهوريين، بحسب موقع بي بي سي.

 منذ توجيه الاتهامات لترامب، وأنصاره اليمينيون المتطرفون مستمرون في الترويج لنظرية المؤامرة والمظلومية، لذا يتخوف أميركيون من ألا يصمتوا ويثيروا اضطرابات.  

يتزامن هذا مع تقارير لوزارة الأمن الداخلي الأميركية تؤكد أن البلاد على وشك دخول حرب أهلية ثانية بسبب انتشار أنشطة المتطرفين الذي اقتحم فريق منهم الكونغرس.

هذا الخطر ظهر عقب انتخابات الرئاسة التي فاز فيها الرئيس الحالي بايدن على ترامب، وتخوف أميركيون أن تشهد بلادهم حربا أهلية ثانية بعد الأولى الشهيرة التي وقعت نتيجة صراعات بين الولايات (1861-1865).

فمحاكمة من اقتحموا الكونغرس، لم تهدّئ من مخاوف الحرب الأهلية المحتملة لأن أسبابها، وأبرزها "الانقسام السياسي" الحاد، لا تزال كامنة تحت الرماد، بحسب موقع "ناشونال إنترست" 3 ديسمبر 2022.

وزير الأمن الداخلي الأميركي أليخاندرو مايوركاس حذر في 30 نوفمبر/تشرين الثاني 2022 من خطورة الانقسام السياسي في بلاده، وتخوف  أن يؤدي ذلك إلى خروج الأمور عن السيطرة.

تحذيرات الوزير تزامنت مع إصدار وزارته نشرة دورية خاصة بالإرهاب الداخلي، هي السابعة منذ يناير 2021، خلصت إلى أن الولايات المتحدة "تواصل مواجهة بيئة تهديد خطيرة"، وكان آخر تحذير يتعلق بالأمر في 7 يونيو 2022.

وقال في التحذير إن "التوترات السياسية المرتفعة" في البلاد "يمكن أن تسهم" في احتشاد الأفراد لتنفيذ أعمال عنف، بحسب "فوكس نيوز".

وأوضحت وزارة الأمن الداخلي في نشرتها بشأن الإرهاب، أن المعتدين المنفردين والجماعات الصغيرة، "التي تحركها دوافع ذات معتقدات أيديولوجية ومظالم شخصية تواصل كونها خطراً داهماً ومميتاً بالنسبة للوطن".

وكان تحقيق استقصائي نشرته مجلة "نيوزويك" 20 ديسمبر 2021 قد رصد وجود عشرات الملايين من الأميركيين المدججين بالسلاح والذين يؤمنون بأن ترامب كان الفائز في الانتخابات الماضية وأن بايدن "سرقها".

وحذرت من أن هؤلاء يستعدون منذ الآن لانتخابات 2024، وفي حال ترشح ترامب (وهو ما حدث) وخسرها "لن يسمحوا بتكرار ما حدث مرة ثانية"، ما يعني أنه لو استبعد وجرى سجنه سيكونون أكثر شراسة.

وحذر تحقيق المجلة من أن من يقتنون الأسلحة، تنتمي الأغلبية الساحقة منهم إلى البيض المنتمين للمناطق الحضرية في الولايات الجنوبية وينتمون للحزب الجمهوري وهم من أنصار دونالد ترامب.

وهناك مخاوف من مجموعات تضم عسكريين سابقين وعصابات يمينية موالية لفكر ترامب والجمهوريين أبرزها "حماة القسم" المتطرفة المسلحة بشدة، وجماعة "براود بويز Proud Boys".

وهؤلاء أمرهم ترامب "بالاستعداد" أثناء المناظرة التلفزيونية الوحيدة التي جمعته بجو بايدن قبيل الانتخابات الرئاسية عام 2020.

وصدرت أحكام بحق زعماء جماعة "حماة القسم Oath Keepers" اليمينية المتطرفة في أحداث اقتحام الكونغرس بتهم قيادة "مؤامرة مخطط لها من قبل وباستفاضة وباستخدام تشكيلات شبه عسكرية هدفها قلب نظام الحكم في البلاد".

ويري مراقبون أن الحديث عن حرب أهلية ثانية قد لا يعدو أن يكون جدالا وسجالا سياسيا تشهده العلاقة بين الحزبين الجمهوري والديمقراطي.

فيما يرى آخرون أن الأمر له أبعاد أخطر تتعلق بتشكيك ترامب وأنصاره في المؤسسات الأميركية كافة ما يزيد من احتمالات "حرب أهلية" لا مجرد سجال سياسي.

وقد أكد موقع "ناشونال إنترست" 3 ديسمبر 2022 أنه ومن واقع أعمال العنف في أميركا يمكن للمرء أن يجادل بأن الحرب الأهلية الثانية قد بدأت بالفعل.

أوضح في تقرير كتبه الباحث بالدراسات العليا بجامعة هارفارد "نيكو إيماك" أن أعمال العنف هذه التي يرتكبها مسلحون منفردون وجماعات يمينية متطرفة هي جزء من حركة أكبر للإرهاب المحلي ولها مقومات حرب أهلية مكتملة الأركان.

وقال إن الأبحاث التي أجراها أستاذ السياسة في كلية دارتموث الأميركية بنيامين فالنتينو حول كمبوديا وألمانيا النازية ورواندا تظهر أن أقلية صغيرة -جيدة التسليح والتنظيم- يمكن أن تولد قدرا هائلا من إراقة الدماء عند إطلاق العنان لها على ضحايا غير مسلحين وغير منظمين.

كما أن الخبير في السياسة الأميركية جون مولر قدّر أنه خلال الإبادة الجماعية في رواندا كان 2 بالمئة فقط من سكان الهوتو مسؤولين عن الأغلبية العظمى من عمليات القتل.