الفوز إفريقي والخسارة عربية.. معادلة الغرب في التعامل مع إنجازات المغرب

حسن عبود | منذ عام واحد

12

طباعة

مشاركة

بعيدا عن المفاجآت الكثيرة في كأس العالم 2022، دار جدل حاد على وسائل التواصل الاجتماعي بشأن الإنجاز الكبير الذي حققه منتخب المغرب يتعلق بالهوية والانتماء. 

ونجح المغرب في كتابة تاريخ جديد للكرة العربية والإفريقية بعد تأهله لدور نصف النهائي بالمونديال عقب الفوز على البرتغال، بهدف دون رد في 10 ديسمبر/كانون الأول 2022.

وتصدر أسود الأطلس مجموعة قوية ضمت كرواتيا وصيفة بطلة العالم 2018، ثم أطاح بالمنتخب الإسباني بطل العالم 2010 في دور الستة عشر بركلات الترجيح.

وبات المغرب ثالث منتخب من خارج أوروبا وأميركا الجنوبية يتأهل إلى المربع الذهبي في نهائيات كأس العالم بعد الولايات المتحدة عام 1930، وكوريا الجنوبية في 2002.

وصول "أسود الأطلس" إلى نصف نهائي كأس العالم، صاحبه جدل كبير، عده محللون من "بقايا الاستعمار"، يدور حول جعل هذه الانتصارات إنجازا للقارة الإفريقية أم الوطن العربي أم المكون الأمازيغي، فما أصل هذا الانقسام وكيف بدأ وما أسبابه؟

وفق متابعة "الاستقلال"، يمكن القول إن سبب ذلك يعود إلى 3 خلفيات مختلفة ساقها كل طرف على حدة لتثبيت روايته، وهي سياسية ورياضية وثالثة تتعلق بالهوية.

رياضة مسيسة

أثناء النجاح المبهر للمنتخب، شكر لاعب الوسط سفيان بوفال الجمهور، "كل المغاربة في جميع أنحاء العالم، كل الشعوب العربية وكل المسلمين"، قائلا "هذا الفوز لكم".

وبعد انتقادات على منصات وسائل التواصل الاجتماعي، اعتذر اللاعب على إنستغرام عن عدم ذكر دعم القارة الإفريقية للفريق.

وكتب بوفال، تصحيحا منه للوضع: "أنا أيضا أهدي الفوز لكم بالطبع. نحن فخورون بتمثيل جميع أشقائنا في القارة".

لكن مدربه كان أكثر وضوحا ومباشرة، إذ قال وليد الركراكي لموقع "غول Goal" الدولي: "أنا لست هنا لأكون سياسيًا، نريد رفع علم إفريقيا عاليا مثل السنغال وغانا والكاميرون، نحن هنا لتمثيل القارة". 

وبدأت موجة الجدل بالتحديد بعد إطلاق مدرب منتخب المغرب هذا التصريح، والذي تبعته أحاديث أخرى خلال مباريات المونديال ركز فيها على ذكر إفريقيا دون العرب.

وهو ما تفاعل معه ناشطون وجلب معه جدلا كبيرا وصل صداه إلى الأمازيغ الذين دخلوا على خط النقاش ليتعقد الأمر بشكل أكبر.

وقال الركراكي بعد الفوز 1-صفر على البرتغال بطلة أوروبا 2016 في قطر في دور الثمانية "كتبنا التاريخ لإفريقيا".

وأضاف في مقابلة سريعة على جانب الملعب: رغم بعض الإصابات والغيابات، فقد تمسكنا وخلقنا هذه الروح الجماعية من أجل الشعب المغربي وعادت إفريقيا ونجحنا في أن نجتاز التوقعات.

ويبرر الصحفي الرياضي محمد الشيخ لـ "الاستقلال" تصريحات وليد الركراكي، ويقول إنها منطقية من ناحية رياضية بحتة وفعلا تصنيف اتحادات كرة القدم على أساس قاري.

فالمغرب عضو في الاتحاد الإفريقي لكرة القدم "كاف"، وبالتالي فأي إنجاز أو فوز لمنتخب المغرب سيحسب لهذا التكتل، لا الوطن العربي.

والاتحادات القارية المعترف بها وتندرج تحت الاتحاد الدولي لكرة القدم "فيفا"، هي الاتحاد الآسيوي، والاتحاد الإفريقي، والاتحاد الأوروبي، واتحاد أوقيانوسيا، واتحاد أميركا الجنوبية، واتحاد أميركا الشمالية والوسطى والكاريبي.

والكاف، المنظمة المسؤولة عن كرة القدم في إفريقيا، وتأسس عام 1957 بمشاركة 4 دول، مصر، السودان، إثيوبيا، جنوب إفريقيا، قبل أن يضم حاليا في عضويته أكثر من 50 اتحاد كرة قدم بالقارة.

وبين الشيخ أن الاتحاد العربي لكرة القدم وإحصائياته ونسبه غير معترف بها من قبل الفيفا، ولذلك فإن المغرب مَعْنيّ بتسجيل إنجازات منتخبه ورفع تصنيفه من خلال قارة إفريقيا.

وأردف: "كجمهور أو منتخب مغربي يفضلون هذا النسب لسبب رياضي وجغرافي وليس تنصلا من هويتهم العربية".

وبعد تقدم المغرب، قال رئيس الفيفا جياني إنفانتينو: "سعيد للغاية بالمستوى الرائع الذي وصلت إليه كرة القدم الإفريقية في مونديال قطر".

وفي فبراير/شباط 2021، كان قد قال إنفانتينو خلال زيارة عمل بالرباط إنه "لشرف كبير لي أن أكون هنا بالمغرب، إنه بلد مهم على مستوى رياضة كرة القدم، ويمكنه الاضطلاع بدور القاطرة لتطوير اللعبة قاريا".

وأضاف رئيس فيفا أن "هذه الزيارة تشكل مناسبة لمناقشة العديد من المواضيع، ولا سيما مستقبل كرة القدم المغربية والإفريقية".

وعندما هزم المغرب البرتغال، كانت هناك فرحة كبيرة في شوارع المدن المغربية والعربية. وقبل كل شيء، عمت احتفالات مبهجة في مدن إفريقية، من أكرا وأبوجا وأبيدجان إلى لواندا وبين الأفارقة في الشتات.

هوية ثرية

تفاعل كثير من المغاربة الأمازيغ على وسائل التواصل مع هذه القضية رافضين نسب الانتصار إلى العرب، وهو ما أثار جدلا مع مغردين آخرين.

وانتشر مقطع فيديو بشكل كبير لأحد الأمازيغ قال فيه: "شمال إفريقيا أرض الأمازيغ، نحن عجم ولا علاقة بيننا وبين العرب لا تاريخيا ولا ثقافيا ولا بالحضارة".

وعُرّف "الأمازيغ" بأنهم شعوب سكنت المنطقة الممتدة من واحة سيوة غربي مصر شرقا، إلى المحيط الأطلسي غربا، ومن البحر المتوسط شمالا إلى الصحراء الكبرى جنوبا.

ويعد الأمازيغ أنفسهم السكان الأصليين لمنطقة شمال إفريقيا ويرجعون وجودهم فيها إلى آلاف السنين، بينما وصل العرب مع الفتح الإسلامي في القرنين السابع والثامن الميلاديين.

ويقولون إن الأمازيغية، تقاتل اليوم كلغة وكهوية، للبقاء في وجه محاولات طمسها داخل مجال عروبي إسلامي موحد وإن هذا الشعب لم يحصل على حقوق متساوية مع العرب داخل تلك المناطق.

وتشير بعض الإحصاءات إلى أن الأمازيغ يمثلون نحو 40 بالمئة من سكان المغرب، البالغ تعدادهم ما يربو على 34 مليون نسمة، كما أن إحدى اللغات الأمازيغية، "تمازيغت"، معترف بها الآن كلغة رسمية إلى جانب العربية.

وفي الصورة التالية، يمكن ملاحظة حارس مرمى المغرب الاحتياطي منير محمدي بعلم أمازيغي حول خصره أثناء احتفال المنتخب بفوزه على إسبانيا في 6 ديسمبر 2022.

كما أن بعض أشهر لاعبي أسود الأطلس رغم أنهم ولدوا خارج المغرب، لديهم جذور أمازيغية. ومن بينهم حكيم زياش وسليم أملاح وسفيان أمرابط.

وربما تفسر الجغرافيا والمسافة بين دول شمال إفريقيا العربية، وباقي دول المنطقة بعض الخلاف، كما تلعب التحيزات دورها.

لكن من الناحية الثقافية، يختلف كثير من المغاربة مع الرأي الأمازيغي المتعصب، ويرون أنفسهم عربا أكثر من كونهم أفارقة كونهم يتحدثون العربية.

والمغرب عضو أيضا في جامعة الدول العربية ويعلق أهمية سياسية ودينية على الهوية والثقافة العربية. ولقي المنتخب دعما كبيرا وغير مسبوق من الشعوب العربية داخل الملاعب وخارجها.

كما أن الملك محمد السادس يسمي نفسه "أمير المؤمنين" ويرجع نسبه وكثير من شرعيته إلى النبي محمد صلى الله عليه وسلم، أشهر عربي في التاريخ.

وتقول صحيفة "ذي إيكونوميست" البريطانية: "معظم لاعبي المنتخب المغربي البالغ عددهم 26 ولدوا في الخارج: مرات عديدة خلال هذه البطولة، واجهوا بلدهم الأصلي".

وأردفت: نشأ الظهير أشرف حكيمي في مدريد مع أبوين مغربيين فقراء. اختار اللعب للمغرب، قائلاً إنه يشعر بمزيد من التقارب مع فريق تراثه. وبينت أن المغرب أنشأ فريقه الخاص من اللاعبين بهويات معقدة.

وتابعت: "إنه نقاش غريب. لو كانت مصر وهي دولة أخرى في شمال إفريقيا، هي التي دفعت (النجم البرتغالي كريستيانو) رونالدو إلى البكاء، لما تردد أحد في الحديث عن انتصار عربي".

وغالبا ما يبدو الحديث عن القومية العربية قديما، لأنه يعود إلى خمسينيات القرن العشرين. ومع ذلك، فإن الحماس الكبير لنجاح المغرب غير المتوقع أثناء المنافسات يظهر أن التقارب الثقافي لا يزال يوحد شعوب المنطقة.

بقايا استعمارية

يعزو كثيرون ما يجرى من خلاف اليوم إلى حقب الاستعمار الأوروبي الذي عمل على تقسيم الشعوب والدول العربية والإفريقية وأنتج أقليات وعمق الاضطهاد.

وفي تعليقه على ما جرى من جدال حول هوية المغرب، يقول موقع "vanguardngr" النيجيري: "إذا اتفقنا جميعًا على وجود شرق أوسط، ألا ينبغي أن يكون هذا مؤشرًا على وجود أشكال أخرى من الشرق؟".

وأردف: "كان من الملائم للبريطانيين في تفريغ الشرق، أن يلجؤوا إلى إطارات مثل الشرق الأدنى والشرق الأوسط والشرق الأقصى".

النقطة المهمة هنا هي أن مفهوم "الشرق الأوسط" حيث تقع قطر التي استضافت كأس العالم لكرة القدم، هو ابتكار بريطاني، وينبغي النظر إليه على أنه أحد الموروثات العديدة للقهر الاستعماري لمنطقة واسعة، وفق قوله. 

لكن العديد من الخبراء والساسة الأوروبيين يفضلون رؤية الشرق الأوسط على أنه يشكل جزءا كبيرا من شمال إفريقيا أو القارة عموما، التي يعدونها باحتهم الخلفية ومستعمراتهم القديمة مع وجودهم عسكريا في بعض تلك البلدان حتى اليوم.

وجاء مفهوم منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا كبنية سياسية ضرورية في التعبير عن التاريخ والثقافة المشتركة لشعوب مقسمة على أساس "إبداعات" إقليمية استعمارية، ومع ذلك تشترك في إحساس كبير بالقومية العربية.

ورأى البعض أن الاستعمار الأوروبي يفضل إطلاق لقب "إفريقي" على المنتخبات من خلفية السياسة والنفوذ القائم على أراضي شعوب يدعي مساهمته بازدهارها.

وغرد الصحفي السوري قتيبة ياسين عن هذا الأمر بالقول: "عندما يرتكب بعض المغاربة مشكلة في أوروبا أو تركيا يصفونهم بالعرب، وعندما يفوزون يصفونهم بالأفارقة أو الأمازيغ".

وحضر الحديث عن ذلك بالفعل خلال المباريات وأصبح الموضوع أكثر دراماتيكية بعد أن تمكن أسود الأطلس من هزيمة ثلاثة من القوى الاستعمارية التقليدية في أوروبا - بلجيكا وإسبانيا والبرتغال - في رحلتهم المذهلة إلى الدور ربع النهائي.

وعبر مشجعو كرة القدم العرب والأفارقة عن فرحتهم "لأن المغرب قضى على المستعمرين". وتمنوا وقتها إكمال المهمة بهزيمة المستعمر الفرنسي كرويا، وهو ما لم يحدث.

وانتقدت الكاتبة المغربية عائشة البصري ما جرى من جدال واتهمت الغرب بالوقوف وراء هذه الموجة عبر محاولة التفرقة بين العرب والأفارقة والأمازيغ.

وقالت البصري في مقال في 22 ديسمبر: "الناشطون الأمازيغيون مازالوا يردّدون ما أنتجته الدراسات الكولونيالية الفرنسية وسياسة فرّق تسد التي انتهجتها فرنسا لضرب الإسلام"، وفق ما نشر موقع "العربي الجديد".

وأردفت: "هؤلاء مازالوا حبيسي التقسيم الاستعماري للمغرب إلى شعبين منفصلين جغرافيا ومُتناحرين عرقيا وسياسيا وثقافيا: العربي/ المسلم/ الغازي/ المستبد، وساكن السّهول من جهة، والبربري/ الأصلي/ المُضطهد في الجبال من جهة أخرى".

وأكدت أن الاستعمار فرّق بين البربر والعرب، وعمل أيضا على التقريب بين الأمازيغ والأوروبيين، ونفي وجود أي تأثير للموروث الإسلامي والعربي على البربر الذين تصدّروا الدفاع عن الإسلام ولغة القرآن 12 قرنا من عمر بلاد المغرب وإمبراطورياتها.

ويظهر الجدل حول مكانة المغرب في المنطقة كيف أن الهوية لا تزال تستخدم في كثير من الأحيان للتقسيم بدلا من الوحدة، وهو أمر أسهم الغرب الاستعماري في تأجيجه على مدار عقود.