نزاعات مناطق الاختصاص البحري.. هل تعرقل تطبيع تركيا والنظام المصري؟

قسم الترجمة | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

حظيت مصافحة الرئيس التركي رجب طيب أردوغان لرئيس النظام المصري عبدالفتاح السيسي في العاصمة القطرية الدوحة، باهتمام وثيق حول العالم. 

وبحضور أمير قطر تميم بن حمد آل ثاني، صافح أردوغان السيسي للمرة الأولى (منذ وصوله للسلطة في مصر عام 2013) على هامش افتتاح كأس العالم لكرة القدم في قطر، في 20 نوفمبر/تشرين الثاني 2022.

وبحسب وكالة الأناضول التركية، تبين لاحقا أن الحوار بين أنقرة والقاهرة، الذي جرى نتيجة وساطة أمير قطر لم يقتصر على المصافحة، وأن أردوغان والسيسي اجتمعا لمدة 45 دقيقة.

وقالت الوكالة الرسمية في مقال للكاتب التركي عرفان كايا أولغار: "جاء هذا رغم من أن العلاقات بين البلدين كانت متوترة عام 2013 بسبب رد فعل تركيا القاسي على عزل الرئيس المصري محمد مرسي من منصبه في انقلاب عسكري".

وبطريقة ما، "من الممكن تقييم معارضة تركيا للانقلاب في مصر كتوقع للتحول الديمقراطي في العالم الإسلامي"، وفق الكاتب. 

ولفت النظر إلى أن "حقيقة أن تركيا ومصر قد بدأتا حوارا على أعلى مستوى في الدوحة بعد انقطاع طويل يعني بلا شك بداية جديدة في العلاقات بين البلدين".

انعكاس الحوار

وقال أولغار: وقعت تركيا اتفاقية ترسيم حدود مناطق الولاية البحرية في شرق البحر الأبيض المتوسط مع حكومة الوحدة الوطنية في ليبيا في 27 نوفمبر 2019. 

ونص الاتفاق، الذي سجلته الأمم المتحدة، على أن الجرف القاري بين تركيا وليبيا سيجرى تحديده على أساس تساوي المسافة.

تستند اتفاقية ترسيم مناطق الولاية البحرية التي وقعتها تركيا مع ليبيا إلى اتفاقية الأمم المتحدة لقانون البحار.

ويمنح هذا المفهوم الدولة الساحلية السيادة على كل من قاع البحر والماء. ولا يجوز أن يتجاوز الحد الأقصى لطول المنطقة الاقتصادية الخالصة 200 ميل بحري. 

واستدرك: لم تكتمل الجهود المبذولة لإبرام اتفاق ذي طابع مماثل بين تركيا ومصر لوضع اللمسات الأخيرة على مناطق الولاية البحرية في شرق البحر الأبيض المتوسط بسبب تمزق العلاقات السياسية.

 خلال هذه الفترة، جرى توقيع اتفاقية بشأن ترسيم مناطق الولاية البحرية بين مصر واليونان في 6 أغسطس/آب 2020. 

في الاتفاقية المذكورة، بينما بدأ الجرف القاري من الخطوط الرئيسة لمصر، جرى رسم خط مستقيم بين جزيرة كريت ورودس لليونان وقبول هذا الخط كبداية للخط الرئيس. وشكلت قرارات محكمة العدل الدولية، التي سجلت هذه المسألة، سوابق قضائية. 

وأردف الكاتب: بما أن الاتفاقية الموقعة بين مصر واليونان بدأت على أساس الخط المرسوم بين جزيرة كريت ورودس لليونان، فإن خسارة القاهرة للولاية البحرية في التقاسم تبلغ حوالي 21 ألف كيلو متر مربع.

وأضاف أن صلاحية اتفاقية الولاية البحرية اليونانية المصرية، والتي عفا عليها الزمن قانونيا لأنها تستند إلى الخط المرسوم بين كريت ورودس، هي أيضا مثيرة للجدل. 

وأشار الكاتب إلى أنه "أبلغت تركيا مصر بالخسائر التي تكبدتها الاتفاقية وأنها كانت إشكالية من حيث القانون البحري".

وبين أن أنقرة أبلغت بأنه "من مصلحة القاهرة أن تنهي مصر الاتفاقية المذكورة مع إبرام اتفاقية ترسيم الحدود البحرية مع تركيا بدلا من ذلك". 

وترى تركيا أنه يمكن لمصر أن تتخذ خطوات في هذا الصدد في السنوات المقبلة، بحسب الكاتب التركي.

تعزيز الصداقات

واستدرك: كانت مصر من الدول التي انتقدت العملية الجوية التركية لتحييد العناصر الإرهابية في العراق وسوريا في 19 نوفمبر 2022. 

أظهر انتقاد القاهرة لعملية تركيا في إطار حق الدفاع الشرعي المنصوص عليه في المادة 51 من ميثاق الأمم المتحدة أنه لن يكون من السهل على البلدين التوصل إلى توافق في مختلف المجالات بعد قطيعة طويلة. 

من ناحية أخرى، يرتبط هذا البيان ارتباطا وثيقا بموقف مصر داخل منظمة جامعة الدول العربية.

وأشار الكاتب إلى أنه "يمكن النظر إلى مبادرة تركيا لإقامة حوار وتعزيز العلاقات الثنائية مع مصر على أنها نتيجة لمنظور "الحد من النزاعات وتعزيز الصداقات" الذي جرى تبنيه منذ بعض الوقت". 

وأضاف: في الواقع، عملت تركيا على حل نزاعاتها مع الإمارات العربية المتحدة، التي كانت في السابق في حالة خلاف معها، وأقامت تعاونا وثيقا.

وبالمثل، أسفرت المفاوضات بشأن النزاع مع المملكة العربية السعودية حول مقتل الصحفي جمال خاشقجي عن نتائج وعادت العلاقات الثنائية إلى مستواها السابق. 

وأكمل: بدأت النزاعات مع إسرائيل في أعقاب حادثة مافي مرمرة، وهو اسم سفينة التضامن التركية، التي شن سلاح البحرية الإسرائيلي هجوما عليها في 31 مايو/أيار 2010، في المياه الدولية قرب شواطئ قطاع غزة، مما أسفر الهجوم عن مقتل 10 أتراك.

لكن التطبيع بدأ بالفعل مع زيارة الرئيس الإسرائيلي إسحاق هرتسوغ إلى أنقرة في 9 مارس/آذار 2022 وتعيين الطرفين سفراء بشكل متبادل.

لذلك، ينبغي اعتبار الحوار القائم بين تركيا ومصر في الدوحة، انعكاسا لهذا الاتجاه الرئيس. ويرجح أنه في المستقبل القريب، سيدرج تعاون وتقارب مماثلان على جدول الأعمال مع البلدان الأخرى التي تعاني من صراعات. 

وأشار الكاتب إلى أن "التطبيع مع مصر سينعش العلاقات التجارية والسياسية ويعكس هذا التقارب على الصراع العربي الإسرائيلي والمناطق الجغرافية المتصارعة مثل اليمن وسوريا وليبيا". 

في السنوات المقبلة، قد يكون للتقارب بين تركيا ومصر تداعيات في المنظمات الدولية مثل منظمة المؤتمر الإسلامي والاتحاد الإفريقي من جهة، وفي المجالات الاقتصادية مثل استخراج احتياطيات الغاز الطبيعي لشرق المتوسط وإيصالها إلى الأسواق الدولية من جهة أخرى. 

في الفترة الجديدة، بعد تأجيل مشروع خط أنابيب الشرق الأوسط، قد تكون مشاركة مصر في الاتفاق الذي يمكن التوصل إليه مع إسرائيل في مجال الطاقة على جدول الأعمال، بحسب الكاتب التركي.

مخاوف اليونان

واستدرك أولغار: من المتوقع أن يكون للحوار والتطبيع مع الحكومة المصرية تأثير على ليبيا.

وبصرف النظر عن الاتفاق على ترسيم حدود مناطق الولاية البحرية، وقعت تركيا اتفاقية تدريب عسكري مع حكومة الوفاق الوطني المعترف بها من قبل الأمم المتحدة. 

في 3 أكتوبر/تشرين الأول 2022، جرى توقيع اتفاقية جديدة بين تركيا وليبيا واتفق الطرفان على أن تنفذ تركيا أنشطة البحث والحفر الزلزالي في الطرود داخل مناطق الولاية البحرية الليبية. 

ومن المعروف أن الإدارة المصرية تعارض الاتفاقيات الموقعة بين ليبيا وتركيا، بحسب الكاتب. 

وأضاف: يختلف الفاعلون السياسيون المدعومون من مصر وتركيا في الصراع السياسي داخل ليبيا. ومن المتوقع أن يفتح الحوار والتعاون بين البلدين في الفترة المقبلة باب التقارب بشأن طرابلس.

ولفت الكاتب النظر إلى أن "اليونان هي الدولة الأكثر قلقا بشأن التقارب بين تركيا ومصر".

إذ تدرك إدارة أثينا أن مصر تكبدت خسارة كبيرة في اتفاقية مناطق الولاية البحرية التي وقعها الطرفان.

ولهذا السبب، تخشى أن تطالب القاهرة في الظرف الجديد بإنهاء الاتفاقية أو مراجعتها، يقول الكاتب. 

كما أن اليونان غير مرتاحة لاتفاقية 3 أكتوبر 2022 بين تركيا وليبيا، والتي تمنح أنقرة الحق في إجراء البحوث الزلزالية والحفر في الولايات البحرية الليبية. 

وأضاف: اشتكت اليونان إلى الأمم المتحدة من تدخل تركيا المزعوم في حقوقها السيادية.  

نظرا لتطبيع العلاقات التركية المصرية، فإن الخسارة التي ستعيشها اليونان لن تقتصر على مناطق الولاية البحرية، بل ستنعكس على مناطق أخرى أيضا. 

في ظل الظروف الجديدة، لن يكون من السهل على إدارة أثينا توجيه التجمعات السياسية والعسكرية والاقتصادية المناهضة لتركيا في شرق البحر الأبيض المتوسط، بحسب تقييم الكاتب التركي.