"الشلل يتفشى".. كورونا يرفع حرارة الشارع الصيني ويدفع الشباب للتظاهر

قسم الترجمة | منذ عام واحد

12

طباعة

مشاركة

لقي عشرة أشخاص مصرعهم وأصيب تسعة آخرون في حريق سكني اندلع في 24 نوفمبر/ تشرين الثاني 2022، في مدينة أورومتشي شمال غربي الصين، وعجزت سيارات الإطفاء عن الوصول لموقعه بسبب قيود فيروس كورونا، ما أثار موجة احتجاجات غير مسبوقة لكثير من الصينيين في ربوع البلاد.

وسردت صحيفة لوموند الفرنسية قصة هذه الاحتجاجات ودوافعها، مؤكدة أنها كانت بالنسبة لمئات الشباب الصينيين أول مظاهرة سياسية يشاركون فيها طوال حياتهم، وسط مخاوف من رد قاس من السلطات.

سياسة تقييدية

وذكرت الصحيفة الفرنسية أنه كان يمكن تفادي هذه المأساة، كما أكدت مواقع التواصل الاجتماعي في الصين، لو لم تحل عمليات الإغلاق المفروضة لمكافحة جائحة كوفيد دون وصول عناصر الإطفاء.

ومنذ 25 نوفمبر، نُظّمت احتجاجات واسعة النطاق ووقفات احتجاجية على ضوء الشموع في أورومتشي والعديد من المدن الكبرى الأخرى بالبلاد.

وقالت لوموند إن القصة بدأت مع تحول مسيرة إحياء ذكرى ضحايا حريق أورومتشي، إلى احتجاج ضد سياسة صفر كوفيد والدكتاتورية الصينية.

وبدأت المسيرة المتضامنة مع ضحايا الحريق، بإشعال الشموع ورمي أزهار الأقحوان وتقديم رسائل دعم للضحايا.

وجذبت تلك الرموز التضامنية التي جرت مشاركتها على مواقع التواصل الاجتماعي، مؤيدين آخرين، الذين جاؤوا، أيضا، من أجل التعزية في ضحايا الحريق.

وتفشت هذه الحرائق المنزلية بسبب سياسة صفر كوفيد: حيث تأخرت فرق الإغاثة في القدوم إلى مكان الحريق، بسبب القيود المفروضة على أورومتشي، منذ أكثر من مائة يوم.

وفي شنغهاي سرعان ما ردد مئات الشباب شعارات تنتقد سياسة الصين وتعاملها الصارم فيما يتعلق بمكافحة الوباء.  

وسرعان ما انتشرت تلك الحركة الاحتجاجية إلى عشرات الجامعات والمدن الصينية، ما يدل على الغضب المتزايد لجزء من السكان من سياسة تقييدية أكثر من أي وقت مضى، بينما يزداد عدد الحالات المصابة بكوفيد في الصين.

وبالنسبة للكثيرين، بدأت تلك الاحتجاجات خلال الأمسية بمشروب في متناول اليد في حانة في وسط شنغهاي، لمشاهدة مباريات كأس العالم لكرة القدم.  

ولكن بعد ساعات قليلة، شارك مئات الشباب الصينيين في أول مظاهرة سياسية في حياتهم.   

ومع منتصف الليل، أصبح ذلك الحشد محاصرا بالفعل، حيث طوق مئات من رجال الشرطة الشوارع المحيطة بالمكان في شنغهاي.

وتقول لوموند إنه بالإضافة إلى القرابين القليلة الموضوعة على الأرض، يحمل المتظاهرون أوراقا بيضاء.  

وتشرح شابة صينية بالكاد تبلغ من العمر 30 عاما، بحسب الصحيفة السبب وراء رفع تلك الأوراق وتقول إن "هذه الصفحات الفارغة، لم يتم كتابة أي شيء عليها، لكنها ضمنا منطقية جدا، بلدنا لن يسمح لنا بكتابة أي شيء".

وتضيف: "لكن حتى لو لم نكتب أي شيء، فإن الناس يعرفون ما نود أن نقوله".

وتشهد، مطمئنة بقوة المجموعة التي تقف معها في خضم الاحتجاجات أن "ما أشعر به هو أنني حرة لبضع ساعات: حتى لو لبرهة قصيرة من الزمن، لمرة واحدة، يمكنني أن أقول ما أريد أن أقوله ".  

وختمت هذه الشابة الصينية حديثها وهي ترى رفقة صديقتها بكاء الحضور، وتقول وهي تكتم دموعها: "إنها المرة الأولى التي أرى فيها هذا في الصين".

حالة طوارئ

ومن بين الرسائل الموجودة على الأرض، يمكن للمرء أن يقرأ: "لا ننسى: قوييانغ، وأورومتشي، وخنان، وشيان"، مثل العديد من المدن التي مات فيها الناس أثناء الحبس.

أو بسبب عدم توفر الرعاية الصحية اللازمة أو الذين ماتوا في حادث حافلة عندما كانوا متوجهين إلى أحد مراكز الحجر الصحي في مدينة قوييانغ.

وتقول الصحيفة إن هذه الحوادث المأسوية المتكررة، هي التي جعلت الشعب الصيني في حالة من الصدمة.

ويبدو أن مأساة أورومتشي متكررة جدا، وهي صدى لكثير من الحوادث المشابهة، لأن ملايين الصينيين رأوا مساكنهم مغلقة بالسلاسل أثناء الحجر الصحي، وهو ما يزرع حالة من الخوف من المآسي في حالة الطوارئ.

ولكن قبل كل شيء، لأن تلك المآسي، تأتي في وقت عندما أصبحت سياسة صفر كوفيد أقل تسامحا في الصين.  وهو ما يتضح خاصة من حجم التعبئة في الأيام الأخيرة.  

وبعد الحريق الأخير، تحدى الآلاف من سكان أورومتشي سياسة الحجر الصحي التي دامت إلى الآن لأكثر من ثلاثة أشهر، وتجمعوا في الشوارع للاحتجاج.  

ونجحوا بالفعل في رفع الحجر الصحي المفروض، على عدد من الأحياء الأقل تضررا في المدينة. 

ومنذ ذلك الحين، اندلعت الاحتجاجات في جامعات نانجينغ وبكين وشانغهاي وفي مناطق ووهان وتشونغتشينغ وتشنغدو ولانتشو حيث إن الحشود المتظاهرة دمرت أكشاك اختبار كوفيد.

حرية مسلوبة

وفي شنغهاي، تتراوح أعمار المتجمعين في الغالب بين 20 و40 عاما، وهو الجيل المحتاج إلى السفر والحرية، المرتبط ببقية العالم، الذي يعاني أكثر من غيره من القيود المفروضة على تحركاته التي تفرضها إستراتيجية صفر كوفيد.  

والشعارات الأكثر جرأة التي رُددت عبر البعض، ضمن تلك الحشود، سُمعت فقط في خضم الصوت الجماعي لكل الحضور. 

وأراد بعض الحضور أن يكون لهم صدى عالمي ورددوا النشيد الوطني الصيني، والذي يتضمن ترنيمة ثورية تبدأ بـ "قف!... لا يريد الناس  أن يكونوا عبيدا بعد الآن! ". 

وفي أبريل/ نيسان 2022، أثناء الحجر الصحي في شنغهاي، تم حظر هذه الكلمات على تطبيق "وايبو" وهو موقع التواصل الاجتماعي الصيني الشبيه إلى حد ما بتويتر.

وشيئا فشيئا، يتجرأ البعض على المزيد من المواضيع السياسية: يطالب البعض بحرية التعبير وحرية الصحافة.

فيما رفع آخرون شعارات تقول " نحن لا ننسى 6-4"، في إشارة إلى مذبحة تيانانمن في 4 يونيو/ حزيران 1989.

وفي أبريل 1989 تجمع أكثر من 100 ألف شخص من قطاعات مختلفة من المجتمع في ميدان تيانانمين في بكين سعيا للإصلاحات الاقتصادية والديمقراطية في الصين، ودامت الاحتجاجات أياما طويلة حاول الجيش قمعها بالدبابات 

عندما صرخ أحدهم "شي جين بينغ… استقل"، بدا الحشد متحمسا: الشعار يتكرر بحماس، كما لو أن متظاهرا مجهولا كسر المحرمات.   

ومن جديد تساقطت محرمات أخرى عندما أطلق شعار آخر "يسقط الحزب الشيوعي". 

في أورومتشي، لوح السكان بأعلام صينية كبيرة، حمراء مع نجوم صفراء، غالبا ما يستخدمها المتظاهرون للإشارة إلى أن غضبهم لا يسلب شيئا من وطنيتهم.