صفر من ألف.. لماذا ابتعدت جامعات المغرب عن قوائم التصنيف العالمي؟

سلمان الراشدي | منذ عامين

12

طباعة

مشاركة

مع كل تصنيف عالمي جديد، تتلقى الجامعات في المغرب ضربات تكشف ضعف مستوى التعليم الأكاديمي في المملكة على مدى عقود من الزمن، وفشل جميع البرامج الحكومية السابقة.

وتواصل الجامعات المغربية احتلال مراتب متدنية في تصنيفات الأفضل في العالم، ولم تستطع أي جامعة حجز مكان لها ضمن الألف الأولى، ما أثار استنكارا أكاديميا وشعبيا جراء عدم الاهتمام الرسمي بالرفع من جودة التعليم.

مستوى متدن

وفي 12 أكتوبر/تشرين الأول 2022، أظهرت نتائج التصنيف العالمي للجامعات الصادرة عن مؤسسة "تايمز" (Times Higher Education) لسنة 2023، عن حصول الجامعات المغربية على تصنيفات بعد الألف عالميا.

وأدرجت سبع جامعات مغربية ضمن أحسن 1500 تنتمي إلى 104 دول، وذلك من أصل 25 ألف جامعة عبر العالم.

ويرتكز تقييم أداء الجامعات على 13 مؤشرا موزعة على خمس فئات مختلفة من المعايير، وهي التعليم العالي والبحث العلمي والاستشهادات (تأثير البحث) والدعم المتأتي من القطاع الصناعي والانفتاح الدولي.

وفي تعليقه على ذلك، قال الباحث في سلك الدكتوراه، أمين الإدريسي، إن هذه التصنيفات المتدنية "نتاج لوضعية التدهور العام الذي يعرفه التعليم بالبلاد منذ عقود في مختلف مستوياته".

وقال الإدريسي لـ"الاستقلال"، "نطلب من الجامعات أن تخرج باحثين وخبراء على مستوى عال جدا".

وشدد على أن "الجامعات المغربية وتخلفها هو نتاج سياسات عمومية في التعليم، وتخبط في مسار ما يسمى، ودرج في المغرب على تسميته، بإصلاح التعليم، إذ عرف المغرب إصلاحات متتالية ومتقاربة عبر برامج ومشاريع كلها كانت فاشلة".

ولفت إلى أن ذلك "يعكس مستوى الحريات الأكاديمية. ولا يمكن أن تطلب من الجامعات أن تتبوأ مراتب متقدمة عالميا وحتى إقليميا، وهي لا تتوفر على الحرية الأكاديمية بالمعايير الدولية، فالجامعات عندنا بعيدة عن الاستقلالية (السياسية) مع الحكومة أو مع مراكز نفوذ كبرى".

غرفة الإنعاش

مسألة أخرى، توقف عندها الباحث الإدريسي، وهي حالة التبعية للخارج، لا سيما في التخصصات التقنية والعلمية وتحديدا للنموذج الفرنسي، واعتماد اللغة الفرنسية في التدريس بجميع التخصصات، وهذا يحرم المغاربة من التعامل المباشر مع لغة يتداول بها العلم على نطاق واسع وهي الإنجليزية".

وتابع أن "تدني الجامعة هو في أحد أوجهه تجل من تجليات الوضع العام للدولة والمجتمع في علاقتهم بالعلم والمعرفة والاهتمام الذي ستوليه الدولة لقطاع الجامعة ويمكن الإشارة إلى الميزانية المرصودة للبحث العلمي، حتى نرى موقع وأهمية هذا المعطى في العقل السياسي للدولة".

من جانبه، قال رئيس الجمعية المغربية لتحسين جودة التعليم، عبد الناصر ناجي: "يظل أداء جامعاتنا ضعيفا في معيارين أساسيين هما: التدريس والبحث العلمي، فلم يتجاوز عند جامعة سيدي محمد بنعبد الله، بوصفها الأفضل في تصنيف هذه السنة، 23.9 نقطة بالنسبة للمعيار الأول".

وتابع: "10.4 نقاط بالنسبة إلى المعيار الثاني، أي البحث العلمي، الذي يعد نقطة الضعف الأساس بالنسبة إلى الجامعات المغربية، فلم يتجاوز أداؤها في جميع مشاركاتها السابقة في التصنيف العالمي للجامعات 11.6 نقطة".

وشدد ناجي، لموقع "هسبريس" المحلي في 17 أكتوبر على أن "التألق المغربي في التصنيفات الدولية مرهون بزيادة الإنتاج العلمي بواسطة النشر في المجلات العلمية المفهرسة، وتخصيص المزيد من الاعتمادات المالية لمجال البحث العلمي، خاصة من خلال إشراك المقاولات في تمويله".

من جهته، أكد الأستاذ الجامعي، عبد السلام فزازي، أن "الجامعة المغربية أصبحت تعيش، وبصراحة لا تقبل النقاش، في غرفة الإنعاش، ما دامت مع الأسف الشديد مقصديتها تتلخص في الحلول الترقيعية".

ورأى أن هذه الحلول "لم تعد تنطلي نتائجها على الباحثين المغاربة الذين غلبوا على أمرهم ما دام فاقد الشيء لا يعطيه، وما دامت الأمور قد أسندت في هذا المجال الحيوي بالذات لغير أهلها".

وأضاف في مقال نشره عبر موقع "مدار 21" المحلي، أن "جامعاتنا التي شاخت قبل الأوان تعيش بلا شك هي الأخرى في خضم بيئة دولية معاصرة تشهد نهضة غير مسبوقة في سبيل تنامي دور العلم والمعرفة كونهما معطيان تستمد منهما العولمة وجودها الحقيقي".

وتابع: "في وقت لا يمكن لكائن من كان أن يصدق النكوص (الضعف) الذي تعيشه جامعاتنا، وكأنها في معزل عن نفس العولمة التي أصبحت تأتي على الأخضر واليابس.. وبالتالي أصبح بحثنا العلمي يعيش الغرغرة في وقت، ويا لها من مفارقة، تبكيه البواكي".

ويتجه قطاع التعليم العالي بالمغرب إلى مزيد من الاحتقان على خلفية الارتفاع الكبير في طلبات الاستقالة والرغبة في الاستفادة من التقاعد النسبي بالنسبة للأساتذة.

وزارة التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار، أقرت في مذكرة رسمية نشرتها في 6 أكتوبر 2022، أنها توصلت خلال  الآونة الأخيرة بالعديد من طلبات الاستفادة من التقاعد النسبي والاستقالة، يتقدم بها الأساتذة الباحثون والموظفون الإداريون والتقنيون العاملون بمختلف المصالح والمؤسسات الجامعية.

عضو فريق التقدم والاشتراكية بمجلس النواب نادية تهامي، وجهت سؤالا كتابيا في 14 أكتوبر 2022، إلى وزير التعليم العالي والبحث العلمي والابتكار، عبد اللطيف ميراوي، بشأن سبل مواجهة هجرة أساتذة التعليم العالي من الجامعات المغربية.

وبينت تهامي أن "الأمر يتعلق بإقرار رسمي بفداحة الظاهرة، في الوقت الذي تسعى فيه بلادنا نحو استعادة كفاءاتها من الخارج لكي تساهم في تنمية وطنها".

وأشارت إلى أن "ذلك يؤكد أن استنزافا واضحا تتعرض له مؤسسات التعليم العالي، من خلال الهجرة، أو الرغبة في هجرة عدد كبير من الأساتذة الباحثين وغيرهم من الكوادر، إلى خارج جامعاتهم، أو إلى خارج أرض الوطن، بحثا عن آفاق علمية ومهنية وحياتية أفضل وأرحب".

وتساءلت البرلمانية عن "الشروط التي يشتغل فيها الأستاذ والباحث الجامعي، ومدى جاذبية الظروف المعنوية والعلمية والمادية التي تتيحها الجامعة المغربية، والإمكانيات المرصودة للتعليم العالي والبحث العلمي من أجل تشجيع الباحثين".

ضياع البوصلة

تصنيف "تايمز" لم يكن الوحيد خلال هذه السنة، بل سبقه بأشهر تصنيف وهو الصادر عن "شنغهاي" في 15 أغسطس/آب 2022، وأيضا لم تستطع أي جامعة مغربية حجز مكان لها ضمن الألف جامعة الأفضل عبر العالم، وهو الأمر الذي تكرر لسنوات.

الأكاديمي المغربي المقيم في واشنطن، محمد الشرقاوي قال إن: "ازدياد الانحدار في المستوى الأكاديمي والفكري في المغرب، مؤشر على ضياع البوصلة وتجويف البحث العلمي من مقومات الاستقلال ورصانة الاجتهاد".

وأضاف الشرقاوي في تدوينة على فيسبوك نشرها في 16 أغسطس، أنه "لا يشاكس أي عاقل مع حقيقة أن ضعف الجامعة مؤشر ضمني على تراجع شامل في بقية المجالات الحيوية، فإن وهنت الجامعة، تكون البلاد في مرحلة احتضار معرفي وإستراتيجي".

وشدد على أنه "كلما صدرت هذه التقارير السنوية، تصيبني مشاعر الغبن والانكماش المعنوي، وأنا أتأمل حال الجامعات المغربية وخط انحدارها في العقود الثلاثة الماضية".

ولفت إلى أنه "لا جامعة مغربية تأتي في المراتب المئة الأولى، ولا الخمسمئة، ولا الألف، بل رمتها المعضلات المنهجية والإدارية والبنيوية وتآكل أخلاقيات البحث الأكاديمي من قبل بعض سماسرة المعرفة إلى مراتب وراء الشمس".

وعد الشرقاوي أن "الجامعة المغربية تعاني حيرة بيداغوجية (تربوية تعليمية) ومتاهة إدارية وانكماشا فكريا، ضمن دائرة المتاهة الكبرى العالقة بفعل ضبابية الصورة لدى الرباط بشأن أحقية البحث العلمي وأهميته في تحديد السياسات العامة وبلورة التنمية والإستراتيجية الوطنية والتطور الشامل".

وأردف: "أعود إلى تحديات الجامعة والبحث العلمي في المغرب، فيصيبني الذهول من هول المفارقات المتعددة، وتكشف إحداها الفرق بين ميزانية هزيلة تخصصها حكومات الرباط للبحث العلمي كانت بقيمة مليار و484 مليون درهم عام 2020 (الدولار = 11 درهم مغربي)".

واستطرد الشرقاوي: "في المقابل، (رئيس اتحاد كرة القدم) فوزي لقجع ينفق أكثر من 82 مليار سنتيم (درهم مغربي)، فمن يأخذني على قدر عقلي عندما أسأل: كيف تحظى كرة القدم في المغرب وحدها، دون بقية الرياضات، بما هو 54 ضعفا من ميزانية البحث العلمي؟!".